مستشار الوزير للأنشطة الطلابية يشيد بالأداء المتميز لكورال "هارموني عربي" التابع لجامعة عين شمس    رئيس جامعة الزقازيق يُهنئ السيسي بمناسبة الذكرى ال42 لأعياد تحرير سيناء    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    مايا مرسي تشارك فى ندوة "الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادى للمرأة"    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    تراجع معظم أسعار السلع الرئيسية فى البورصات العالمية خلال تعاملات اليوم    مع بدء الاستعداد لتقديم تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على أهميته وفقا للقانون    برلماني: توجيهات الرئيس السيسي بتطوير منظومة النقل خطوة مهمة    الترويج للاستثمار في مجالات التحول الأخضر والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي بطنطا لتطبيق قانون التصالح    مشاكلها لا تتوقف.. الإبلاغ عن تعطل شاحنة تسلا سايبر تراك بعد غسلها    رئيس مجلس النواب يستقبل نظيره البحريني    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    مسئول صيني: نأمل بأن تؤدي زيارة بلينكن لبكين إلى تعزيز الحوار    «لوفيجارو»: مئات الآلاف من الأرجنتينيين يتظاهرون للدفاع عن التعليم الجامعي المجاني    واشنطن تدعو العراق لاتخاذ «إجراءات لازمة» لحماية قواتها    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    الصين تكشف عن مهام المركبة الفضائية «شنتشو-18»    "اكتشاف المخالفة بعد 6 أيام".. كهرباء الإسماعيلية يقدم احتجاجا على قرار لجنة المسابقات    آلاء صابر: مواجهة فرق أنجولا صعبة.. وهدفنا التأهل للنهائي    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    جِمال الوادي الجديد تحصد مراكز متقدمة بمهرجان سباق الهجن بشمال سيناء.. صور    الرضيعة «جانيت».. «تحبو» على ركبتيها لحد جارها فيخطفها ثم يغتصبها ويلقى بجثتها    المديريات تمنع مرور معلم المادة على اللجان أثناء فترة امتحان صفوف النقل    بدء محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    نوال الكويتية تتعرض لوعكة صحية مفاجئة وتنقل إلى المستشفى    أفلام موسم عيد الفطر تحقق 19 مليون جنيه خلال أسبوعها الثاني في دور العرض    الإسكندرية للفيلم القصير يكشف عن أسماء أعضاء لجان للمسابقة العربية والطلبة والنقاد    مكتبة مصر الجديدة تحتفل باليوم العالمي لمرض التوحد    توقعات علم الفلك اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تعرف علي موعد عرض مسلسل نقطة سوداء    الكشف على1017 مواطنا في 10 عيادات تخصصية بالإسماعيلية    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    قد تكون قاتلة- نصائح للوقاية من ضربة الشمس في الموجة الحارة    للوقاية من الإصابة ب "تشمع الكبد"- اتبع هذه النصائح    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    عند الطقس الحار.. اعرف ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    أرض الفيروز بقعة مقدسة.. حزب المؤتمر يهنئ الرئيس السيسي بذكرى تحرير سيناء    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    « إيرماس » تنفذ خطة لتطوير ورشة صيانة الجرارات بتكلفة 300 مليون جنيه    أليجري يوجه رسالة قوية إلى لاعبي يوفنتوس بعد الهزيمة أمام لاتسيو    لتأكيد الصدارة.. بيراميدز يواجه البنك الأهلي اليوم في الدوري المصري    وكيل «خطة النواب»: 90 مليار جنيه لدعم الخبز في موازنة 2024/ 2025    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية مضيق.. بوابة الدموع.. شريان حياة أم ساحة حرب؟.. باب المندب من أطماع فاسكو داجاما إلى أحلام إيران
نشر في الأهرام العربي يوم 12 - 04 - 2015


إعداد : إبراهيم العشماوى
هو الغاية والمبتغى لكل الطامحين فى التحكم بممرات الطاقة فى العالم . فيه وحوله وبالقرب منه قامت الصراعات والحروب بين إمبراطوريات كبيرة عبر التاريخ .. واليوم تتجه الأنظار جميعها إليه خصوصا بعد ما يحدث على أرض اليمن من أحداث وتطورات متلاحقة .. مضيق باب المندب محور اهتمام القوى الكبرى بعد سيطرة الحوثيين على المشهد اليمنى والمخاوف من وصول طهران إليه، فى الوقت الذى تقترب منه البوارج الحربية والأساطيل الأجنبية للدفاع عن مصالحها وباتت على أهبة الاستعداد لتأمين الملاحة الدولية.
