ضياء الدين داود: نحن أمام حكومة إتعاس المصريين.. ومعدل الفقر زاد    بتكلفة 35 مليون جنيه.. إدارة المخلفات يكشف تفاصيل تسليم المدفن الصحي الآمن بشبرامنت    وزير الدفاع السنغافوري: نجاح حوار شانجريلا ينبع من عدم الالتفاف حول القضايا    اليونيسف: تعطل توزيع المكملات الغذائية بغزة يهدد حياة أكثر من 3 آلاف طفل    عاجل..وسائل إعلام فرنسية تحدّد موعد إعلان انضمام مبابي لريال مدريد    محافظ الإسكندرية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 86.2%    بسبب الحداد.. عمر كمال يؤجل طرح أغنيتة الجديدة    تعرف على سبب فشل زيجات نسرين طافش    فضل صيام يوم عرفة.. تعرف عليه    غدا.. صحة المنيا تنظم قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار ضمن حياة كريمة    علاء نبيل يعدد مزايا مشروع تطوير مدربي المنتخبات    «مياه سوهاج»: بدء برنامج التدريب الصيفي لطلاب المعاهد والجامعات خلال شهر يوليو المقبل    اللجنة العامة بالنواب توافق علي موازنة المجلس    ارتفاع مؤشرات البورصات الخليجية بدعم من قراءة التضخم الأمريكي    رئيس جامعة القاهرة: استحداث جائزة «الرواد» لإبراز نخبة العلماء المؤثرين    26 عرضا بالمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية    «رجلي اتكسرت».. سوسن بدر تكشف كواليس إصابتها أثناء تصوير «أم الدنيا» (فيديو)    لمواليد برج الحمل.. التوقعات الفلكية لشهر يونيو 2024 (التفاصيل)    البنك التجاري الدولي يتقدم بمستندات زيادة رأسماله ل30.431 مليار جنيه    رمضان عبد المعز: جوهر الشيء الخضوع التام لله    «كوني قدوة».. ندوة تثقيفية عن دور المرأة في المجتمع بالشرقية    توني كروس يصل ل300 انتصار مع الريال بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا    الإفراج عن المحبوسين على طاولة الحوار الوطني    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    عميد الكلية التكنولوحية بالفيوم يتفقد لجان امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مفاجأة.. مدرب ليفربول يحسم مستقبل محمد صلاح    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    طرق حديثة وحماية من السوشيال.. أحمد حلمى يتحدث عن طريقة تربية أولاده (فيديو)    همت سلامة: موقف مصر ثابت من القضية الفلسطينية وتصريحات الرئيس السيسى خير دليل    600 بالون قمامة.. كوريا الشمالية تعاقب جارتها الجنوبية بالنفايات (فيديو)    إصابة سائق إثر حادث انقلاب سيارته فى حلوان    سنن الأضاحي وشروط الأضحية السليمة.. تعرف عليها    هتجيب الدرجة النهائية فى الفيزياء للثانوية العامة لو راجعت معانا.. فيديو    في دقيقة واحدة.. طريقة تحضير كيكة المج في الميكروويف    اليوم العالمى لمواجهة الحر.. كيف تحمى نفسك من النوبات القلبية؟    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    الأهلي يكرم فريق سيدات اليد    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    4 أعمال مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. احرص عليها    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين ب "جماعة حازمون الإرهابية" ل 2 سبتمبر    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    الظهير الأيسر وملف المحترفين ودعم الهجوم.. يلا كورة يرصد خريطة ميركاتو الأهلي في الصيف    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    بدء تفويج حجاج القرعة من المدينة المنورة الى مكة المكرمة    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    النواب يحيل 3 اتفاقيات للجان النوعية في بداية الجلسة العامة .. اعرف التفاصيل    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسني مبارك: شاهد نهايته سينمائياً وهو علي كرسي الحكم
