بالتعاون مع الإمارات.. «التعليم» تنظم التصفيات النهائية لمسابقة «تحدي القراءة العربي» للعام الثامن    «مدبولي»: أسعار السلع الأساسية تراجعت 27% بمختلف المحافظات    جوتيريش: أرقام الضحايا في غزة مروعة وغير مسبوقة في سرعتها وحجمها خلال ولايتي    قائد الجيش الجزائري: التعاون مع الناتو ساهم في إرساء شراكة متينة ومثمرة    مندوب روسيا بمجلس الأمن: الشرق الأوسط على شفا الهاوية جراء التصعيد الإقليمي في المنطقة    توفيق السيد ردًا على أحمد سليمان: لم أجامل الأهلي والدليل نيدفيد    عمرو جمال يقود تشكيل فاركو في مواجهة فيوتشر بالدوري    إيهاب جلال يعلن تشكيل الإسماعيلي لمواجهة زد    خطوة عاجلة بشأن تعاقد ليفربول مع خليفة كلوب قبل توقيع العقود    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بمحور الضبعة الصحراوي    دار الكتب والوثائق القومية تنظم ندوة للاحتفال باليوم العالمي للتراث    المخرجة عايدة شليفر مديرا للمسابقة الرسمية للأفلام الروائية بالدورة 40 لمهرجان الإسكندرية    مدرب شيفيلد يونايتد يهاجم الاتحاد الإنجليزي بسبب مباريات الإعادة    البنك الأهلى.. إصابة" أبوجبل" اشتباه في قطع بالرباط الصليبي    وزير قطاع الأعمال: القطاع الخاص شريك رئيسي في تنفيذ مشروعات التطوير وإعادة التشغيل    بسبب خلافات مالية.. مسجل خطر يقتل عامل بالسلام    بعد تغيبه.. العثور على جثة طفل غريق داخل ترعة في قنا    انخفاض الأسعار مستمر.. غرفة الصناعات الغذائية تزف بشرى للمواطنين    مجلس النواب يعقد أولى جلساته فى العاصمة الإدارية الأحد المقبل    «القومي لثقافة الطفل» يحتفل باليوم العالمي للتراث غدا    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    2022 شهد انخفاض النسبة إلى 0.38%.. «الصحة»: فحص أكثر من 60 مليون مواطن وعلاج أكثر من 4.1 مليون حالة بمعدل شفاء 99%    النيابة تخلي سبيل 3 متهمين بالاتجار في النقد الأجنبي بالرحاب    الاتحاد الأوروبي: نرفض أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية ونخشى حدوث كارثة    مسئول بأوقاف البحر الأحمر: زيارة وكيل مطرانية الأقباط الكاثوليك تعزز روح المحبة    129 متدربا اجتازوا 4 دورات بختام الأسبوع 31 من خطة المحليات بمركز سقارة    يسهل إرضاؤها.. 3 أبراج تسعدها أبسط الكلمات والهدايا    تعاون ثقافي بين مكتبة الإسكندرية والمكتبة الوطنية البولندية    مفتي الجمهورية يفتتح معرض «روسيا - مصر..العلاقات الروحية عبر العصور» بدار الإفتاء..صور    بعد انتهاء شهر رمضان .. جودر يتصدر نسب المشاهدة في مصر    طارق شلبي : مرسى علم ضمن أفضل 10 شواطئ في العالم    بيلينجهام يمدح حارس الريال بعد التأهل لنصف نهائى دورى أبطال أوروبا    جامعة كفر الشيخ تستضيف المؤتمر السنوي السادس لطب وجراحة العيون    قافلة طبية تخدم 170 مواطنًا بقرية الحمراوين في القصير البحر الأحمر    لو هتخرج من بيتك.. 5 نصائح لأصحاب الأمراض المزمنة أثناء التقلبات الجوية    شوقي علام يفتتح أول معرض دولي بدار الإفتاء بالتعاون مع روسيا (صور)    محافظ الشرقية: إحالة المقصرين في عملهم بالمنشآت الخدمية للتحقيق    الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات الإيرانية تزيد عن 100 مليون طن    5 خطوط جديدة خلال الربع الأول من العام تستقبلها موانئ دبي العالمية السخنة    وكيل الأزهر يتفقد التصفيات النهائية لمشروع تحدى القراءة في موسمه الثامن    وفاة معتمرة من بني سويف في المسجد النبوي بالسعودية    زاخاروفا: مطالب الغرب بتنازل روسيا عن السيطرة على محطة زابوروجيا ابتزاز نووى    إلغاء إقامتها.. مفاجأة جديدة عن بطولة الدوري الأفريقي في الموسم الجديد    طقس سئ.. غبار رملي على الطرق بالمنيا    تأجيل محاكمة حسين الشحات في واقعة ضرب الشيبي لجلسة 9 مايو    وكيل صحة قنا يجتمع مديري المستشفيات لمناقشة اللائحة الجديدة وتشغيل العيادات المسائية    مدفوعة الأجر.. الخميس إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    تعَرَّف على طريقة استخراج تأشيرة الحج السياحي 2024 وأسعارها (تفاصيل)    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الاتجار غير المشروع بالعملة الأجنبية    "الوزراء" يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    وثائق دبلوماسية مسربة.. البيت الأبيض يعارض الأمم المتحدة في الاعتراف بدولة فلسطينية    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار في النقد الأجنبي    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    بلدية النصيرات: غزة تحوّلت إلى منطقة منكوبة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    بيان عاجل من اتحاد جدة على تأجيل لقاء الهلال والأهلي في دوري روشن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عبدالناصر» اعتقل إحسان عبدالقدوس دون أن يقرأ مقاله!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 20 - 10 - 2012

