قبل أشهر، أجرت تويتر دراسة لمعرفة أكثر الآراء تداولا علي تويتر، أي من هم الأشخاص الذين يتم تداول تغريداتهم من خلال "إعادة التغريد" (ريتويت)، وبينما كانت توقعات الباحثين في تويتر تشير إلي المشاهير ولاعبي الكرة، كانت المفاجأة أن الغلبة لأسماء لا يعرفها الباحثون في تويتر لأنها ببساطة أسماء رجال دين مسيحيين في أمريكا. الفارق في الأرقام كان هائلا إلي درجة أن تويتر غيرت استراتيجيتها وعينت موظفين يقومون بالتجول وزيارة الكنائس في مختلف مدن أمريكا وقضاء وقت مع رجال الدين هناك لإقناعهم باستخدام تويتر بشكل يومي، وخاصة لإرسال وتداول النصائح الدينية وآيات الإنجيل، مما حول كلمة (أو هاشتاق) الإنجيل إلي كلمة عالية الانتشار والتداول. هناك قصص كثيرة جدا ترويها الصحف الأمريكية عن شخصيات وكنائس وجمعيات دينية في أمريكا استفادت من تويتر، وأعاد لها تويتر الحياة بعد طول هجران، كما أن هذه الاستفادة ساهمت في رفع مستوي الولاء للناس لكنائسهم حتي لو كانوا مسافرين أو بعيدين عنها طوال الأسبوع. بطريقة ما، وبدفع متعمد من تويتر، اكتشف رجال الدين المسيحيون أن تويتر يمنحهم القدرة غير العادية وغير المسبوقة للانتشار سريعا في مختلف فئات الجمهور، ولكسب الجدد، ونشر الأفكار، ومناقشة المترددين، والتعرف علي أبناء الحي، والتواصل معهم، إلي غير ذلك من الفوائد التي يمكن تخيلها. الأمر نفسه لا يبتعد عن العالم الإسلامي، فالتغريدات الدينية والوعظية والفكرية تنتشر انتشارا سريعا، ويوجد للدعاة والعلماء والكثيرين ممن يستخدمون الكلمات الشرعية في أحاديثهم انتشار مذهل، وهذا واضح في عدد المتابعين أو أعداد الريتويت للرسائل. هذه مجرد ملاحظة ألاحظها أنا وغيري، ويستغرب البعض من الظاهرة أحيانا إذا كانوا لا يرون أنها تعكس حجم انتشار التدين في العالم العربي، وعموما فهذه الملاحظة، وحجم انتشار الاهتمام الديني عموما بين مستخدمي تويتر مقارنة بالواقع العام للعالم الإسلامي، وغيره تحتاج لإحصائيات ودراسات قبل الوصول إلي أي نتائج نهائية بشأن هذا الأمر. من ناحية أخري، فهذا الانتشار الواسع للاهتمام الديني علي تويتر، والتي تحولت لأداة غير مسبوقة لنشر الأفكار، له "شوكه" الذي قد يهدد في الحقيقة الكثير ويحول الوضع إلي حالة تشبه حالة "ما زاد عن حده انقلب إلي ضده"، وأذكر هنا عدة تحديات رئيسية: 1- لم يحقق تويتر بعد الانتشار الواسع في العالم العربي مقارنة بغيره من مناطق العالم، ولكنه ماض بسرعة في هذا الطريق، وهذا يعني أن ما حصل في الغرب مؤهل ليحصل عندنا. في الغرب، ظهر الكثير من النجوم والمشاهير الذين صنعوا شهرتهم وقوتهم التأثيرية من خلال تويتر فقط، ومن هؤلاء عدد كبير من رجال الدين المسيحيين الذين بدءوا ببعض النصائح علي تويتر، ثم انتشروا بسرعة هائلة ليصبحوا قادة دينيين مؤثرين. الأمر نفسه قد يحصل في العالم العربي، وخاصة في ظل غياب وعي شعبي عام في تقييم من يملك المؤهلات للإفتاء أو حتي الوعظ، وهذا يعني خروج طبقة من المفتين والوعاظ والدعاة علي تويتر الذين يحققون شهرتهم هناك، ويستمع لهم عموم الناس، دون أن يملكوا من المؤهلات ما يسمح لهم بذلك، وهناك أسماء حققت ذلك بالفعل في السعودية ومصر من خلال تويتر فقط والظاهرة في ازدياد. هذا سيقوض كل جهود تطوير الفتوي والرأي الديني في العالم الإسلامي، لأنه من المعروف أن اختلاط الحابل بالنابل، أي الرأي الصحيح برأي وفتوي من لا علم له ينعكس سلبيا علي الجميع ويضعف مصداقية الرأي الشرعي عموما ويترك الكثير من الناس في شك وتردد من أي رأي ديني. 2- طبيعة تويتر أنها تسمح لك برسائل قصيرة فقط، وهذا يعني اختزال الرأي الديني والفتوي في كلمات بسيطة، وقد كتبت مقالا في السابق عن أثر هذا علي تسطيح الثقافة، وأقول إن هذا سيكون له أثره في تسطيح وضعف الفتوي والرأي الشرعي، فالرأي الصحيح يجب أن يكون متكاملا يعطي كل الأمور أبعادها واحتمالاتها، والرأي المختصر السريع المبسط مناسب لكثير من الناس الذين لا يحبون القراءة أو كثافة المعلومات والأفكار، ولكنها في النهاية تحول الفتاوي إلي "سندوتشات" سريعة، مما يساهم أيضا في تقويض تطبيق أصول الفقه التي بناها العلماء عبر القرون. 3- تويتر أيضا مرتبط بالأحداث الآنية، وهنا تأتي قوته، وهذا شجع الكثيرين ممن يستخدمون الخطاب الديني علي تويتر لإبداء آرائهم في القضايا، ولكن هذا يعني خلط الفتوي بالرأي الشخصي، والاستعجال في الحكم علي الأشياء بما يتنافي مع طبيعة العالم والفقيه، والاعتماد علي ما يقوله الآخرون علي تويتر (أي التأثر باتجاهات الرأي العام) وهذه كلها ظواهر سلبية كتب عنها الكثير في السابق، وهي تتعاظم وتقوي علي تويتر.. لدي أمثلة كثيرة علي ما سبق، وكل متابع يمكنه ملاحظتها، وهذا يعني أن هناك حاجة لتفكير عميق في تعامل أهل الرأي الديني مع تويتر بحيث يمكنهم قطف الورد بعيدا عن جروح الشوك..! نقلاً عن موقع ميدل إيست أون لاين