تفاصيل قانون تسوية أوضاع الممولين.. خطوة جديدة لدمج الاقتصاد وتخفيف الأعباء الضريبية    إحالة أوراق قاتل شقيقه ونجل شقيقه فى الغربية إلى المفتي    باكستان تعتزم إطلاع مجلس الأمن الدولي على التوتر القائم مع الهند    الأمن يضبط المتهمين بسرقة بطاريات السيارات في الغربية    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتفقد سير العمل بملف التصالح المركز التكنولوجي بمدينة ببا    استشهاد فلسطينية في قصف الاحتلال منزلا في مدينة غزة    الصورة الأولي للطالبة المتوفيه إثر سقوطها من الطابق الرابع بكلية العلوم جامعة الزقازيق    قرار جمهوري بالموافقة على اتفاق بشأن تخلي بنك التنمية الإفريقي عن الليبور كسعر فائدة مرجعي    زيلينسكي: وقف إطلاق النار مع روسيا ممكن في أي لحظة    البحرين تدين الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة على سوريا    الزمالك يستأنف استعداداته لمجهة الاتحاد في كأس مصر للسلة    مصدر يكشف تفاصيل مفاوضات الأهلي مع المدافع الجزائري زين الدين بلعيد    من هو اللاعب كريم البركاوي الصفقة المحتملة للزمالك ؟    رئيس جامعة بنها يتفقد عدداً من المنشآت الجديدة بكفر سعد    ستبقى بيننا زمالة ومودة.. البلشي يشكر عبدالمحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين    "عروض قتالية".. الداخلية تنظم احتفالية بتخريج الدفعة التاسعة من معاهد معاوني الأمن | فيديو وصور    بسبب الغش.. طالب ثانوي يطعن زميله بآلة حادة في أكتوبر    هل يجوز لي التعاقد على شراء كميات محددة من الحبوب الزراعية كالأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما شروط الوقوف بعرفة؟.. الدكتور أحمد الرخ يجيب    «الرقابة الصحية» تعلن منح الاعتماد ل24 منشأة صحية وفقا لمعايير «جهار»    قلبك في خطر.. احذر 5 علامات إذ ظهرت على جسمك اذهب للطبيب فورا    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    الإدارة العامة للمرور: ضبط 37462 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    في يومها العالمي.. وزير الأوقاف: الصحافة الواعية ركيزة في بناء الإنسان وحماية الوعي    بيراميدز يتفوق على الأهلي بروح ال+90.. كيف ساهمت الأهداف القاتلة في صراع الصدارة؟    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    تشكيل ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    إلغاء معسكر منتخب مصر في يونيو    الأهلي يدرس استعادة أحمد عابدين بعد تألقه مع منتخب الشباب    وكيل تعليم البحيرة يتابع التقييمات الأسبوعية بمدارس المحمودية    توريد 104 آلاف و310 أطنان قمح بصوامع أسوان    بدء اجتماع لجنة الإسكان بالنواب لمناقشة قانون الإيجار القديم    الصاروخ اليمني اجتاز كل منظومات الدفاع الإسرائيلية والأمريكية بمختلف أنواعها    مصادر: استشهاد 45 فلسطينيًا جراء القصف الإسرائيلي في 24 ساعة    نائب محافظ دمياط توجِّه بسرعة التدخل لدعم المتضررين من الأمطار    ضبط 800 كاوتش سيارات بدون فواتير بالشرقية    إصابة 3 أشخاص في حريق شقة سكنية بالمطرية    انطلاق القمة الخليجية الأمريكية في السعودية 14 مايو    الإييجار القديم.. ينتظر الفرج النائب شمس الدين: ملتزمون بإنهاء الأزمة قبل نهاية دور الانعقاد الحالى    إياد نصار: كريم عبد العزيز مجنون نجاح وهذه كواليس «المشروع x»    «أهل مصر» فى دمياط.. و«مصر جميلة» بالبحيرة    لبلبة: «بفهم عادل إمام من نظرة عنيه»    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الإسكان عددا من ملفات عمل الوزارة    خالد عيش: سرعة الفصل في القضايا العمالية خطوة حاسمة لتحقيق العدالة    «الشيوخ» يحيل تقارير اللجان النوعية بشأن الاقتراحات المقدمة من «النواب»    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعي سيدفع مليار شخص بالعالم إلى تنمية المهارات    حساب بنكي لتيسير عمليات التبرع لصالح مستشفيات جامعة القاهرة    وكيل صحة البحيرة: الإلتزام بإجراءات مكافحة العدوى ومعايير الجودة    كندة علوش تروي تفاصيل انطلاقتها الفنية: "ولاد العم" أول أفلامي في مصر| فيديو    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار الأدب تفتح ملفات التنوير العربية