نشر في القاهرة يوم 12 - 06 - 2012

حسني مبارك، هو الرئيس الأوحد، في الدولة المصرية، الذي وقف أمام كاميرا سينمائية في فيلم تمثيلي، وبدأ يمثل دوره كضابط عسكري معلم، في الكلية الجوية، بعد أن ردد المخرج كلمة "أكشن"، فبدأ يقوم بالفعل "التمثيل"، مثل بقية الطاقم، خاصة الممثل كمال الشناوي. حدث ذلك في عام 1956، من خلال أحداث فيلم "وداع في الفجر"، اخراج حسن الإمام، المأخوذ عن فيلم أمريكي حربي عاطفي باسم "جسر ووترلو" اخراج ميرفن ليروي عام 1940، وهو نفس الموضوع الذي قدمته السينما الهندية عام 1966 باسم "سانجام". الذين شاهدوا الضابط الذي يقوم بشرح العمليات لطلبة الكلية الجوية، لم يكونوا يتصورون انه ضابط حقيقي، وانه سيكون رئيساً للجمهورية طوال ثلاثين عاما، وانه سيصدر عليه حكم في يونيو 2012 بالسجن المؤبد، وسيكون بذلك حدثا تاريخيا. مبارك تم رصد حالتين آخرتين لظهوره بشكل عابر، أيضا كضابط، في أعمال أخري، منها لقطة لمدة ثوان في فيلم "ليلة الحنة" بطولة كمال الشناوي أيضا عام 1953، أما المرة الثالثة فهي مقصودة، حيث ظهر كقائد طيران في مشهد قصير من الفيلم الحربي "العمر لحظة" لمحمد راضي، عام 1978 . الأفلام السياسية ورغم ذلك، فأنا لا أعرف شخصياً مدي شغف الرئيس السابق برؤية الأفلام، أسوة بجمال عبدالناصر، لكن لاشك أن الرجل عندما صار رئيساً بدا كأنه قد ورث سابقه أنور السادات فلم يسع إلي أن يقلل من قيمته، أو أن يهاجم عصره، لذا فإن الأمر قد تغير بشكل ملحوظ في سنوات حكمه فيما يخص بموضوع الدراسة أن السينما المصرية تنتقد حكامها. في السنوات الأولي من الثمانينات، عرفت الشاشة المصرية بشكل مكثف، ما يمكن تسميته بالأفلام السياسية الاجتماعية، ولم تكن قد حدثت أي خصومة بين السينمائيين والحاكم، رغم الاصطدامات الخفيفة بين بعض الافلام والرتابة، خاصة الافلام التي يكتبها وحيد حامد.. الذي بدأ حياته بفيلم يهاجم فيه مراكز القوي، علي طريقة "الكرنكة"، وهو فيلم "طائر الليل الحزين" ليحيي العلمي عام 1977، إلا أن فيلم "الغول" المعروف بأنه "قانون ساكسونيا" اذاعيا قد وقف ضد مراكز قوي جدد.. ظهروا في عصر السادات، وتم استفحالهم في الزمن الجديد، ومنهم توفيق عبدالحي، الذي بدا وحيد حامد، كأنه وضعه أمام عينيه، فقدم فيلما عن سطوته، وكان يمكن للفيلم أن يناسب فترة الكرنكة، إلا أن بداية الثمانينات، كانت مختلفة، فهمي الكاشف هذا رجل انفتاحي، لديه سطوة اقتصادية جعلته يعين في مكتبه وزراء سابقين، والمواجهة بين الانفتاحي، والصحفي عادل ليس سببها سياسياً.. بل جنائياً، فأين الكاشف قد قتل رجلاً عجوزا عن عمد وبكل غطرسة، والصحفي يريد اثبات الحقيقة، حتي إذا تمت تبرئة القاتل بالزور، صار علي الصحفي أن يقتل خصمه بالطريقة نفسها التي مات بها السادات، أن يهاجمه وجها لوجه.. ويلقي اتباعه المقاعد فوقه لحمايته، أسوة بما حدث في المنصة. وبدأت الشاشة المصرية تعرف أنواعا من النقد الاجتماعي المرتبط بسياسة عامة، أبرزها صعود رجال أعمال جدد، صاروا أساطين المجتمع في الاقتصاد، والسياسة، وطوال عشر سنوات تقريبا، تكررت مسألة رجل الأعمال الفاسد، الذي جاء من قاع المجتمع، ومن خلال طرق شرعية، صار فاسداً، كما أن السينما تصدرت في هذه الفترة بقوة لشركات توظيف الأموال التي تصاعدت اقتصادياً واجتماعياً، فصارت قصص الأفلام تتصدي لهذه الظاهرة. في هذه السنوات، بدأت صورة الرئيس تزحف إلي جدران، وحوائط ديكورات الافلام ولم تكن تتغير كثيراً.. ولكن الملاحظ أنها كانت صورة كبيرة بارزة في حجمها، أي أنها تظهر أمام المشاهد، وعليه أن يري صورة الرئيس، وإذا كانت هذه الظاهرة لم تكن ملحوظة ابان ظهور الأفلام، فإن الذين يشاهدون الأفلام نفسها الآن