نبضة الصحافة والثورة ..وكل ثورة مع كتاب "الصحافة والثورة"للكاتب الصحفى رشاد كامل قضيت يوم 23يوليو الكتاب الذى صدرعن الهيئة العامة للكتاب ضمن مشروع القراءة للجميع، يقدم صورة نابضة بالحياة لوضع الصحافة والصحفيين قبل ثورة يوليو وبعدها ، وعلاقة الثورة بالصحافة ، ورؤية "الضباط الأحرار" للصحافة ودورها ، وموقف عبد الناصر من الصحافة ،ومراكز القوى فى هذه الفترة، والصراعات بين كبار الصحفيين ، ويلفت نظرك المرونة وسهولة الإنتقال بين المؤسسات الصحفية وكثرة النجوم ودور الصحافة فى صناعة الأحداث وليس مجرد نقلها.. رغم إختلاف البيئة الصحفية والمناخ السياسى بين الفترة التاريخية التى يتناولها الكتاب ماقبل 1952 ومابعدها ،وبين البيئة الصحفية والظرف السياسى الذى تعيشه مصر الآن إلا إنه يوجد تشابه فى الطريقة التى تتعامل بها السلطة مع الصحافة . لعبت الصحافة دورا هاما ومهدت المجتمع لثورة يوليو 1952 حيث كتب الراحل إحسان عبد القدوس حملة الأسلحة الفاسدة فى "روزاليوسف" ،وكشف الكاتب الصحفى الراحل أحمد أبو الفتح فساد السلطة، وحول جريدة "المصرى "إلى منبر سياسى ونشرت الجريدة مقالات لأقلام وطنية ضد الظلم والطغيان . ونشرت صحف أخرى تنتقد الأوضاع السياسية وتدعو للثورة ضد الظلم والطغيان مثل "اللواء الجديد" و"الكاتب" و"الملايين" و"الجمهور المصرى" و"الإشتراكية" وغيرها. وقدمت الصحافة للشعب الرجل الثانى البكباشى جمال عبد الناصر، وكان الناس وقتها لايعرفون إلا محمد نجيب واستولى ببساطته على عقول وقلوب المصريين. رسمت الصحافة صورة لجمال عبد الناصر ووصفت رأسه بأنها مقر قيادة الحركة ، وأعصابه شبكة مواصلاتها ، ونور عينه أنوارا كاشفة تبدد الظلام ،وإنه شعلة من الذكاء والدهاء. وعلى صفحات مجلة "آخر ساعة "نشر عبد الناصر- فى حلقات -كتاب فلسفة الثورة الذى كتبه محمد حسنين هيكل بعد أن حدد عبد الناصر أفكاره ومحاوره . إنتظرت الصحافة من "الثورة "التى ساندتها المكافأة بمزيد من الحريات ، ولكن ماحدث عكس ذلك ، حيث بدت أجواء القلق بين الصحافة والثورة وعبرت عنها فاطمة اليوسف فى رسالة وجهتها إلى عبد الناصر نشرته المجلة 11 مايو 1953 وجاء فيها "إنك بحاجة إلى الخلاف ..تماما كحاجتك إلى الإتحاد .وإن كل مجتمع سليم يقوم على العنصرين معا ، ولايستغنى بأحدهما عن الآخر .......قرأت لك حديثا تطالب فيه بالنقد ، وبالآراء الحرة النزيهة لو خالتفتك ،ولكن أتعتقد أن الراى يمكن أن يكون حرا حقا وعلى الفكر قيود ؟ وإذا فرض وترفقت الرقابة بالناس ، واستبدلت حديدها بحرير ، فكيف يتخلص صاحب الراى من تأثيرها المعنوى؟ يكفى أن توجد القيود كمبدأ ليتحسس كل واحد يديه ..وقرأت لك أيضا –أو لبعض زملائك-انكم تبحثون عن كفاءات ، وأنكم تريدون طرازا غير المنافقين الموافقين ولكن ..كيف يبرز صاحب الكفاءة كفاءته؟ أليس ذلك بأن يعبر عن نفسه .يعبر عنها بصراحة ودون تحوير ؟إن مجرد شعور صاحب الكفاءة - مخطْئا أو مصيبا-أن هناك شيئا مطلوبا وشيئا غير مطلوب يجعله إما أن يبعد نفسه خشية ألا يوافق المطلوب ،وإما أن يقترب بعد أن يهيء نفسه ليتلائم مع مايعتقد أنه مطلوب ، فتضيع الفائدة منه فى الحالتين. وتستمر رسالة السيدة فاطمة اليوسف إلى عبد الناصر "قد دعت الظروف إلى إلغاء الأحزاب ، وإلى تعطيل الكثير من وسائل إبداء الرأى .وقد اصبح للعهد الجديد شعار واحد ولون واحد ، فلم يبق شئ يمكن أن يتنفس فيه النقد وتتجاوب فيه وجهات النظر غير الصحف، وأسنة الأقلام ، وتفكير المواطنين،على إنى أعرف الدوافع للإبقاء على هذه القيود، أنت تخاف من إباحة الحريات أن يستفيد منها الملوثون المغرضون ...ولكن صدقنى ان هذا النوع من الناس لايكون لهم خطر إلا فى ظل الرقابة وتقييد الحريات . إن الحرية لايستفيد منها أبدا إلا الأحرار والنور لايفزع إلا الخفافيش ..أما الهمسات فى الظلام ، والبسمات التى يغلفها النفاق والمدائح التى يمتزج بها السم الزعاف ..فلا شئ يبطل مفعولها إلا الهواء الطلق والرأى العام النابه الحريص ،لاتصدق مايقال من أن الحرية شئ يباح فى وقت ولايباح فى وقت آخر ،فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفس بها المجتمع ليعيش... وتختتم الرسالة بجملة "إن التجربة كلها لاتحتاج إلا إلى الثقة فى المصريين ..وأنت أول من تجب عليه الثقة فى مواطنيه" إطلع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على الرسالة قبل نشرها وكتب ردا على الرسالة تم نشره فى نفس العدد ننشره العدد القادم من جريدة المشهد ومازلنا مع كتاب الصحافة والثورة الذى ينقل حالة صحفية تتشابه مع حالتنا الآن ، وكأن الثورات تأكل صحافتها ،فالصحافة تمهد للثورة وتنتظر المكافأة ولكنها تجد مزيدا من القيود فى صياغات قانونية تهدد حريتها ، إنها أزمة الصحافة فى علاقتها بالسلطة أيا كانت سلطة إحتلال ،سلطة منتخبة، السلطة أى سلطة تريد الحكم بلا رقيب والصحافة أهم أدوراها الرقابة. ----------------- [email protected]