رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» بالمقر البابوي    «تصدير البيض» يفتح باب الأمل لمربي الدواجن    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحذف هيئة تحرير الشام من "الكيانات الإرهابية"    بوتين ومودي يتفقان على زيادة حجم التجارة وتعزيز العلاقات بين الهند وروسيا    رابط مشاهدة مباراة مصر والامارات قمة نارية في لوسيل: استعدادات قوية قبل صدام مصر والإمارات في كأس العرب 2025    عاجل.. صدام قوي بين الجزائر والبحرين اليوم في كأس العرب 2025 وتفاصيل الموعد والقنوات الناقلة    العثور على جثمان شاب غرق فى نهر النيل بمدينة إسنا    يطرح قريباً.. ظهور زوجة مصطفى قمر في كليب «مش هاشوفك»    عمرو مصطفى وظاظا يحتلان المرتبة الأولى في تريند يوتيوب أسبوعًا كاملًا    منى زكي تُشعل الجدل بفيلم «الست» عن أم كلثوم    بدائل طبيعية للمكمّلات.. أطعمة تمنحك كل الفائدة    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    اليوم.. محاكمة عصام صاصا و15آخرين في مشاجرة ملهى ليلي بالمعادي    أولى جلسات محاكمة مسؤول الضرائب وآخرين في قضية رشوة| اليوم    هي دي مصر الحقيقية، طالبة تعثر على آلاف الدولارات بساحة مسجد محمد علي بالقلعة وتسلمها للشرطة (صور)    رئيس الهيئة العربية للتصنيع: «إيدكس 2025».. منصة لإظهار قدراتنا الصناعية والدفاعية    أيمن يونس: منتخب مصر أمام فرصة ذهبية في كأس العالم    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    مروان بابلو يتألق في حفله بالسعودية بباقة من أقوى أغانيه (فيديو)    قائمة بيراميدز - عودة الشناوي أمام بتروجت في الدوري    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    النائب عادل زيدان: التسهيلات الضريبية تدعم الزراعة وتزيد قدرة المنتج المصري على المنافسة    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    الأردن يرحب بتمديد ولاية وكالة الأونروا حتى عام 2029    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    محمد موسى يكشف كواليس جديدة عن فاجعة مدرسة «سيدز»    «بيصور الزباين».. غرفة تغيير ملابس السيدات تكشف حقية ترزي حريمي بالمنصورة    النائب ناصر الضوى: الإصلاحات الضريبية الجديدة تدعم تحول الاقتصاد نحو الإنتاج والتشغيل    وكيلة اقتصادية الشيوخ: التسهيلات الضريبية الجديدة تدعم استقرار السياسات المالية    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    احفظها عندك.. مجموعات كأس العالم 2026 كاملة (إنفوجراف)    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    أحمد مجاهد ل العاشرة: شعار معرض الكتاب دعوة للقراءة ونجيب محفوظ شخصية العام    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    البلدوزر يؤكد استمرار حسام حسن وتأهل الفراعنة فى كأس العالم مضمون.. فيديو    "بعتيني ليه" ل عمرو مصطفى وزياد ظاظا تتصدر تريند يوتيوب منذ طرحها    مسئول أمريكى: قوة الاستقرار الدولية فى غزة قد تُصبح واقعًا أوائل عام 2026    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    تباين الأسهم الأوروبية في ختام التعاملات وسط ترقب لاجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل    رسالة بأن الدولة جادة فى تطوير السياسة الضريبية وتخفيض تكلفة ممارسة الأعمال    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    بيل جيتس يحذر: ملايين الأطفال معرضون للموت بنهاية 2025 لهذا السبب    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    جامعة الإسكندرية تحصد لقب "الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا" لعام 2025    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد الشعري والقصصي والروائي في بلاد الرافدين
