فجأة أصبح باب المندب في دائرة اهتمام العرب بالرغم أنه يطوق عنقهم جغرافيا منذ أن تكوًن في أواخر الحقبة الجيولوجية الثالثة في عصر الميوسين نتيجة تباعد أفريقيا عن آسيا بالحركة البنائية التي كوّنت البحر الأحمر حسب كتب الجغرافيا. وبالرغم أن العرب أصحاب الحق الشرعي والمكاني في هذا المضيق نتيجة وقوعه عند اقدام اليمنين وصدور الصومالين والارتاريين والجيوبتين ولكنهم لم يذقوا منه سوى الندامة والدموع التي ذرفها اجدادهم وهم يعبرون بسفنهم ومراكبهم في المضيق الذي اختلطت مياهه بدموعهم، واشتق من نُواحهم وأحزانهم على ما ابتلاعه منهم اسما له، فكان باب المندب أو بوابة الدموع . ولكن بعدما استيقظ العرب على أطماع الحوثيين والايرانيين وجدوا الباب الذي يمر منه بترولهم ومصدر الحياة لهم والروح بالنسبة لقناة السويس محاط بالكثير من التهديدات وتهيمن عليه الدول الكبرى منذ أمد طويل في ظل انشغال العرب بمعاركهم الداخلية والصراع على السلطة. ومن هنا تأتي خطورة الموقف والصراع على باب المندب، فالمُصاب، هذه المرة، لن يكون مركب صيد لليمنين أو الصومالين يزرفون الدموع على من فيها، بل هو المضيق نفسه، الذي أصبح كنز يسيل له لُعاب الشرق والغرب طمعا في السيطرة على أهم شريان مائي، وأصبح من يملكه يملك سيفاً مسلطا على المنطقة لايقل أهمية عن القنبلة النووية، وبالرغم أن الأطماع الخارجية في السيطرة على باب المندب، بدأت منذ أقدم عصور التاريخ ولكنها لا تزال مستمرة إلى اليوم، ولم يتغير شيء سوى هوية الطامعين. فقد كانوا فرساً وأحباشاً ورومان، ثم مماليك وعثمانيين وهولنديين وبرتغاليين، واليوم أميركيون وبريطانيون وفرنسيون وإيرانيون وإسرائيليون. وأخيرا ينضم العرب إلى موكب الصراع. كل هذه القوى لم تجد صعوبة في السيطرة على المضيق بعدما غرقت الدولة المطلة عليه في مشاكلها الداخلية بدء من الصومال مرور بجيبوتي ثم ارتيريا وانتهاء باليمين، ولكن كل هذه القوى تدرك أن وجودها مؤقت وتخشى من استيقاظ العرب، لذلك حاولت أن تجد لنفسها سند شرعى تتحكم من خلاله في الباب فقد اخذت من عملية مكافحة القرصنة فرصة شرعية لتواجدها عبر 3 قرارات من مجلس الأمن، حملت الأرقام: 1814، 1816، ثم القرار الأخير 1838، وهو الأهم، والذي صدر في يونيو 2008 بحجة مواجهة القراصنة وبذلك تم تدويل وعسكرة المياه الاقليمية والمحلية للدول العربية الغارقة في مشاكلها الداخلية . بدلاً من الاعتراض والتحرك لمواجهة الامر ساهمت اليمن في المعركة الدولية ضد القرصنة، فقدمت أغلى ماتملك في المياه وهي جزيرة ميون “بريم” الاستراتيجية، والتي تشطر المضيق إلى نصفين، لتمكن الفرنسيون الذين يتسيدون الضفة الغربية للمضيق، من خلال قواعدهم العسكرية في جيبوتي، من وضع قدمهم الأخرى في الجزيرة اليمنية، بموجب اتفاق مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في 2009. بعد إعلان السعودية عاصفة الحزم توقع الجميع أن تتحول بوابة الدموع العربية إلى بوابة الأمل من خلال السيطرة عليها والتحكم فيها حتى لاتبقى قناة السويس والعرب تحت رحمة المليشيات والقراصنة أحيانا والقوات الطامعة والغازية أحيانا أخرى ولكن أنتهت العاصفة فجأة كما بدأت فجأة وكأنها رياح خمسينية في الصحراء العربية لاينال منها العرب سوى الخراب أو الغبار في أحسن الاحوال.