بيان غرفة العمليات المركزية لليوم الأول من جولة الإعادة للمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025    المشاط والسفير الكندي بمصر يوقّعان 3 مشروعات جديدة لتمكين المرأة وتعزيز الأمن الغذائي بمنحة 552 مليون جنيه    الحكومة تستعرض أهداف افتتاح المقر الرئيسي لأكاديمية "شباب بلد"    محافظ المنوفية: تسليم 46 مشروعا إنتاجيا لتمكين المرأة الريفية وتحقيق التنمية المجتمعية    وزراء النقل والري والزراعة: التعامل الحازم مع أي تعديات على المجاري المائية والطرق والسكك الحديدية    محافظ الجيزة: 3 محطات رفع جديدة للصرف الصحي تخدم أهالي أبوالنمرس وجنوب الجيزة    وزير لبناني: الجيش جاهز للانتقال إلى المرحلة الثانية من حصر السلاح    مصر تدين تصديق إسرائيل على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية    وزير الدفاع الروسي: القدرة الطاقية لأوكرانيا انخفضت إلى النصف    تقرير - منتخب مصر يطمح لاستعادة أمجاد كأس الأمم الأفريقية في المغرب    ألونسو يعلن قائمة ريال مدريد لمواجهة تالافيرا في كأس الملك    جوائز مالية ضخمة للمنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة سوزوكي بشمال سيناء    أبو كويك: اللجنة المصرية تطلق مبادرة لإيواء النازحين في غزة    كأس العرب 2025.. طارق السكتيوى يكشف موقفه من تدريب منتخب المغرب الأول    انتخابات النواب، السيدات يتصدرن المشهد الانتخابي بلجنة صنافير بقليوب (صور)    ضبط 3 أشخاص بالمطرية وبحوزتهم عدد من كروت الدعاية الانتخابية    ناخب من ذوي الهمم يصوت في الانتخابات البرلمانية بالمطرية    الزمالك يكشف موقف آدم كايد من لقاء الزمالك وحرس الحدود    الأهلي يحسم ملف تجديد عقود 6 لاعبين ويترقب تغييرات في قائمة الأجانب    انتخابات «النواب» 2025.. انطلاق جولة الإعادة في الدقهلية بمشاركة كثيفة    إحالة أوراق متهم بقتل شخص فى سوهاج بسبب خلافات ثأرية إلى فضيلة المفتى    الحكومة توضح حقيقة مشكلات الصرف الصحي في قرى مغاغة: سببها التسريب والكسر وليس سوء التنفيذ    رشاوى انتخابية، ضبط 4 أشخاص بحوزتهم أموال وبطاقات هوية مواطنين بالمطرية وحلوان    إصابة شخص إثر انقلاب سيارة ربع نقل بصندوق بالمنيا (صور)    الداخلية تضبط 3 أشخاص لتوزيعهم أموال بمحيط لجان المطرية    إنفوجراف.. شريف سعيد فاز بجائزة نجيب محفوظ 2025    حقيقة انفصال مصطفى أبو سريع عن زوجته بسبب غادة عبدالرازق    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    التأمين الصحى الشامل يوفر دواء بمليون و926 ألف جنيه لعلاج طفل مصاب بمرض نادر    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    درجة الحرارة 1.. غيوم وأمطار غزيرة على مدينة سانت كاترين    مشاهد عائلية لافتة في لجان المطرية بجولة الإعادة لانتخابات النواب    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    البرهان يعلن استعداده للتعاون مع ترامب لإنهاء الحرب في السودان    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17-12-2025 في محافظة الأقصر    تزايد اقبال المواطنين بلجان انتخابات الإعادة لمجلس النواب بالغربية    إقبال كبير على التصويت في جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب 2025 بالبساتين    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاربعاء 17-12-2025 في محافظة قنا    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    وكيل صحة الإسماعيلية تُحيل المقصرين بوحدة «أبو جريش» للتحقيق    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت فى كأس عاصمة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جريحٌ في مواجهة هزيمته
نشر في المشهد يوم 28 - 04 - 2015


القصيدة| الأشياء
عبد الرحمن الأبنودى
لما لَمَستْها الشمس الصبح ما صِحْيِتْش
مابتْهَجِتْش ما لمْعِتْش ما غَنِّتش
فضلت واقفة زى الصلبان .