علي القنوات العديدة، يلاحظون أن الرئيس ظهر كثيرا جدا في هذه الافلام من خلال مثل هذه الصور. ومع تزايد هذه المشاكل.. والصعود الدائم والمضطرد للرأسماليين الفاسدين، كان هناك شبه اتفاق بانتقاد كل المسئولين، ما عدا الرئيس، وكأنه غير قابل للنقد، أو للمس، وكم ظهر في الافلام وزراء فاسدون، وايضا اعضاء مجلس الشعب ومن الافلام الاولي التي أشارت أن أعضاء البرلمان هم من رجال المال الفاسدين، هناك "حتي لا يطير الدخان" لأحمد يحيي، 1984، ثم بدأت الجرأة تستبد بالسينمائيين، فهاجموا أعضاء البرلمان في أفلام كثيرة لاحقة، منها "الغرفة 12"، لعبداللطيف زكي، عام 1991، و"الواد محروس بتاع الوزير". معالي الوزير الفاسد أما الوزراء الفاسدون، فقد رأيناهم في أفلام عديدة، منها "4 في مهمة رسمية" لعلي عبدالخالق 1987 و"الراقصة والسياسي"، لسمير سيف 1990، و"هدي ومعالي الوزير" لسعيد مرزوق 1996، و"الواد محروس بتاع الوزير" لنادر جلال 1999، و"معالي الوزير" لسمير سيف 2001، وغيرها. استحت السينما أن تؤول هذا الفساد إلي أعلي رجل في السلطة، فهو الذي اختار هؤلاء الوزراء، كما أن أعضاء مجلس الشعب الفاسدين ينتمون أيضاً إلي حزب الرئيس، وبدت حدود النقد مقيدة تجاه الرئس، وفي رواية "عمارة يعقوبيان" فإن كمال الفولي يشير إلي أن جهة عليا تأخذ نسبة من المبالغ التي يتم تحصيلها من التجار الذين أصابهم الثراء، وفي الفيلم، فإن الفولي لا يشير إلي الجهة العليا، ولكنه ردد أنه ليس وحده الذي ينال هذه المبالغ، بل إن هناك جهات أخري.. وكان علي المتفرج أن يفهم المقصود. في الثمانينات من القرن الماضي، وأمام النقد الاجتماعي، وبدأت السينما تتعامل مع رئيس الجمهورية، علي أنه الملجأ المضمون لحل مشاكل المجتمع، خاصة الاقتصادية، والاجتماعية، وأن الرئيس يجب أن يتابع كل شيء بنفسه، وأن يصدر أوامره لحل مشكلة كبيرة وصغيرة في المجتمع، وعلي رأسها مشكلة الإسكان، التي تم استفحالها في المجتمع دون أن تجد حلاً، خاصة لدي الفقراء، وأبناء الطبقة المحدودة الدخل "الموظفون"، وقد رأينا ذلك في أفلام عديدة، لعل من أبرزها "كراكون في الشارع" لأحمد يحيي عام 1986، ثم "موعد مع الرئيس" لمحمد راضي عام 1990 . وفيما بعد، خاصة في العقد الأول من هذا القرن، أخذت صورة الرئيس، في عهده، صوراً مختلفة تماماً، لكن لابد من الحديث عن تجربة الفيلمين المذكورين، ففي النصف الثاني من الثمانينات، سقطت بيوتاً مصرية قديمة في الواقع، ووجد سكانها أنفسهم ينامون في خيام، أو في الشوارع، أو في مساكن الايواء المؤقتة التي تبنيها الحكومة، وفي فيلم "كراكون في الشارع"، فإن المهندس شريف وزوجته المدرسة سعاد، وبقية الأسرة، يجدون أنفسهم في العراء بعد أن تهدم منزلهم، وصاروا إلي مساكن الايواء، ويكشف الفيلم الأحوال شديدة البؤس التي يعيشها المواطنون بعد أن تتهدم منازلهم القديمة والبيروقراطية العقيمة، وسلبية المسئولين، فالأسرة تنتقل من مساكن الايواء إلي المقابر، ويقوم المهندس بتصميم كرافان، يقيم فيه، يجره حصان، ويبدو كأنه يسكن في الشوارع، ويجد نفسه متهما بعدة تهم منها سرقة الكهرباء.. فيقرر أن يشارك مجموعة من الشباب في بناء مساكن بالصحراء.. يبدو رئيس الجمهورية هنا من خلال صورته البارزة في الادارات الحكومية، ثم أيضا عندما يشاهد برنامجا تليفزيونياً يتكلم فيه عن مشروع اسكان الصحراء، فيصدر أوامره بالابقاء علي هذه المساكن. موعد مع الرئيس الرئيس هنا، هو الذي يقوم بحل المشاكل الاجتماعية بنفسه، وهو الملجأ الأخير للمواطن الذي تعثرت أمامه كل سبل الحياة، وهكذا ولدت السينما جسور اتصال ومحبة بين المواطن وبين الرئيس الذي يكاد يعرف كل شيء ويحل المشاكل بأمر منه.. وقد تجددت هذه النظرة بشكل واضح في "موعد مع الرئيس"، حيث أنه أول