رئيس جامعة المنصورة يتفقد أعمال تجديد المدرجات بكلية الحقوق    إهداء درع معلومات الوزراء إلى رئيس جامعة القاهرة    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    خالد صبري: إقبال كبير على سوق العقارات المصري    انطلاق فعاليات الجلسة الرابعة «الثورة العقارية في مصر.. الواقع والمستقبل»    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    رئيس الرقابة المالية: الانتهاء من المتطلبات التشريعية لإصدار قانون التأمين الموحد    عاجل| أحد مرافقي الرئيس الإيراني: الآمال كبيرة في انتهاء الحادث دون خسائر بالأرواح    وزير الدفاع البريطاني: الحكومة البريطانية قلقة بشأن المسيرات المؤيدة للفلسطينيين    مشاهدة مباراة آرسنال وإيفرتون في جولة الحسم بالدوري الإنجليزي| مباشر    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    عاجل.. براءة متهم من قتل سيد وزة ب "أحداث عنف عابدين"    تسلق السور.. حبس عاطل شرع في سرقة جهاز تكييف من مستشفى في الجيزة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    مصطفى قمر يتألق بأغانيه في حفل زفاف نجلة سامح يسري.. صور    «يا ترى إيه الأغنية القادمة».. محمد رمضان يشوق جمهوره لأغنيته الجديدة    قومية قنا تقدم "المريد" ضمن عروض الموسم المسرحي بجنوب الصعيد    طلاب مدرسة التربية الفكرية بالشرقية في زيارة لمتحف تل بسطا    جوائز مهرجان لبنان السينمائي.. فوز فيلم "الفا بات" بجائزة أفضل فيلم روائي    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    الجبالى مازحا: "الأغلبية سقفت لنفسها كما فعلت المعارض وهذا توازن"    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    وزير الصحة: تقديم القطاع الخاص للخدمات الصحية لا يحمل المواطن أعباء جديدة    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية مجانا في قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    "علشان متبقاش بطيخة قرعة".. عوض تاج الدين يكشف أهمية الفحوصات النفسية قبل الزواج    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    3 وزراء يشاركون فى مراجعة منتصف المدة لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ    موعد انعقاد لجنة قيد الصحفيين تحت التمرين    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات في السينما: الفساد أقصر الطرق للبرلمان والرئاسة
نشر في القاهرة يوم 26 - 06 - 2012

تفرض الأحداث الساخنة التي يشهدها الوطن علي الكاتب أن يكتب إلي السيد القارئ كيف أن الآداب والفنون قد تناولت دوما ما يشبه تلك الأحداث من خلال ما سبق من أزمنة وما اختلف من أماكن. ولا شك أن الهواجس التي ارتبطت بالانتخابات التي شهدناها باسم الديمقراطية وأغلبنا غير مؤمن بها لكنه يستخدمها، يجعل من الأهمية الكتابة عن كيف تناولت السينما هذا الموضوع من خلال أشكاله المختلفة، وكيف عكست المعالجات السينمائية طوال سنوات طويلة ما فعله الناخبون والذين رشحوا أسماءهم للحصول علي مكانة ما من خلال الانتخابات وخاصة فيما يخص الجانب السلبي منها مثل التزوير والرشوة والبلطجة. الدخول إلي