بالصور.. كنيسة رؤساء الملائكة تحتفل بأحد الشعانين    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. أسرة محمد صلاح ترفض التدخل لحل أزمته مع حسام حسن    اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في عدد من الجامعات الأمريكية    الزمالك يسعى لخطف بطاقة التأهل أمام دريمز بالكونفيدرالية    عاجل.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة عن انتقال صلاح لهذا الفريق    الفرح تحول لجنازة.. تشييع جثامين عروسين ومصور في قنا    حالة الطقس اليوم الأحد ودرجات الحرارة    الأزهر: دخول المواقع الإلكترونية المعنية بصناعة الجريمة مُحرَّم شرعاً    البنوك المصرية تستأنف عملها بعد انتهاء إجازة عيد تحرير سيناء.. وهذه مواعيدها    عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    كينيا: مصرع 76 شخصًا وتشريد 17 ألف أسرة بسبب الفيضانات    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة المصرية في معركة قطع ذيل وقاية النظام الاجتماعي
نشر في القاهرة يوم 15 - 05 - 2012

الحلقة الثلاثة والثلاثون مدير الرقابة: لم نشطب إلا المقالات والأخبار التي تتصل بالأمور العسكرية وبالكرامات الشخصية والأخلاق منعنا مقالات وأخباراً كان الهدف منها التلاعب في أسعار القطن لصالح بعض المضاربين علي النزول في البورصة شطبنا مقالات تمس أشخاص الشيوخ والنواب وتصفهم بالخارجين علي الوطن وبالأوراق الذابلة الرقابة تمنع نشر مقالات في مجلة شرعية إسلامية ضد زعيم الوفد مصطفي النحاس .. وصاحب المجلة يتحايل ويصدرها في كتاب فتصادره الرقابة التعليمات صريحة بحظر نشر أي خبر خاص بالحالة الحربية في البر أو البحر أو الجو «عباس محمود العقاد» يكتب مقالا ينقد فيه الوفد بعنوان «الدروشة السياسية» فترد عليه صحيفة وفدية بمقال عنوانه «المهاترة السياسية وبلطجة المعربدين» مدير الرقابة: عقوبات بالإنذار والمصادرة وبالتعطيل وبالمراقبة في دار الرقابة كانت كلها من نصيب الصحف المؤيدة للحكومة 4- أما المؤاخذة الثانية المنصبة علي منع كل نقد لأعمال الوزارة فإن مجرد تذكر ما نشرته الصحف منذ قيام الرقابة إلي الآن يدل دلالة قاطعة علي أنها هي الأخري غير مطابقة للواقع من الأمور، والصحف كلها مملوءة بالانتقادات التي تتناول المسائل السياسية والدستورية والاقتصادية والإدارية، بل إن النقد في بعض الصحف قد تجاوز هذه المناطق الحلال إلي اللذع الموجه إلي أشخاص الوزراء ورئيسي مجلسي الشيوخ والنواب، وإلي الذاتي البحت من تصرفاتهم الخاصة. أفلم يطلق العنان للصحف جميعها في معالجة مسألة اجتماع البرلمان في دورة غير عادية أو عدم اجتماعه؟ ومسألة عرض مرسوم الأحكام العرفية عليه أو عدم عرضه؟ أو لم تكتب الصحف - وصحف المعارضة منها بخاصة - في موضوعات الحياة النيابية، ومبدأ فصل السلطات، ومعني الرقابة في جوهر الحياة النيابية، والحريات الاجتماعية ووجوب اطلاقها في جميع الظروف والأحوال، والسنة والدورة في رياسة الشيوخ، والحياة النيابية وطبيعة الحكم، وحكم الفرد وحقوق الأمم، والدستور الإنجليزي وخطاب العرش المصري، ووجه السرعة أو عدم السرعة في استصدار القوانين العسكرية، والتشريع العسكري في وجود البرلمان، والبرلمان ومشروعات الحكومة التي تتنافي مع الروح البرلمانية، واللجان المختلطة ومبدأ فصل السلطات، والتعاون الدستوري بين زعيم الأغلبية البرلمانية، وزعيم الأقلية البرلمانية، والمسئولية الوزارية ووزارة الشئون الاجتماعية، ورقابة البرلمان ووزير الشئون البرلمانية وإجابة رئيس الوزراء، والجيش المرابط والأوضاع الدستورية، وسلطة الحكومة وحق تأليف النقابات؟ أو ليست تلك الموضوعات جميعها - وهي جزء من كل - متصلة اتصالا وثيقا بالشئون الدستورية؟ ثم ألم تكتب صحف المعارضة كذلك مقالات إضافية في خطاب العرش وتحليله والتعليق عليه ونقد محتوياته، كما كتبت في ديوان مصر علي السودان والاتفاق الذي أعلنه وزير المالية، وفي صحة العامل والفلاح وأحقيتها بأموال الدولة، وفي القيادة الوطنية وحرية التفكير، وفي برنامج الوزارة وقناة السويس، وفي المعاهدة وسياستنا الداخلية، وفي الأحزاب المصرية وهل تنقصها البرامج، وفي كهربة خزان أسوان، وفي الحكم الديمقراطي ومظاهره في مصر الديمقراطية، وفي الديمقراطية ومظاهرها الصحيحة، وفي اتحاد الأحزاب في مصر وفي الهند، وفي مسئولية الفرد في البلاد الديمقراطية، وفي اعتبار المصلحة العامة قبل كل شيء، وفي الديكتاتورية وماهي، وفي الميزانية الجديدة، وفي حرية الصحافة، وفي الحكم العرفي في مصر وأثره في دوائر السياسة والاجتماع؟ أو ليست هذه الموضوعات كلها - وهي مذكورة علي سبيل الدلالة لا علي سبيل الحصر - متصلة اتصالا وثيقا بالشئون السياسية؟ أو لم توجه صحف المعارضة إلي الوزارة نقدا خاصا بالسياسة واتجاهاتها، وتسوية الديون العقارية وجزع المدينين واشتداد قلقهم وأسعار القطن وحدها الأعلي، ومصلحة المنتجين ومصلحة أصحاب المغازل، وتأجيل البيوع الجبرية وضرورته، وضريبة القطن وتكييفها الاقتصادي والمالي، والميزانية والضرائب الجديدة، وفوضي ارتفاع الأسعار وتعذر بقاء الأجور علي حالها، وسياسة الضرائب والرجوع إلي الاحتياطي، وميزانية مصلحة السكك الحديدية والعودة إلي إدماجها في ميزانية الدولة، وميزانية الحرب والظواهر الغريبة التي تتخللها، وأبواب الإيراد العظيمة التي أهملها مشروع الميزانية الجديدة، والدعاية والمشكلة العقارية، أو ليست هذه الأمثال من الموضوعات متصلة اتصالا وثيقا بالشئون الاقتصادية؟ ثم ألم تمعن الصحف في مهاجمة وزارة الشئون الاجتاعية واختصاصاتها، وديوان المحاسبة، وفي التعليق علي حركات القضاء والنيابة والسلك السياسي، وعلي وكلاء الوزارات وعددهم في كل وزارة وعلي سياسة التغيير فيهم، وفي طريقة إذاعة أخبار وزارة الدفاع، وفي الإحالات علي المعاش وفلسفتها، ومصلحة الصناعة ونظامها، والخبير المصري بالسودان؟ أو ليس ذلك كله من صميم الشئون الإدارية؟ أو لم تعدُ صحف المعارضة حدود الشئون الدستورية والسياسية والاقتصادية والإدارية إلي الأمور الذاتية المتصلة بأشخاص الوزراء فعرضت جرائدها اليومية فوق مجلاتها بغير الكلام من التعبير، وبغير الصحيح من الواقع، إلي أصحاب المعالي وزراء المالية والشئون الاجتماعية والزراعة والمعارف والعدل والدفاع القومي والأوقاف والشئون البرلمانية، فضلا عن رفعة رئيس مجلس الوزراء؟ بل ألم تتجاوز صحف المعارضة ذلك وتذهب إلي حد التعرض لشخصيات رئيسي المجلسين التشريعيين، فقالت ما قالت لمناسبة الترشيح لرياسة مجلس النواب ولمناسبة التعيين لرياسة الشيوخ؟ ثم قالت ما قالت عن دعوي العضوية في الشركات وعن الكتلة الوفدية ورئيس الشيوخ؟ أفلا تنطق كل تلك الأمثلة من الكتابات وتلك الأنواع من المعالجات مدوية بأن حرية النقد كانت مباحة طوال الستة الأشهر التي انقضت منذ قيام الرقابة، وأنها قد تجاوزت في الحق بعض الأحايين حدود الجواز واللياقة؟ علي أنه لأي الموضوعات عرضت الرقابة في الواقع بالمنع؟ لقد عرضت بالمنع - إلي جانب ما كان متصلا بالأمور العسكرية وبالكرامات الشخصية والأخلاق- لما كان له مساس بالشئون الدبلوماتية التي لو كانت ظهرت بالصحف لأنتجت غير قليل من المتاعب، لا للحكومة القائمة وحدها بل للأمة المصرية جميعا، كما عرضت للمسائل التي تتصل بالأمن العام، ثم لعبارات ماسة بالحياة النيابية كتلك التي تنطوي علي أن هذه الحياة في مصر صراع رهيب ونضال علي الحياة أو الموت ومعركة ناشبة بينها وبين النزعات الفردية التي تسوق الشعوب إلي الدمار وسفك الدماء، وتلك التي تبدي وتعيد أن البرلمان لا يمثل الأمة تمثيلا صحيحا أو يمثلها تمثيلا مشوها. وكذلك منعت الرقابة كل ما من شأنه أن يعرض الحالة الاقتصادية للقلق وعدم الاستقرار، وأبلت، بلا ريب، في سبيل الحيلولة دون تدهور أسعار القطن بلاء حسنا يسرها أن تتحدث عنه. فقد بدأت الحملة بمقال حرر في الإسكندرية وأرسل لينشر في صحيفة يومية من الصحف التي تصدر باللغة الفرنسية في القاهرة، فلاحظت الرقابة أنه مقال نزولي، فحالت دون نشره، واحتاطت فاتصلت تليفونيا بمكتبها في الإسكندرية ليسهر علي عدم نشره إذا هو قدم إليه هناك، وكان أصحابه قد حاولوا نشره في طبعة الإسكندرية للجريدة التي منع نشره فيها بالقاهرة، فمنعه الرقيب، فنقل المقال إلي اللغة الإنجليزية وعرض للنشر في إحدي الجرائد التي تصدر باللغة الإنجليزية في القاهرة، فمنعته الرقابة من جديد، فلما باءوا بالفشل رجعوا عن العمل في الميدان الداخلي بطريق مباشر، وراحوا يعملون علي نشر حملتهم النزولية في جرائد تصدر في الخارج، معتمدين علي أن تنقلها إلي مصر برقيات الوكالات العامة وبرقيات الصحف الخاصة فتجوز علي الرقيب. ولكن عين الرقيب كانت ساهرة حتي علي البرقيات الآتية من الخارج، فأعمل فيها قلمه وحال دون نشر ما كان فيها من عبارات يؤثر نشرها في السوق المصرية أسوأ التأثير، واستمرت المناورة أسابيع تتعدد ألوانها وتتنوع اشكالا ويسهر الرقباء علي مقابلتها بالحيطة والاحتراس، علي أنهم بشر يجوز عليهم السهو كما يجوز الخطأ، وقد جاز عليهم السهو مرة فأذيع عن القطن نبأ كان سيعمل في السوق أثره الخبيث لو لم يصادف يوم الإذاعة يوم أحد، ولو لم تبادر الحكومة إلي نفي إشاعته نفيا باتا قاطعا، ولا يمكن أن يتصور بسهولة مقدار تعدد النواحي التي تكاتفت علي إذاعة أنباء السوء في تلك الأسابيع، ولا مقدار تنوع الأساليب التي التجأت إليها حتي تقدر جهود الرقابة المستورة طبيعتها قدرها الصحيح، ولو كانت وقفت عند حدود الاختصاص بالشئون العسكرية البحتة لحلت بالبلاد كارثة اقتصادية ومالية لا قبل لها بها. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ لويس أخنوخ فانوس - نريد أن نعرف تاريخ هذه الحملة ومتي كانت هذه المناورات. حضرة الدكتور محمود عزمي (مدير مراقبة النشر) - هذه المناورات بدأت منذ شهرين أو أكثر واستمرت إلي أول أمس. وفوق ذلك فقد منعت الرقابة مقالات مست اشخاص شيوخ ونواب محترمين لمناسبة تعيينهم في بعض الوظائف الحكومية ولمناسبة استقلالهم عن الأحزاب جميعا، وذهبت التعبيرات فيها عنهم إلي حد تسميتهم بالخارجين علي الوطن أو بالأوراق الذابلة، كما منعت مقالات أخري مست رؤساء الهيئة التشريعية بعبارات نابية ذهبت إلي حد التعبير عن بعض تصرفاتهم بسياسة الولائم وفن البطون، كذلك منعت الرقابة مقالات أخري ترمي إلي التشكيك في قوة المقاومة لما قد تستهدف له البلاد، وتدعو إلي بذر بذور الشقاق والفرقة وعدم تلبية النداء إلي توحيد الكلمة وضم الصفوف، أو تصوير البلاد في صور غير كريمة، بعد أن ثبت لها أن مثل تلك المقالات يبادر المبادرون إلي إرسالها بالبرق إلي الخارج كي تذاع مسندة إلي الجرائد التي تكون قد نشرتها وإلي الهيئات السياسية التي تشرف عليها، ولكن بعد انتقاء الفقرات التي يستغلها المستغلون عن طريق محطة الإذاعة العربية ببرلين مثلا. علي أن الرقابة لم تتحيز في منعها ما منعت، ولم تقصره علي ناحية دون أخري، فقد منعت من جريدة الدستور مثلا مقالات اعتبرت فيها تعريضا بأشخاص زعماء المعارضة ، كما محت كل تعبير عن الوفديين بالنحاسيين، وكل كلمة تشتم منها رائحة التحامل علي رفعة النحاس باشا أو الزراية به، وكذلك منعت ذكر عبارات حسبتها ماسة بشخص رفعته ضمن مقال مقدم للنشر في مجلة شرعية إسلامية، ولما تحايل صاحب المجلة علي نشر ما رأت الرقابة منعه في صورة رسالة قائمة بذاتها أمرت بمصادرة هذه الرسالة وتمت المصادرة بالفعل. ولا تخرج الأمثلة التي ضربها الشيخان المحترمان عن ذلك النطاق المرسوم، فالمثالان الأولان يدخلان في دائرة الحظر الذي تقضي به التعليمات التي تحرم الإشارة إلي أعمال الرقابة بطريق مباشر أو غير مباشر، وفي القول بأن إعلان الأحكام العرفية قد ترتب عليه أن امتد أثرها إلي أفق السياسة الداخلية إشارة غير مباشرة إلي الرقابة وأعمالها بلا ريب، وكذلك الحال في المثل الثاني الذي ورد فيه أن الحياة النيابية ومعناها الصحيح لا يمكن أن يتوافرا إلا إذا كانت هناك حرية الفكر وحرية في إبداء الرأي. أما المثل الثالث، مثل التعليق علي انتخابات أوسيم واللبان، فالواقع أنه قد نشر كثير وكثير عن انتخابات اللبان قبل وقوعها وبعد تمامها، وقد نشرت الصحف شكر الفائز فيها وأشادت بصحة تمثيل الشعب هناك. وفي المثل الرابع الذي يشير إلي رحلة السودان فلم يكن يتضمن خبرا من الأخبار بل إن المقال كان تعليقا علي الرحلة واستنكارا لها خشي أن يكون سببا في تعكير العلاقات بين المصريين والسودانيين الذين رحبوا في الواقع أحسن ترحيب برحلة الرئيس وزميليه. وأما ما جاء في مقال الميزانية والحساب الختامي فقد كان حذفه راجعا إلي مثل اليقظة التي أظهرتها الرقابة في مسألة القطن، غيرة منها علي أن تظل سمعة البلاد المالية في مأمن من التأثيرات. ومقال «الاعتماد علي الله» لم يتعرض الرقيب للاعتماد علي الله لا قولا ولا موضوعا بطبيعة الحال، ولم يمس العنوان بشيء من الحذف أو التعديل، ولكنه قرأ المقال فإذا به حديث عن فنلندا في الظاهر وعن مصر في الباطن، وقد تضمن ما يفيد بصريح العبارة أن مصر - والحديث عن فنلندا- تحكم الآن حكما ديكتاتوريا، مع أن الدستور قائم وحضرات الشيوخ والنواب يسهرون عليه. والآن أنتقل إلي الرد علي الوقائع التي عرض لها حضرات الشيوخ المحترمين
