وزيرا التعليم ومحافظ القاهرة يشهدون احتفالية جامعة العاصمة باليوبيل الذهبي.. صور    الكرملين: بوتين وترامب يتبادلان التهاني بمناسبة الأعياد    كأس الأمم الأفريقية 2025.. التشكيل الرسمي لمباراة كوت ديفوار والكاميرون    عاجل- الطقس في مصر.. استقرار نسبي وتقلبات موسمية تؤثر على درجات الحرارة والأنشطة اليومية    ترامب: محادثات موسكو وكييف تقترب من الحسم واتفاق أمني جاد قريبًا    حكومة بريطانيا في خطر بسبب علاء عبد الفتاح.. أحمد موسى يكشف مفاجأة(فيديو)    تشريعية النواب: 140 ألفا من مستأجري الإيجار القديم تقدموا للحصول على سكن بديل    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    درة تنشر صورا من كواليس «علي كلاي» ل رمضان 2026    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    الصحة تكشف أبرز خدمات مركز طب الأسنان التخصصي بزهراء مدينة نصر    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    عبقرية مصر الرياضية بأفكار الوزير الاحترافية    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    أحفاد الفراعنة فى الشرقية    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    الاحتلال الإسرائيلي يغلق بوابة "عطارة" وينصب حاجزا قرب قرية "النبي صالح"    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    "القاهرة الإخبارية": خلافات عميقة تسبق زيلينسكي إلى واشنطن    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية تحتفل بيوبيلها الفضي.. 25 عامًا من العطاء الثقافي وصون التراث    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    ولادة عسيرة للاستحقاقات الدستورية العراقية قبيل عقد أولى جلسات البرلمان الجديد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينظرون إلي باستغراب
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 10 - 2013


ما ذنبي؟
ينظرون إليّ باستغراب كما لو أني الضال الوحيد بين هؤلاء الكرادلة، ما ذنبي؟ الجثت التي تعفنت من كثرة المشي بلا جدوي كدستُها في عربة الخشب وركضت بها في الشارع، لم أنتبه للموتي الآخرين ولا لعيونهم الوجلة وهم يصرخون متوعدين علي الرصيف، هرولتُ لأن الوقت كان قد فات، و علي مقربة من الحافة حبست أنفاسي و دفعت العربة بعينين مغمضتين إلي المنحدر.
الوحيد
كانت الفكرة تمر بطيئةً مثل عقرب في ساعة، زرعتُ الوهم في الأصيص وعرفتُ أنه سينمو، يؤلمني التفكير، و عيناي تؤذيهما دائما الأشياءُ التي تلمع، و جوارحي ترتاح فقط للساعات المعطلة. سيبدو لهم الأصيصُ فارغا، لكن نبتةً غريبة كانت تصعد باتجاه السقف، و لم يكن أحد يراها سواي، نبتة غريبة و عالية، و شيئا فشيئا تتخرب الغرفة، كانوا يبتسمون بشفاه واثقة وعيون تترنح، وكنتُ الوحيد الذي يغمره التراب.
سيأتي
اندلقت الكلمات في هذا البيت، و لا أحد بمقدوره الآن أن يصل، وأنا لن أخرج من هاته الغرفة لأبحث في الطرقات عن الحب. أنا لا أبرح مكاني، أجلس كأي عجوز مخذول، أسمع موسيقي من القرن الماضي وأصغي إلي نحيب الذكريات، أوصدتُ كل باب بقربي، وإذا كان الحب المجنّح سيأتي فالنافذة لا تزال مفتوحة.
أخيرا
المرأة التي كنتُ أفكر فيها طويلا وجدتُها أمس في رواية، كانت تدفئ حرمانها بخشب المواقد، تزيح الستائر حين يمر باعة الورود، وحين يمر موكب الملك المجنون تغلق الشبابيك و تفكر في طفلها الميت دون أن تبكي. إذا انتهت الأشجار فسأستظلّ بالخزانة وأصغي إلي حفيف الكتب.