دائرة الانتخابات بجميع أشكالها يعني أن شخصا ما يود الحصول علي مكاسب إضافية تتعدد أشكالها في المنصب الأفضل والمال والمكانة الاجتماعية والسياسية وهي كلها طموحات تحتاج إلي الدخول فيما يشبه المعركة وبالفعل فإن مصطلح «المعركة الانتخابية» يستخدم بكثرة في هذا الشأن. وفي هذه المعارك هناك الرابح والمنهزم وهناك الإعادة والاستفادة وهو موضوع مثير مليء بالحكايات والمصادمات والدم والموت والمكسب والخسارة، وفي عالم السينما المصرية فقد رأينا جميع أنواع الانتخابات ابتداء من داخل الأسرة نفسها، مثلما حدث في فيلم «إمبراطورية ميم» إخراج حسين كمال عام 1972 إلي الانتخابات الرئاسية مثلما قدمها علي عبدالخالق 2006 في فيلم «ظاظا» أو كما كان اسمه الأصلي «ظاظا رئيس جمهورية». الفائز النهائي لكن أغلب الأفلام المصرية الأخري تدور أحداثها حول انتخابات البرلمان، فهي انتخابات جماعية في المقام الأول، أي أن الفائز النهائي في هذه الأفلام هم مجموعة من الأشخاص سوف يكونون أعضاء في البرلمان، وذلك باعتبار أن مصر لم تعرف من قبل انتخابات حقيقية ديمقراطية نزيهة في مجال الرئاسة وكل ما عرفناه هو الاستفتاءات بنعم أو لا، ثم بانتخابات رئاسية أقرب في دورها إلي الاستفتاء. وكما أشرنا فإن أغلب هذه الانتخابات السينمائية قد ارتبطت بظواهر سلبية سواء علي المستوي الاجتماعي أو السياسي أو البرلماني مثل الرشاوي والخصومات والاقتتال، وقد يصل الأمر إلي حد الاغتيالات، لكن أضعف الأمور هو الانتهازية، كما أننا سوف نري أن البرلماني الرابح هو شخص فاسد في المقام الأول ومن هنا جاءت جاذبية الموضوعات في أعمال عديدة. من الناحية الأدبية فإن توفيق الحكيم هو الأسبق زمنيا من خلال روايته الأقرب إلي التجربة الذاتية «يوميات نائب في الأرياف» المنشورة عام 1934 والتي تحولت إلي فيلم أخرجه توفيق صالح عام 1969، أما من ناحية السينما فاعتقد أن التجربة المتكاملة الأولي كانت عند يوسف شاهين في فيلم «حب إلي الأبد» عام 1959، وفيه نري محاما مشهورا يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية وأثناء الحملة فإنه يعرف أن أخاه الوحيد قد تورط في جريمة قتل وأنه قام بالتخلص من زوج إحدي زميلاته ويحدث أن يذهب الشاب القاتل إلي أخيه المحامي ويعترف له بما فعل، ويشعر المحامي أن ما حدث يمكن أن يورطه أيضا في فضيحة تجعله يخسر المعركة الانتخابية فيتحايل علي القانون وينصح أخاه أن يختبئ ثم يتصل بزوجة القتيل ويحاول إقناعها أن تعترف بأنها هي التي قتلت زوجها وذلك كي تؤكد لشقيقه مدي حبها له. نحن أمام محام كبير يفهم في بنود القانون وأيضا التلاعب علي القضايا هو لا يهمه إنقاذ أخيه بل يسعي إلي إنقاذ سمعته هو بألا يكون المرشح للبرلمان شقيقا لقاتل في جريمة عاطفية، رغم أنه يعرف أن الأخ قد قتل الرجل، وقام بإلقاء جثته في النيل، وبدلا من أن يدفع القاتل كي يسلم نفسه أو أن يعترف عليه قبل أن يدافع عنه، فإن كل ما يفعله هو أن يقابل زوجة القتيل والتي تقرر الانتحار كي تتعقد الأمور أكثر، فقد صار هناك قتيلان وقاتل هارب ومحام فاسد، كاذب، يستعد لدخول البرلمان. في هذا الفيلم لم نر معركة انتخابية فلم نر