وفى ضوء العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثيين تزداد المخاوف من السيطرة على المضيق، أصبحت أكثر واقعية من أى وقت مضى، فى ضوء الحصار الحالى الذى يفرضه الحوثيون من جميع المداخل الشمالية بالتزامن مع تحركات البوارج الحربية الإيرانية فى خليج عدن، البوابة الجنوبية لباب المندب.
وتشير المصادر اليمنية إلى أن هذه البوارج باتت تعبر المضيق بصفة مستمرة، وهى على تواصل دائم مع جزر أرخبيل حنيش اليمنية، وأخرى تابعة لإريتريا، تتخذ منها إيران قواعد عسكرية للحرس الثورى الإيراني، ويتم تخزين الأسلحة فيها.
وقالت المصادر: إن قوات للجيش اليمنى موجودة فى جزيرة ميون وسط مضيق باب المندب وتسيطر على المضيق، لكن المخاوف من تمكين إيران عبر الحوثيين من السيطرة تبقى متوقعة، فى ظل تراجع دور المؤسسة العسكرية اليمنية، مدللة على هذه الإمكانية بما حدث من سيطرة الحوثيين على جزيرة حنيش ومعسكر أبى موسى الأشعري، بعد قتلهم القائد العسكرى للجزيرة العميد زيد محمد الردفانى ومرافقيه فى كمين، مما يشير إلى عزمهم السيطرة على جزر البحر الأحمر وممراته بشكل كامل .
جاز وعبر
جيولوجيا نشأ باب المندب نتيجة تباعد إفريقيا عن آسيا بالحركة البنائية الصدعية للانهدام السورى الإفريقى الذى كوّن البحر الأحمر فى أواخر العصر الجيولوجى الثالث فى عصرى الميوسين والبليوسين.
وجاء ذكر المندب فى المساند الحميرية، واسمه من ندب أى جاز وعبر، وهناك رأى يقول إنه من ندب الموتى ويربطه بعبور الأحباش إلى اليمن، وقد أطلق عليه العرب اسم باب المندب أو "بوابة الدموع"، لأن السفن التى تعبره كانت تتعرض للارتطام بالصخور البارزة فتحطمها وتفقدها بحّارتها، حتى إنّ عائلات البحّارة كانت تندبهم عند رحيلهم فسُمّى باب المندب.
والمسافة بين ضفتى المضيق هى 30 كم تقريبا من رأس منهالى فى الساحل الآسيوى إلى رأس سيان على الساحل الإفريقى وجزيرة بريم (مَيون) التابعة لليمن التى تفصل المضيق إلى قناتين، الشرقية منها تعرف باسم (باب إسكندر) عرضها 3 كم وعمقها 30م. أما القناة الغربية واسمها(دقة المايون) وعرضها 25 كم وعمق البحر فيه يصل إلى 310 م . وتقدر حصيلة التبادل المائى فى باب المندب بنحو ألف كم3 لمصلحة البحر الأحمر، وتصل ملوحة مياه الممر إلى 38 بالألف، وحركة المد فيه إلى نحو المتر.
ويصل باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندى وهو نقطة إستراتيجية مهمة تُوصف بأنها مفتاح " الكتلة الإستراتيجية العربية "التى تشمل الخليج العربى والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، فهو مفتاح الملاحة الرئيسى فى البحر الأحمر، وحلقة الوصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا .
جزيرة ميون
يقسم مضيق باب المندب جزيرة " بريم أو " ميون وهى أهم جزر مضيق باب المندب، تقع على بعد 100 ميل فقط عن مدينة عدن، وقد استغلتها بريطانيا عام 1799م لمنع نابليون من الاتجاه نحو الهند كما استغلها " اكيوكيرك " البرتغالى عام 1513م لإقفال البحر الأحمر أمام قوات المماليك .
