بالأسم فقط.. نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2024 (الرابط والموعد والخطوات)    قبل ساعات من اجتماع «المركزي».. سعر الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    إعلام فلسطيني: قوات الاحتلال تقتحم بلدات بالضفة الغربية وتستهدف الصحفيين    سر اللون البرتقالي "الخطير" لأنهار ألاسكا    أستاذ قانون دولي: اعتراف 3 دول أوروبية بفلسطين يعكس تراجع دور أمريكا    محللة سياسية: نتنياهو يريد الوصول لنقطة تستلزم انخراط أمريكا وبريطانيا في الميدان    مفاجأة، نيكي هايلي تكشف عن المرشح الذي ستصوت له في انتخابات الرئاسة الأمريكية    السفيرة الأمريكية السابقة بالأمم المتحدة: بايدن كارثة وسأصوت لترامب في انتخابات الرئاسة    بسبب لاعبي الأهلي وكبار السن، فيتو تكشف سر قائمة منتخب مصر المسربة التي أثارت الجدل    تريزيجيه يكشف حقيقة عودته للنادي الأهلي    لاعبو الأهلي يجهزون مفاجأة غير متوقعة لعلي معلول في نهائي دوري الأبطال    الزمالك يُعلن بشرى سارة لجماهيره بشأن مصير جوميز (فيديو)    "هذا اللاعب سيستمر".. حسين لبيب يُعلن خبرًا سارًا لجماهير الزمالك    نتيجة الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2024 برقم الجلوس والاسم جميع المحافظات    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    رفض يغششه في الامتحان، قرار من النيابة ضد طالب شرع في قتل زميله بالقليوبية    والدة سائق سيارة حادث غرق معدية أبو غالب: ابني دافع عن شرف البنات    الكشف عن القصة الكاملة للمقبرة الفرعونية.. أحداث الحلقة 9 من «البيت بيتي 2»    المطرب اللبناني ريان يعلن إصابته بالسرطان (فيديو)    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    الداخلية السعودية تمنع دخول مكة المكرمة لمن يحمل تأشيرة زيارة بأنواعها    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    تفاصيل المجلس الوطنى لتطوير التعليم فى حلقة جديدة من "معلومة ع السريع".. فيديو    تأكيدًا لانفراد «المصري اليوم».. الزمالك يبلغ لاعبه بالرحيل    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    نجوى كرم تتحضر لوقوف تاريخي في رومانيا للمرة الأولى في مسيرتها الفنية    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    متحدث الحكومة: بيع أراضي بالدولار لشركات أجنبية هدفه تعظيم موارد الدولة من العملة    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    حظك اليوم| برج الجدي الخميس 23 مايو.. «تمر بتناقضات»    انتشال 3 جثث جديدة لفتيات ضمن واقعة غرق ميكروباص من أعلى معدية أبو غالب    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    "وطنية للبيع".. خبير اقتصادي: الشركة تمتلك 275 محطة وقيمتها ضخمة    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    رغم فارق السنّ.. «آلاء» والحاجة «تهاني» جمعتهما الصداقة و«الموت غرقًا» (فيديو)    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    هل يجوز بيع جلد الأضحية؟.. الإفتاء توضح    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعارضة تعلن: الرقابة علي الصحف في ظل الاحتلال البريطاني كانت أكثر ديمقراطية منها في ظل الحكم الوطني
نشر في القاهرة يوم 17 - 04 - 2012