في هذه الليلة، ففيما يتعلق بمنع نشر الخبر الذي أشارت إليه جريدة الإنذار أقول: إن في نشر بعض المسائل الإخبارية ما يكون أشد وقعا من الكتابة في بعض المسائل الأخري، وفي هذه المسألة بالذات التي تمس الأمن طلبت إلينا وكالة الداخلية لشئون الأمن العام ألا نجيز نشر الخبر حتي تتم التحقيقات، فمنعنا النشر، وبعد تمام التحقيقات لم تتقدم جريدة ما بنشر الخبر، ولو تقدمت أية جريدة لنشره لما منعناها من ذلك. أما فيما يتعلق بالحركة القضائية فقد كان سبب منع التعليق عليها أنها تصدر بمرسوم ومن القواعد المتبعة أن كل ما يصدر بمرسوم لا يجوز نشره إلا بعد أن يتوج بتوقيع جلالة الملك. وأما فيما يتعلق بمنع نشر الخبر الخاص بوزيري المعارف والشئون الاجتماعية وسفرهما إلي الواحات وعدم انتظارهما لرفعة رئيس الحكومة في أسيوط فقد منع نشره لكونه ليس بخبر يروي فحسب بل لأنه يحمل في طياته ما يلقي في روع القارئ أن هناك خلافا بين هذين الوزيرين من ناحية وبين رفعة رئيس الحكومة من ناحية أخري. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي - وما الضرر في ذلك؟ حضرة الدكتور محمود عزمي - نعم، يدل نشر هذا الخبر علي الصورة التي أريد نشره بها، علي جفاء بين معالي الوزيرين من جهة وبين رفعة الرئيس من جهة أخري، لأنهما - علي حسب ما ورد في الخبر - أدارا لرفعته ظهرهما ولم ينتظراه في أسيوط بل اتجها إلي ناحية أخري. وفيما يتعلق بمنع نشر الخبر الخاص بعمل استعراض عسكري لمناسبة الميلاد الملكي أقول إنه ما دام الأمر متعلقا بمشيئة صاحب الجلالة الملك، فلا يصح النشر إلا بعد أن تتبين المشيئة الملكية السامية. علي أن الخبر تضمن ذكر أن الأمر في جملته سابق لأوانه. أما عن منع نشر الخبر الخاص بخزان أسوان فقد نشر الكثير عن هذا المشروع ، وحكمة منع المقال الذي أشير إليه ضمن أمثلة الليلة أن في سياق الخبر تعريضا بمالية الدولة وإظهارها بمظهر الضعف، الأمر الذي لا يحتمل الآن. وكذلك الحال فيما يتعلق بالبنك المركزي، فإن المسألة حساسة والموضوع علي كل حال معروض علي البرلمان. أما عن المقال المعنون «حول سوق القطن وأسعاره»، والذي حورت المراقبة عنوانه إلي «سوق القطن وأسعاره» فإن في ذلك التحوير حكمة، إذ إن لفظ «حول» يثير في نفس القارئ الشكوك والشبهات، أما إذا كان العنوان «سوق القطن وأسعاره» فإن الأمر لن يعدو كونه أخبارا يتأثر بها القارئ ولا تتأثر بها السوق. (ضحك). أما فيما يختص بمنع نشر خبر النزاع بين دار العلوم والأزهر الشريف فإن حضراتكم تعلمون أن موضوع النزاع بين المعهدين مسألة قديمة ، وهذا موضوع شائك ، فإذا ما أضيف إليه نزاع جديد بين دار العلوم وكلية الآداب أصبحت المسألة أكثر تعقدا، وهذا هو ما أدي إلي عدم السمح بنشر هذا الخبر. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي: نرحب كثيرا بهذه الصراحة. حضرة الدكتور محمود عزمي: الحمد لله. انتقل إلي الرد علي منع نشر التعليق علي مذكرة إحالة بعض موظفي وزارة المعارف إلي المعاش فأقول إن هذه المذكرة سرية ولم يعلم كيف وصلت إلي الجرائد، أما وقد نشرت فقد منع التعليق عليها. بقيت مسألة خبر سقوط طائرة في أسوان، فقد سبق أن أشار حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء إلي أن هذه الطائرة حربية، والتعليمات صريحة بحظر نشر أي خبر خاص بالحالة الحربية في البر أو البحر أو الجو. وكذلك الحال فيما يختص بخبر تصادم أحد الزوارق بباخرة بالإسكندرية، فقد كان هذا الزورق يقل أحد رجال البحرية من رتبة معينة، ومن المحظور نشر أسماء رجال البحرية ابتداء من رتبة هي أقل من الرتبة التي يحملها ذلك الضابط، وقد كان راكب الزورق من إحدي تلك الرتب. وهذا الاعتبار كذلك هو ما أدي إلي منع نشر خبر حادثة السيارات الحربية بألماظة أو بجهة قريبة منها. أما عن منع نشر الخبر الخاص بالجينرال ويفل فقد طلبت السلطة العسكرية صراحة منع نشر خبر سفره إلي إفريقيا الجنوبية، أما إذا شاءت محطة الإذاعة في لندن أن تذيع هذا الخبر فليست الرقابة المصرية مسئولة عن هذا الخلاف. والمؤاخذة الثالثة: هي التي تتصل بعدم المساواة في المعاملة، إذ سمحت الرقابة لصحف الحكومة بالمهاترة ضد خصومها السياسيين في حين أنها لم تسمح لصحف المعارضة بالرد عليها. وإن مجرد عرض المقالات التي نشرت في جريدة «الدستور» من ناحية- وهي لسان حال الهيئة السعدية - وفي جريدتي «المصري» و«الوفد المصري» من ناحية أخري، وهما جريدتا الهيئة الوفدية، ليدل دلالة قاطعة علي أن الرقابة كانت عادلة العدل كله، وموزعة بالقسطاس حتي في هذا الباب الذي تأسف إذ ذهب فيه الكتاب إلي حد المهاترة أو تاخموها. ويكفي أن نذكر - علي سبيل المثال- أن جريدة «المصري» نشرت في عددها الصادر في صباح 28 يناير سنة 1940 مقالا بعنوان «الحرب وهل يجوز أن تجري في جوها انتخابات؟» بقلم النائب المحترم الأستاذ «محمود غنام» فردت عليها جريدة «الدستور» بمقالة ظهرت بعددها الصادر بعد ظهر اليوم نفسه عنوانها «الأيام بيننا» ولما أرادت جريدة «المصري» العودة إلي معالجة الموضوع ذاته في اليوم التالي منع الرقيب نشر مقالها اكتفاء بمبادأتها ورد «الدستور» عليها وانتهاء الموقف عند هذا الحد، لكن جريدة «الوفد المصري» أعلنت رغبتها في الرد من جانبها علي جريدة «الدستور» معتبرة نفسها لسان حال