الباحث الإسلامي المعروف د.محمد كمال إمام "رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" حملته حياة الجندية من صفوف المقاتلين إلي صفوف الشئون المعنوية، في واحدة من أحرج فترات الاشتباك.. فقد كان طالبا مغتربا من صعيد مصر نزح إلي الإسكندرية لدراسة القانون، وشهدت السنة النهائية لدراسته بكلية الحقوق نكسة 1967م، وقد سادت بعدها حالة من الغضب في الشارع المصري وجامعات مصر الأربع "آنذاك" خاصة بعد سقوط عدد من أبنائنا الشهداء دون حرب أو معركة حقيقية وكان من بينهم علي حد قوله صديقه وابن قريته الشهيد محمود خليل الذي أطلق اسمه علي إحدي المدارس الإعدادية بمدينة إسنا بمحافظة قنا. بعد انتهاء الحرب والقول لكمال تم استئناف الدراسة بالجامعات عام 1968 وحصلت علي ليسانس الحقوق وجاء وقت أدائي الخدمة العسكرية فالتحقت بالقوات المسلحة كجندي بإحدي كتائب الدفاع الجوي وامتدت فترة تجنيدي حتي نهاية عام 1973 عندما انتصرنا في أكبر معركة عسكرية في التاريخ المعاصر. كانت كتيبته مسئولة عن حماية عدد من الكباري والقناطر والخزانات وقد تولي الخدمة بكوبري قصر النيل وقناطر إسنا ونجع حمادي حتي توسم فيه قائده سعة الثقافة الدينية، حيث التحق للعمل بالإذاعة المصرية قبل دخوله الجيش بشهر واحد. فقرر أن يستعين بقدراته في التوجيه المعنوي لكتائب الجيش وحث الجنود علي أهمية القتال، والربط بين القيم الإنسانية والانتماء للوطن والقيم العسكرية والإسلامية. وكان لإدارة التوجيه المعنوي مجلة شهرية تصدر باسمها كما كان لها برامج ودورات تدريبية.. أحدثت تأثيرا يبدأ في الوحدات العسكرية، خاصة في الأعوام التي تعجلت فيها طوائف الشعب القتال. وخرجت مظاهرات الطلبة "في عام الحسم" مما أثار مشاعر الجنود.. وهنا جاء دور إدارة التوجيه المعنوي لإيضاح الفرق أمام الجنود بين الرغبة في القتال وقرار القتال.. وعلي الجندي أن يرابض علي الحدود تملؤه الثقة بنصر الله وقدراته وحكمة القيادة السياسية. ويذكر د.محمد كمال أنه حصل علي تصريح بالزواج في عام الحسم "سبتمبر 1972" ولم يصدق وقتها نفسه! لكن أكثر ما كان يؤلمه وقتها هو غياب وجوه اعتاد رؤيتها في محاضراته إلا أنها استشهدت اثر انطلاقها لخطوط العدو في عمليات علي الضفة الغربية خاصة في منطقة الفردان! لا يستطيع كمال محو صورة مدينة السويس عندما دخلتها القوات المصرية في حرب أكتوبر، فقد كانت خاوية علي عروشها.. مهدمة المنازل تفوح منها رائحة الموت في كل مكان، وكأن بشرًا لم يسكنها بعد التهجير، ولكن الحقيقة أن فرق المقاومة الشعبية من أبناء السويس تحصنوا بمدينتهم وكانوا يشنون غارات من آن لآخر علي فصائل الجيش الإسرائيلي ووحداته هناك وقد اصطحبه عدد من قادة المقاومة لمنافذ الهجوم التي اشترك فيها شباب السويس مع فرق الجيش فيما عرف بملحمة السويس. أما الثغرة التي يتحدث عنها الكثيرون وكان لها وقع آخر بين كتائب الجيش فلم يكن معظم الجنود علي علم بها إلا بعد فترة، حيث وصلت لبعضهم أخبارها عن طريق الصدفة من إذاعات العدو وظنها البعض شائعة، لكن هذا كان ضمن التخطيط العسكري أيضًا حتي لا يتزعزع حماس الجنود خاصة أنه تمت السيطرة عليها بالفعل سياسيًا وعسكريًا.