فيلم مصري يذكر اسم الرئيس مباشرة، ثم تكرر ذلك كثيرا فيما بعد. ونحن هنا أمام فيلم سياسي في المقام الأول، تسعي فيه نائبة مجلس الشعب عن دائرة القلعة وما حولها وأظنها أقرب إلي فايدة كامل، إلي أن تسلم إلي الرئيس وثائق سياسية، واجتماعية مهمة للغاية عن حقوق المواطنين من أبناء دائرتها، تدين أعضاء مجلس الشعب، وربما مسئولين كبار باتهامهم بالفساد، ومحاولة استغلال النفوذ. مثل هذا الفيلم، ينظر إلي الرئيس علي أنه الأمل المنشود، يجب علي المرء أن يوصل إليه الرسالة المطلوبة، ولاشك أن الحاكم سوف يصدر أوامره بحل المشكلة، ولا شك أن مثل هذه الافلام قد حاولت التأكيد علي أن الريس هو "الفاعل" الوحيد في الدولة، وأن بقية المسئولين ليست لهم من الفعالية شيء، وأنهم مجرد أصحاب مناصب بدون أي ايجابية. تدور أحداث الفيلم أنه في ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي، تتمكن إحدي شركات البناء من رشوة بعض المسئولين، ومنهم وزراء وأعضاء في مجلس الشعب، مقابل الحصول علي تصريح بازالة مساكن حي شعبي بأكمله لاقامة أبراج سكنية مكانه يحقق للشركة مكاسب مالية كبيرة. ويوجه الفيلم قبل العناوين رسالة مباشرة إلي الرئيس من خلال شعر فرعوني قديم كتبه ايبور الذي يحذر الحاكم من مغبة الفساد المنتشر بالبلاد، وينذره أن النار قد تشتعل في أي لحظة، إلا إذا سارع بنشر واقرار العدل.. إذن فالفيلم هو رسالة إلي الرئيس، سوف تحملها ماجدة، عضو مجلس الشعب عن الدائرة التي تقع فيها المشكلة، والدفاع عن أهالي الحي من الطرد لإزالة مساكنهم القديمة، لكن المسئولين يتصدون لعرقلة جهودها، ومثلما حدث في الفيلم السابق، يتصادف ان رئيس الجمهورية يشاهد ماجدة أثناء مناقشة المشكلة بالتليفزيون، فيحدد موعداً لمقابلتها في أسوان.. تسافر المرأة إلي أسوان ومعها المستندات التي تدين عددا كبيرا من كبار المسئولين، وفي القطار، تتعرض لمحاولات لسرقة تلك المستندات، إلا أن أخاها وخطيبها يقومان بحمايتها، ومساندتها، وبعد العديد من المغامرات، تصل العضو إلي مقر رئيس الجمهورية، وينفتح باب القصر، كأنه الأمل.. يعني هذا أن للرئيس مكانة خاصة لدي صناع قصص الأفلام، فالمخرج هو مؤلف القصة ووسط فساد مدقع، فإن الفيلم يري في الرئيس أنه "المنقذ".. وأنه باستدعائه للنائبة كي تأتي له في أسوان، يعني أنه، أيضاً، لا يثق بالمسئولين، وأنه يجب أن يري هذه الوثائق بنفسه، وأن تؤول إليه الأمور. وطوال سنوات، ظل الرئيس في برج مشيد، معزول، لا يصل إليه النقد، ولا يجرؤ أحد علي مس "هوية" الرئيس بأي انتقاد، إذا أردت أن تري الفساد، فانتقد الوزراء، ورئيسهم "ربما" مثلما حدث في "معالي الوزير"، إلا أنه في العقد الأول من القرن الحالي بدأنا نري هناك محاولات لمس ناعمة للرئيس، وقد بدا ذلك واضحا في فيلم "جواز بقرار جمهوري"، الفيلم الثاني في مسيرة خالد يوسف. بابا الفاتيكان في الفرح الشخصية الرئيسية في فيلم "بابا" الايطالي، المستوحي منه هذا الفيلم، أن شابين يدعوان بابا الفاتيكان لحضور حفل زفافهما، فيقوم الرجل بتلبية الدعوة، وفي الفيلم المصري صار هناك رئيس جمهورية عليه أن يلبي دعوة أرسلها له مواطن أن يحضر حفل زفافه، ويتم التأكيد أن الفرح سيقام بأحد الأحياء الشعبية، قريبا للغاية من الحي الشعبي الذي دارت فيه أحداث "موعد مع الرئيس"، انه قلعة الكبش، خلف مسجد أحمد بن طولون، اما الشارع الذي يسكنه العروسان فاسمه "ميمون القرد" وقد صور الفيلم الرئيس هنا علي أنه رئيس لكل المصريين، يلعب دوراً اجتماعياً كبيرا، في حياة شعبه، بل ان جهازه الاداري قد نجح بكفاءة في اذابة الخلافات التي كادت أن تفسد ما بين العروسين. والشاب هو ينتظر الحصول علي وظيفة منذ سبع سنوات، رغم أنه تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ويعمل