وبموجب القانون الدولى المنظم لقوانين البحار والممرات الدولية وحدود المياه الإقليمية لمختلف دول العالم، تُعد أرض جزيرة ميون بمساحتها البالغة نحو 15 كيلو مترا مربعا تقريبا، جزءا لا يتجزأ من أرض اليمن، كما يوجد بها فنار كبير مرشد للسفن والبواخر العالمية .
وتتمتع الجزيرة بجمال أخاذ وأشكال عدة من الطيور وأنواع مختلفة من الأسماك وشواطئ رملية متعددة، وثروة هائلة من الشعاب المرجانية والأحياء المائية .
كانت جزيرة ميون قديماً إحدى أهم الجزر التى استخدمتها المملكة البريطانية كموقع للاستجمام ومحطة لتموين السفن المارة وكموقع للرقابة وملاحظة الملاحة والإنقاذ. كما تم استخدامها أثناء الوجود السوفيتى فيما بعد. وتحتوى الجزيرة على الكثير من الآثار التاريخية منها قصر الملكة فيكتوريا، ويوجد فى الجهة الشمالية الشرقية، وأنشئ قبل نحو 140 سنة، ويمتاز بهندسته المعمارية البديعة كما أنه يحوى جميع مرافق الراحة بما فى ذلك مسبح غرب المبنى مطل على الشاطئ . وهناك مبنى إذاعة بريم الشرق ويقع فى الجهة المطلة على الممر المؤدى إلى داخل الجزيرة، أنشئ أيام الاحتلال البريطانى لجنوب اليمن، كما يوجد قصر الضيافة العباسية ويقع شرق الجزيرة وهو قصر قديم ويحتاج إلى ترميم، علاوة على وجود مقبرة الجنود البريطانيين. ويعيش فى الجزيرة حاليا نحو ألف شخص وكتيبة من الجيش لحماية الجزيرة ومنع التهريب.
مديرية باب المندب
هى إحدى مديريات محافظة تعز وتبعد عن مدينة عدن نحو 205 كم، وتفصلها عن مدينة تعز عاصمة المحافظة التابعة لها 80 كم، ويبلغ عدد سكانها نحو 18 ألف نسمة، ومساحتها الإجمالية 95 كم مربعا، وهى مديرية ساحلية ويعيش سكانها على الصيد ثم الرعى، وقليل منهم يعملون فى الزراعة . وانطلاقا من موقعها الإستراتيجى وجمال سواحلها وطبيعة وسحر جزرها فإنها تعتبر مكانا جاذبا للسياحة على المستوى الداخلى أو حتى على المستوى الخارجى، غير أن افتقادها إلى أبسط الخدمات التى تساعد وتعزز ذلك الجذب الطبيعى مثل وجود الفنادق والمطاعم والاستراحات الفندقية، بالإضافة إلى ضعف الخدمات الأساسية المتمثلة بالمياه والكهرباء .
الأهمية الاقتصادية
يشكل باب المندب اقتصادياً قصبة الهواء التى يتنفس منها العالم، ويعتبر أنبوبا يتدفق منه بترول الخليج العربى، وبضائع شرق آسيا . وتُقدّر كمية النفط العابرة فى مضيق باب المندب بنحو 3.3 مليون برميل يومياً ، ويقدّر عدد السفن التى تعبره سنوياً بنحو21 الف سفينة ويستحوذ على 10 % من حجم التجارة العالمية، وهو يشكل طريقاً رئيسياً للتجارة بين أوروبا وآسيا، ويكاد يكون الطريق الوحيد بين روسيا والدول المطلة على البحر الأسود إلى غرب إفريقيا وجنوب شرق آسيا .
بحر يمني
وتؤكد الدكتورة وفاء أحمد الحمزى، مستشار قانونى بوزارة النقل اليمنية أن مضيق باب المندب يعتبر من أهم المضايق الملاحية المهمة فى العالم، حيث يقع ضمن البحر الإقليمى للجمهورية اليمنية، ويشكل وسيلة اتصال دولية للملاحة البحرية، حيث يمتلك اليمن أكبر جرف قارى بين دول الشرق الأوسط، كما أن المنطقة الاقتصادية الخالصة تمتد 200 ميل بحرى، بالإضافة إلى المنطقة المجاورة.