زمن الشعر في تونس جيل انتظر 1000 عام ليغرد خارج السرب المألوف

نفتح حربا ضدّ الرداءة في كلّ شيء، بل ضدّ أنفسنا أوّلا، أنفسنا التي هي أقرب إلي مِرجل أو سيّارة مدهوسة. نتّهم أنفسنا أوّلا. نشكّ في أنفسنا قبل أن يشكّ بنا الآخرون، وبسيوف من الماء نربّت علي أكتاف الغيم ونمجّد الرّيح والمطر. نغنّي حتّي لأولئك الذين نصبوا لنا كمائنهم في ممرّات ضيّقة... حتّي لأولئك الذين نصبوا لنا المشانق... نغنّي لأولئك الشعراء الكبار في السنّ فقط، أولئك الذين قتلونا بكلمة «الأدباء الشبّان» لأنّهم أصغر من أنفسهم وأحابيلهم وأحقادهم وبرازهم وبولهم آخر الليل بعد خروجهم من الحانات الرّخيصة... نغنّي لأولئك الإعلاميين الذين يخطئون في رسم الهمزة ولا يفرّقون بين الضّاد والظّاء! نغنّي لأولئك الشعراء، شعراء ما قبل سنة 2000 وقد اعتقدوا أنّهم بكلماتهم المتخشّبة تلك وبأوهامهم وأمراضهم وسلطاتهم التي يستمدّونها من مناصبهم ومواقعهم البائسة واخطبوطاتهم الإعلامية، قد بلغوا سدرة المنتهي... هيهات فقد فاتهم القطار... فاتهم كلّ شيء مع مجيء الحركة الشعرية الجديدة هذا النهر الذي جرفهم دون شفقة... فقط لأنّ هذه الحركة هي الأجمل والأبقي لغة ورؤية وسلاسة وعفوية واندفاعا وتراكيب وماء وحياة وفعلا أوإقامة في الأرض...
هذا ما بحثت عنه طوال عشرين عاما ولم أعثر عليه في الشعر التونسي قبل التسعينيات...
ولدتُ شاعرا بين أولئك المرضي ولم أسقط مثلهم في «الحقد الأعمي» والتزلّف والجحود والنكران والوهم والتذيّل والتخندق والزّيف والرداءة وحبّ الظهور في كلّ مأدبة (أو مندبة) أو مذبحة...
لم أسقط مثلهم في الحقد الأعمي علي كلّ ما هو جديد يعرّيهم ويترك مؤخّراتهم عرضة للعصيّ والريح... بل إنّ هذا البلد أشدّ عفونة ونتونة من كثرة ضراطهم وخرائهم الذي لا يُلمس حتي بالأعواد... انتصرت لجيل التسعينيات بانفجاراته وحماسته ورغم أنّ هذا الجيل أصيب بالشيخوخة المبكّرة تحت سياط الدكتاتورية فقد ترك لنا بعض الأصوات والنصوص الجميلة التي عبّدت الطريق لجيل الألفية الثالثة، جيل الحركة الشعرية الجديدة الخارجة عن السرب والمألوف، الجيل الذهبيّ في الشعر التونسي. وهذه الحركة الجديدة يمثلها دون شكّ: سفيان رجب، صبري الرحموني، خالد الهداجي، زياد عبد القادر، صلاح بن عياد، أمامة الزاير، أنور اليزيدي، نزار الحميدي، صابر العبسي، وليد التليلي، جميل عمامي، السيّد التويّ، فريد سعيداني، محمد العربي، مهدي الغانمي، شاكر السياري، عبد العزيز الهاشمي، محمد الناصر المولهي، محمد الصديق الرحموني ... هذا هو الجيل الشعري الذي انتظرته ألف عام وما يخيفني حقّا هو غياب الشاعرات فلا نعثر سوي علي شاعرة واحدة هي أمامة الزاير وسط كوكبة أو غابة من الرجال... ربّما لانهماك الكاتبات في الرواية والقصة القصيرة وربّما لصعوبة النصّ الشعري... لكنّي سعيد جدّا لأنّ عدد الشعراء الجدد (أو الحركة الشعرية الجديدة كما أطلقت عليها منذ عام) مهمّ ومثلج للصدر وهذا ما يفنّد مقولات جوفاء ومضحكة ومقيتة مثل «موت المؤلف» أو «زمن الرواية»... إنّه ليس زمن الرواية ولا هم يحزنون... إنّه زمن الشعر دون منازع... زمن الشعر وكفي... فليحصّنْ هذا الجيل نفسه من أمراض وعجرفة وأوهام القدامي...
