بدأت مصر عهدا جديدا.. يحكمنا رئيس مدني.. يراه الكثيرون عهد الجمهورية الثانية وأراها فترة انتقالية تمهيداً للجهورية الثانية التي نتمناها.. دستور يليق وإصلاح تشريعي وقانوني وفصل بين السلطات وتطلع لآفاق المستقبل.. لذا من الضروري أن أطالب أهل المغني «المؤلف والملحن والمغني» من خلال هذه الصحيفة وهذه الصفحة أن يبتعدوا عن نفاق الحاكم وتملقه وأن يغنوا لمصر فقط، وإذا تتبعنا مسيرة الأغنية الوطنية منذ أحداث ثورة 1919 وحتي الآن نجد الجميع غني لمصر وتغني في سبيل حريتها ونيل استقلالها، ثم بدأ سيل من المديح- اللفظ المدلل للنفاق - مع صعود الملك فاروق عرش مصر، ثم انفجرت ماسورة النفاق من الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك. انفعل سيد درويش بثورة الشعب في 1919 وأوحت إليه بألحان وطنية ثورية ساعدت علي ايقاظ روح المقاومة الشعبية ضد الاستعمار البريطاني وضد الرأسمالية الأجنبية التي كانت تسعي دائما إلي تحطيم القوي الوطنية، لحّن درويش 22 نشيدا منها: قوم يا مصري- أنا المصري - فليعش وطنا وحدته أملنا مصر وطنا سعدها أملنا. ويظل نشيد «بلادي بلادي» الأبقي والأشهر وهذا النشيد أخذ مؤلفه محمد يونس القاضي مطلعه من خطاب للزعيم مصطفي كامل في عام 1907 جاء فيه: بلادي بلادي لك حبي وفؤادي.. لك حياتي ووجودي لك دمي، لك عقلي ولساني، لك لبي وجناني فأنت أنت الحياة ولا حياة إلا بك يا مصر. ومن أشهر أغنيات الثورة «يا عم حمزة إحنا التلامذة» التي كتبها زكي الطويل «والد الموسقار كمال الطويل» ولحنها الدكتور محمود أحمد الحفني «عالم الموسيقي ووالد الدكتورة رتيبة الحفني»، النشيد كان تحية لدور طلبة المدارس الذين خرجوا في مظاهرات عارمة وألقت السلطات القبض علي 300 منهم ثم ساقتهم إلي سجن القلعة، وكان سجانهم عم حمزة الذي رفض إطاعة الأوامر التي صدرت إليه بأن يكون قاسيا في معاملتهم: يا عم حمزة إحنا التلامذة، ما يهمناش في السجن نبات ولا المحافظة/ واخدين ع العيش الحاف والنوم من غير لحاف/ مستبيعين ناس وطنيين احنا التلامذة. في عام 1920 تكونت لجنة برئاسة جعفر والي باشا دعت إلي وضع نشيد وطني ففازت ثلاث هي لأحمد شوقي ومصطفي صادق الرافعي والهواري. نشيد شوقي لحّنه سيد درويش ومطلعه: بني مصر مكانكموتهيا، فهيا مهدوا للملك هيا/ خذوا شمس النهار له حليا/ ألم تك تاج أولكم مليا. في عام 1927 رحل سعد زغلول فرثته أم كلثوم بأغنية كتبها أحمد رامي ولحنها محمد القصبجي: إن يغب عن مصر سعد فهوبالذكري مقيم/ ينضب الماء ويبقي بعده النبت الكريم.. وغنتها في مناسبة أربعين الزعيم في بيت الأمة وفي حضور صفية هانم زغلول أم المصريين. فاروق وبداية النفاق تربع كل من أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب علي عرش الغناء مما يجعلهما يتحملان المسئولية نحوالمطالبة بالاستقلال والذود عن الوطن لكنهما - وللأسف - تماديا في نفاق الملك فاروق وإن كانت أم كلثوم أكثر. عندما تولي فاروق غنت «الملك بين يديك» كلمات أحمد رامي ولحن رياض السنباطي، فبمناسبة عيد ميلاد الملك في فبراير 1937 غنت «اجمعي يا مصر» لرامي