وتقول الحمزى : اليمن له كل الحقوق فى سن التشريعات البحرية وتنفيذها إزاء الغير سواء أكانت من الناحية الجنائية أم المدنية، وحيث تلتزم جميع السفن الأجنبية بتنفيذها، وأيضا لها الحق فى اتخاذ جميع التدابير الاحترازية لمكافحة القرصنة البحرية والاتجار بالمخدرات فى مجالها البحرى.
تاريخ من الأطماع
فى العام 1468م، وبحسب بعض المصادر التاريخية وصل فاسكو داجاما إلى السواحل الجنوبية للجزيرة العربية، ومعه طمع البرتغاليون فى نشر المسيحية والسيطرة على ثروات الشرق فى تلك الرحلة قام داجاما بالاستيلاء على سفن عربية وإغراق بعضها وقتل وأسر من فيها، كانت هذه الحادثة مقدمة لسلسلة طويلة من الاعتداءات والحملات والمؤامرات الدولية على مدخل البحر الأحمر والبحر العربى والجزر والمناطق المحيطة، فمن البرتغاليين إلى الإسبان إلى العثمانيين إلى الروس إلى البريطانيين والفرنسيين .
ولليمن أفضلية إستراتيجية فى السيطرة على الممر لامتلاكه جزيرة بريم، إلا أن القوى الكبرى وحليفاتها عملت على إقامة قواعد عسكرية قربه وحوله، وذلك لأهميته العالمية فى التجارة والنقل، كما سعت الأمم المتحدة فى عام 1982 لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية ودخلت اتفاقيتها المعروفة باتفاقية جامايكة حيز الإنفاذ فى شهر نوفمبر من عام 1994. وتبقى أهمية باب المندب مرتبطة ببقاء قناة السويس أولاً وممر هرمز ثانياً مفتوحين للملاحة، أمام ناقلات النفط خاصة، وتهديد هذين الممرين أو قناة السويس وحدها يحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح .
وكان باب المندب قد خضع لمحاولات التدويل فى عدة مناسبات، حيث فشلت بريطانيا قبيل انسحابها من محمية عدن، أن تضع جزيرة بريم التى تقفل البحر الأحمر تحت الحماية الدولية العام 1967، كما فشلت محاولة مماثلة لتدويل بريم جرت العام 1971 بعد هجوم فلسطينيين على ناقلة نفط متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلى، وكانت بريم قد اختارت أن تكون تحت سيادة جمهورية اليمن الديمقراطية، بعد أن نالت استقلالها العام 1967. إلاّ أن فكرة تدويل باب المندب طرحت مجددًا بعد نجاح مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية " شطر اليمن الجنوبى " فى فرض حصار على المضايق فى نوفمبر العام 1973 ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه.
وحاولت إسرائيل بعد ذلك احتلال جزيرة بريم الإستراتيجية للسيطرة على باب المندب، لكنها واجهت ردة فعل مصرية فورية كانت ترجمتها بإرسال مدمّرات إلى منطقة بريم لمواجهة أيّ حالة طارئة .
التدخل الإيرانى
بعد توغل الحوثيين فى حكم اليمن بالقوة، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى، على شمخانى، أن إيران منعت سقوط بغداد ودمشق وأربيل بأيدى متطرفى داعش، وأضاف أن بلاده فى الوقت نفسه باتت الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب، وهذا التصريح كان كافيا للتعبير عن مخططات إيران .
ترتبط إيران بالبحر الأحمر بوصفه ممرًا مائيًا يؤمّن لها مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية، ويُنْقَل عبره إنتاجها النفطى بحرية إلى الغرب. وقد انطلقت إيران، بعد إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب من منطقة الخليج، إلى ملء الفراغ الذى خلَّفته، وسعى الشاه فى حينه إلى لعب دور شرطى الخليج والهيمنة على المسالك النفطية المائية وحمايتها.