سائقاً لتاكسي، وغير قادر أن يلم شمله علي حبيبته بعد خطبة وغرام استمر سنوات. الفتاة تفخر أنها قادرة علي دعوة زملاء والدها من وكلاء وزارة، أما الشاب فهو يرسل بشكل اعتباطي خطابا إلي رئيس الدولة ويوافق الرئيس، ويبدأ مصير الحي في التغيير، يكشف الفيلم مدي الاهتمام الشديد بالرئيس، فالإدارة المحلية تتفاني من أجل تحسين واصلاح أحوال الحي من كافة النواحي، ثم يتم اهمال وسحب كل هذه الخدمات عندما يقرر المسئولين اقامة الفرح في فندق خمس نجوم، ليكون لائقا بتشريف الرئيس.. ثم تتغير الأمور عندما نعرف أن الرئيس يود فرحا شعبيا. أما المصير الثاني، فهو يتمثل في كل تلك العرائض التي يكتبها أهل الحي إلي الرئيس الزائر وتتعاظم هذه العرائض لتصبح رزما كثيرة تتكدس في انتظار حضور الرئيس. الرئيس هنا، هو حسني مبارك.. الذي يجب أن يأتي بنفسه، وعلي طريقة الخدع الالكترونية التي ظهرت في فليم
"فورست جامب" الأمريكي حين رأينا فورست يصافح كلا من الرئيسين الأمريكيين، كيندي وجونسون علي حدة، فإنه تم تركيب وجه الرئيس حسني مبارك كي نراه يصافح العروسين، وسط حراسة مشددة، وايضا وسط المدعويين الذين يقدمون له عرائضهم وسط انشغالهم بالفرح، وبوجوده. في هذا الفيلم، حاول المخرج والكاتب أن يبينا الجانب الاجتماعي من الرئيس، وقد حضر الرجل ومعه حاشيته، ولم يكن المهندس الاليكتروني الذي حاول تركيب صورة الرئيس علي وجه شخص آخر بموفق، مثلما حدث في فيلم "فورست جامب". الدخول إلي عرين الرئيس وقد تباينت صورة الرئيس فيما بعد ذلك، لكن الذي لا شك فيه أن مبارك كان يظهر بشكل غير مباشر في أفلام تلك المرحلة، فالرئيس الذي لم نر وجهه في فيلم "معالي الوزير" وهو يقوم باستقبال الوزراء الجدد، كي يؤدوا اليمين أمامه، كان مخدوعاً من قبل رئيس الوزراء، الذي اكتشف أن الوزير الجديد هو اسم مشابه للوزير الحقيقي الذي كان مطلوبا للتعيين، فأقسم الوزير الجديد، دون أن يكون هو الوزير المطلوب، أي أن رئيس الوزراء هنا خدع "الرئيس" ولم يكن الرئيس "يعلم" الحقيقة، مثلما تقوم الصحافة والسينما عادة، بتصوير أن الرئيس يعرف كل شيء، ويفعل عشرات الأشياء في الوقت نفسه. بدت السينما كأنها كسرت المحظور ودخلت عرين الرئيس، الذي تحول إلي شخصية سينمائية جذابة، وتم تصويره بصور عديدة، منها شخصية الرجل الفاضل جداً، الذي يتعامل بطوبوية خاصة مع وظيفته، والناس، ومنها الديكتاتور، ومنها العجوز الذي رسخ فوق مقعده سنوات طويلة ولا يريد أن يترك منصبه أبداً.. ويرشح أمامه شاب كل ما يحلم به الحصول علي شقة، وليس القصر الجمهوري، ومن المهم الاشارة إلي أن نجاح مسرحية "الزعيم" بطولة عادل إمام حول رئيس الجمهورية البديل كانت بمثابة فاتحة شهية ملحوظة، لعمل مثل هذه الأفلام. نعم، هناك أوجه تشابه ملحوظ بين الرئيس السينمائي، والرئيس الحقيقي في فيلم "ظاظا رئيس جمهورية" اخراج علي عبدالخالق عام 2006، وتأليف طارق عبدالجليل، الذي كتب أفلاما عديدة من النوعية نفسها، ومنها "عايز حقي" وهو فيلم ينتمي إلي التخيل السياسي. يهمنا في هذه الدراسة أن نتوقف عند صورة الرئيس، كما رآها الناس عام 2006 أي بعد أن تولي مبارك منصبه القديم الجديد لدورة خامسة، وفي الفيلم اشارة إلي أن قوي أجنبية هي التي تساعد في وأد طموح الرئيس العجوز، واستحضار رئيس شاب، كان كل حلمه الحصول علي شقة، رئيس الجمهورية المقيم طويلا في القصر الجمهوري، تجاوز السن، لنجعله في سن كمال الشناوي الذي أدي الدور وهو في الخامسة والثمانين، وقد كان آخر أدواره علي الاطلاق، هوي صبغ شعره إلا قليلا، عجوز، ثقيل الحركة، أقام في الحكم سنوات طويلة، ويطمع في البقاء لفترة أخري، وهو يصنع انتخابات شكلية أمام الشعب، ويستخدم الديمقراطية علي طريقته بأن يكون هناك منافس ضعيف للغاية، وذلك علي طريقة انتخابات الرئاسة الحقيقية في عام 2005، وذلك كي يضمن الفوز، متصورا أن الشعب سيفضله علي طريقة "اللي نعرفه..."