ثانيا للهيئة الوفدية ذاتها، وطالبت باستعمال حقها في الرد مستقلة عن جريدة «المصري» فسمح لها بنشر مقالها في عددها الصادر بعد ظهر اليوم نفسه (29 يناير سنة 1940) بعنوان «أجل، الأيام بيننا». وبتاريخ 5 فبراير سنة 1940 نشرت جريدة «الدستور» مقالة بقلم النائب المحترم الأستاذ «عباس محمود العقاد» عنوانها «الدروشة السياسية» اعتبرتها جريدة «الوفد المصري» نابية في بعض تعبيراتها، فردت عليها في عددها الصادر في اليوم التالي بمقالة عنوانها «المهاترة السياسية وبلطجة المعربدين». وبتاريخ 19 فبراير سنة 1940 نشرت جريدة «الوفد المصري» افتتاحية عنوانها «بطل الحرية يتحدث عن الحرية» رأت فيها «جريدة الدستور» خروجا عما تعتبره حقيقة واقعة، فردت عليها في اليوم التالي بكلمة عنوانها «الحرية» عارضت فيها كلمة الوفد أسلوبا بأسلوب. وبتاريخ 20 فبراير سنة 1940 نشرت جريدة «الدستور» مقالا بعنوان «نجوي - كل البلاد إلا الإسكندرية» اعتبرتها جريدة «الوفد المصري» محتوية علي تعريض برفعة «النحاس باشا» فردت عليها في عددها الصادر في اليوم التالي بأسلوب حسبته مضارعا لأسلوب جريدة «الدستور» في كلمة عنوانها «حتي القضاء». وحادث استقالة الشيخ المحترم الأستاذ «حسن عبدالقادر» من «الهيئة الوفدية» كان هو الآخر مجالا للنقاش بين جريدتي «المصري» و«الوفد المصري» من ناحية، و«الدستور» من ناحية أخري ، وقد تركت المراقبة هذا النقاش اليومين اللذين تعتبر مداهما كافيا لمثله، ومنعت بعدهما أي عودة إليه، ولكن الشيخ المحترم أراد أن يدافع عن نفسه بنفسه فرأت الرقابة من العدل إجابته إلي طلبه، وتركت الباب مفتوحا أمام جريدتي «المصري» و«الوفد المصري» لولا أن تدخل حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «يوسف الجندي» ونصح بإغلاق الباب نهائيا كما فهمت المراقبة. أليس هذا التقليد من الرقابة تقليدا نقيا يجعل الأمور سواسية بين الصحف جميعا؟ وقد يكون طريفا أن يذكر في هذا الصدد أن عقوبات بالإنذار وبالمصادرة وبالتعطيل وبالمراقبة في دار الرقابة قد صدرت فكانت كلها من نصيب غير صحف المعارضة، فقد عطلت جريدة «مصر الفتاة» مرة وصودرت مرتين ، وقد أنذرت مجلة «روزاليوسف» مرة وصودرت مرة، وعطلت جريدة «كركس» اليونانية خمسة عشر يوما، وصودرت رسالة بعنوان «حقائق وأسرار» وروقب «الدستور» في دار الرقابة أسبوعا، وجري الإجراء ذاته يوما علي «المقطم» - ولم تصب بشيء من ذلك جريدة أو مجلة من صحف المعارضة جميعا، وكان توقيع الجزاء علي «الدستور» بسبب نشره مقالا هاتر فيه «الوفد» ، ولم يقف الجزاء عند الجريدة ذاتها بل تناول الرقيب الذي لم يكن يقظا اليقظة الكافية لمنع المهاترة، فألغي انتدابه وأعيد إلي وظيفته الأولي في الحال. (تصفيق من اليمين). نعم يحدث أن يختلف أثر الرقابة في جريدة عنه في جريدة أخري، لكن ذلك يرجع إلي طبيعة الرقابة التي يتعدد فيها الرقباء وتتنوع حتما ملكات التقدير، علي أن الرقابة مستعدة، سعيا في سبيل منع هذا الاختلاف، أن تراقب الصحف كلها في مقر الرقابة ذاتها، فيشترك الرقباء كلهم في مراقبة الصحف كلها، بهذا تتوحد وجهة النظر ويتوحد الأثر، لكن هل ترضي الصحف بهذا الإجراء؟ إنه بلا ريب يخفف كثيرا من أعباء الرقابة ويبهج الرقباء، ولكن العمل أثبت أن الصحافة تأباه، ولقد فكرت الرقابة في تنفيذه بالفعل، فرجتها الصحافة في عدم المضي فيه، واكتفت الرقابة باعتباره نوعا من الجزاء يوقع عند الحاجة. ويجيء الآن دور المؤاخذة الرابعة وهي المتعلقة بالأسئلة والاستجوابات، والواقع بشأنها وبشأن ما يجري في البرلمان بصفة عامة، هو أن صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء قد شاء أن تستثني مظاهر النشاط في المجلسين من اجراءات الرقابة، وكان ذلك في تصريحه الذي أدلي به في جلسة 2 أكتوبر سنة 1939 بمجلس الشيوخ الموقر تعقيبا علي ملاحظة أبداها حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «يوسف الجندي» فقد طلب الشيخ المحترم ألا يكون لسلطة الرقيب أثر في الأقوال التي تتردد في هذا المجلس، فأعلن رفعة رئيس مجلس الوزراء مشاركته الرأي في أن ما يقال في هذا المجلس الموقر لن يكون محلا للرقابة، وعلي هذا جرت الرقابة فلم تتعرض بشيء لكل ما يتردد من الأقوال في مجلسي البرلمان الموقرين، سواء أكانت خطبا أم مناقشات لحضرات النواب والشيوخ والمحترمين، أم تقارير أم أسئلة أم استجوابات تتلي في الجلسات. لكن هناك أسئلة واستجوابات لا تكون الجلسة المحددة لها قد انعقدت، بل ولا الجلسة التي تعرض فيها لتحديد موعد للإجابة عنها أو مناقشتها، وقد جرت الرقابة إزاء هذا النوع من الأسئلة والاستجوابات علي أن