ولد "كامل حسني" في 14 من إبريل 1929 في مدينة السويس، وحصل علي الشهادة الابتدائية في عام 1940، لكنه انقطع عن الدراسة، وانتقل مع أهله إلي الإسكندرية في عام 1946، ودفعته قوة الإرادة إلي مواصلة الدراسة، فنجح في الحصول علي "التوجيهية" بنظام "المنازل" عام 1952، والتحق بكلية الحقوق - جامعة الإسكندرية، حيث حصل علي ليسانس الحقوق عام 1958، والتحق بالعمل كموظف بمصلحة الجمارك ثم التحق بالدراسات العليا بالمعهد الجمركي، وكان ترتيبه الأول علي خريجي الدراسات العليا بالمعهد عام 1962 وتدرج في الوظائف الجمركية حتي وصل إلي درجة وكيل الوزارة قبل إحالته للتقاعد في عام 1989. وما بين مولده ورحيله عاش "كامل حسني" حياة حافلة نتج عنها عدد كبير من التلاميذ والمحبين ورصيد ضخم من الأعمال الإذاعية ؛ الدرامية والغنائية وأيضاً رصيد ضخم من الشعر والزجل. ويذكر التاريخ الأدبي للإسكندرية، أن "كامل حسني" طور فن الزجل وجعله حياً بين التيارات الأدبية الحديثة والمتنوعة، بما أمتاز به من موهبة متدفقة، شفافة، عميقة، وخبرة متنوعة. عشق وشغف وقد ورث "كامل حسني" عشقه للزجل وكتابته، عن جَدٍ له مغربي الأصل، كان ضابطاً بالجيش المصري، وكان ميسور الحال، وكان شغوفاً بالزجل وكتابته، فتشرب منه "كامل حسني" هذا الحب منذ طفولته، ثم بدأ يكتب الزجل مترجماً هذا الحب إلي عطاء، يتفق مع موهبته المبكرة. وكان "كامل حسني" منذ بداياته الأولي، حريصاً علي إشباع فهمه للقراءة الزجلية والشعرية الفصيحة، كما كان شغوفاً بالسِّير الشعبية والملاحم التراثية. وفي مرحلة الصبا، نشر بعض إنتاجه في ميدان الزجل بمجلات مثل: مجلة (المطرقة) ومجلة (البعكوكة) منذ عام 1940 وما تلاها. عطاء ومما يسجل لكامل حسني أنه امتلك علي الدوام طاقة العطاء الخلاق، والذي تمثل في تأسيس جمعية "أنصار الزجل" بالإسكندرية عام 1950 بالاشتراك مع الأديب - "محمد مكيوي" ثم كلل هذه الجهود بتأسيس جمعية "أدباء الشعب" بالإسكندرية عام 1954 والذي ظل رئيساً منتخباً لها حتي رحيله. وقد توالت أعمال "كامل حسني" الإبداعية، فنشر في عام 1953، مجموعة (أزجالنا)، وفي عام 1964 قدم الملحمة الزجلية الشهيرة "فارس بني مر" ثم مجموعة "ياريت كان بإيدي" 1986 و "فين الربيع" 1987، و "في نور القرآن" 1988، وأخيراً مجموعة "ع القهوة التجارية" 1989، يضاف إلي ذلك فوازير رمضان بالزجل لإذاعة الإسكندرية 1980، وأيضاً الدراما الإذاعية الشهيرة "صالح وصالحة" 1980، إلي جانب عدد من الأمسيات، منها أمسية عن "بيرم التونسي" 1981، ودراسة بعنوان "أبو بثينة، شاعر الشعب" 1984، فضلاً عن العديد من الأغاني والمسلسلات الشهيرة والتمثيليات الطويلة والقصيرة، وكذلك أكثر من خمسمائة حلقة في البرنامج الإذاعي الشهير "من أرشيف المحاكم" وأيضاً برنامج "حميدو" الذي كتبه للإذاعة السكندرية لمدة اكثر من عشر سنوات. وقد فاز "كامل حسني" بالجائزة الأولي في الزجل من وزارة الإرشاد القومي (الثقافة والإعلام) عام 1959 عن ملحمة "فارس بني مر" وجائزة أحسن برنامج قدمته الإذاعة المصرية 1966. بيرم التونسي وقد قال عنه الرائد الكبير - شاعر الشعب (بيرم التونسي) في حوار أجري معه ونشر بجريدة الأهرام عام 1964، قبل رحيله بعدة شهور، قال التونسي : (تسألونني من أراه يخلفني في كتابة الزجل، أقول لكم : لقد قرأت