وفى هذا الإطار، تدخّل الشاه فى الحرب الأهلية فى اليمن الشمالى العام 1962 واقفًا إلى جانب الملكيين فى مواجهة نظام الحكم الجمهورى وحليفه الرئيس المصرى جمال عبد الناصر، علّه ينجح فى وقف الفكر الناصرى المنادى بالوحدة والقومية العربية فى حينه، ويحافظ على موطئ قدم فى باب المندب. وعام 1973 ساعدت إيران إمبراطور إثيوبيا ضد الثوار الإريتريين، وعام 1987 زوّدت الصومال الأسلحة، ووقفت إلى جانبه ضد إثيوبيا.
ويؤكد المحلل السياسى اليمنى عباس السيد، أن التنافس بين إيران والغرب فى باب المندب هو امتداد للتنافس الذى ساد بين إمبراطورية فارس وبيزنطة فى الماضى . فى الوقت الحاضر، وبالنظر إلى اختلال موازين القوى لصالح الغرب أو لصالح " ورثة بيزنطة " لا يمكن القول بوجود أطماع إيرانية فى باب المندب برغم سعيها الدءوب لكسر احتكار الإسرائيليين للجزر الإريترية وتواجدها فى خليج عدن " ضمن قوات لنحو 80 دولة " من خلال سفينتين عسكريتين مزودتين بأحدث الصواريخ .
ويؤكد المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية أن إيران كانت ولا تزال تقدم الدعم المالى والسياسى والإعلامى للحوثيين، لأن مجرد حضورها فى اليمن يعتبر تطويقًا للخصم التقليدى المتمثل فى "السعودية" . وأشار المركز إلى أن طهران تسعى إلى التأثير فى توازنات القوى الإقليمية، من خلال اللعب على الوتر الطائفى لتحريك القوى الشيعية فى المنطقة.
ويضيف المركز فى دراسة أن إيران تسعى إلى التأثير فى العمق الإستراتيجى لدول مجلس التعاون الخليجي، بالعمل على السيطرة على مضيق باب المندب، ومن ثم تهديد حرية الملاحة فى تلك البقعة الإستراتيجية المهمة .
وقالت الدراسة إن الدافع الحقيقى للتدخل الخليجى فى اليمن هو حماية مضيق باب المندب من سيطرة الحوثيين، لكن هناك مصالح أخرى اقتصادية تسعى دول المجلس إلى الحفاظ عليها، ومنع تهديد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، دول الخليج باستهداف مصالحها فى اليمن إذا واصلت رفضها تطورات الأحداث السياسية الأخيرة والإعلان الدستوري.
واستغلت إيران أعمال القرصنة البحرية فى خليج عدن لتدفع بأسطولها إلى المنطقة بحيث وصل نطاق طلعاتها قواتها البحرية وفقا لتقارير رسمية إيرانية إلى أكثر من ستة آلاف كيلومتر، لتجوب مناطق شمال المحيط الهندى وخليج عدن والبحر الأحمر وتمكنت من حماية مئات السفن البحرية الإيرانية وغير الإيرانية وإنقاذها من هجمات القراصنة.
وأضافت التقارير الإيرانية أن القوات البحرية التابعة للجيش الإيرانى (إذ هناك قوات بحرية تابعة لحرس الثورة) بدأت تحارب هذه ظاهرة القرصنة البحرية منذ عام 2006م فى أوائل ظهورها، حيث أرسلت القوات البحرية أول بارجاتها القتالية إلى المياه الدولية لحماية خطوط المواصلات البحرية آنذاك، وقد كانت هذه المهمة بداية لمهام أخرى جعلت الأسطول البحرى الإيرانى مضطراً لأن يواصل وجوده فى المياه الدولية، ما أدى إلى تأسيس قوات بحرية إستراتيجية .
وفى شهر فبراير عام 2011م قام الأسطول البحرى لقوات الجيش الإيرانى المؤلف من بارجة ألوند وبارجة الدعم اللوجستى " خارك " بمهمته الثانية عشرة واتجه نحو الجانب الشمالى من المحيط الهندى، حيث وفر الحماية للسفن التجارية وناقلات النفط الإيرانية فى خليج عدن، ومن ثم اتجه نحو البحر الأحمر وبعد ذلك استقر فى ميناء جدة السعودى، وذهب منتسبوه إلى زيارة بيت الله الحرام، واستمرت هذه الرحلة حتى وصل الأسطول إلى قناة السويس وهى المرة الأولى التى يشهد العالم فيها حضور أسطول عسكرى إيرانى فى البحر المتوسط، وبعد قطع مسافة رسا الأسطول البحرى فى ميناء اللاذقية السوري.