مخطئ من يظن ويعتقد أن «روزاليوسف» مجرد أحجار ومبنى وأحبار وطباعة، وورق وحروف
روزاليوسف هى «المعنى» قبل «المبنى»، والمكانة قبل المكان!

ولا يمكن الكتابة عن روزاليوسف المعنى والمكانة بغير الكتابة عن السيدة «فاطمة اليوسف» والأستاذ «إحسان عبدالقدوس».



بخمسة جنيهات أصدرت هذه السيدة العظيمة الرائعة مجلة روزاليوسف لتصبح بمثابة المدفعية التى تدك حصون الجهل والتخلف والطغيان والاستبداد منذ صدرت يوم السادس والعشرين من أكتوبر سنة 1925ثم يواصل الابن «إحسان عبدالقدوس» نفس المشوار بنفس المبادئ منذ أصبح رئيسا للتحرير فى عام 1945 وكان عمره وقتها 26 عاما فى أعقاب هجومه على المندوب السامى البريطانى مما أدى لاعتقاله لعدة أيام!!

وبعد أيام تبدأ روزاليوسف عامها الثامن والثمانين، غابت أسماء وجاءت أسماء، وتغيرت الدنيا، وسقطت أصنام سياسية، وأفكار ونظريات، لكن الثعالب الصغيرة لاتزال تلهو وتمرح فى بر مصر!

وما أكثر المعارك الصحفية والسياسية التى خاضتها روزاليوسف بجسارة أبنائها وشجاعتهم ضد هذه الثعالب الصغيرة التى تفسد كروم الحياة والسياسة والصحافة أيضا!

وليست هذه الكلمات والسطور دراسة كاملة وشاملة عن «إحسان عبدالقدوس»، لكنها مجرد باقة ورد إليه فى عيد ميلاد «روزاليوسف»

بيتنا وعشقنا وهوانا وماضينا وحاضرنا وأيضا مستقبلنا.

فى زمن النت والتت والتويت والبسكويت ننسى أقدار الناس الذين أضاءوا عقولنا بنور الحرية والعدل والمبادئ ليتصدر المشهد أنصاف الموهوبين، وأرباع الثوار.


«إحسان عبدالقدوس» أيها السادة كان أول من فضح النظام الملكى فى أعقاب هزيمة سبعة جيوش عربية فى حرب فلسطين سنة 1948 وطالب بتأليف محكمة لمجرمى حرب فلسطين فى سلسلة من التحقيقات الصحفية الموثقة.. نشرتها روزاليوسف ابتداء من 6 يونيو .1950 «لاحظوا دلالة التاريخ السادس من يونيو».

لقد هزت المقالات عرش الملك فاروق وما أعقبها من تحقيقات إلى أمر النائب العام بحفظ التحقيقات إداريا وبدون إبداء أسباب!!

كانت مقالات «إحسان» حديث كل بيت عربى ومصرى وأيضا الشبان الذين خاضوا هذه الحرب ومن بينهم «الضباط الأحرار».