، وهي العبارات التي كانت تتردد كلما رشح الرئيس السابق نفسه في الانتخابات، هو ثقيل الحركة، لديه بطانته التي تفعل كل شيء، وكلهم أهل للثقة، خاصة رئيس الديوان الذي جسده السيد راضي، الذي يتلاعب بالكلمات، وسيصبح هو أيضا رئيس الديوان للحاكم الجديد. هناك اختلاف شكلي واضح بين الرئيس العجوز متولي الحناوي والرئيس السابق، انه علي شكل كمال الشناوي العجوز، صلعة ملحوظة وشارب أسود مصبوغ، ينزعج الرئيس من التحولات التي تحدث حوله، فيكذب عليه رئيس الديوان ويصف له الحالة بعبارات كاذبة، حين يلاحظ أن الناس تردد هتافات حماسية الشاب ظاظا، ويبلغه أنهم موجودون في المنطقة الانتخابية، للمنافس، كما تبدو في الفيلم أول مناظرة سينمائية للانتخابات الرئاسية، حين يقف ظاظا أمام رئيس الجمهورية الحقيقي، يبدو الرئيس متماسكا واثقا من نفسه، والنتيجة أما المرشح الشاب فيبدو مهزوزاً ازاء ما حدث. هذا المرشح المهزوز، هو شخص مهمش وفاشل يعمل بائعا في محل أدوات كهربائية، لكنه يفصل من عمله بسبب عدم جديته، هذا البائع الفاشل سوف يصبح رئيس جمهورية غير تقليدي.. يتصرف بتلقائية في داخل القصر، وخارجه، ومع زوجته، وفي الاتفاقات الدبلوماسية الدولية، ويمثل ازعاجا للدولة التي ساندته، ودفعت بالمذيعة أن تقنعه بأن يترشح أمام رئيس الجمهورية، ظاظا لم يصدق قط أنه أمام لعبة حقيقية وأنه انتصر علي الرئيس الذي صار وضعه هشاً للغاية. الديكتاتور كشف الفيلم عن مكانة الرئيس القديم لدي الشعب، السينمائي، في عام 2006 حيث إن الرئيس العجوز ما لبث أن هوي، ودخل إلي دائرة النسيان، رغم مساندة السلطة له، فالناس تميل إلي التغيير، وهذا هو «ظاظا»، قد صار رئيساً جديداً للبلاد، وهو الذي سوف يتم اغتياله بعد أن تصرف بتلقائية كرئيس جمهورية حقيقي. وقد بدا الفيلم جريئاً بلغة سنة اصداره الأولي، وتم حذف عبارة "رئيس جمهورية" من عنوان الفيلم، وقد تعرض لحملة رقابية شديدة، أجري عنها طارق مرسي تحقيقا في روزاليوسف "29 يوليو 2006"، أشار فيه إلي أن الطريق لم يكن مفروشاً بالورد لظاظا، وقد واقف علي عرض الفيلم الدكتور جابر عصفور الرئيس الأعلي للرقابة، بعد العديد من التظلمات، ولم تكن الممنوعات خاصة بالمواصفات التي رأينا عليها رئيس الجمهورية الديكتاتور العجوز، وانما حذفت مشاهد تشير إلي أن مصر تعتمد في ايراداتها علي سياحة الدعارة. يعني هذا السيناريو أن السينما في هذه السنوات، بدأت تنتقد حاكمها بشكل مباشر، وأنها تتنبأ بسقوطه في الانتخابات القادمة، دون الاقتراب قط من مسألة التوريث، التي سنراها في الفيلم التالي "الديكتاتور" الذي أخرجه ايهاب لمعي عام 2009، واقترب بجرأة ملحوظة من موضوع التوريث. في هذا النوع من الأفلام، وفي ظل الديكتاتور والرقابة السياسية، والثقافية، فلابد من استخدام الرمز السياسي، أو تغيير الأسماء.. فلم تكن هناك أي اشارة في فيلم "ظاظا"، إلي أننا نعيش خارج مصر فالأسماء، والأماكن كلها مصرية، أما في فيلم "الديكتاتور" فإن المخرج والكاتب يلجآن إلي التمويه الشكلي، بأن هذه الأحداث تدور في دولة تسمي بمبوزيا، وأن الحاكم الديكتاتور الذي رزقه الله بولدين توأم، تولي تربيتهما من قبل أن يتولي الرئاسة، وحلم دوما أن يورثهما الحكم وهما صغيران. الحاكم هنا استولي علي الحكم، عن طريق الاغتيال الدموي للحاكم السابق، فهو جنرال عسكري دخل علي الحاكم يحمل السلاح، فأطلق عليه الرصاص فيما يشبه الانقلاب، ولا نريد أن نحدث اسقاطا من خلال بعض الشائعات ان مقتل السادات كان بايعاز ولمصلحة الرئيس الذي سيأتي من بعده، لكن في الفيلم اشارة واضحة أن الديكتاتور يحلم بتوريث