أطماع إسرائيل
أحلام الإسرائيليين لا تتوقف ومن بين أطماع تل أبيب السيطرة على البحر الأحمر وجعله بحيرة يهودية، إذ يتمتع البحر الأحمر بمنزلة خاصة فى الفكر الإستراتيجى الإسرائيلى، فبعد وصول "بن جوريون" إلى سدة الحكم عام 1948 أعلن إستراتيجية دولته فى البحر الأحمر بقوله: "إن سيطرة إسرائيل على نقاط فى البحر الأحمر هى ذات أهمية قصوى، لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أى محاولات لمحاصرتها وتطويقها، كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكرى لمهاجمة أعدائنا فى عقر دارهم، قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا".
ولخص، ديفيد بن غوريون، غاية إسرائيل من التحكم بمنافذ البحر الأحمر بثلاثة أهداف، أولها جعل البحر الأحمر منفذًا إسرائيليًا إلى القارة الإفريقية والشرق آسيوية، والثانى استخدامه كشريان إسرائيلى والإفادة منه عوضًا عن قناة السويس، والثالث تفكيك الروابط القومية للعالم العربى.
وقال "أبا إيبان" وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق: "إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمى المفروض عليها، وعن طريق ربط المحيطات الشرقية والغربية عبر قطاع ضيق من الأرض يمكن لإسرائيل أن تصبح الجسر الذى تعبره تجارة الشعوب فى القارات جميعها، وبذلك يمكن تحرير شعوب آسيا وإفريقيا من الاعتماد على قناة السويس .
وفى عام 1956 قال قائد البحرية الإسرائيلية: "نحن نملك أسطولاً بحرياً ضخماً يعمل فى جميع موانئ العالم، لهذا علينا أن نعد العدة فى المستقبل كى تستطيع أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار العربى المفروض علينا، وأن نفرض الحصار بدورنا على الدول العربية عن طريق تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية" .
وقد شرع الإسرائيليون فى تنفيذ تلك الأهداف منذ وقت مبكر، حيث استطاعوا استثمار علاقتهم مع إثيوبيا قبل استقلال إريتريا والحصول على جزيرة "دهلك" فى البحر الأحمر سنة 1975م ليقام عليها أول قاعدة عسكرية إسرائيلية. ثم تمكنوا من التغلغل فى الدولة المستقلة إريتريا وعززوا وجودهم فى البحر الأحمر من خلال استئجار جزيرتى "حالب" و"فاطمة" فى الجنوب الغربى للبحر الأحمر، ثم جزيرتى "سنشيان" و"دميرا" والأخيرة هى أقرب الجزر الإريترية التى توجد فيها القوات الإسرائيلية إلى باب المندب .
دول القرن الإفريقى
تعيش دول منطقة القرن الإفريقى بخلاف اليمن ظروفا صعبة ومعقدة داخليا مثل الصومال، كما تتمركز بها قواعد عسكرية وأمنية أجنبية وترتبط بعلاقات خارجية قوية مع القوى الكبرى مثل جيبوتى وإريتريا.
ففى الصومال توجد حركة الشباب المسلم التى تعد فرعا لتنظيم القاعدة واستطاعت على الصعيد الميدانى تحقيق مكاسب على الأرض، وأسست ولايات إسلامية فى معظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشيو من 2009 وحتى أواخر عام 2011.
ورصد موقع منظمة " جلوبال إيكونوميست" فى تقرير له عن مصادر تمويل حركة الشباب، ويتمثل فى دعم القبائل الصومالية المستمر، والتى إما ينتمى لها قادة الحركة، أو المسيطرة عليها، وتوفر لهم المناخ والجو الملائم للتجارة وتربية المواشى والإنتاج الزراعى مع القدرة على إعطاء شيوخ القبائل مكانتهم، وقد عززت هذه العوامل فقدان الثقة فى الحكومة الصومالية بسبب أنها غير مستقرة وغير متزنة، وأنها مصدر للعنف والفساد.