البحّار
أحلم بأن أملك مركبا، حتي لو كان من خشب قديم، لا يعنيني إن كان بشراع أو بدون شراع، سأضع قبعة صياد علي رأسي دون أن أفكر في الصيد، و أضع قدما علي أخري، وأنظر إلي حيث لا أري شيئا، أعرف أني سأرتاح كلما أبحرت أكثر، وأعرف أيضا أن وجهك سيصعد من حين لآخر وستلمع عيناك المريضتان لتذكراني بأني أخطأت الوجهة. لا عليك، ربما طائر الغاق، رفيقي الوحيد، يعرف هو الآخر أن البحر أرحم لي من اليابسة.
اختلفنا
ليس مجرد غصن في شجرة طرفاء، ولا مجرد وادٍ ينتهي إلي كهف، إنها فكرة قديمة تُستعاد، وأنا و أنتَ جئنا من الفكرة ذاتها، كنا نعتقد أن خطواتنا تكفي لتزيح عنا ظلام الطريق، لكن العالم لم يعد كما كان، ونحن يا صديقي قبلَ أن نجد الباب ضيعنا المفاتيح. لا تنظر إليّ فلن أنظرَ إليك، نحن نَمران في غابة واحدة، أنت تُشهر مخالبك في وجه كل وهم يمرّ، وأنا أحتمي بوداعتي.
حياة
إنني أراها بفمها الأدرد وعينيها البئيستين تمرق علي المكنسة وقد دلّت قدميها في الهواء، علي كتفيها بقايا من القش و تحت تنورتها السوداء المرقعة سرب من الغربان، تُقطّب حاجبيها الشائبين في وجهي كي أرتعش. كيف أخافكِ أيتها العجوز وخلفك يجثو الموت خجولا مثل طود؟ منذ خمسمائة عام و أنا أشرب الشاي و أسمع الأوبرا ولا شيء تغيّر. رويدكِ، سنظل نلبس الجينز و نرتاد المقاهي و نكتبُ الشعر حتي و نحن موتي.
فزاعة
هذه الفزاعةُ لماذا ألبسوها جلباب جدّي؟ جدّي لم يكن يخيف الطيور. كان يترقب عودتها من الشمال ويفرش لها الحنطة في راحة اليد. الفزاعةُ السوداء في الحقل المائل أستعيدها الآن مثل رعب في منام طفل، لأنها لم تكن تخيف الطيور. كانت تخيفني أنا.
طريق
ليس قدري أن أعيد الذئاب إليّ وجاراتها، أنا فقط أهش بهذه العصا هنا و هناك، و غالبا ما أصيب قدمي. هل ضللتُ الطريق؟ لم تكن أمامي من طريق كي أضلّها، أفردتُ جناحيَّ علي الدنيا وهمتُ، لكنّ رصاصا كثيرا أسقطني، ولست أتألم لحالي، إنما أشفق علي سيقان النسرين التي تكسرت، و علي الذين رفعوا أصواتهم بالصراخ ثم فجأة ماتوا. أَعدو و أعرف أن حناني سيسقط في حقلِ صُبَّار.
تماسيح
النهار يتلوه النهار، و الليل لا يريد أن يمرّ. ليس عدلا أن تفكري في شيء آخر فيما أنا هنا أفكر فيك، أعرف أنك وحيدة و كئيبة، و أن التماسيح تسبح في هوائك. كيف أحدثكِ عن الحب والقطارات تجتاح غرفتي؟ كيف أكتب لك عن الأزهار وبالكاد أرفع يدي وسط السافانا التي تنمو علي البلاط؟
بيتي
الجو حارٌّ خارج البيت، لكنّ المطر يسقط في غرفتي، و بعد قليل ستنمو حديقة فوق الطاولة، ستصعد شجرة من رفِّ الكتب، سينحدر شلال من السقف، و سيصير بيتي غابة.
ربما تحنو
أنا الأسد الضرير في الغابة، أُشهر مخالبي في وجه الليل و ألعن الظلام. رمالٌ كثيرة زحفت إلي أجمتي، ومياه مالحة تسربت إلي الغدير، أشجار القصب لم تعد ترتجف من زئيري، خانني النهر وتمردت عليّ الأدغال، أرفع عينيّ المغمضتين إلي غيمة عالية ربما تحنو، ثم أسرّ بكبواتي إلي شجرة سرو، وأجلس وحيدا ومرتابا حيث اليأس فحسب هو من يرقد في عريني.