الحكم لولديه، هذان الولدان عندما يكبران يتصرف كل منهما بما يناقض الآخر، فالأول سوف يرث الحكم عن أبيه، وسوف ينازعه في الوصول إلي السلطة، مثل المشهد الذي ينافس كل منهما الآخر، في قص الشريط لأحد المشاريع الجديدة، أما الابن الثاني، فهو يستمتع بكونه ابن الرئيس من أجل أن يعيش حياة عادية، فهو يقع في غرام مدرسة من بنات الشعب، وهو متناقض في تصرفاته، ويبدو ذلك واضحا في تصرفاته مع رئيس الديوان، اذن فالولدان هما حكيم الصابر وعزيز المستهتر. وفي الفيلم اشارة إلي مصر، حيث يلعب سفير بمبوزيا بمصر دوراً في توطيد العلاقة مع مصر، والديكتاتور القاتل هنا، يتعامل بمنتهي القسوة، مع معارضيه، وهناك اسقاطات ملحوظة في الفيلم علي ما كان يحدث في مصر، بطريقة يمكن للفيلم أن يمر من بين براثن الرقابة، فالرئيس شنن يردد لابنه السياسي: أنا علمتك تبقي وطني، بس بقيت وطني اكتر مني، وذلك في اشارة واضحة إلي الحزب الوطني الديمقراطي الذي صار الابن رئيساً للجنة السياسات، تمهيدا لتوريثه. اذن، فقد أسقطت احداث الفيلم علي ما كان يحدث في مصر، فالولدان يعملان لمساعدة الاب الأول يهمه جمع المال ويعمل أيضا بالسياسة، اما الثاني، فهو في عالم آخر، يحب النساء، والخمر، والحشيش، وقد صور الفيلم أن الديكتاتور واسرته قد تعرضا لقيام ثورات ضدهما وبالفعل تنجح احدي هذه الثورات، ويتم اعدام الديكتاتور وابنه رجل السياسة، لكن الاعدام لم يؤد إلي الموت، مما يؤدي إلي الوفاة، فيقوم رجل بأخذ الرجلين معه، ويصحبهما إلي كوخه، ويعذبهما كنوع من رد الاعتبار لما حدث للشعب، ويعاني الآخر اهانات شديدة، إلي أن يقوم الجيش بانقاذ الموقف، ويعود الديكتاتور وأسرته إلي قصر الرئاسة، ويصبح الديكتاتور أكثر قسوة، ويتم حرق كوخ الرجل الذي عذبهما في مشهد النهاية، بما يوحي ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الديكتاتور المخلوع إلي الحكم. نحن أمام فيلم واضح في تصويره لما كان يحدث في مصر، بصرف النظر عن قيمته الفنية، فالقيمة هنا في الجرأة، الابن يقوم ببيع أرض الوطن القطع وراء الاخري، كلما نراه، نسمعه يردد "بيع.. بيع، بيع" اذن أطرف ما في الفيلم انه يصور أخلاق الديكتاتور، وايضا المنصب الذي يتمسك به، مثلما حدث للابن الذي هرب إلي دولة مجاورة، وعاش في قصر منيف، بأموال الشعب المنهوبة، حتي إذا نفذت الأموال، التقي حبيبته القديمة، وسعي إلي الزواج بها، لكنه ما إن يعلم بعودة أبيه إلي السلطة حتي ينسي كل أيام الضنك كي يعيش في عالم الفساد السياسي من جديد. التخيل السياسي في فيلم "طباخ الريس" اخراج سعيد حامد عام 2007، بدا الماكياج والهيئة العامة للممثل خالد زكي أقرب إلي رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، من خلال ملامحه، وطول القامة، ونبرة الصوت والسلوك.. ومن جديد نحن أقرب إلي التخيل السياسي.. في فيلم غريب الشكل، تدخل فيه الكاميرا إلي قصر جمهوري مفترض، هذا القصر الذي اقترب منه بطل فيلم "آسف علي الازعاج" من أجل ارسال رسالة إلي الرئيس دون أن يتمكن أحد من الدخول إليه، كما أن الرئيس نفسه يقرر الخروج إلي الشعب، فيجد اتباعه وقد أخلوا المدينة من سكانها، فيتناول الطعام الشعبي أمام عربة لبيع الأطعمة، كما أن الرئيس نفسه يجلس في مقهي، ويشرب مما يتناوله الناس، دون أن يتعرف عليه أحد، لا شكلا، ولا صوتا، ورغم أن الرئيس السينمائي هنا ليس له اسم ينادي به، مثلما حدث في فيلم "ظاظا" فإن خالد زكي بدا في أغلب الأحيان أقرب إلي مبارك.. وذلك باعتبار أن السينما هذه المرة تحاول أن ترد الاعتبار للرئيس، وأن تتعامل مع بمهابة، ووقار شديدين، والتعامل مع صاحب المنصب باعتبار أنه معصوم، وأن أي خطأ سياسي يحدث تجاه الشعب يرجع إلي تلك الحاشية الكاذبة من المسئولين الذين يحوطون