تمنع نشر ما لا يكون مدرجا منها بعد في جدول أعمال المجلس الموزع علي الصحف، وذلك أخذا بقرار مجلس الشيوخ الموقر الصادر بجلسة 10 يناير سنة 1940، وعلي أن تبيح نشر ما يتضمنه منها جدول الأعمال بالفعل، إذا لم يكن مشتملا علي ما يخالف تعليمات الرقابة، أما الأسئلة والاستجوابات التي لم تكن قد تليت في جلسة من الجلسات وتكون مشتملة علي ما يخالف تعليمات الرقابة فإنها تؤجل إلي أن تنعقد الجلسة المخصصة لها. فإذا تليت فيها نشرت بنصها كما هو الشأن بالنسبة لكل ما يدور في المجلس من الأقوال، وحكمة هذا التدبير الأخير أن مثل تلك الأسئلة والاستجوابات قد يجوز نظرا لظروف الأحكام العرفية القائمة، أن يعرض لها في جلسة سرية أو أن يتفاهم علي تأجيلها أو علي الأكتفاء بالرد التحريري عليها أو علي عدول أصحابها عنها وفي نشرها قبل أن يتم شيء من ذلك كله تفويت علي المجلس وعلي الوزارة وعلي الأعضاء المحترمين غرضا من أغراض السرية أو التفاهم أو العدول. وهناك اعتبار آخر لا يقل خطورة عن هذا الاعتبار الذي أملي علي الرقابة خطتها إزاء هذا النوع الأخير من الأسئلة والاستجوابات، وذلك هو اعتبار وحدة الزمان الذي ينشر فيه السؤال والرد عليه أو الاستجواب ومناقشته، وخير للرأي العام أن يطلع في وقت واحد علي وجهتي النظر فيكون رأيه سديدا، ويحدد اتجاهه مستندا إلي عناصر الاستنتاج الكاملة، وليس من العدل أن يظل الرأي العام تحت تأثير نغمة واحدة أسابيع وأسابيع حتي يجيء دور النظر في السؤال أو الاستجواب فيستمع في ذلك الحين فقط إلي النغمة الثانية. وهذا الاتجاه هو الذي اتجهه حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء وهو يتحدث إلي الصحفيين في اجتماع من اجتماعاتهم برفعته تعقيبا علي تصريحاته في البرلمان، وقد قال لهم «إن صدق الرغبة والتعاون يقربان من الغاية المنشودة، فإذا وضعت الصحافة ذلك نصب أعينها أمكن أن تساهم بقسط وافر في خدمة البلاد وتحقيق ما تصبو إليه من الخير، وعلي هذا الأساس أعلنت باسم الحكومة في مجلسي الشيوخ والنواب أن لا رقابة علي الصحافة فيما يدور من المناقشات فيهما، وكل ما أرجوه أن يجيء ما ينشر عن هذه المناقشات صورة صحيحة لها فلا يبتر منها شيء يؤدي إلي تشويه حقيقة ما يجري في البرلمان، وهذه هي الأمانة التي في عنقنا جميعا للرأي العام». بقيت
المؤاخذة الخامسة والأخيرة وهي أن الرقابة الصحفية في مصر تفرض من تدابير الضغط علي حرية الرأي ما لا نظير له في البلاد الديمقراطية. ومن طريف المصادفات أن تتقدم إلي مجلس النواب الفرنسي أخيرا استجوابات عن الرقابة تحدد لمناقشتها جلسات 16و23و27 فبراير 1940 ، فيعرض المستجوبون علي مجلسهم نماذج من اجراءات الرقابة التي ينتقدونها، وتنشر الجريدة الرسمية الفرنسية مضابط الجلسات كاملة، فإذا بتلك الإجراءات التي يشكو النواب الفرنسيون منها لا يبلغها أي إجراء من إجراءات الرقابة المصرية التي يتوجه إليها الشيخان المحترمان بالمؤاخذة، وفرنسا هي البلد الديمقراطي الذي يعتز بالحرية اعتزازا، ويعرف للصحافة مكانتها ويقدر خدماتها للجماعة القدر كله. نعم إن أولي الشكاوي التي تقدم بها المستجوبون كانت هي الشكوي من عدم توافر الوحدة في اتجاهات الرقابة بحيث يمنع من جريدة ما ينشر في جريدة أخري، وهي شكوي تتردد في مصر كما تتردد في فرنسا وسائر الدول، لأنها من طبيعة الرقابة المتعددة الأيدي كما تقدم ذكره، لكن سائر الشكاوي الأخري لا تعرفها مصر عن رقابتها. شكا النواب الفرنسيون - والذكر هنا علي ترتيب ما هو وارد في مضبطة مجلس النواب الفرنسي - من أن بعض المقالات يحجزها الرقيب ثلاثة أيام أو أربعة، فإذا ما عاد بها إلي الجريدة تكون مناسبتها قد فاتت، وفي مصر - وحضرات الشيوخ الصحفيين شاهدون علي هذا- يزعج التيلفون مدير الرقابة بين منتصف الليل وتمام الساعة الثالثة صباحا لأخذ رأيه فيما يكون محل تردد من الرقيب ومحل إلحاح من الجريدة، ويبدي رأيه حتي لا يفوت علي الصحيفة مناسبة ولا يؤجل لها خبر. ويشكو النواب الفرنسيون من أن مقالا لمستر «ونستون تشرشل» وزير البحرية البريطانية منشورا في لندن ومرسلا إلي أمريكا تمسه يد الرقيب الفرنسي لمجرد مروره بباريس، لا لينشر في صحفها بل ليأخذ طريقه إلي أمريكا، وكذلك كان حظ مقال للورد صمويل أحد زعماء حزب الأحرار البريطاني، وكان قد قصد إلي باريس فيها محاضرة، ومن باريس أرسل مقالا معدا للصحافة الدولية فتناولته يد الرقيب بالحذف والتعديل، وحجزت الرقابة يومين كاملين مقالا لمستر « دف كوبر» وزير البحرية البريطانية السابقة، وأحد أصدقاء فرنسا المعروفين، ثم لم تتركه إلا بعد أن تناولته يدها بالبتر في كثير من