زى المدن المدبوحة المطاطية
المهزومة
بعد الحرب بيوم .
ما أتعس موت الأشياء
والزمن ان جف
ولا يصبح للأشياء ضحكة ولا روح ولا كف .
بَرْد الموت يتَّاوب في الحجرات .
تمشى ف بيتك بين جدران وحاجات
أموات .
لا الساعة تدق
ولا تفِر النسمة كتابك
ولا تتْبَسِّم ع الحيط
ولا تفضل زعلانة الرسومات .
فى شعاع الشمس الداخل م الشبابيك
تِصْفَرّ وشوش الناس المحبوبة إليك
اللى معلقهم حواليك .
وكإن العالم مرسوم أو مطبوع
وكإنه مقطوع الشريان .
يدبل تحت الشمس الشمع كإنه
أشياء ثابتة وجدران .
كإنه جسد الغرْقان بعد الغرَقَان .
وفتحت الشباك للريح
لم تهتز حاجاتى ولم ترفع أجفان .
ولا مِسكتنى من ديل توبى
ولا ندهت بالإسم عليا
زى زمان .
يا ويلى من بيت
الأشيا فيه
مسجونة وسجان .
إمتى الربيع المقتول في قيعان الوديان ..؟
إمتى الميه الحمرا الحلوة حتجرى وتتدحدر في القِنيَان ..؟
والشمس يكون لها اسم ومعنى وعنوان ؟
يملى فضا الدنيا
صوت هز غصون الأغصان ..!!
الأشياء ماتت
الرسومات ع الجدران
كرسى الشاعر
والشمس الشمع
حبر المعْنَى في الدِّويان .
واحنا هايجين بندور
زى البحر المسعور
فى الرقص المجنون النور
المسحور الفرحان
باين
كان متعلق في إيدينا
خيط المر الصبر الكتان .
لفينا .. لفّ .
ولما انتهت الرقصة
كنا في الأكفان .
أكتوبر 1968
القراءة
قصيدة الأشياء: إحدى قصائد ديوان (الفصول) للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، كُتِبتْ هذه القصيدة عقب هزيمة 67 بعام ونصف تقريبا، بعد أن راحت السَّكْرَة وجاءت الفكرة؛ لذا جاءت غير مباشرة، منسلخة عن الصوت الزاعق الذي مزّق النفوس أثناء الهزيمة، جاءت القصيدة عاقلة، باحثة، وراصدة لحال الشعب في صورة مصغَّرة مُنتقاة بعناية، إنها حالة الشاعر الواعي الذي يحب وطنه بعقله كما تحرِّكه عواطفه، انصبَّت القصيدة على الأشياء المحيطة بالشاعر، والتي انتقلت من حال الحركة إلى الكمون والذبول، ورغم أنها أشياء جامدة إلا أنه استطاع أن يضفي عليها حركة كانت تأتي بها، إلى أن جاءت الهزيمة بثقلها؛ لتجثم على صدرها، مانعة إياها من الفِعل، حتى في أدق لفتاتها: كضيق الصور من أشعة الشمس، التي تحيلها إلى أوراق صفراء، لم تعد هذه الأشياء تألف صاحبها، فقد كانت كحيوان أليف يجرى عليه، أو طفل صغير يشدُّ ثيابَه، أو حميم يعايشه ينادي عليه، إنها حتى لم تعد تستجيب لفعل الهواء بها. لقد صارت في موات كامل، وقد استطاع هذا الموات أن يحتلَّ المكان بما ومَن فيه: (بَرْد الموت يتَّاوب في الحجرات)، حتى أن الرقصة الأخيرة لم تكن سوى رقصة الذبيح، الذي نسج كَفَنَه من حلمه وأمله أثناء رقصته.