نشر في القاهرة يوم 03 - 07 - 2012

مما لاشك فيه أن الحديث عن أدب وثقافة العراق، في هذه الفترة بالذات، له أهمية استثنائية، "ذلك لأن بلداً عريقاً بحضارته، ومتميزاً بإبداعاته، مؤثراً في حضارات الأمم والتاريخ الثقافي العربي والإنساني، تتعرض ثقافته للتدمير والتهميش، ويواجه مبدعوه التشريد في المنافي، خاصة بعد سقوط بغداد في العام 2003" علي يد "هولاكو العصر"، وغياب الدولة، وقيام حكومات صورية لا تعبر عن جذور هذا البلد العريق..!! وليس من شك، أن بلاد الرافدين / العراق، "كانت منذ أكثر من سبعة آلاف عام تحتضن حضارات الآخرين، والهجرات الجماعية لأقوام مختلفة، وكانت هذه الأعراق تنصهر في بوتقة حضارات الرافدين، لتُنَشِئَ سلسلة حضارات منذ ما قبل "كلكامش / جلجامش" برحلته الأسطورية وبنصه الشعري المسرحي الروائي، الذي اعتبرته البشرية أول نص مكتوب في أول لغة عرفها الإنسان" لم يعرَف العراق بهجرة أبنائه، لا في تاريخه القديم ولا المعاصر، رغم تعرضه إلي نحو أربعة وأربعين احتلالاً عسكرياً، كان آخره الاحتلال التتري المعاصر في العام 2003، الذي كان من أهم أهدافه غير المرئية والمتُعَمَّدة والمدروسة أيضاً، الدفع بالإنسان العراقي إلي ترك بلاده، في محاولة لإفراغ العراق من مبدعيه ومفكريه، فكانت الهجرة الجماعية من العراق والتي كانت بدايتها في أواخر القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي والتي تقدرها آخر الإحصاءات الرسمية بنحو مليون وستمائة ألف مواطن عراقي، حتي اصبحت المنافي والشتات مأوي لأبناء واحد من أهم وأغني بلدان الوطن العربي ..!! وفي هذا الصدد يقول الكاتب والأديب العراقي الكبير - "عبدالإله عبدالقادر": "جيلنا هو أحد أسباب هذه الإخفاقات والتراجعات والانهيارات أو حتي الانكسارات، فلقد ساهمنا بإرادتنا أو بغياب وَعىِّنا، في تشكيل السلطات الحاكمة، ولم نحاول أن نحدَّ من جبروتها أو نسقطها أو نغيرِّها، فقد تنازلنا أيضاً عن أمننا الجماعي إلي أمن فردي .." ومع الاعتراف، بأن أي باحث في الشأن العراقي، لن يستطيع أن يقيم الحالة الإبداعية للإنتاج الأدبي العراقي، تقييماً حقيقياً كاملاً، ذلك للانقطاع الحاد الذي حدث بين المبدعين داخل الوطن وخارجه، جراء الظروف التي تعرضت لها البلاد، كما أن هناك بالطبع تجارب جديدة قد ولدت وأسماء شابة قد ظهرت، لا نستطيع التعرف عليها في الداخل والخارج، لا نستطيع التعرف عليها أو حصرها أيضاً في الخارج . ورغم كل ذلك، فقد كان وسيبقي العراق بؤرة إبداع متصل، بدءاً من عصوره الحضارية الأولي، وصولاً إلي إبداعات شبابه المعاصرة، في شتي النواحي الأدبية. المشهد الشعري إن المشهد الشعري العراقي، يمتد إلي ما قبل قيام العباسيين وبناء بغداد، بل قبل ذلك بعقود، فلابد لنا أن نذكر هنا، ما أُنجز في مدرستي الكوفة والبصرة النحويتين، وما حققه "الخليل بن أحمد الفراهيدي" في مجال عَروض الشعر، وما أنجزه "سيبويه" و"أبو الأسود الدؤلي" في مجال النحو، ولا ننسي جمهرة الشعراء الذين طَرَّزوا تاريخ الشعر العربي، حتي اليوم، مروراً بما أَنجزه أعلام الشعر العربي، في العراق، في النصف الأول من القرن الماضي / العشرين مثل : ("معروف الرَّصافي، والزهاوي، وأحمد الصافي النجفي، والحَيوي، ومحمد مهدي الجواهري") وتواصلاً مع حركة