مواضعه، وأحد لا يستطيع أن يذكر حادثا مماثلا وقع في مصر. وذكر مسيو «بلوم»، حامل لواء الحملة علي الرقابة، زملاءه النواب بأن الرقابة عملت طوال أسابيع علي منع الصحف من الدعوة إلي عقد البرلمان ، وفي مصر كان هذا من الموضوعات التي تولتها الصحف بحرية البحث والتحليل. وتابع مسيو «بلوم» شكواه فذكر أن الرقابة حاولت أن تخمد في الصحف مناقشة خاصة بمرسوم بقانون للمعاشات، وحرية مناقشة التشريعات في مصر علي نحو ما ذكرنا من إطلاق. وشكا النواب الفرنسيون من أن مجلة طبية ارادت نشر بحث علمي عن الأوبئة، مستنداً إلي احصاءات رسمية قدمتها وزارة الصحة إلي أكاديمية الطب، فمنع الرقيب نشره، والمجلة الطبية المصرية وسائر المطبوعات العلمية تنشر دون مرورها بالرقابة اكتفاء بتعهد المشرفين عليها، تعهد شرف، بألا تتضمن موضوعاتها لتعليمات الرقابة. ويتقدم أحد مراقبي مجلس النواب الفرنسي باقتراح خاص بالأجانب اللاجئين إلي فرنسا، فيناقش اقتراحه في المجلس ويحال إلي اللجنة المختصة، ولكن الرقيب يمنع نشره. وأعضاء آخرون يلقون خطبا في مجلس النواب الفرنسي تنشر في مضبطة الجلسة وتصدر بها الجريدة الرسمية فيمنعها الرقيب من الجرائد اليومية. وملخصات الاستجوابات تدرج في جدول الأعمال ويمنع الرقيب نشرها في الصحف. وفي مصر يصرح حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء باستثناء الأقوال التي تتردد في جلسات البرلمان من اجراءات الرقابة، بل يحاول البعض استغلال الاستثناء لمحاولة نشر ما منعته الرقابة. وتصدر الحكومة الفرنسية كتابا أصفر يتضمن الوثائق الرسمية المتعلقة بالمساعي السابقة لنشوب الحرب، وتريد جريدة أن تقتبس منه فقرات، فيحول الرقيب دون ذلك. ويشكو بعض النواب الفرنسيين من أن الرقيب في فرنسا يتجاوز ذلك كله إلي مقالات ينشئها الكردينال «فردييه» والكردينال «بودريار»، ولهما في العالم الديني المسيحي وفي عالم التفكير عامة مقام معروف، فيعرض لها بالحذف والبتر والتعديل. ويخطب رئيس مجلس الوزراء مسيو «دلادييه» في مجلس النواب الفرنسي، وينعت الأعضاء الشيوعيين الذين يطلب فصلهم من المجلس بالخونة، ويصفق له الأعضاء مجمعين، ويريد صحفي أن يعيد نشر هذا النعت في سياق مقالته تأييدا لوجهة نظر رئيس الحكومة في حذفه الرقيب لأن العلاقة السياسية لاتزال قائمة بين فرنسا وروسيا، ولأن تعليمات الرقابة تقضي بعدم التعرض للقائم من العلاقات (وأسانيد ذلك كله واردة في الجريدة الرسمية الفرنسية الصادرة بتاريخ 17و24و28 فبراير لسنة 1940). وفي انجلترا مهد الديمقراطية وموئل الحرية، يلقي مستر «هور بليشيا» وزير الحربية السابق خطابا في البرلمان فيمنع الرقيب نشره، ويقوم في مجلس العموم نقاش حول الرقابة فلا تقل المؤاخذات التي توجه إليها عن تلك التي وجهت في مجلس النواب الفرنسي للرقابة الفرنسية. ألا يتضح من ذلك كله أن الرقابة في مصر أرحم قلبا، حقا، وأوسع صدرا، وأخف وطأة منها في أشد البلاد اعتزازا بالحرية والديمقراطية؟ وأن القول بأن البلاد تكابد من تدابير الضغط علي حرية الرأي ما لا نظير له في البلاد التي أصبحت أرضها ميادين للقتال أو التي اشتركت في الحرب بالفعل كحليفتنا بريطانيا العظمي وغيرها من البلاد الديمقراطية هو قول غير مطابق للواقع؟ إنما الواقع أن العلاقة علي خير ما تكون من تفاهم وود وتعاون بين الرقابة والصحافة وبين الرقباء والصحفيين القائمين فعلا بأعمال التحرير والتصحيح، وأن الرقابة لا تنظر إلي الصحف إلا علي اعتبار أنها صحف تؤدي واجبا اجتماعيا قوميا مقدورا دون دخل لاعتبار الحزبيات أصلا. بل إن الواقع أن الرقابة، وكثير من الناهضين بأعبائها من قدماء الصحفيين الذين جاهدوا في سبيل حرية الرأي وتدعيم أركان الحرفة ما جاهدوا، الواقع أن الرقابة تدرك أن مهمتها الأولي إنما هي مهمة تمكين الصحفيين من أداء واجبهم الدقيق في هذه الظروف العصيبة في أوسع مدي من الحرية التي تقدر قدسيتها دون إخضاعهم - وهي كارهة- إلا لأضيق حدود التقييد المحتوم. وإذا كان لمراقبة النشر أن تختم هذا البيان التفصيلي بكلمة، فإنما هي كلمة شكر تتقدم بها لحضرتي الشيخين المحترمين صاحبي الاستجواب، ذلك بأنها طوال الستة أشهر التي عملت فيها لم تفتأ الاعتراضات والاحتجاجات والمؤاخذات تتري عليها من جانب واحد هو جانب المستائين من النشر الذين يتهمونها بالسخاء والسماحة والتوسعة، وهي تعرف أن من يقل رقابة يقل تقييدا، وأن التقييد يولد إحساسا باستياء، وأن الإحساس بالاستياء كي يكون صادرا عن عدل صحيح يجب أن يعم الجانبين جميعا، جانب النشر، وجانب المنع، ولهذا فقد ساور مراقبة النشر قلق علي عدلها، وخشيت أن تكون حقا