خوارج
نحن الخوارج الجدد، قَرضنا الخرائط و كتبَ التاريخ، كلُّ جرذ منا ملك، قصره يبدأ من الباب وينتهي عند النافذة، عرشه: لا عرش له، ورعاياه عشرات الطوابير من الكتب. دخلنا المضمار بلا دليل، وراهنَّا علي خيول مريضة، قبلنا العيش هنا علي مضض، لأن الليل سيعاتبنا إن لم نسا مره، خرجنا من حروبنا بدون غنيمة، لكننا كنا نبتسم، تقفينا آثار الأجداد فلم نُفلح، ثم تقفينا آثار بعضنا حتي ضيعنا الطريقَ إلي الكنز.
العالم
لم أسافر كثيرا، لكني رأيت العالم برُمَّته في نومةٍ قديمة، كان خرابا يزحف من الدّغل، ويوقظني مذعورا ارتطامه بقوائم السرير، خرابا و يتفتَّح فيه الورد.
أراك
أريد أن أقبل جبينك يا أبي، و أحدقَ طويلا في عينيك، حتي تلمع تلك الدمعة التي عشت سبعين عاما تخفيها. صحيح أن الأضواء بيننا قد خفتت، كلانا لاذ بظله و احتمي بما لديه من أفكار، لكنني حين أراك أري جبالا بضواريها. أبي، لا أصدّق أن الشمس التي تشرق في سمائنا اليوم هي الشمس التي كنتُ أرجوها كي تهبني أسنان الغزال وأنا أطوِّح لها في الهواء بأسناني الصغيرة.
قطار
أستعيد سنواتي الأولي علي طاولة صغيرة في الصف، أكتب اسمي مزهوا بالطباشير، وأختلس النظر إلي ابنة الجيران، أستعيد سنوات أخري عدتُ فيها من مدينة الأشباح مطرودا من سكة الحديد، حيث كانت آلهةُ الأرض تتلاعب بمصائرنا. الآن، وأنا في الثالثة و الثلاثين، بجيشانٍ أقلّ، أنظرُ إلي صورة لي في المقصورة، وأتساءل: هزمتَني أم هزمتك أيها القطار؟
هناك
حين يستبدُّ بي الضجر، و تستيقظ في غرفتي تلك الحيوانات التي انقرضتْ أرحل إلي بيتنا المتهاوي فوق هضبة قاحلة، و أجلس هناك رفقة جدتي الميتة أحدثها عن قلقي و أوهامي و فوضاي وعن الذين خانوا، فيما هي تتحسس ضرع شاةٍ و تعدُّ حليبا دافئا لأصدقائها الموتي.
صمت
ليس سرب حمام ما يتراءي لك أيها القناص الهرم، إنها أوهامك الهاربة فحسب. ليس فرحا ما يلمع أمامك، إنه فقط طلاء الجدران. ليس ذهبا في جرة، بل ثمار الخروب نسيها في سلة القصب خريف عابر. ليست زوجتك تلك التي تلوح من الحقل، إنها مجرد فزاعة خائفة، مجرد شبح لسنوات قديمة وهائجة، ترتجف الآن في الضباب. ليست فساتينها، بل الستائر. ليس مشطها بل المدراة. ليست يديها، بل القلق هو من يبسط يديه كضيف ثقيل علي المائدة. ليست كلماتها التي تغمر البيت بالضوء، بل الصمت المعلق في المشاجب، الملقي علي الأرض والمطوي في الدولاب.
سيزاريا إيفورا
هذه الموسيقي تجرح ذاكرتي أنا الذي تقريبا بلا ذاكرة. مياهٌ قديمة هدأت تحرِّكها الآن قدمان حافيتان علي الخشبة. كل قوس يمرّ يهزّ وترا مشدودا بداخلي، كل نفخ في مزمار يهبّ علي كثيب في صحرائي. وحين يعلو صوت المرأة السمراء يعلو الألم.
شاعر مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.