التجديد الخمسينية للشعر العربي والثورة التي أحدثها "شاكر السَياب، ونازك الملائكة" في الشعر العربي، وخلق قصيدة "التَفعِّيلة" التي أثراها وطَوَّرها جيل من كبار الشعراء مثل : "محمود البريكان، فاضل العَزَّاوي، وعبد الوهاب البىَّاتي" وغيرهم، والتي أصبحت بوابة لانطلاقة الحداثة الجديدة في الشعر، إذ لولا هذه الثورة الشعرية، لما وصلنا إلي القصيدة الحديثة والتي كان العديد من شعراء جيل الوسط في العراق، من خيرة أعلامها مثل : "سركون بولص، يوسف الصائغ، ومحمد سعيد الصَكَّار" وغيرهم كثيرون، من الذين تبنوا الحداثة الشعرية، وحققوا فيها العديد من الإنجازات، كما يقول - عبدالإله عبد القادر . إن المشهد الشعري في العراق لا يحتاج تقييماً نقدياً عاماً، فالحركة الشعرية هناك في حِراكٍ دائم، فالعراق بؤرة شعرية متواصلة منذ القدم، وقد نشطتها الحروب والانهزامات والانكسارات، ذلك لأن الشعر هو إبداع اللحظة والوَمْضَة، وما أكثر ما يتعرض له الشاعر العراقي من استفزاز إنساني، لكنهم - علي حد قول عبدالإله عبدالقادر "يتكاثرون، حتي إنني أعتقد أن عدد شعراء العراق، بعدد نخيله، وقد استطاعت السلطات القمعية المتتالية علي حكم هذا البلد أن تقطع رؤوس ملايين النخيل، وتحصد الرؤوس البشرية، إلا أنها لم تستطع أن تخرس صوت الشعر .." المشهد الروائي والقصصي لقد بدأ الأدب العراقي الاهتمام بالقصة والرواية والتعرف علي روائع الأدب العالمي منذ بداية القرن الماضي/ العشرين، خاصة أعمال : "تولستوي وتشيكوف وجوركي وديستويفسكي وإميل زولا والأديب التركي رشاد نوري"، وغيرهم، وذلك عبر الترجمات التي بدأت تظهر في الأدب العربي، وقد بدأ العرب التعرف علي هذا الأدب العالمي، علي الرغم مما لديهم في التراث من مقامات وحكايات، وما تركته "ألف ليلة وليلة" والسير البطولية المعروفة، من أثر في أدبنا العربي . ويقول د. "علي جواد الطاهر" - "ربما يكون الأديب العراقي - عبدالحق فاضل" هو أول من كتب في العام 1936، أول قصة وهي بعنوان "مجنونان" والتي صدرت في الموصل عام 1939 عن "مطبعة أم الربيعين"، وقَدَّم "الطاهر" دراسة تحليلة لها عام 1987 وقد صنَّفها علي أنها تطويلاً لقصة وليست قصة طويلة، محاولاً أن لا يخلط هذه القصة بالرواية أو تجنباً للخلط وذلك من وجهة نظره . ومنذ أن نشر "عبدالخالق فاضل" قصته أو عمله الإبداعي الرائد "مجنونان" ظلت الساحة الأدبية، لا تنشر إلا القصص القصيرة، وذلك حتي العام 1948، عندما نشر "ذو النون أيوب" روايته الأولي "الدكتور إبراهيم" ثم روايته الثانية "السيد والأرض والماء" إلا أن "الطاهر" لم يصنفهما أيضاً كروايتين، ونجده يعترف بأن أول رواية عراقية مكتملة، هي رواية "أناهيد" التي كتبها "عبدالله نيازي" في العام 1935، وقد أكد ذلك أيضاً "د. أحمد كمال ذكي"، فيما كتبه بمجلة الآداب البيروتية عدد فبراير 1935 . ومع ذلك نجد أن الكاتب العراقي الكبير - عبد الإله عبدالقادر - يؤكد أن "ذو النون أيوب" يعتبر هو الرائد الأول لفن الرواية، في العراق، قائلاً : "أننا هنا ننظر إلي المُنْجَز وإن لم يستكمل الصورة الفنية، أسوة بما حدث في أمكنة أخري .." وقد شهدت أعوام الخمسينات حركة ناهضة في مجال القصة والرواية في العراق، وظهر قصاصون جيدون، تَحوَّل بعضهم إلي روائيين معروفين، حققوا إنجازات ملحوظة، في مجال الرواية العربية، ومن هؤلاء "عبدالملك نوري، مهدي عيسي الصقر، فؤاد التكرلي، غائب طعمة فرمان، ومحمود عبد الوهاب، الذي فاز بجائزة الأدب للقصة القصيرة علي مستوي الوطن العربي في العام 1953 عن قصته "القطار