بحبر القلب تخادعنا الدنيا بالآمال ونقبل خداعها طمعًا فى واقع أكثر رحمة، كالعاشق المكتوى باللوعة، الذى لا يملك رفضًا أو قبولًا، فيظل (الضَن) عنوانه وقِبلته التى تنصهر على أعتابها إرادته... تتهازل بداخلنا الأحلام، فلا نملك سوى ذاك القبول المهزوم لتفضُلها علينا، وكأنها علاقة عابر سبيل ببيت شحيح !! حقًا لم يُسمِها الجليل ( دُنيا ) بلا سند أو حجة، فهى تدنو وتدنو حتى تُبقينا بذلك القاع ساحق العمق... تخالونى أتبارى فى تجريدها من زيفها اللامع، يجوز، فأحيانًا ما يكون التشاؤم الرزين أفضل حالًا من التفاؤل الأرعن الذى يهرول ويهرول إلى أن تدهسه عجلات الحقيقة... أين المُستراح أيتها (الدنيا) العنيدة..؟! أين أبوابك الطيعة كى ندق عليها فعصيانك بات قاهرًا..؟ تمايلى فحسب وامنحينا نافذة نرمق عبرها ضفتك الأخرى، فصار يرهقنا ذلك الحائط المُعتم الذى لا نرى منه نفاذك... نستشعر قسوة أناملك عندما تتركينا نتدلى بأسلاكك الشائكة، فتغرس أنيابها الحادة بأجسادنا المتأوهة، ونغدوا بقطرات دمائنا المستنزَفة طيلة الرحلة...وعندما تصدرين عفوك نكون قد تحولنا للزُرقة المميتة. رويدك ولا تتمادى فى طعننا، فلن نبقى خانعين لألمك الذى لا ينتهى..فلابد لنا من ملاذ يضمد جراحنا الغائرة.. فلا نحلم سوى بتلك البقعة الآمنة الساكنة بعيدًا عن صخب حواشيك، طمعًا فى الانفراد بأرواحنا المعتصرة، لعلنا نفلح فى مصالحتها ومنحها الثقة من جديد. أوتبسطين لنا كفيك لننعم بغفوة اليقين، الذى طالما أخبرنا بشقائك ؟ أم تتركينا نترنح بزواياك الرمادية التى لا تهبنا السكينة بل توقد عذاباتنا بفتيل متجدد لا تلتهمه النار لتطفئ آخر خيط فيه فحسب ؟ تتعنتين بلا سبب مقنع وتواصلين استمتاعك بكل هذه الجلبة من العويل والأنين، ولكن عليكِ أن تَعى كم تتمادين فى قسوتك ؟ فحقًا لا أكاد أدرك، إِلام تتعطشين ؟ فكؤوسك المريرة صارت كالعلقم يكوى الحلوق، فنحن المظلومون الصادر بحقنا أحكام واجبة النفاذ، لن تقبل قضايانا مداولة أو تأجيل، ولكن ستبقى مُرافعتنا فى قاعتك المهيبة تحظى برنات مُدوية. وأخيرًا يا صاحبة الأطياف الواهية، أَخفِضى من زهوك الزائف ؟ فجنتنا ليست بك، وجحيمنا ليس بدونك... توًا نفيق من سكراتك أيتها الحسناء الغادرة، أوتصدقين أنكِ تُسدين لنا صنيع العمر دون أن تفطنين ؟ نعم تسددين عنا الفواتير المرهقة بدلًا من استلامها مكتظة البنود، نتسلمها خالصة وعلى حاملها الخروج بأمان دون تكبد رسوم إضافية.... وبعد هذا الهجاء القاس أُهديكِ خِتامًا تحياتى ومديحى... فنوبات الألم دائمًا ما يلازمها سكرات المصارحة.... ظننتك تجلدينا طواعيةً وما كنتِ إلا تُطهرينا بسهام أقدارك، فإذا ما رحلنا عنك لا نحمل بأيدينا سوى حافظة الصبر والجلد، تاركين أمتعتنا الحمقاء... نتنفس الصعداء قانعين بأن قسوتنا تليق بكِ، فى حين تُفاجئينا بآهاتك وتذمرك من حمل أوزار الجميع، معلنة ثورتك على هذا الذنب اللإرادى بكونك مسرحًا لكافة اللحظات... نعم تُشقينا ونُشقيكِ ولكننا نتصالح باللحظات الأخيرة، وتبقى عين حقيقتك تردد صيحاتها قائلة : "ما من قاضٍ صار جلادًا، إلا وضلت عدالته فى ردهات الألم"...! من العدد المطبوع من العدد المطبوع