إذا فر الطاغية
زياد عبد القادر
( إلي لينا بن مهنّي)
مَن نزَلوا للسّاحاتِ بُعَيدَ هروب الطّاغيةِ،
من رقصوا في الباراتِ وغنّوا:
« تحيَا الحرّيّة، إنّ الشّعبَ يُريدُ!».
( أيُريدُ الشّعبُ إذا فرّ الطّاغية؟ )
الأحلاسُ بنو الأحلاس ذوُو السّحناتِ الموروثةِ
عن أوباش فرنسيّين،
لقطاءُ الضّبّاط العثمانيين: جُباة ضرائبهم
وحُماة جواربهم بالمنجل والسّكّين،
أعرفهم!
أصحابُ وجوهِ القطن
( من لم يرثوا فأسًا أو مجرفة).
أوَلا يكفي ما ورثوا:
حاسوبًا لمناطحةِ الصّخر؟
أتحسّس قرني. أضحكُ.
أفنيتُ نضيرَ العُمر أرمّمُ قرنًا وأضمّدُ جُرحًا
يخضرّ عميقا كفتِيّ الغصن.
الآن الأمرُ بسيط. أبسط ممّا تتوقع.
من يتأبّط حاسوبًا يُنبتُ قرنين جميلين،
قرنين صغيرين كقرْنيْ أفعي.
مرحي مرحي
أوَلم يستيقظ من في الغابة بعدُ؟
المِرجلُ يغلي والأرض تكادُ تمِيدُ بمن رقصوا في البارات
وغنّوا:
« إنّ الشعبَ يُريدُ ! «.
الحانة لم تفرغ بعدُ، الأوباشُ يجيئون وينصرفون،
لكنّ الثعلبَ قلّب عينيهِ
وبَال جوار الشجرة
مساميرُ
محمد العربي
المساميرُ الصدئة
تلك المرشوقة في وجه العالم
لا تتخلّي عن دورها في تثبيت الأشياء
الصور الحائطيّة، عقارب الوقت، الألوان والأحذية
كلّها مشدودة بمساميرَ
في الحديقة أيضا
مساميرُ تشدّ الكلب إلي باب البيت ليحرسه
في غرفتي....
حيث أضع رأسي علي كتب تمجّد الغبار
مساميرُ أخري
آه أيّتها الحياة الصّدئة
اتركي لنا جدارا واحدا
لم تثقبه المسامير ...
مولوتوف
مهدي الغانمي
الشّارع فارغ قُبَيْل الفجر
رأسي فارغة إلاّ من وشوشة الخمر في أذنيّ
أنا ملك يمسك قلب العالم في قبضته الدّامية
من أثر الطرق علي الأبواب
جيوشي تعربد في الطرقات:
قطط تسكرها رائحة السّمك المشويّ
في حاوية الزّبل
- هي لا تخافني -
فأنا واحد منها
و كلاب تبحث عن أنثي
و الشبق المحموم يتناثر من عيونها
جمرات... جمرات
- هي لا تخجل مني -
أنا واحد منها
أمضيت العمر أطارد حظّي الهارب
مثل كرة في منحدر جبليّ
أنا تنين
سأنفث نارا تتأجّج في أحشاء الروح علي الجدران
سأرسم فقري مُحمرَّ الأنياب كمصّاص دماء
سأكتب حلُما يتيما
سرقته من ضحكات المسطولين
وخوف بنات اللّيل من المجهول
ها أنا الآن في المخفر أنشد شعرا ل«تأبّط شرّا »
لا أذكره
وجيوشي المهزومة في الخارج تبحث عنّي!