في (الأسبوع الماضي) عملاً رائعاً عنوانه: "فارس بني مر" لزجال سكندري شاب يدعي "كامل حسني"، أري أنه سوف يتفوق علي من قبله ومن بعده أيضاً ..) كما قال عنه الرائد الكبير "د. حسن ظاظا" : "كامل حسني" فنان يعرف ما يريد في الشكل والمضمون جميعاً، يغلف لك الجمال في أبهي ما تشتهيه، وكأنما وجده علي طريقه عفواً، دون طلب أو تعب، بحيث يأتيك صافياً نقياً، لا تشم فيه العرق ولا تسمع فيه الزفير، ولقد عاش "بيرم التونسي" حتي رأي "كامل حسني" في كامل قدرته علي أن يحمل لواء الأدب الشعبي من بعده، وأن يغني فيه أناشيد النصر والبطولة التي ما كانت تخطر بالبال .." الفنان والانسان ويقول عنه عالم الأدب الكبير أ.د. محمد زكريا عناني: "هناك الكثير والكثير مما قيل ومما ينبغي أن يقال عن كامل حسني الفنان، وكامل حسني الإنسان، بكل طاقات الخير والنقاء والإيمان بالله، وبمحبته الفياضة لوطنه، بترابه وأهله وبكل مافيه ومن فيه.. إنه أحد الأدباء الذين صفت قلوبهم وأضاء الله بصيرتهم، وكرسوا كل طاقاتهم للخير وللإنسانية وللقيم النبيلة التي آمن بها منذ صباه.." وفي الحقيقة والكلام مازال للدكتور - عناني: "إن انتاج كامل حسني غزير ومتنوع ومتدفق، ولو أردنا أن نستشهد بشيء منه لوجدنا أنفسنا أمام عشرات القصائد النابضة بالفن والحياة. وله أيضاً ديوان كامل بعنوان "من نور القرآن" فضلاً عن إسلامياته العديدة المكتوبة في سائر دواوينه. وقد كتب "كامل حسني" عن أعلام الإسكندرية من الأدباء والفنانين والزجالين، ومن ذلك ماكتبه عن "سيد درويش" في قصيدة طويلة مليئة بالصور الفنية المتألقة، وفيها الحركة والوفاء والروح السلسة العذبة . كما كتب "كامل حسني" الكثير عن "الكمشوش" و "رشدي عبد الرحمن" والخطاط المعروف "محمد إبراهيم" - مؤسس أول مدرسة للخطوط بالإسكندرية، وعم "سيف ونائلي" و"عبد المنعم الأنصاري" وغيرهم. وهناك ملمح فني مهم في انتاج "كامل حسني"، يتمثل في تنوع الأشكال الفنية، فإلي جانب القصيدة والأغنية والفزورة، تأتي هذه الأعمال الدرامية والملحمة مثل:"فارس بني مر" وأيضاً "صالح وصالحة" التي كان لها أكبر الأثر في إذاعة اسم كامل حسني وانتشاره بين جمهور الاسكندرية والبحيرة بل وجماهير المحافظات الأخري، داخل مصر، علي إثر تقديمها من خلال إذاعة الاسكندرية في الثمانينات، والتي أخرجها للإذاعة الراحل "حسين أبو المكارم"، وهي تتكئ علي أسطورة شعبية انتقاها "كامل حسني" بفطنة بالغة، واعتمد فيها علي شخصية "الراوي" التي تلخص المواقف العديدة تمهيداً لحركة الشخصيات. وهذا العمل مطبوع ومتداول في كتاب من 150 صفحة من القطع المتوسط. وفي هذا العمل - كما يقول أ.د. محمد زكريا عناني - نجد تكامل الأبعاد جميعاً وفقاً لمنظور الأدب الشعبي: مضموناً ومعالجة.. ومن هنا فالقارئ أو السامع يعيش من خلال حكاية الأخوين "صالح وصالحة" في الأجواء ذاتها.. التي نهلت منها الأعمال الملحمية والدرامية الشعبية العربية، كما أنها تتفق في "الفحوي" والتي تعود علي الدوام إلي انتصار الخير علي الشر. منافذ الشهرة: ولقد تحققت الشهرة الكبيرة لكامل حسني - كما يقول "د. فوزي خضر" بواسطة عدة منافذ كان أولها النشر، فقد اهتم بنشر أزجاله منذ أن كان عمره أحد عشر عاماً في عام 1940، وذلك في مجلتي "البعكوكة" و "المطرقة" وكانتا واسعتي الاتشار، ولم