السنباطي، وفي 20 يناير 1938 «أشرقت شمس التهاني» بمناسبة زواج فاروق بالملكة فريدة، وفي 18 نوفمبر من نفس العام «يا أغاني السماء» لميلاد الأميرة فريال، وفي العيد الأول للزواج الملكي غنت «ارفعي يا مصر»، و«لاح نور الفجر» في عيد جلوس الملك في 6 مايو1941، و«أميرة الوادي» في 26 ديسمبر 1942 في مناسبة ولادة الأميرة فادية، ثم «مبروك علي سموك» في 5 يونية1947 في زواج الأميرة فوزية والأغنيات جميعها كلمات رامي ولحن السنباطي، ولها أيضا «يا مليكي» وأذُيعت في الإذاعة المصرية لأول مرة في 17 أغسطس 1936 و«يا وطن» لرامي ومحمد القصبجي في حفلة ملكية في 7 فبراير 1942، ولا ننسي الحفلة الشهيرة في 24 سبتمبر 1944 في النادي الأهلي وغنت فيها «يا ليلة العيد» وأنعم عليها فاروق بنيشان الكمال، وأقيمت لتكريمها حفلة في دار الأوبرا شهدها جمهور كبير من بينهم الوزراء والرسميون وعزفت فرقة موسيقي بقيادة محمد حسن الشجاعي موسيقي «العشرة الطيبة»، ومن الثابت أن أم كلثوم ذهبت إلي مبني الإذاعة بعد ثورة يوليو1952 ومسحت كل أغنياتها لفاروق والعهد البائد كما كان يطلق عليه إبان الثورة. لمحمد عبدالوهاب رصيد من الأغاني الوطنية استهلها عام 1933 ب«حب الوطن فرض علي» ومنها «هتف الداعي ونادي للجهاد» و«مصر نادتنا» و«أيها الخفاق في مسري الهوي» و«مين زيك عندي يا حضرة» وغني نشيدا لبنك مصر، ومع ذلك تمادي هوالآخر في نفاق الفاروق ومما غناه «هل الشباب في مواعيدك زاهر وجميل» وهناك أغنية أخري مسجلة علي اسطوانة جاء فيها: أنزلت آية الهدي في جبينك/ فإذا الشرق كله طور سينك/ حسدتك الأنهار حين أتاها/ فاروق من هواك وطينك.. وقد منعت السراي تداول الأغنية. في أغنية «الفن» التي كتبها صالح جودت وغناها عبدالوهاب عام 1945 يقول: الفن مين يوصفه إلا اللي عاش في حماه/ والفن مين يعرفه إلا اللي هام في سماه/ والفن مين أنصفه غير كلمة من مولاه/ والفن مين شرفه غير الفاروق ورعاه، ويواصل: انت اللي أكرمت الفنان ورعيت فنه/ رديت له عزه بعدما كان محروم منه/ ورويت فؤاده بالألحان برضاك عنه/ الفن جنة بتسحرنا بألوانها/ نعيش علي زهرها ونغني ألحانها/ إحنا تاج البلاد في الجنة سكانها/ وانت راعيها وحارسها ورضوانها. مواكب العز فيلم «غرام وانتقام» 1944 قصة وسيناريووحوار وبطولة وإخراج يوسف وهبي آخر طلة لأسمهان علي جمهورها حيث ماتت في حادث سيارة بعد تصوير الفيلم مباشرة وفيه غنت ست أغنيات، منها «مواكب العز» أونشيد الأسرة العلوية كما يطلق عليها البعض كلمات أحمد رامي ولحن رياض السنباطي وتبدأ: أنا بنت النيل أخت الهرم/ قد صحبت الدهر منذ القدم. وتتحدث الأغنية عن محمد علي والخديوإسماعيل والملك فؤاد وبالطبع فاروق حاكم مصر في ذلك الوقت: حيوا معي عهد الربيع المقبل/ حيوا معي فاروق كنز الأمل. لم تستفد اسمهان شيئا من هذه الأغنية ورحلت قبل عرض الفيلم الذي حضر الملك فاروق عرضه الأول - وهذه مرة أولي ووحيدة- لينعم علي يوسف برتبة «البكوية». العهد الجديد وكما كانت أيام فاروق استمر مع عبدالناصر بعد ثورة 1952 حيث كان عبدالوهاب وأم كلثوم أول من بدآ الغناء لناصر