عودة
جميل عمامي
أنت تعود إلي البيتِ بيتِك
تحت الأرض لا عليها
تتحسّس المفتاح متّكئا علي حائط هرم
الباب مفتوح تدفعه قليلا كي يتنحّي عن هبوطك
ذلك فأل حسن تقول في سرك
تجترّ خيالاتك التي خمنت للتوّ وأنت عائد في الطريق
إلي البيت بيتك بالوكالة.
وأنت تمر بالقرب من «محلات البيتزا» و«السمك المشوي»
وحانة «الأنس» وصهيل النابليّات الشقر «والبحر القربب»
تري الشارع الممتد حولك إلي مالا نهاية وتسعل
هل تدخل ...؟
هل تنزل الدرجات وتترك عند الباب كل تلك الحياة؟
تعترضك عند أسفل درجة عشر قوارير خضر خاويات
تلقي التحية مرغما... وتمضي إلي ليلك اليابس
بأصابعَ منزوعةِ الذكريات تستلّ سيجارة نائمة في الدرج
تضئ بها كونك.
ممدّدا فوق السرير تستعيد حديثك مع شاعرين صديقين
كنت التقيت بهما علي موعد في مقهي «ليسكال» قرب المحطة
عن الذكريات والأصدقاء البعدين وعادات ليل العواصم.
تسخر من كل ذلك المجد
وتدخل القبر قبرك.
قرار
نزار الحميدي
أتحدّث إلي النّاس الذين لا يجرحون النّاس
وإلي العصفور الذي يسرق القمح من الحقول
وإلي القطّ الذي يخدش الطّفلة الصّغيرة
عندما أقرّر الصّمت
سأنصت إلي العصفور الذي لا يكفّ عن التّغريد
ولا يختار إلاّ القُمَيْحة التي لن تعيش طويلا
سأنصت إلي القط يخدش الطّفلة الصّغيرة
ويشرب الحليب،
ويقفز فوق الأسرّة،
ويضيع في أرجاء البيت،
وينام تحت الأغطية.
ولن أكلّمك أيها الموت الجشع
سأتحدّث إلي الطيبين فيشيرون بأصابع مرتعشة
إلي القطّ الذي دهسته بسرعة...
الفراشة
شاكر السياري
الفراشة التي تحطّ الآن علي سترتك الخضراء
تحسبك حديقة
فهل أنت كذلك؟
أنصحك أن لا تفكّر في إمساكها
فقط راقبها
ثمّ جرّب أن تطير مثلها
ولا تفكّر في الجاذبية...
كن برقا أو نهرا إن استطعت
أو فكرة لم تأسرها خيوط العناكب
أنت أنت، لا ظلاّ
أو صدي للغربان فوقك
لا مستحيل متي كنت واقفا
أو كنت تقتفي أثر النوارس
كن قنديلا في المساءات الموحشة
ولا تلعن النّور إن منعوا عنك الزّيت
لا تحزن...
فقط فكّر في الورود التي صدّتها الطرقات المعبّدة
فكّر بالفراشة التي ستموت بين النّفايات
ستموت بلا حديقة
سيكون من الضروري إذن أن تشتري فأسا.
طفل
أنور اليزيدي
بني مربّعا عاليا وكبيرا،
هذه جدران.
قسّم المربّع الكبير إلي مربّعات صغيرة،
هذه غرف.
فتح في الجدران ممرّات كبيرة،
هذه أبواب.
فتح في الجدران ثقوبا كبيرة،
هذه نوافذ.
ملأ المربّعات بأشياء جميلة،
هذا أثاث.
له الآن ما يسمّيه منزلا.
كان يصرخ في أقدام المارّة:« أن ابتعدي عن بيتي أيّتها الأقدام المتوحّشة».
أحاط منزله الجديد بمربّع آخر عال،
هذا سور.
سمّي ما بين المنزل والسّور حديقة.
نبتت أشجار وأزهار.
جاءت موجة عالية ومحت كلّ شيء،
فبكي الطّفل كثيرا كعادته.
السيد التوي
(إلي مهاجري مدينة تورينو بإيطاليا)
كنت أجلس وحيدا في «بورتا بلاس».
لم أر غجريا واحدا منذ أسبوع.
لكن الزنوج كانوا يملؤون المكان بأصواتهم العالية.
كانت أجسادهم المتلألئة تغري مراهقات «تورينو».
وكان عبثهم الطفولي مقلقا.
كنت أجلس وحيدا...
وأنظر الي شقراء رومانية تتمطي.
كانت نظراتي بائسة ومقرفة.
وخيوط حذائي كانت تتلوي مثل ثعبان.