اعتمدت القصيدة على الصور الجزئية، التي استطاعت في النهاية أن تتكاتف؛ لتعطي صورة كلية تامة لحالة الموات، فالأشياء (فضلت واقفة زي الصلبان/ زي المدن المدبوحة المطاطية المهزومة/ بعد الحرب بيوم) ينتقل الشاعر عبْر تنويعات الوقوف والموات لامسًا أشياء هامشية ويومية، كالجدران والحجرات ودقات الساعة.. وغيرها كثير.. هذه الحالة من الموات لا تفيد في إحيائها رياح، لقد استكانت كجثة مهزومة، بل إن الصبر حَبْلٌ مفتول، لا طوق نجاة، يلتفُّ حولنا – كلما دُرنا في رقصنا المحموم – كحبل المشنقة، لذا كان لا بد من صرخة متسائلة (إمتى الربيع المقتول في قيعان الوديان؟ / إمتى الميه الحمرا الحلوة حتجري وتتدحدر في القِنيَان؟)
وقد قال الكاتب الكبير يحيى حقي: "إن أفضل الأعمال هي التي كُتِبتْ لها مقدمات طويلةٌ، ثم حُذِفتْ. كما أن الإبداع يعتمد على ضِيق العبارة واتساع المعنى؛ فتركيز الكاتب على نقطة التكثيف عند تنقيح عمله بعد كتابته الأولى، ولَمّ خيوطه المبعثرة، هي العملية الأكثر مشقَّة في مشوار الكتابة، فيقول الروائي ميلان كونديرا: إن قراءته لعمله بعد أن يفرغ من الكتابة الأولى له، كالمشي حافيا على زجاج مهشم، هي عملية مضنية؛ يبتر الأديب فيها أجزاء عزيزةً عليه من جسده/ عمله الأدبي، ليحافظ على جمال هذا الجسد، خارجا به من دائرة التشوُّه.
من هنا سنجد أن القصيدة – رغم انفتاحها على العادي والهامشي واليومي - عادت للسقوط في آفةٍ وُصِمَتْ بها القصيدة الستينية؛ فقد وقعت القصيدة في شَرَك الترهُّل أحيانا، حينما استرسل الشاعر في مدِّ الصورة، لكنه لم يأتِ بجديد يجعلها صورة ممتدة؛ بل كان نسخة متغيِّرة - شكلا - عن الصورة الأولى، تعطي نفس الدلالة، حتى وإن حاول أن يستند إلى مفردات وتراكيب أقوى ف (المدن المدبوحة المطاطية المهزومة بعد الحرب بيوم) كانت ستمتاز بنصاعة إذا سقطت عنها صفتا (المدبوحة المطاطية) لأنهما صفتان ملازمتان لأي مدينة مهزومة، كما أن (ما لمعتش وما غنتش) بعد (ما ابتهجتش) لما تضيفا شيئا؛ لأنهما فعلان لازمان للبهجة، يصلان للعقل بشكل بديهي لا يحتاج إلى الذكر والتوضيح.
وفي (كإنه جسد الغرقان بعد الغَرَقَان) لم يضف هذا التوضيح. والأغرب أن سقوط هذه التراكيب والمفردات لن يُخِلَّ بمعنى أو وزن القصيدة، بل سيجعلها مكثفة .
إلا أن هذا التمديد للصورة والإسهاب كان فاعلا ودالا في مرات أخرى، كما في (ولا يصبح للأشياء ضحكة ولا روح ولا كفّ) فللضحكة دلالة البهجة، وهي دلالة مغايرة عن دلالة الروح، وعن دلالة الكف الفاعلة.
كانت محاولة لقراءة القصيدة واستنطاق معطياتها للاستفادة من تجارب السابقين علينا، ولتلافي ما قد يراه البعض – وأنا منهم – عيبًا، والتمسك بكل مزيَّة تضيف للنَّصِ وكاتبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.