يتوقف عن نشر انتاجه. وثاني هذه المنافذ تمثل في المنتديات الأدبية، التي كان يلتقي فيها بالشعراء والأدباء والكتاب والزجالين والفنانين والصحفيين وغيرهم، وكان لقاء "الأزاريطة" الذي كان يعقد علي الرصيف أمام دكان أبي رواش، من أهم هذه اللقاءات، وقد واظب "كامل حسني"، علي حضوره ما يقرب من الخمسين عاماً. أما ثالث هذه المنافذ، فقد تمثل في "جمعية أدباء الشعب" التي ضمت عدداً كبيراً من الزجالين، والتي انضم إلي عضويتها زجالون آخرون من القاهرة ومن محافظات مصر المختلفة، وكان فيها تلاميذ "كامل حسني" ومريدوه، يتجمعون حوله وينهلون من عطائه. أما المنفذ الرابع لشهرة "كامل حسني" فقد كان إذاعة الاسكندرية، وقد خلق له شهرة عريضة، بما قدمه من أعمال مختلفة للإذاعة نالت إعجاب المستمعين علي اختلاف طوائفهم. تألق.. وتجدد ولقد أتقن كامل حسني الإنجليزية وعرف قدراً من الفرنسية - كما يقول الشاعر الكبير - أحمد مبارك - الأمر الذي مكنه من الاطلاع علي الأدب الغربي في تنوعه. ولأنه تحقق له الاستقرار المادي والاجتماعي، فقد كان يشغل وظيفة مهمة في مصلحة الجمارك بالإسكندرية، الأمر الذي أعانه علي مواصلة الإطلاع، وهذا ما افتقده عدد غير قليل من زجَّالي الإسكندرية وأدبائها الشعبيين - علي حد قول الشاعر - مبارك. ولقد تألق نجم "كامل حسني" في الإسكندرية كشاعر عامية وزجَّال وأديب شعبي وكاتب دراما أصيل ومتجدد في آن واحد، منذ بداية الستينات. ولقد أضاف "كامل حسني" كما يقول - أحمد مبارك - لحركة الشعر العامي، في مصر كلها، لا في الإسكندرية وحدها، بحسبان أنه رائد من رواد الشعر العامي. وازداد تألق "كامل حسني" الذي تعززه وتنميه ثقافة متنوعة ومطَّردة علي مر السنين، غير أن هذا التألق الإبداعي وتلك الثقافة الواسعة وهذا الذيوع المبكر والمستمر لإبداعه في مجال الأدب الشعبي علي تنوعه.. وتألق اسمه ككاتب دراما غنائية، وأيضاً شهرته كشاعر غنائي رقيق، غير نمطي الأفكار وما شغله من مواقع أدبية وفنية مهمة علي مدي سنوات طويلة، كعضو لجنة اختيار النصوص الغنائية والدرامية في إذاعة الاسكندرية، وكرئيس منتخب لجمعية أدباء الشعب . أقول.. إن كل هذه الأمور، لم تؤثر بالسلب، علي سمة محببة من سماته الشخصية، وهي ذلك الحب الفياض الذي كان يغمر به زملاءه من زجالي الإسكندرية وأدبائها الشعبيين وأيضاً الذي كان يفيض به علي تلامذته ومريديه. لقد كان "كامل حسني" حانياً وموجهاً لتلاميذه ومريديه، ...يقدم بالنقد والتعليق اصداراتهم، ويتبني مواهبهم ويقيم المسابقات المحفزة لهم، وكان حنوه يمتد بحكمة أبويه إلي المبتدئين وأصحاب المواهب المتواضعة، بغية أن يتخلصوا من نواحي القصور. لم يقْسُ "كامل حسني" يوماً، في نقده وتعليقه علي أي زجَّال أو أديب شعبي، أياً كان مستوي إبداعه.. وكان موجهاً عاقلاً، يوجه من يريد، بغير تجريح أو إحباط. لقد أحب الجميع إبداعه وشخصه، وقد وصل هذا الحب إلي درجة الإجماع، وذلك نادراً ما يحدث في الساحة الأدبية والثقافية..ولقد أثر كامل حسني في الحياة الأدبية بالكثير من اعماله وكتاباته وانتاجه المتميز في مجال الشعر والزجل والأدب الشعبي والدراسات الأدبية المختلفة . لكل هذه الأسباب وغيرها، ظل "كامل حسني" نموذجاً للأديب الذي أحبه الجميع علي مدي عمره الإبداعي، حتي رحيله في الثامن عشر من أغسطس 2008.