كنت أجلس وحيدا.
صديقتي ماتت.
رماها مجنون ألباني برصاصة غادرة.
المقبرة بعيدة
لذلك كنت أجلس تحت الشجرة
التي كنا ننام تحتها في ايام الصيف.
أنا أجلس وحيدا
كنت أريد أن أنسي صديقتي مثلما نسيت كل شيء.
عندما يأتي الثلج هذا العام سأدفن فيه آخر أحلامي.
العلاقات الدولية
صبري الرحموني
البعوضة التي شربت دمك أصبحت فيلا من فرط ما شربت ...
فيلا يتجول بين عواصم الثلج تحت معطف مزركش
وتحت رداء ابيض في الدوحة و بيت الله كذلك ...
أما أنت أيها النائم الآن في العناية المركزة
عليك كي لا تغضب العالم الوحش :
أولا: أن تستسلم للطبيب الفاشل الذي أتوا به لينعشك.
ثانيا :أن تضع البعوضة والفيل في درج النسيان.
ثالثا( وهذا المهم): أن تخفي أضلعك تحت الغطاء
وتجفف أنهار الحزن التي في عينيك وترفع علامة النصر
كي تروجك الكاميرا جيدا للأسواق البعوض المنتظرين ....
عليك بكل هذا،
مادمت نسيت أن تحمل سكينك بين يديك
عندما كان الوقت ممكنا لهذا!
حذاء فان كوخ
صلاح بن عيّاد
ألبس حذاء «فان كوخ» المفرد
أرحل في الزَّيتيّ اللاّصق
أجرّ خيطيه الأسودين إلي خارج اللوحة
حذاء «فان كوخ» يلامس الطريق الآن
الطّريق اليابسة والطويلة
علي مرأي اللّحي الحمراء فوق الأرصفة
أحدّق في نظرتين متدحرجتيْن
من أعلي اللّوحة
أجرّ الخيطين إلي المنتهي
حذاء «فان كوخ» تآكل الآن
يتذكّر ركنه الزيتيّ المريح
أمضي به إلي اسكافيّ جائع
يستند إلي شجرة
الإسكافيّ المحدّق في قلق الذّباب
لن يفهم الإسكافيّ خيطيّ
لن يفهم بأيّ المسامير يُلصق «ذاك» ب«ذاك»
لن تكفي الألوان
لن تكفي فرشاتي
لحلّ عقدة الخيطين
لا شيء يكفي لاسترداد
عمق الحذاء في ركنه الزّيتي
أنا في الطريق أحمل الحذاء
إلي داخل اللوحة
الصيّاد
محمد الناصر المولهي
إنّه ينتظرني
يطلق عينيه المسعورتين ككلبيْ صيد
قرون من البرق الذي يلعق الريح بلسانه الحادّ
قرون من الصراخ والضوء المجروح
وهو يطحن فرائسه بمطرقة بيضاء
ويدق طبوله في ليل الأرامل واليتامي والعذاري
إنه ينتظرني
قرون من الصخور والفولاذ والبارود
قرون من الرمال الرمادية
وهو يشحذ يده المعقوفة
ويكسر الأرض علي ركبته ويشعل النار
إنه الآن يطلق عينيه إلي قلبي
لكنني أنتظره!
كلب يشرب من البركة
سفيان رجب
هذه البركة الساخنة هي أنا
بعد أن ذبت في محارق الخرائط والكتب!
هذه الطيور البرمائية في أحلامي المشلولة
بعد أن فقدت أجنحتها
فوق الأسرّة والأرصفة!
هذا الكلب الهزيل الّذي يأتي ليشرب
هو ملل السنوات الطّويلة
الّتي قضّيتها دون عمل
أشدّ البيت إلي المقهي
بسلسلة الخطوات البطيئة
حاملا علي ظهري قمرا آفلا
جلبته من سماء قريتي البعيدة
ليكون دليل عودتي إليها يوما ما!
هذا اللهاث الأزرق..
هو تحنيط للحظة طائشة
من عمر يتعفّن
في الجزء الّذي فتح من علبة الزّمن!
الزّهرة التي طوّقتها يداكَ
عبد العزيز الهاشمي
تلك التي نفختَ علي أطراف برعمها الفتيّ
تلك التّي غطيتَ أولي وريقاتها النّديّة
تلك التّي سخرتَ لها جنداً من عباد الشمسِ
وجاريةً من الأقحوانِ.