كما رصد تقرير الأمم المتحدة، أن قوة الشباب العسكرية لا تزال لم تتأثر برغم فقدان ميناء كسمايو، والذى يعد مصدرا رئيسيا للدخل المالى للحركة، سواء من الحركة التجارية أم التجارة النفطية، ومن جهة أخرى يرى فريق المراقبة للأمم المتحدة أنه ليس من الواضح إن كان الانضمام لتنظيم القاعدة فى 9 فبراير 2012، ذو تأثير رمزى على الحركة أو أنه ضاعف خبراتها ومصادرها، لتبقى الحركة معتمدة وبشكل واسع على نفسها. هذا إلى جانب عمليات القرصنة التى تقوم بها الحركة على السفن العابرة لمضيق باب المندب بالساحل الإفريقى ولهذا تستغل الحركة موقع الصومال لتنفذ العديد من عمليات خطف السفن المحملة بالبضائع أو الأسلحة، إلى جانب مطالبتها الحكومات المختلفة لدفع ديات مقابل رهائنها.
قواعد فرنسا وأمريكا فى جيبوتى
تعتبر جيبوتى مقرا للقيادة الإفريقية التابعة للقوات المسلحة الأمريكية، ويعد كامب لمونييه أكبر معسكر أمريكى بالقارة الإفريقية، ويقع بمنطقة مطار جيبوتى الدولى. كما يستقر فى دولة جيبوتى بعيدا عن العاصمة لواء تابع للفيلق الأجنبى الفرنسى بشكل دائم. وتقام فى جيبوتى مناورات عسكرية كبيرة. فى عام 2013 انتشرت تقارير عن اتفاق مبدئى بين الصين وجيبوتى حول إنشاء قاعدة عسكرية صينية فى جيبوتى، مما قد يسبب توترات بين جيبوتى وبين فرنسا والولايات المتحدة .
إرتيريا
إريتريا دولة إفريقية تقع على شكل مثلث بين إثيوبيا والسودان وجيبوتي، ولها أطول ساحل على البحر الأحمر بطول1000كم وتتبعها فى مضيق باب المندب 126 جزيرة معظمها غير آهلة بالسكان، ويمر بها نهر "ستين تكيزي" أحد روافد النيل الأزرق ويصب عند عطبرة.
وفى إريتريا أكبر قاعدة للوجود العسكرى الإسرائيلى بإفريقيا منذ عام 1997، بحسب وثيقة صادرة عن إدارة التعاون الدولى بوزارة الدفاع الإسرائيلية والتى كشفت أن ما بين 500 و700 مستشار عسكرى من مختلف صنوف الأسلحة الإسرائيلية يتولون تدريب القوات الإريترية، بل وقيادة بعض الوحدات المهمة مثل بعض القطع البحرية وتشمل المنظومات الإلكترونية، ووسائل الدفاع الجوى والبحري، ومحطات الرادار. كما تمد إسرائيل إريتريا بمنظومات قتالية متطورة مثل الطائرات، وقطع البحرية كالزوارق الحاملة للصواريخ (سفر) و(دابورا) وصواريخ مضادة للأهداف البحرية من طراز (جريانيل) وصواريخ مضادة للدروع.
وترتبط إريتريا بعلاقات وثيقة مع طهران فى السنوات الأخيرة، واستضافت تدريب الحرس الثورى الإيرانى لعناصر حوثية. ويعتقد مراقبون أن إريتريا تعتبر أكبر المستفيدين من تنامى نفوذ الحوثيين فى اليمن، وكانت على خلاف دائم مع الجماعات الإسلامية، فيما ظلت علاقاتها مع الحوثيين والرئيس السابق على عبدالله صالح متميزة، كما أن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب تعزز الحلم الإيرانى فى إكمال الطوق على الحزام السنى بعد تمددهم برا عبر العراق وسوريا .