المحامي وهو يقابل الناس كما لم نر أي خصوم له، ولذا فإن أبسط ما يقال إننا هنا أمام رومانسية السياسة هي مؤامرات تدور في كواليس الانتخابات ولا شك أن السيناريو الذي كتبه وجيه نجيب كان يمكن أن يخلو من السياسة لو أخلي الأحداث من الانتخابات البرلمانية وجعله محاما كبيرا يخشي علي اسمه. الكواليس من الأفلام التي تعاملت مع الانتخابات بشكل رومانسي هو فيلم «إمبراطورية ميم» المأخوذ عن قصة قصيرة جدا لإحسان عبدالقدوس ليست فيها أي إشارة إلي الانتخابات المنزلية إلا أن الإعداد الذي قام به نجيب محفوظ سينمائيا للقصة قد جعل الانتخابات المنزلية هي الحدث الرئيسي، فالابن الأكبر أو رجل البيت عندما يري أن أمه تكاد أن تأتي بزوج إلي الدار فإنه يفرض موضوعا لم يسبق طرحه حتي في السينما العالمية وهو اختيار قيادة البيت عن طريق الانتخاب ومن المعروف أن بيوتاً مصرية عديدة تعرف مسألة الشوري فيما بين أبنائها، لكن مسألة الانتخابات لم تحدث علي حد علمي، ولذا فإن عملية الانتخاب كانت أقرب إلي تبادل الانتخاب، ويتم رفع الشعارات الانتخابية في أنحاء الدار وتصل الرومانسية إلي أن الابن الأكبر يقوم بإعطاء صوته ضد أمه التي رشح نفسه أمامها. وقد توقفنا عند هذه التجربة لأهمية الفيلم وشهرته ولكن ما حدث في فيلم «يوميات نائب في الأرياف» يعكس بعضا مما يدور في الانتخابات من خلال السلطات العليا في قرية مصرية التي تقوم بتزوير الانتخابات، وإغراق صناديق أوراق الاقتراع وطمس كل ما يخص المعركة الانتخابية لصالح أحد المرشحين. الفيلم يدور حول جريمة قتل ومن خلال وكيل نيابة يأتي للتحقيق فيما يحدث نتعرف علي ما دار في الانتخابات، وفي حوار بين الرجل وبين مأمور المركز يعلن هذا الأخير أنه بواقع وظيفته لم يتدخل في أي انتخابات، وأنه ظل دوما محايدا في المعركة الانتخابية، و لم يجبر مواطنا علي أن يختار ما تريده السلطات، بل هو مثل الحكومة يؤمن أن الحرية المطلقة هي مبدأ يجب عدم الحياد عنه، إلا أن المأمور يقر بأن كل ما يفعله في الانتخابات هو إلقاء الصندوق بما فيه من أوراق اقتراع في الترعة واستبداله بصندوق آخر تم توضيبه حسب رغبة الحكومة. كما كشف الفيلم عن آلية تدخل الحكومة في كل انتخابات أنها تطلق سراح مؤقت للمساجين بهدف المشاركة في العملية الانتخابية وأشار الفيلم أيضا إلي دور الحكومة في أن تقوم الشرطة ب «لم» المعارضين لأسباب واهية ووضعهم بشكل مؤقت في المحبس حتي تمر العملية الانتخابية بسلام. الصندوق في الترعة هذا هو المختصر المفيد لما يدور في الواقع من خلال ما حدث في العملية الانتخابية في قرية مصرية صغيرة وليس موضوع الانتخابات هنا هو المحور الرئيسي، بل جريمة القتل التي ذهب فلاح مصري ضحية لها، وهناك مشهد ساخر فيما يخص الانتخابات، حيث يقوم القرويون باستخراج صندوق انتخابات من الترعة، ويعلن المأمور لوكيل النيابة أنه بلا شك من توابع الانتخابات البرلمانية السابقة بما يعني أن التزوير متكرر وأنه متأصل في العملية الانتخابية المصرية التي صار علي الكثير من أبناء الشعب أن يرددوا كلمة «ديمقراطية» دون أن يعرفوا معناها، وتصرفوا علي أنهم أداة لدي قوي أخري تتمثل في الحكومة ذات السطوة