تلك التي ظلّلتها بشجرة الحنّاء
وحضنتها بأوراق الزّعرور الملفوفة .
الزّهرة التّي اعتنيتَ بها طويلاً
انبلجت علي نور قمر شاحبٍ
وأهدتْ نفسها لأولي النّحلاتِ العابثات
زهرتكَ يا صديقي لم تكن زهرَ «الفْريسْيَا» البريئة
لقد كانت زهرةَ نرْجِسٍ، تحترفُ الغواية.
مرآة
صابر العبسي
البِركة بين شُجيرات النّبق البرّيّ
منذ غسلتِ
مسامّكِ
وجهكِ
قرطكِ
نهدكِ
شعركِ فيها
كلّ صبايا القرية من عبق
يمشين علي بيْض الحجل.
ما إن يعبرْن بجانبها
ما إن يُبصرْن ملامحهنّ بها
يُصبحن فراشاتٍ.
ما نسيته هناك
وليد التليلي
الأجمل هو ما نسيته هناك
الأكثر حياة هو ما ظننته ميّتا
الأسماء التي سقطت من مفكّرتك حين بدأت الكتابة
التّجاعيد الشّاخصة إلي السّماء في انتظار المطر
الأصابع التي تسقي القمح بالعرق من أجل الخبز
النّساء العائدات من جنازة الفتي
البنت التي تكتب رسائلها بالعطر
الأب الذي طرده صاحب العمل،
وأختك التي كبرت في غيابه
حارس المدرسة
عصا المعلّم
الحكايات التي نسيتها في غمرة الدّهشة
كلّها بقيت هناك .. مع كلّ تلك الأشياء الجميلة
التي يخلّفها الأولاد في طريقهم
ليصبحوا رجالاً!
العالم مقلوب في كأسي
أمامة الزاير
القمر سائل منويّ
الرّيح كلب مسعور
نشرة الثّامنة بصيغة المضارع المنهوب.. مغلوب علي أمرها.
المذيعة تركّب المشهد وتفتعل نقطة نظام.
أصابع »الشّمك« تمسّح شعر اللّغة وتسرف في النّثر.
»سوار« التي لا تريد أن تنام تهفو إلي تمزيق الكتب الملقاة هنا وهناك.
الفوضي في بيتي... علي لسان سياسيّ لبق..
علبة الفلفل الأكحل تهدّد بالانسحاب فورا من مطبخي.
أشياؤه التي تعلق في قبقابي كلّما مررت بها..
نصّ فايسبوكيّ ملآن بأخطاء الرّسم..
علبة السّجائر منهكة علي «الكوميدينو» تنثر النّكات..
تتلوّي فرشاة الماكياج.
العلامات التجاريّة تتلاشي في قصائد النّثر الرّديئة.
المسلسل اليوميّ يتاجر بالاستعارات وبالمجاز وبعلوم الدّلالة.
(العالم مقلوب في كأسي
العالم درس أسلوبيّ لا أفهمه.)
1/ رضا الشّمك : موسيقيّ تونسيّ..
2/ سوار : ابنة الشّاعرة.
ليلة السّنوات التّسع
خالد الهداجي
حين خرجنا من الحانة آخر اللّيل
قالت :« لن أعود الي البيت»
لن أنام وحيدة هذه اللّيلة.
وأمسكت يدي
الغجرية المتوحّشة كانت تقطر أنوثة ...
وكنت مخمورا حدّ الثّمالة،
حين دخلنا غرفة باردة
أقفلت الباب جيّدا وراءها
وأشعلت عينيها
صرخت بكامل شهوتها :
«تسع سنوات كاملة وأنا أنتظر أصابعك لتعبث بشعري الغجري
تسع سنوات أنتظر النّوم علي صدرك ليلة واحدة ...»
تسع سنوات وأنا أحترق علي سريرالوحدة وأحلم بك
لكن أصابعي كانت نائمة ... وكنت مخمورا حدّ الثّمالة.
تلك اللّيلة رأيت شياطينها الحبيسة تنفلت من عقالها
لتنشب أظفار لهفتها في جسدي
وحين انقضّت عليّ ...
لم تجد شيئا منّي يطفيء حرائقها ...
كنت منطفئا ومخمورا حدّ الثّمالة
ثملا بامرأة أخري
امرأة رحلت وأخذت كل مفاتيحي ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.