الصاعد إلي بغداد" والتي نشرت في مجلة الآداب البيروتية، في شهر فبراير من نفس العام . وهذا يعني أن القص كتابة القصة ، في العراق، كان قد وصل إلي حالة متطورة، في تلك الفترة، أتاحت الفرصة لكاتب جديد وشاب، في ذلك الوقت محمود عبدالوهاب، فرصة الفوز بجائزة علي مستوي العالم العربي . علي أننا نستطيع القول، بأن "الإنتاج الروائي كان ضعيفاً ومتباعداً، ومحدداً بفئة قليلة من الأدباء"، ففي العام 1955، نشر "شاكر جابر" روايته الأولي "الأيام المضنية" وقد وصفها د. "داود سَلّوم" في المقدمة التي كتبها للرواية، بأنها رواية جديدة، إلا أن "جواد الطاهر" لم يعترف بها كرواية، كعادته، مع اعترافه الضمني بأنها جيدة وذلك لأن الطاهر، كان يقارن هذه الأعمال، التي تمثل باكورة الإنتاج الروائي العراقي، بما كتبه الأدباء الغربيون، أمثال ( "ديستويفسكي وستندال" ) وغيرهما، في هذا المجال، أي أنه كان يطبَّق علي هذه الأعمال، مفاهيم الرواية الأوروبية، التي درسها وتَشبَّع بها، وذلك إلي جانب قياساته النقدية التي تعتمد علي عمق تجربته، والأسس العلمية والأكاديمية التي تعلمها في أوروبا . وفي العام 1957، كتب "شاكر خصباك" روايته (حياة قاسية) وكتب أيضاً "فؤاد التكرلي" روايته (الوجه الآخر)، ورغم أن الأدب العراقي في فترة الخمسينات، قد حَقَّق، تطوراً نوعياً، بتعدد الروايات والأصوات الروائية، نجد أن د."جواد الطاهر" يقول : ".. وهكذا نشرف علي ختام الخمسينات، وليس لدينا مصطلح أو نية مصطلح، وإن ما كتبناه من قصص، علي أنه طويل، ليس في حقيقته من الرواية في شيء ..." أول رواية حقيقية وتسير الحياة الأدبية في العراق، وتنتشر الكثير من المجموعات القصصية، لعدد من كُتَّاب القصة، إلي أن صدرت أول رواية حقيقية، معترف بها، في العام 1960، والمفاجأة أنها كانت لأحد طلاب كلية الآداب، وكانت بعنوان "المدينة تحتضن الرجال"، وفيما تلي ذلك ظهرت أقلام جديدة تأثر بعضها بالواقعية، والواقعية الاشتراكية، بينما تأثر آخرون بوجودية "سارتر وألبير كامي وسيمون دي بيفوار"، وتوقفت بعض الأقلام القديمة وذلك إثر التحولات التي شهدتها المرحلة، بتحوُّل كُتَّاب القصة إلي كتابة الرواية، إلي أن جاء العام 1966 وفاجأ "غائب طعمة فرمان" الجميع بروايته الأولي "النخلة والجيران" وكان منفياً في موسكو، في ذلك الوقت، والتي اعتبرها النُقَّاد من الروايات المُتَطَّورة، علي مستوي التجربة العربية في وقتها، وقد شَكَّل صدورها نقلة نوعية في الرواية العراقية، وقد اعترف "د.جواد الطاهر"، ولأول مرة، بذلك التَطَّور النوعي، الذي حققه "فرمان" والذي سرعان ما أصدر روايته الثانية في العام 1967، وكانت بعنوان (خمسة أصوات) . وفي العام 1970 أصدر "يوسف الصائغ" روايته (اللعبة) وبعدها روايته (المسافة) في العام 1974، ثم توالي نشر الأعمال الروائية، من خلال دور النشر الحكومية العراقية أو خارجها وشهدت الساحة الأدبية العراقية عدداً كبيراً من الأعمال، سواء لأسماء جديدة أو قديمة، ونذكر من هذه الإصدارات الروائية، علي سبيل المثال، لا الحصر : رواية (ثقب في الجدار الصدري) لعبد الرازق المطلبي، و(ضباب في الظهيرة) لبرهان الخطيب، (جواد السحب الداكنة) لعبد الجليل المَياح، (رجلان علي السلالم) لمنير عبد الأمير، (رجل فاته القطار) لمحمد النقدي، (عُراة في المتاهة) لمحمد عبد المجيد، (مخلوقات فاضل العَزَّاوي) لفاضل العَزَّاوي - وغيرها من الأعمال، التي تشير إلي تطور الأدب الروائي واتساع قاعدته، وكل هذه النماذج وغيرها صدرت في السبعينات، وهي تعطي دلالة علي ديناميكية