البالغة. وإذا عدنا إلي التجارب الانتخابية المحدودة في أفلام هي أقرب ما تكون إلي الرومانسية، فهناك الكثير من التجارب الانتخابية التي تصعد بالعمال إلي مجلس الإدارة مثلما حدث في فيلم «أبوكرتونة» إخراج محمد حسيب عام 1991، وفيلم «خيوط العنكبوت» لعبداللطيف زكي عام 1985، وهو مأخوذ عن رواية «البطانة» لنبيل راغب الفكرة هنا أقرب إلي الموضوع الرئيسي في مسرحية «تاريخ حياة طاغية» لجان بول سارتر، حيث إن البطانة وسطوة الكرسي تفرضان قوانين خاصة للانتخابات وما يحوطها من مكاسب وإن الفائز بالمقعد عن طريق الاقتراع سوف يسير علي حسب قواعد كرسي السلطة أكثر مما سيفعل من خلال قناعاته الخاصة. ففي إحدي الشركات هناك رئيس مجلس إدارة فاسد ويحاول العمال إزاحته في الانتخابات المقبلة بدفع عنصر شريف كي يصدر رئيس مجلس إدارة هو المهندس خالد الذي يقف بالمرصاد مع زميله رأفت في مجلس إدارة الشركة ضد تصرفات رئيس مجلس الإدارة الفاسد عبدالعظيم الدمنهوري. يتقدم خالد بمشروع لتطوير الإنتاج ولكن مجلس الإدارة يرفض المشروع في الوقت الذي يمرر مشروعا آخر لبناء ناد خاص علي أرض فضاء مجاورة للشركة، وعن طريق الانتخابات بعد وفاة عبدالعظيم، فإن خالد يصبح رئيسا لمجلس الإدارة ويكشف الفيلم فيما بعد كيف يمشي المنتخب الجديد في المسار نفسه الفاسد من خلال البطانة التي تحوط برئيس مجلس الإدارة. فهذا الفيلم كتبه مصطفي محرم، وهو الذي توقف عند تجربة الانتخابات البرلمانية، وما يحدث فيها في فيلمين آخرين الأول هو «حتي لا يطير الدخان» إخراج أحمد يحيي عام 1984 ثم «الفرقة رقم 12» لعبداللطيف زكي أيضا عام 9191، وفي كلا الفيلمين فإن هناك رجلا فاسدا يعمل في تهريب المخدرات يتمكن عن طريق الانتخابات النزيهة شكلا أن يصير عضوا في البرلمان. ميكانيللي في الفيلم المأخوذ عن قصة قصيرة لإحسان عبدالقدوس نري فهمي عبدالهادي هو محام اقترب من رجال السياسة الذين أثروا في تاريخ مصر، خاصة في فترة عدوان يونية 1967 ورأي القرارات السياسية في تلك الآونة تخرج من جلسة المخدرات التي تدور في الشقة التي أسسها المحامي وجعلها مزارا وماخورا للسياسيين الكبار، وذلك كما قرأنا في النص الأدبي. وفي الفيلم تطورت الطموحات بهذا المحامي إلي أن صار عضوا في مجلس الشعب عن طريق الانتخابات البرلمانية هنا أمير ميكافللي بكل ما وضعه الكاتب الإيطالي من صفات لأميره، والشقة هنا التي تصبح مركزا للدعاية الانتخابية هي مكان لإدارة مصر ففي الرواية تدار دفة الحرب من هناك وفي الفيلم يحضر رجال السياسة والانفتاح، وتجار المخدرات والطلبة الذين ما إن يتخرجوا حتي يستولوا علي المناصب الحساسة في البلاد. وعندما يقرر المحامي أن يصبح عضوا في مجلس الشعب فإنه يأتي بأحد القرويين كي يصبح مديرا لأعماله، ويتحول فهمي عبدالهادي إلي ذلك الشبح الذي نعتاد رؤية كلما هل موسم الانتخابات، فهو يأتي بمجموعة من البلطجية للهتاف باسمه، بالإضافة إلي جهاز علاقات عامة جيد، يزور المآتم ويرتاد الأفراح ويشتري خصومه من المعارضة ويشتري ذمما ونفوسا أغلب من في الدائرة الانتخابية. أما الفيلم الثاني الذي كتبه مصطفي محرم فهو يدخل بقوة في دوائر العمليات