يقول «إحسان عبدالقدوس»: عرفت جمال عبدالناصر حوالى سنة 1949، كان يتردد على مكتبى فى روزاليوسف، كان يأتى كأى ثورى يبحث عن طريقه ويستطلع الأخبار، وكان يصطحب معه أحد الضباط وهو «رشاد مهنا» أو صديقاً آخر وكان صامتا دائما يستمع أكثر مما يتكلم، والواقع أنى فوجئت فى أول أيام الثورة بأنه هو الزعيم وقائد ثورة 23 يوليو .1952

كما فوجئ «إحسان» أيضا بوجود «أنور السادات» ضمن الثوار الذين قاموا بالثورة، فهو يعرفه منذ اشتغل لفترة سكرتيرا للتحرير فى روزاليوسف، ثم قام «إحسان» بعد ذلك بتقديم السادات لأصحاب دار الهلال كشخصية وطنية معروفة وكتب مذكراته الشهيرة «30 شهرا فى السجن».

وقبل 48 ساعة من قيام الثورة كان إحسان يكتب فى روزاليوسف واحدا من أخطر وأهم مقالاته وعنوانه «الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الزعماء» قائلا: «كلهم ضعاف مخادعون، لا يؤمنون بالديمقراطية ولكنهم يدعونها! ولايؤمنون بالشعب ولكنهم يتملقونه ويخدعونه، يظهرون له غير ما يبطنون ويلبسون وجوها غير وجوههم، وتنطق ألسنتهم بغير ما تؤمن به قلوبهم!

وعاشت مصر تحكم بلا مبادئ محددة وصريحة.. وتولى حكامها الحكم لأن الفرصة قد ولتهم، لأن لهم سياسة مرسومة أو مبدأ معينا.. و.. و.!

ولن تخطو مصر إلى الأمام إلا إذا حكمتها المبادئ، مبادئ يراها الشعب ويلمسها ويفهمها، مبادئ تختار على أساسها الحكام، ومبادئ ترشدها إلى الخير والشر، ومبادئ تحميها من شر الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الزعماء!!».

وعكس قصص وروايات عديدة راجت وانتشرت وروج لها وباتت من المسلمات، فقد كان إحسان عبدالقدوس أول من كان فى مجلس قيادة الثورة صباح يوم 24 يوليو!

لقد روى إحسان تفاصيل ما جرى يومها فى مقر القيادة فى المقدمة التى كتبها لكتاب «فاروق ملكا» للأستاذ أحمد بهاء الدين والذى صدر بعد شهر بالضبط من قيام الثورة، ويقول إحسان:



«اختليت بمحمد نجيب «قائد الحركة» فى إحدى حجرات القيادة ومعنا بعض الضباط وسألته: ماذا تريد؟! قال: الدستور والإصلاح!!

قلت: هذا كلام عام إنى أسألك ماذا تريد فى هذه اللحظة ليتحقق فى هذه اللحظة؟! أن لك مطالب.. من سيقوم على تنفيذ هذه المطالب.. هل ستتولى الحكم بنفسك أم ستعهد بمطالبك لوزارة الهلالى أم تريد وزارة جديدة؟!

الأكثر من هذا أن اللواء نجيب اقترح أكثر من اسم ليتولى الوزارة، لكن إحسان برؤيته السياسية قبل الثورية رفض هذه الأسماء ووافق على اسم «على ماهر باشا» ووصفه بأنه رجل كل أزمة وهو يصلح!

وتم تكليف «إحسان» بمهمة مفاتحة «على ماهر» بتوليه الحكومة، وذهب إليه وبصحبته أنور السادات فى سيارة جيب.

وفى المساء تناول إحسان العشاء مع «على ماهر» فى منزله وروى له الأزمة كاملة وطالبه أن يختار وزراء حكومته من الشبان المعروفين بكفاءتهم وقوة وطنيتهم، ثم استدرك قائلا:

إنى كاتب عبرت دائما عن أفكار ضباط هذه الحركة، وسأظل دائما كاتبا ولا أريد إلا أن أكون كاتبا، ولذلك فإنى أستطيع أن أرى أكثر مما يراه غيرى!!

وقلت هذا لأنفى إشاعة عن أنى مرشح للوزارة، وخفت أن تكون هذه الإشاعة قد طرأت على ذهن «على ماهر» وأنا أنصحه بأن يختار وزراءه من الشبان الوطنيين.. ولم يقتنع معاليه- يومها- بمبدأ الاستعانة بوزراء شبان وطنيين.