وذلك عام 1954 بعد حادث المنشية الشهير ومحاولة اغتياله، غني له عبدالوهاب «تسلم ياغالي ألفين سلامة» كلمات عبدالمنعم السباعي، وغنت أم كلثوم من كلمات بيرم التونسي ولحن السنباطي «ياجمال يامثال الوطنية أجمل أعيادنا المصرية بنجاتك يوم المنشية» وهكذا سبقا صوت الثورة أومغنيها «عبدالحليم حافظ» كما كان يطلق عليه والذي بدأ يلمع بعد 1956 وخاصة في نشيد «الوطن الأكبر» و«حكاية شعب» و«صورة» وغيرها. غني المطربون للأحداث التي تلت قيام الثورة: الجلاء- العدوان الثلاثي- التصنيع- الوحدة مع سوريا والقومية العربية - بناء السد العالي- التحول الاشتراكي- هزيمة يونية 1967 - إعادة البناء من جديد تمهيدا للعبور، وكان الفنانون يلهثون خلف الأحداث يحاولون اللحاق بها في أعياد الجلاء والثورة كانوا جميعا يشاركون في الاحتفلات بدءا من أم كلثوم وعبدالوهاب مرورا بعبدالحليم وفريد الأطرش وشادية ونجاة وفايزة أحمد ومحمد قنديل وفايدة كامل وصولا للأجيال التالية والأصوات الجديدة، وفي عام 1962 وبمناسبة مرور عشر سنوات علي حدث الثورة تم تسجيل 100 أغنية بالإذاعة المصرية وهذا الرقم له دلالة خاصة علي «تجييش» أهل المغني للحديث عن الثورة. أظن أنه من حقنا بعد مرور 60 سنة علي الثورة لنا أن نتوقف أمام أغنياتها ونتساءل: هل كانت تعبيرا عن واقع؟ أم نفاقا لسلطة حاكمة؟ هل استحسن العسكر المديح والإطراء؟ هل لنا أن نرد الاعتبار لأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسي اللذين أصبحا «صوت الشعب» في مقابل «صوت السلطة الرسمية» واستطاعا التعبير عن الفساد السياسي والإداري الذي أصاب المجتمع وانحرف بالثورة عن مسارها الصحيح وأهدافها النبيلة؟ وبعد عبدالناصر أتي السادات ثم مبارك «المخلوع الذي أصبح الآن السابق» واستمر نفس السيناريو تسبيحاً بحمد الحاكم الحالي وتمجيداً لشخصه وما يفعله وإلغاء إذاعة أغنيات من سبقه، فكانت أغنيات العبور والسلام وقول «ياسادات ياللي كلامك حكم قول الشعب حايقولك نعم»، ثم في عهد مبارك التغني بالضربة الجوية الأولي وعودة سيناء و«اخترناه وبايعناه وعلي حياتنا استأمناه». قليلة هي الأغنيات والأناشيد التي تحدثت عن مصر الوطن ولعلها التي عاشت وستعيش ونسعد عندما نستمع إليها وحدث ذلك الأيام الأولي لثورة يناير المجيدة أن استعدنا أغنيات من زمن فات.. ومن وجهة نظري الشخصية أري أن هذه الأغنيات التي تغنت للوطن فقط وسمت فوق الأشخاص والأحداث: «بلادي بلادي» لسيد درويش، «حب الوطن فرض علي أفديه بروحي وعنيا» لعبدالوهاب، «ياحبنا الكبير والأول والأخير» لأم كلثوم، «صورة» لعبدالحليم حافظ، «سنة وسنتين» لفريد الأطرش، «ياحبيبتي يامصر» لشادية، «مصر يا امّه يابهية» للشيخ إمام، «حبيت بلدي وعشان بلدي أنا عايزك تكبر ياولدي» لسيد إسماعيل، «ياحبايب مصر» لعليا التونسية، «تعيشي يابلدي» للمجموعة، «سلمولي علي مصر» لصباح، «اسلمي يامصر» للمجموعة، «مصر هي أمي» التي غناها فؤاد المهندس في فيلم «فيفا زلاطا» ثم غنتها عفاف راضي بعد ذلك واستمعت مؤخراً ل«بكره جاي أجمل» لمحمد الحلوونادية مصطفي، وهذا ما نتمناه جميعا.