الانتخابية القذرة، ورغم أن فيلم «الفرقة رقم 12» قد صيغ ضمن أفلام الحركة والمطاردات فإن نهايته كانت أبلغ ما فيه، حيث توارثت عائلة أبوالوفا تجارة المخدرات التي مارستها منذ زمن بعيد، ويتخذ الابن سامي من إدارته لشركة تصدير واستيراد ستارا لتهريب المخدرات، بينما تتجه شقيقته إلي الإتجار في الهيروين لتحقيق أرباح سريعة بمساعدة لواء متقاعد فصل من الخدمة لسوء سلوكه ويحاول المقدم فؤاد كشف عصابة أبوالوفا مع فرقته الانتحارية، وتستعين فيفي بأمها، وشقيقها سامي في تنفيذ عملية ضخمة لتهريب الهيروين، ورغم تردد أمها فإنها توافق علي قبول بينما بنيما يتربص لها الضابط ومن أجل الاستفادة من الحصانة يقوم سامي بالدخول في معركة انتخابية ويقوم بدفع رشاوي انتخابية، ويفعل ما يفعله كل مرشح أثناء موسم الانتخابات: الوعود والزيارات، والقناع الطيب التقي، الوقور، والهدايا، وبالفعل فإن الناس تصدقه وتنتخبه وفي اللحظة التي يتمكن فيها الضابط من كشف أمر المهربين يكون سامي قد نجح في الانتخابات وأعلن اسمه كعضو في البرلمان، وتحفظه الحصانة من الوقوع في أيدي الشرطة. في التسعينات من القرن الماضي قدمت السينما أحوال الانتخابات البرلمانية بما يسمي ب «الألعاب القذرة» وكانت الأفلام في جرأتها أنها حاولت من عمل إلي آخر تقديم المزيد عما يجري من عمليات قذرة في العملية الانتخابية وتحضرني هنا عدة أفلام قام ببطولتها عادل إمام أخرجها مخرجون ومتعددون وكتبها كل من وحيد حامد ويوسف معاطي، ولينين الرملي، وبلغت جميع تفاصيلها في فيلم «بخيت وعديلة2» «الجردل والكنكة» الذي أخرجه نادر جلال عام 1997. طيور الظلام ارتبطت العملية الانتخابية للبرلمان في فيلم «طيور الظلام» إخراج شريف عرفة، بكل ما للفساد ومن مجالات وسلطة وميادين من جنس ورشاوي والضرب تحت الحزام وذلك كي يفوز وزير حالي بعضوية البرلمان، كما يضمن بقاءه في الوزارة طالما بقي هو
عضوا في البرلمان، ويكشف الفيلم عما يدور في كواليس الحملات الانتخابية، فالوزير رشدي هنا هو رجل احمق، غبي، جاهل، لكنه انيق يعرف كيف يختار مستشاره ومدير حملته الدعائية المحامي المبتدئ فتحي نوفل ابن الدائرة الذي عليه أن يزيح عضو مجلس الشعب الدائم لهذه الدائرة من مكانه، كي يدخل رشدي إلي الحملة الانتخابية ويكسبها وهو أمر يحتاج إلي جميع الإغراءات التي يفعلها مدير الحملة، وينجح فتحي في تخطيط الحملة الانتخابية الفاسدة للوزير ويقربه من الناس ويعمل فتحي بجميع السبل كي ينجح الوزير ويتخلي الناس عن نائبهم الدائم مقابل الحصول علي رشاوي انتخابية، كما أن الوزير حسب الفيلم قد ساعد بعض مرشحي التيار الديني للحصول علي مقاعد انتخابية في العديد من النقابات فوقفوا إلي جانبه. المرشح هنا «للبرلمان» رجل حسني وهو أيضا متسع الذمة المالية، وعن طريق أطماع فتحي فإن الوزير يصبح عضوا في البرلمان، مما يزيد من حدود فساده، المالي، والسياسي ويقوم بتعيين المحامي المبتدئ مديرا لمكتبه، وعندما يقترب من منصب رئيس الوزراء يعد فتحي أن يجلسه في مقعد الوزير هذا السياسي الذي كسب المعركة الانتخابية البرلمانية عن غير وجه حق، أشبه بخيال حقل، يترك جميع الأمور لمدير مكتبه