وابتداء من 11 أكتوبر 1952 بدأ «إحسان» فى كتابة سلسلة من المقالات تحت عنوان «كيف نريد أن تحكم مصر»، وفى المقال الرابع أنهاه بقوله:

«وقد كنا نتساءل قبل حركة الجيش عن زعيم جديد للشعب وعن قائد للثورة وعن رجل يستطيع أن يقف أمام الملك، وكان الرجعيون لا يؤمنون بأن هذا الرجل يمكن أن يوجد أو يظهر من بين الشعب، ولكن ظهر «محمد نجيب» وظهر «جمال عبدالناصر» وغيرهما، والشعب الذى ظهر من بينه هؤلاء القادة يستطيع أن يظهر من بينه أكثر من رئيس جمهورية، وثقوا بالشعب»!.

وبعد حوالى أسبوعين وفى 17 نوفمبر 1952 كتب إحسان مؤكدا:

أصبح معروفا أن الرجل الثانى فى الدولة بعد الرئيس «محمد نجيب» هو البكباشى «جمال عبدالناصر».

وفيما بعد قال إحسان عبدالقدوس: إن محمد نجيب غضب من إحسان بسبب ما نشره، فقد اعتقد واهما أن إحسان من رجال عبدالناصر، بل إنه أعلن فى إحدى خطبه على الملأ: إحسان عبدالقدوس ده أنا سأعدمه!!

فى تلك الأيام - وما قبلها وحتى الآن - كانت عيون السفارة الأمريكية تتابع وترصد وتحلل ما يحدث فى مصر وتبعث به إلى الخارجية الأمريكية.

ووصفت أحد تقاريرها إحسان قائلة: «عبدالقدوس شديد اليسارية فى أفكاره السياسية، فكثيرا ما انتقد الحكومة والنظام الاجتماعى قبل الانقلاب العسكرى، ودعا إلى الثورة ضد النظام، ورغم تطرفه الواضح فهو بعيد تماما عن الشيوعية وليس من دعاتها، وهو شديد العداء للإنجليز، وكثيرا ما يقارن فى مقالاته بين النوايا السلمية لروسيا والسياسات العدوانية، التى تمارسها القوى الإمبريالية مثل بريطانيا والولايات المتحدة وربما كان ذلك يعود إلى عدائه للإنجليز».

وفى حديث مع الملحق الصحفى بالسفارة الأمريكية قال «إحسان عبدالقدوس»: إننى لا أهاجم الشيوعيين، لأن ذلك يخدم الإنجليز، وأنا لا أريد أن أساعدهم ماداموا يحتلون بلادنا، إننى لست شيوعيا، ولكننى لا أستطيع أن أعادى الشيوعية الآن، وسوف أصبح من ألد أعداء الشيوعية عندما يتركنا الإنجليز!

وتمضى الوثيقة قائلة: وفى مطلع عهد حركة الجيش كان «إحسان عبدالقدوس» من أشد مؤيدى النظام الجديد، وقيل إنه عمل لبعض الوقت مستشارا صحفيا وسياسيا للواء «محمد نجيب» بصفة غير رسمية، ولمح فى مقالاته إلى أنه كان على علم بمؤامرة الضباط الأحرار، وفى الشهور الأخيرة أصبح ينتقد النظام الجديد بشكل متزايد، ولكنه حريص أن يفرق بين مثل وأهداف النظام التى لايزال يؤيدها، وبين الطرق التى تعمل الحكومة من خلالها على تحقيق تلك الأهداف والمبادئ، ونظرا لقسوة الرقابة على النشر لا يعبر «عبدالقدوس» عن نقده صراحة، لكنه يستخدم أسلوب النقد الضمنى غير المباشر، وفكرته الأساسية أن النظام يتبع أساليب ديكتاتورية لتحقيق ما يصبو إليه من أهداف! وهو ليس على وفاق مع الإخوان المسلمين فكثيرا ما يهاجمهم فى مقالاته فى العهد السابق!

وإحسان عبدالقدوس من أنصار إقامة الجمهورية فى مصر وظل إلى عهد قريب يدعو إلى إلغاء الملكية، وأجرت «روزاليوسف» استفتاء ذات مرة لتبين أن 95٪ من المصريين يؤيدون إعلان الجمهورية»!

انتهت الوثيقة الصادرة عن السفارة الأمريكية بالقاهرة ولا تعليق!

صباح 11 مايو 1953 فوجئ قراء «روزاليوسف» فى مصر والعالم العربى بحدث سياسى وصحفى غير مسبوق منذ قيام الثورة قبل عدة شهور!