الرئيس، ويقدمون له المعلومات الخاطئة، مثل الوزير الذي يذكر أن ثمن طبق الكشري هو خمسين قرشا، وهو أمر غير الحقيقة حسبما يعرف الرئيس من طباخه متولي، فالفيلم يعترف أن عصرنا مليء، بالسلبيات، منم فساد ورشوة، وغلاء، وبطالة، وان الفقراء يملأون البلد، والتعليم في أسوأ حالاته، لكن الرئيس لا يعرف، هو شخص "رايق" جدا، يجلس علي مكتبه يوقع الأوراق، ويتناول طعامه في حديقة كبيرة، كما أنه أعزب، أما هذه المشاكل الجسيمة، فقد صورها الفيلم، كأنها تحدث من وراء الرئيس، ومن الواقع الذي رآه الشعب المصري في وسائل الإعلام، من خلال زيارات مبارك لبعض الأسر الريفية في زياراته الميدانية المعدة سلفا، فإن الفيلم قد أكد أن الأسرة الريفية التي تناول معها الشاي، هي أسرة مزيفة، وأن الفلاحة هي ممثلة شاهدا الريس ذات يوم في التليفزيون، أي أن الرئيس عليه أن يكتشف كل شيء بنفسه. لذا، فإن الموضوع الرئيسي في الفيلم، هي أن الرئيس الدمث الأخلاق، قرر الخروج إلي الشارع بعد أن فقد الثقة في المحيطين به، الذين يمنعون الناس بدورهم من النزول إلي الشوارع، حتي يري الرئيس الجانب الايجابي من بلاده، دون أن يصطدم بالواقع علي طريقة ما حدث للأمير الشاب بودا في التاريخ البشري. والرئيس الذي لم يحاول قط أن يغير من حاشيته، فيلقي من الآخر أكثر ما يصدر الأوامر، وهو يتساءل عن ملايين المصريين الذين اختفوا بسبب الشمس الحارقة، لاحظ أن الرئيس قد نزل في هذا اليوم الحارق، وقد وضع نظارة سوداء للحماية، والتخفي، ويلتقي نماذج قليلة من الشعب مثل سائق التاكسي الذي يتذمر من المعيشة، ومثل الأعمي الذي التقاه عند الطباخ، ذلك الذي يتحدث عن معاناة الناس، دون أن ينتبه إلي أن الرجل الذي أمامه هو الرئيس نفسه. يتعامل الفيلم مع الرئيس مع أنه "غافل"
لا يعرف الكثير، مم يجب أن يعرفه، منفصلا عن شعبه، ليس فقط سنة أولي حكم، بل كأنه يحكم يوتوبيا، وكل ما يفعله الرئيس أن يعاقب حاشيته بشكل رومانسي، كأن يرغم الوزراء علي التهام الخبز الشعبي، وأن يأكلوا مم يأكله الناس، دون عقاب حقيقي لأي منهم. كما أن الفيلم يؤكد حالة الانفصال بين الناس والرئيس، فرغم أن هذا الاخير حاول دوما أن يذهب إلي ميادين الناس، في الشوارع، والبيوت، عندما قام بزيارة لبيت طباخه الجديد رغم أن زوجة متولي هي امرأة معارضة للسياسة السائدة في البلد، وتشارك في المظاهرات المناهضة للحكم.. والغريب أن المشهد الختامي في الفيلم يدور في ميدان التحرير، حيث يذهب متولي إلي الصينية، وهناك يناجي صورة الرئيس المعلقة هناك وأن هناك المزيد من المطالب التي يريدها الناس. رومانسية الرئيس إذًا، فالانتقادات التي يقدمها الفيلم، هي من الرومانسية، فلم يذهب الفيم بالرئيس إلي العشوائيات البالغة القسوة بسكانها، بل قدم الفساد متمثلاً في اللبن الذي سبب تسمماً لابن متولي، فأسرع الطباخ إلي الرئيس كي يبلغه بالأمر.. وقد حاول الفيلم العزف علي نغمة رأيناها من قبل في فيلم "جواز بقرار جمهوري"، حيث إن الرئيس يحضر حفل زفاف شعبي، ويبدو سعيداً بأن الناس، رغم كل شيء، يشترون لحظات سعادتهم في مثل هذه المناسبات. ويحتاج الفيلم المزيد من التحليل، لكن هذه دراسة حول كيف تنقلب السينما علي من كانوا يحكمونها، ويحكمون الشعب بشكل عام، حيث توقع الناس أن سرعان ما يتم عمل أفلام عن الثورة، والحاكم المخلوع، وسرعان ما قدمت السينما لقطات مضافة إلي أفلام تم تصويرها وانتاجها قبل يناير 2011، مثلما حدث في "الفاجومي" لعصام الشماع، و"صرخة نملة" لسامح عبدالعزيز، وغيرهما، ثم "بعد الموقعة" ليسري نصر الله، ولاشك أننا أمام ظاهرة لن تتوقف عن أفلام تدين بشدة الثلاثين عاما التي شهدت جثوم الرئيس فوق مقادير الناس.. شاءوا أم أبوا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.