كي يديرها بنفسه بما فيها الأمور الجنسية والشخصية. وقد جعل الفيلم من شخصية الوزير البرلماني اضحوكة وهو منقوع بالغ النقاء من الفساد بجميع أشكاله، وقد تكررت صورة الوزير الفاسد جدا في فيلم «الواد محروس بتاع الوزير» إخراج نادر جلال 1999، فإذا كان الوزير في «طيور الظلام» قد ترك قيادته سهلة للمحامي فتحي يتلاعب ببنود القانون فإن محروس في فيلم نادر جلال ليس أكثر من مراسلة للوزير، من نفس قريته، جاء به الوزير من الأمن المركزي بناء علي أمر من والد الوزير الذي يتعامل مع ابنه كأنه تلميذ صغير يأمره ويشخط فيه لتأكيد أن الوزير «حسن التربية». الأمن المركزي في نهاية أحداث هذا الفيلم يجد محروس نفسه وقد استقال من الأمن المركزي ويقوم بترشيح نفسه كعضو في البرلمان في الدائرة نفسها التي رشح فيها الوزير نفسه لدورات برلمانية عديدة، ولم يتوقف الفيلم طويلا عند قذارة الحملة الانتخابية، فكلا الرجلين (الوزير محروس) فاسد، مرتشي، حسي، انتهازي، مهموم بالنساء وأجسادهن والكل منهم هدف «قذر» للوصول إلي عضوية البرلمان، حيث يسعي محروس إلي فضح الوزير الذي طرده من الوظيفة، وأعاده إلي «المراسلة» وفي المشهد الختامي يجلس عضو مجلس الشعب مع زوجاته الثلاث أمام حمام سباحة في بيته الجديد بما يعني أنه حقق عن طريق عضويته في البرلمان كل هذه الثروة، وذلك بمحاولته فضح فساد الوزراء ولا شك أنه حصل مقابل سكوته علي المزيد من المكاسب. الفيلم الذي كشف الكواليس البالغة القذارة للعملية الانتخابية هو «الجردل والكنكة» لنادر جلال أيضا ونحن نشعر لقيام الممثل نفسه بالدور كأننا في دائرة مغلقة رغم اتساع مساحتها فالمواطن السكندري بخيت يحلم بأي مسكن شعبي كي يتزوج بحبيبته اسمه هو بخيت حنيدق المهيكل أما هي فاسمها عديلة صندوق، والشاب هنا عامل في إحدي الشركات وهو علي خلاف حاد مع رئيس مجلس إدارة الشركة الذي يسعي إلي ترقية اجتماعية فيرشح نفسه عضوا في مجلس الشعب، ويكتشف كل من بخيت وعديلة أن مسألة الترشيح لمجلس الشعب هي عملية سهلة للغاية، وأن مجرد الترشيح محاط بمكاسب عديدة تتمثل في المطالبة منه أن يتنازل عن الترشيح مقابل الحصول علي مبلغ مالي ومكاسب لم يكن يحلم بها. إلا أنه بعد الدخول مباشرة في العملية الانتخابية يكتشف كل من بخيت وعديلة أن المعركة الانتخابية تتطلب مالاً كثيرا، وأن المبالغ الزهيدة التي كانت معهما في بداية الحملة قد نفدت وتمثل الحملة الانتخابية هنا في بعض العمال اليساريين الذين تم رفتهم من الشركة، وأيضا من محام فاشل كان فيما سبق خطيبا للفتاة عديلة، لذا فإن المرشحين يذهبان إلي السرادقات الانتخابية التي يقيمها مرشحون آخرون للدعاية لنفسيهما، ويكون كل من بخيت وعديلة حسب المرشحين أصحاب الحملات الانتخابية، كما أن الفيلم اختار أن تدور الحملة الانتخابية في إحدي دوائر غرب الإسكندرية، وهي منطقة شعبية أضاف إليها الفيلم أيضا عشوائية غير موجودة في الواقع من أجل تسخين قذارة المعركة، هنا يلجأ الخصوم إلي وسائل قذرة عديدة من أجل الفوز بالمعركة، هم يزايدون في المطالب والخدمات التي يقدمونها للناس، ويعرضون علي المنافسين إغراءات ثم تهديدات عندما يزداد الإحساس بأنهم