كان ذلك الحدث السياسى والصحفى هو خطاب مفتوح وجهته السيدة «روزاليوسف» إلى جمال عبدالناصر - الرجل الثانى فى الدولة - واحتل الخطاب الصفحة الثالثة كاملة وبداخلها برواز صغير قالت فيه:

«اطلع البكباشى «جمال عبدالناصر» على هذا المقال وقد كتب عليه ردا ننشره فى الصفحة التالية»، وهو ما حدث بالفعل!

بدأت السيدة «فاطمة اليوسف» خطابها قائلة: «تحية أزكى بها شبابك الذى عرضته للخطر وجهدك الذى تنفقه من أجل هذا الوطن، تحية من سيدة عاصرت الحوادث واعتصرتها التجربة، أنفقت عمرها تتأمل الوجوه القديمة حتى كفرت بكل وجه يحمل ملامح القدم، فلا يسعدها اليوم شىء كما يسعدها أن ترى الوجوه الجديدة تزحف وتنال فرصتها الكافية لتحاول أن تسير بهذا الوطن بأسرع مما كان يسير»!

وبعد أن تشيد بجهده وساعات عمله وسهر لياليه وتفانيه تؤكد له: «ولكنك وحدك لن تستطيع كل شىء ولا بالمعونة الخالصة من إخوانك وأصدقائك وكل الذين تعرفهم وتثق بهم، فلابد لك من معونة الذين لا تعرفهم أيضا الذين يعيشون فى جو غير جوك ويتأثرون بعوامل غير التى تؤثر فى أصدقائك ويمرون بتجارب كثيرة منوعة لا يمكن أن يمر بها واحد من الناس ولا عشرة ولا ألف!

إنك باختصار فى حاجة إلى الخلاف تماما كحاجتك إلى الاتحاد. إن كل مجتمع سليم يقوم على هذين العنصرين معا ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر.

وقد قرأت لك غير بعيد حديثا تطالب فيه بالنقد، وبالآراء الحرة النزيهة ولو خالفتك! ولكن أتعتقد أن الرأى يمكن أن يكون حرا حقا وعلى الفكر قيود؟! وإذا فرض وترفقت الرقابة بالناس، واستبدلت حديدها بحرير فكيف يتخلص صاحب الرأى من تأثيرها المعنوى؟! يكفى أن نوجد القيد كمبدأ ليتحسس كل واحد يديه، يكفى أن يشم المفكر رائحة الرقابة وأن يرى بعض الموضوعات مصونة لا تمس، ليتكبل فكره وتتردد يده ويصبح أسيرا بلا قضبان».

إن الناس لابد أن يختلفوا لأنهم مختلفون خلقا ووضعا وطبعا، وقد دعت الظروف إلى إلغاء الأحزاب وإلى تعطيل الكثير من وسائل إبداء الرأى، وقد أصبح للعهد الجديد شعار واحد وألوان واحدة، فلم يبق شىء يمكن أن يتنفس فيه النقد وتتجاوب وجهات النظر غير الصحف وأسنة الأقلام وتفكير المواطنين، أنت تخاف من إباحة الحريات أن يستفيد منها الملوثون المغرضون، ولكن صدقنى أن هذ النوع من الناس لا يكون لهم خطر إلا فى ظل الرقابة وتقييد الحريات!

ولا تصدق ما يقال من إن الحرية شىء يباح فى وقت ولا يباح فى وقت آخر، فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفس بها المجتمع ويعيش، والإنسان لا يتنفس فى وقت دون آخر، إنه يتنفس حين يأكل وحين ينام وحين يحارب أيضا.

واختتمت السيدة فاطمة اليوسف خطابها إلى جمال عبدالناصر بقولها:

«إنك بكل تأكيد تضيق ذرعا بصحف الصباح حين تطالعها فتجد أنها تكاد تكون طبعة واحدة لا تختلف إلا فى العناوين، حتى بعض حوادث الأقاليم المحلية يصدر بها أحيانا بلاغ رسمى واحد والناس كلهم يحسون ذلك ولا يرتاحون إليه، إن التجربة كلها لا تحتاج إلا إلى الثقة فى المصريين، وأنت أول من تجب عليه الثقة فى مواطنيه».

هكذا جاءت سطور الخطاب، أما رد جمال عبدالناصر عليه فقد كان أهم وأبرز ما فيه هو قوله:

«أما أنى فى حاجة إلى كل رأى فقد أعلنت هذا ولن أمل تكرار إعلانه ليس من أجلى، بل من أجل مصر، وأنا أكره بطبعى كل قيد على الحرية وأمقت بإحساسى كل حد على الفكر، على أن تكون الحرية للبناء وليس للهدم، وعلى أن يكون الفكر خالصا لله والوطن، لقد قلت أنت بنفسك إنك تعلمين أنى أخشى على موقف البلاد الصلب من إطلاق الحريات خشية أن يندس بين أمواجها دعاة الهزيمة والتفكك، لقد عبرت بهذا عن جزء مما أشعر به!