متجاوزة حدود السماحة والتساهل في النشر ، فلما جاء استجواب اليوم حمدته إذ أدخل علي قلبها من الاطمئنان علي عدالة إجراءاتها جميعا ما جعلها تؤمن بأنها تسير علي هدي ، وبأنها تتبع الصراط المستقيم ، وكل رجائها أن يطمئن الذين أولوها هذا الاطمئنان إلي أن مهمتها الشاقة القاسية في حمي من العدل مكين. (تصفيق من اليمين) الهوامش (1) يستطرد «د. محمود عزبي» مدير إدارة النشر المسئول عن الرقابة علي الصحف تفنيد المحاور الأربعة التي وردت علي لسان المستجوبين «محمود بسيوني» و«يوسف الجندي» وبعد أن فند الأمثلة التي ضرباها في المحور الأول علي قيام الرقابة بحذف الآيات القرآنية والحكم والأمثلة القديمة ، ينتقل هنا إلي تفنيد المحور الثاني الخاص بمنع كل نقد لأعمال الوزارة. (2) كانت وزارة الشئون الاجتماعية ، أحد الوزارات الجديدة التي اضافها «علي ماهر» التشكيلة الوزارية في هذه الوزارة. (3) كان يشغل هذه المناصب كل من «حسين سري» (وزير الماللية) والشئون الاجتماعية «عبدالسلام الشاذلي» ومحمود توفيق حفناوي (الزراعة) ومحمود فهمي النقراشي ( المعارف) ومصطفي الشوربجي (العدل) ومحمد صالح حرب (الدفاع الوطني) وعبدالرحمن عزام (الأوقاف) ومحمد علي عليوة وإبراهيم عبدالهادي (وزيرا الدولة للشئون البرلمانية). (4) كان أحمد ماهر باشا زعيم حزب الهيئة السعدية يرأس مجلس النواب ومحمد محمود خليل باشا يرأس مجلس الشيوخ. (5) الشئون الدبلوماتية .. هي الترجمة العربية التي كانت شائعة آنذاك الدبلوماتية بدلا من السلك الدبلوماسي والعلاقات الدبلوماتية بدلا من العلاقات الدبلوماسية. (6) كانت الصفحات الاقتصادية في الصحف المصرية آنذاك تستغل للتأثير في الأسعار في بورصة القطن، بنشر اخبار تؤدي إلي خفض أسعار بعض الأصناف وكانت تعرف بالمقالات المنزلية، أو العكس وكانت تعرف بالأخبار أو المقالات الصعودية ، وكانت هذه الأخبار والمقالات في الغالب مدفوعة الأجر أو يلجأ إليها أصحاب الصحف ممن يضاربون في البورصة ولهم مصلحة في صعود الأسعار أو هبوطها. (7) هي إذاعة كانت تبث باللغة العربية من العاصمة الألمانية برلين، بهدف تحريض الشعوب العربية ضد دول الحلفاء التي كانت تحتل بلادهم وكان الرأي العام آنذاك يتعاطف بقوة مع دول المحور، ويصدق وعودها بأنها ستحرر بلاده من الاستعمار. (8) شاع تعبير وصف الوفدين ب«النحاسيين» بعد تولي «مصطفي النحاس» رئاسة «حزب الوفد» عام 1927، علي ألسنة خصوم الوفد الذين كانوا يصفونهم ب«الزغلوليين» نسبة إلي «سعد زغلول» في حياة مؤسسة الوفد وزعيمه الأول، ثم انضم إليهم بعد ذلك المنشقون عن الوفد في عهد رئاسة «النحاس» له ، الذين استخدموا المصطلح للتمييز بين الوفد في عهد رئاسة سعد زغلول وبينه في عهد رئاسة النحاس له ، إذ كانوا يعتبرون أنفسهم «سعيديين» وليسوا نحاسيين، وكان هو السبب في إطلاق اسم «الهيئة السعدية» علي الحزب الذي تأسس عام 1938 بهذا الاسم في أعقاب انشقاق «أحمد ماهر» و«محمود النقراشي» عن الوفد وهو الحزب الذي كان يشارك في الوزارة. (9) هي رسالة بعنوان «حقائق وأسرار» ورد ذكرها من قبل علي لسان مقدمي الاستجواب. (10) أوسيم إحدي قري محافظة الجيزة ، واللبان أحد أقسام شرطة الإسكندرية، وقد أجريت في الدائرتين انتخابات تكميلية في الأول عن فوز أحد أنصار الحكومة وفي الثانية عن فوز أحد مرشحي الوفد. (11) مرسوم: أي بأمر يوقعه الملك .. بعد موافقة مجلس الوزراء. (12) يجيز قانون الأحكام العرفية مصادرة الصحف وانذارها وتعطيلها عن الطريق الإداري. (13) هي الرسالة التي سبق لمدير النشر أن أشار إلي أنها كانت في الأصل مقالا مقدما للنشر في مجلة شرعية إسلامية، فمنعتها الرقابة لمسسها بشخص زعيم الوفد فتحايل صاحب المجلة لنشرها في رسالة منفصلة. (14) ونستون تشرشل: (1874-1965) سياسي بريطاني وزعيم حزب المحافظين البريطاني، تولي المناصب الوزارية لأول مرة عام 1908 وشغل مواقع وزارات الداخلية والبحرية والذخيرة والمستعمرات والمالية وكان في ذلك الوقت - مارس 1940- وزيرا للبحرية ثم عين في مايو من العام نفسه رئيسا للوزارة القومية التي قادت بريطانيا خلال سنوات الحرب. (15) حزب الأحرار البريطاني: حزب سياسي بريطاني أحد أهم الأحزاب البريطانية في القرن التاسع عشر بدأ نفوذه يتراجع بعد الحرب العالمية الأولي بظهور حزب العمال، نشأ أصلا للدفاع عن حرية التجارة. (16) التلميح هنا يشير إلي مقدمي الاستجواب اللذين استهدفا من تقديمه بالفعل، استغلال قاعدة استثناء الأقوال التي تتردد في جلسات البرلمان من اجراءات الرقابة.. لنشر ما تمنعه الرقابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.