يكادون يخسرون، وفي الفيلم إشارات إلي ما حدث في المعركة الانتخابية الأخيرة، من تهديد المنافس في حالة فوزه. وبالفعل فأمام كل هذه الإغراءات بالتنازل من طرف أكثر من مرشح وفي أحد المشاهد يعلن بخيت أنه سوف يتنازل لمن يدفع أكثر، إنه مزاد علني أشبه ما صور به جيبون من سقوط الإمبراطورية الرومانية. العنف والمال في هذا الفيلم شاهد الناس كواليس الانتخابات المصرية الحديثة، رجال الأعمال يقتتلون من أجل الوصول إلي البرلمان ولا شك أن المعركة قد ازدادت حدة مع مرور الوقت، ومع قيام الرقابة بتقديم تسهيلات باسم الديمقراطية، فالفيلم بأكمله عن العملية الانتخابية بين الناس خاصة الفقراء منهم وفي الكواليس التي تضمنت الأغنياء والفقراء معا، وقد هاجم الفيلم جميع التيارات وكشف أهدافها في الدخول إلي البرلمان من خلال معركة انتخابية فاسدة تتعدد فيها الرشاوي والإغراءات ويستخدم فيها العنف والمال وتنتهي بأن كل من كسبوا في هذه الانتخابات لا يستحقون الفوز وبالطبع فإن بخيت وعديلة اللذين صارا عضوين في مجلس الشعب هما أحسن الاختيارات السيئة فهما مخادعان، كاذبان، جاهلان، وبالتالي فإن حصولهما علي صفة «نائب برلماني» هو الكارثة بعينها. ولا شك أن إعادة مشاهدة هذا الفيلم وتحليل ما جاء فيه هو تجسيد لواقع عرفه الناس، بل هو صورة مصغرة بالغة الرومانسية من هذا الواقع. أشرنا في جزء من هذا المقال إلي أن السينما المصرية تعاملت مع الانتخابات علي أنها الشيء الأسوأ سلوكا في حياة المصريين وحتي عام 2005 لم يكن المصريون يعرفون ما يسمي بالانتخابات الرئاسية أيا كان شكلها ولعل الكاتب طارق عبدالجليل كان بالغ الجرأة وهو يكتب سيناريو فيلمه «ظاظا رئيس جمهورية» الذي كان أول فيلم عن الانتخابات الرئاسية في هذه السينما، وقد تصدت الرقابة لبعض لهذا الفيلم، وكم حكي بطل الفيلم هاني رمزي عما عاناه مع الرقابة التي حذفت اسم «رئيس جمهورية» من عنوان الفيلم، لكن مسألة المعركة الانتخابية التي دارت بين رئيس تيد، عجوز، محنك، التصق طويلا بمقعد الرئاسة، وبين مواطن عادي، متزوج، كل ما يحلم به هو الحصول علي شقة يعيش فيها مع زوجته، هذه المسألة بدت جديدة وجريئة وقد أراد فريق الرئيس الحالي العجوز أن يصنع حملة انتخابية صورية وهمية علي طريقة انتخابات الرئاسة 2005 فجاءوا بهذا المواطن «ظاظا» كي يكون المرشح ال «ميس» أمام رئيس الجمهورية العتيد وفي البداية تم كل شيء بسلام، فالمرشح ليس طامعا في المنصب أسوة بالرئيس العجوز، لكن فجأة يقوم الناس بالهتاف له ويرونه سبيلا للتغيير، مما يجعل الفريق الرئاسي يشعر بخطورة ظاظا وينتقل هذا الإحساس للرئيس نفسه، ويتم عمل أول مناظرة بين الرجلين القديم والجديد ويبدو ظاظا خائفا، مرتبكا، وجلا، من وجوده في حضرة الرئيس ولا تبدو المناظرة جدلا بين خصمين، بل إن التفوق يبدو مسيطرا علي الرئيس القديم الذي يخسر المعركة ويصبح الشاب رئيسا للجمهورية. وأغرب ما في الفيلم ولعله ليس غريبا بالمرة أن ظاظا عندما صار رئيسا للجمهورية فإنه لن يغير من بطانة الرئيس السابق ويظل نفس أعضاء اللجنة الاستشارية للرئيس الجديد.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.