الكتابة الروائية العراقية "التي استمرت، تحاول أن تجد لها مكاناً، بين الأجناس الأخري"، كما يقول عبد الإله عبد القادر . ولقد شهدت الرواية العراقية تطوراً ملحوظاً، خلال السبعينات من القرن الماضي / العشرين، من خلال تجربة خمسة من الروائيين، الذين يعدّون استمراراً للتجربة السابقة، وبعضهم شَكَّل حضوره السبعيني، نقلة جيدة، في محاولاته المجدية مع الرواية، وهم : "عبد الرحمن مجيد الربيعي - موفق خضر - فاضل العَزَّاوي - برهان الخطيب وغائب طعمة فرمان" إضافة إلي محاولات أخري لعدد من الكُتَّاب، إلا أن تجربتهم لم تكن ترقي إلي تجربة الخمسة المذكورين آنفاً . ومع ذلك، نجد أن "جواد الطاهر" ينفي صفة الرواية، من تجارب العديد من الكُتَّاب، في هذه المرحلة فيقول : "وإذا تظل السبعينات، يبقي الأمر كما كان، ويستوي فيه القدماء والمحدثون، ويزداد عدد ما يصدر وعلي غلافه كلمة (رواية) دون مُسَّوع لهذه الزينة وهذا المجد .." ومع بداية العام 1980، كما يقول - عبدالإله عبدالقادر- "بدأت بوادر الكارثة الجماعية تحل علي هذا البلد، مع بداية الاستعداد لدخول سلسلة الحروب التي عاشها حتي الآن، ولتُخرِّب هذه الحروب، كل البُني الجميلة والرائعة التي زَينت العراق، وتفسد - حتي - الذائقة النقدية والأدبية . فقد ساعدت الدولة علي إفساد الذوق وتُخرِّيب وتَكرِّيس كل الوسائل للحرب، وأفكار السلطة واتجاهاتها، فخُصِصَت الجوائز الكبيرة لأدب الحرب، خاصة فيما يتعلق برواية (قادسية صَدَّام)، وهرع كل من هب ودب للكتابة عن بطولات لم نرها إلا في سينما (الكاوبوي) أو الأفلام الحربية الأمريكية، مع البطل (السوبر) الذي لا يموت، ولابد أن ينتصر .. وقد أنتجت الحرب الكثير من الروايات، التي لا
تتعدي أن تكون أوراقاً مُجمَّعة، ولا يمكن تصنيفها بأي حالٍ علي أنها رواية ..!! ورغم هذه الضبابية وهذا الخوف من السلطة، ظهرت أصوات جديدة وشابة، إلي جانب الأصوات التي كانت موجودة، لتظهر العديد من الروايات الإنسانية المغايرة لقادسية صَدَّام، ومن هذه الأصوات الشابة : "بتول الخضيري، نضال القاضي، عامر بدر حَسّون، حنان حلاوي، هيفاء زنكنة، سميرة المانع، نجم والي وعالية محمود" هذا إلي جانب الأسماء التي كانت موجودة، واستطاعت أن تخرج من دائرة الحصار إلي فضاء الحرية، في المنافي، لتمتلك حريتها، وتقدم صوتاً جديداً مغايراً تماماً لتجربة القادسية مثل : (شمران الياسري، عبد الستار ناصر، جمعة اللامي، غائب طعمة فرمان، فاضل العَزَّاوي، فاطمة الحَسَّاني، عبد الرحمن مجيد الربيعي، برهان الخطيب، فؤاد التكرلي، وزهير الجزائري" كما وجد عدد من الشعراء، الذين كانت لهم تجربة رائدة متقدمة في الشعر العراقي، الفرصة والحرية، لكتابة الرواية، فقدموا تجارب جريئة ذات قيمة نقدية ومنهم : "سركون بولص، فوزي كريم، وسعدي يوسف" كما انتقل بعض أعلام القصة العراقية، لكتابة الرواية، تطوراً أو استكمالاً لتجاربهم السابقة كما يقول د."خَيال الجواهري"، في كتابها "ببليوجرافيا الثقافة العربية في المنفي" مثل : "محمد خضير، فائز الزبيدي، زهدي الداوودي، عبد الإله عبد القادر، غانم الدَّباغ، آمال الزهاوي، ديزي الأمير، مي مُظفَّر، لطيفة الدليمي، بلقيس نعمة العزيز" وفي هذا الإطار كما يقول "عبدالإله عبدالقادر" لابد من ذكر المؤسسين للقص العراقي من أمثال : شاكر خصباك، إدمون صبري، عبدالملك نوري، وشيخ القصَّاصين العراقيين، الذي ما زال ىُطَّرز سماء القص بالجديد "محمود عبد الوهاب"، وغيرهم من المبدعين .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.