إننى لا أخشى من إطلاق الحريات وإنما أخشى أن تصبح هذه الحريات كما كانت قبل 23 يوليو سلعا تباع وتشترى، ونحن لا نريد أن يشترى الحرية غيرنا، ومع ذلك فأين هى الحرية التى قيدناها؟! أنت تعلمين أن النقد مباح وأننا نطلب التوجيه والإرشاد ونلح فى الطلب، بل إننا نرحب بالهجوم حتى علينا، إذا كان يقصد منه إلى صالح الوطن وإلى بناء مستقبله وليس إلى الهدم والتخريب ومجرد الإثارة، ذلك لأننى أعتقد أنه ليس بيننا من هو فوق مستوى النقد أو من هو منزه عن الخطأ.

واختتم «عبدالناصر» رده بالقول: وبعد فإنى أملك أن أضع رأسى على كفى، ولكننى لا أملك أن أضع مصالح الوطن ومقدساته هذا الوضع».

انتهى الرد، لكن ما لبثت «مصر» أن دخلت بعد فترة من التوتر السياسى وضبابية الرؤية إلى أتون أزمة مارس ,1954 والتى وصفها د. لويس عوض فيما بعد بثورة مارس، فى ذلك المناخ كتب إحسان عبدالقدوس أخطر مقالاته «الجمعية السرية التى تحكم مصر»، بتاريخ 22 مارس 1954 التى أقامت الدنيا ولم تقعدها، وكان أبرز وأخطر ما فيها هو قول إحسان:

وكنت فى تلك الأيام أحاول أن أقنع القادة بضرورة الوصول إلى وضع طبيعى من أوضاع الحكم واقترحت كخطوة أولى إنشاء حزب يمثل الثورة ويضم المدنيين فقط من أفراد الشعب وإذا أراد أحد من القادة أو الضباط أن ينضم إليه فيجب أن يستقيل من الجيش أولا! وشرحت اقتراحى فى جلسات طويلة متعددة، وكنت اعتقدت أن تكوين هذا الحزب سينقل الثورة من ثورة عسكرية إلى ثورة شعبية.

واعتقدت أنى أقنعت القادة ووصلنا إلى حد أن تقرر أن يستقيل «أنور السادات» من الجيش ليتفرغ لتكوين الحزب ثم ينضم إليه القادة بعد ذلك.

ويشير إحسان إلى تخبط قادة الثورة وراح يتساءل: ما نوع الجمهورية التى ستعلن؟ هل تلغى محكمة الثورة؟ وكان الحل كما كتبه «أن تنتهى الثورة، وأن يعمل القادة كهيئة حاكمة لا كجمعية سرية»!

ويشرح «إحسان» فكرته فيقول: «وإذا طالبت بإنهاء الثورة فلست مبالغا ولا متطرفا، إنما هو الوضع الطبيعى فليس هناك بلد يستطيع أن يعيش فى نظام ثورى إلى الأبد، ولا حتى عاما أو عامين إنما الثورة تقوم لتقضى على نظام فاسد وتضع آخر بدلا عنه فورا، نظاما آخر طبيعيا تستقر عليه البلاد ويحقق الأهداف التى قامت من أجلها الثورة، وإذا حدث هذا تحقق الاستقرار وتوافرت الثقة بين الحاكم والمحكوم.. و.. و..
أما أن نقف جامدين فى انتظار مفاجأة، وفوق شفاهنا كلمات السخط والنقد والتردد وعدم الثقة، فلن يؤدى بنا ذلك إلى شىء إلا أن نفسح المجال لطاغية، والعبيد هم الذين يخلقون الطغاة»!

وبعد نشر المقال قامت الدنيا ولم تقعد، وجرى اعتقال «إحسان عبدالقدوس» بعد أسابيع واقتيد إلى السجن الحربى وظل به حوالى ثلاثة أشهر، أما الأغرب من ذلك كله وحسبما اعترف به إحسان بعد ذلك قوله: لم يقرأ عبدالناصر المقال، وإنما فسر له أحدهم المقال تفسيرا على هواه»!

إحسان عبدالقدوس شكرا لك، «روزاليوسف» كل سنة وأنت طيبة، كل سنة وأنت حرة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.