أمن مصر
ينسجم الانخراط المصرى فى تحالف العرب لاستعادة الشرعية فى اليمن وحماية وحدته وأمنه واستقراره مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية التى تعتبر أمن الخليج خطا أحمر من ناحية، كما تنسجم مع مصالح مصر العليا وأمنها القومى فى منطقة باب المندب لحماية الملاحة الدولية, وإبعاد القلاقل والتوترات عن قناة السويس من ناحية أخرى.
ويؤكد الدكتور حلمى الحديدى، وزير الصحة الأسبق, أن البحر الأحمر وباب المندب هما المنفذ الجنوبى لقناة السويس وأمنهما وسلامتهما لا ينفصلان عن أمن وسلامة قناة السويس، وحاليا تمر الدول العربية بظروف صعبة وفى اليمن على وجه التحديد شهدنا انتصارا للحوثيين. وإذا استمر الوضع أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى باب المندب من منظور جديد.
ويضيف الحديدى أن انتصار الحوثيين فى اليمن يعنى انتصار إيران، ويعنى أن الباب سيكون مفتوحا أمام سيطرة إيرانية على باب المندب بجوار سيطرتها على مضيق هرمز، وهو الأمر الذى وصفه ب "مكمن الخطر"، منبها إلى خطورة التدخلات الخارجية خصوصا أن واشنطن أصبحت تسيطر على غالبية حلول مشكلات المنطقة. وأكد أن مشروع تقسيم المنطقة مستمر وموجود، ولكنه يتحول ويتحور وقابل للتنفيذ إلا إذا كنا متيقظين وحريصين على مقاومة هذا المشروع. أما الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية قال إن الحوثيين من أعداء النظام الجمهورى وأن وثائقهم تشير إلى رغبتهم فى إعادة نظام الإمامة، حيث تنحصر القيادة السياسية داخل سلالة افتراضية معينة " أحفاد الحسن والحسين"، وهو ما يسبب حالة من الإحباط فيما يتعلق ببناء الدولة العربية الحديثة.
ويرى الدكتور أحمد يوسف أن الخطر على باب المندب "قائم" ولكنه "ليس عاجل" لأن الحوثيين مازالت أمامهم فسحة من الوقت حتى يتمكنوا من "هضم" المكاسب التى حققوها حتى الآن, وينتظر أن تكون "عملية الهضم عسيرة جدا". وأشار إلى أنه من غير الوارد حاليا أن يسعى الحوثيون أو إيران إلى فتح جبهات مواجهة جديدة مع الدول المطلة على البحر الأحمر أومع القوى الدولية التى يمكن أن تتأثر مصالحها إذا تأثرت الملاحة فيه. ولكنه حذر من أن ذلك ليس كافيا، لأن نغفو عن الخطر مطالبا بالبحث عن البدائل سواء كانت دبلوماسية أم عسكرية.
وأكد أن الدبلوماسية العربية والمصرية عليها أن تسعى إلى عدم انفراد الحوثيين بالسلطة فى اليمن. وفى حالة التحرك العسكرى لابد أن يكون التحرك عربيا أو دوليا على أن تكون المبادرة فيه بيد العرب .
أما الدكتور حسن أبو طالب، رئيس مجلس إدارة دار المعارف، فيرى أن أحد أهم أهداف مصر يتمثل فى حماية الملاحة فى قناة السويس وحرية الملاحة فى البحر الأحمر وعدم وجود أى تأثير سلبى على الملاحة عند باب المندب. وأكد أن مصلحة الملاحة فى البحر الأحمر وباب المندب مصلحة دولية وليست عربية فقط، مشيرا إلى أن الحوثيين يشكلون امتدادا للنفوذ الإيرانى فى اليمن وهو حصيلة جهود بذلتها طهران على مدى 15 سنة مضت.
ويرى اللواء طلعت مسلم الخبير العسكرى أن تهديد الملاحة فى باب المندب "احتمال ضعيف" ولكن لا يمكن استبعاده. ونبه إلى أن إيران لن توفر قدرات عسكرية لتهديد باب المندب, فالمضيق ممر دولى والمصالح به دولية ولن تتنازل الدول الكبرى عن مصالحها إرضاء لإيران أو للحوثيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.