وفي الثامنة من مساء يوم الاثنين 18 مارس 1940 استأنف مجلس الشيوخ نظر الاستجواب الذي قدمه الشيخان الوفديان «محمود بسيوني» و«يوسف الجندي» إلي رئيس الوزراء ووزير الداخلية، والحاكم العسكري العام القائم علي تطبيق الأحكام العرفية، ووزير الداخلية الذي تتبعه الرقابة، حول «إجراءات الرقابة التي أفضت إلي شنق حرية الصحافة» واستأنف المستجوب الأول وهو الشيخ المحترم «محمود بسيوني». شرح الاستجواب من حيث كان قد توقف في الجلسة السابقة التي ضرب فيها أحد عشر نموذجًا للمواد التي حذفها الرقيب من الصحف، ليدلل علي صحة الوجه الأول من الاستجواب، وهو أن الرقابة تحذف أمورا لا صلة لها بالحرب العالمية الثانية، ولا بالسبب الذي من أجله طلبت بريطانيا فرض علي الأنباء «رقابة وافية»، إذ هي تتعلق بأمور دستورية وحزبية واقتصادية وقانونية ذات صلة بالشأن الداخلي، وبالعلاقة بين الحكومة ومعارضيها، لينتقل إلي شرح الوجه الثاني للاستجواب، وهو قيام الرقابة بحذف الآيات القرآنية والحكم والأمثال، التي كانت الصحف الوفدية تضعها مكان المقالات والأخبار التي تحذفها الرقابة تنفيذا لما كانت تقضي به تعليماتها.. فقال: حضرة الشيخ المحترم الأستاذ محمود بسيوني: 10 وهنا رسالة عاشرة منع الرقيب نشرها وعنوانها: «الاعتماد علي الله أكبر عامل في نجاح الأفراد والجماعات». والاعتماد علي الله كلمة ما أجملها! فهل يصح أن مثل هذه الرسالة لا تنشر؟ إن هذا كثير. مضمون هذه الرسالة أن الاعتماد علي الله هو الإيمان الكامل الذي ينفخ في روح الأمم الضعيفة فيقويها، وينفخ في أخلاقها وفضائلها فينميها، هذا الاعتماد العظيم علي الله هو الذي نفخ في روح فنلندا الذي أشار إليها صاحب الرسالة بقوله: «هل أتاك حديث فنلندا؟ أمة صغيرة ناشئة مد الطمع الوحشي الجارح عينه إلي امتلاكها، وازدهته قوته، وزينت له الاعتداء عليها، ولكن إيمانها الرهيب شجعها في الحياة، ويقينها بعدل الله وتأييده واعتمادها المعنوي علي معونته، لم يلبث أن شد عزمتها، فإذا هي تصمد للجيوش الجرارة وتثبت أمام الغارة بعد الغارة، وتظفر بعطف العالم في حماسة لها وحرارة، وتصيب مع العطف صادق الإعجاب». هذا ما قاله صاحب الرسالة، فهل هذا كلام معيب لا يجوز نشره؟ أليست «فنلندا» تدافع عن الديمقراطية التي نؤيدها نحن؟.. إن التوكل علي الله من عناصر الإيمان عندنا، وفي جميع الأديان، وصاحب الرسالة يريد بذكر «فنلندا» أن يقدم مثلا علي ما يفعله الإيمان والاعتماد علي الله، وكيف يؤديان إلي نتائج باهرة، فهذا الإيمان هو الذي جعل فنلندا تصمد، ولولا هذا الإيمان الذي يملأ لبها لكانت قد استسلمت بمجرد طلب يقدم لها، وكانت توفي للغاصب ما يطلب وتذعن لإرادته، ولكن الإيمان جعلها تقاوم وتقاوم فإن هي مُحيت من الوجود فإنها لا تمحي من الحياة الباقية، نعم تموت ولا تعيش ذليلة مهيضة الجناح وهذا أمر لا يدرك قيمته إلا القليلون من المؤمنين. 11 أما الرسالة الحادية عشرة، فقد كتبها حضرة الرقيب إلي مدير جريدة «المصري» وقال فيها له: «حضرة المحترم مدير جريدة «المصري» الغراء بعد التحية الصادقة أتشرف بأن ألفت نظر حضرتكم إلي أن دأب جريدتكم علي نشر آيات من القرآن الكريم وأبيات من الشعر وقطع من الأدب العربي القديم في أمكنة بارزة من الصفحات المخصصة لمعالجة الشئون السياسية قد دعا البعض إلي ملاحظة عدم استساغة إقحام كلام الله في الخلافات الحزبية». يأيها الرقيب، أليس الأولي بك أن تتقي الله فيما تقول؟. (تصفيق من اليسار وضحك). آيات قرآنية تنشر من غير تعليق تمنع نشرها يا حضرة الرقيب، وأنت صاحب الرأي العظيم، والأدب الرائع، والضمير الحر؟. ويا مهذِّبا في التحرير وقادرا علي التصرف في أساليب الكلام، وأنت من أوائل من يعترف بالإعجاز للقرآن الكريم، وأول من يقرر أن آياته لا تنصرف إلي العبادة فقط، بل كثيرا ما تنصرف إلي تنظيم علاقة العالم والأفراد، وعلاقة الأمة الإسلامية مع غيرها من الذميين والمستأمنين والمحاربين وإعلان الحرب والهدنة، وصون المعاهدات معهم والوفاء لهم. فكيف لا ترضي يا حضرة الرقيب أن تُذكر هذه الآيات القرآنية في جريدة سياسية، والقرآن له قدم عالية في السياسة، وقدم عالية في معاملة الناس بعضهم لبعض، وفي الحروب وصون المعاهدات وكل هذه حكم مجموعة في صفحات الكتاب الكريم؟ كيف تريد منا أن نغفل عن ذكر كلام الله؟ ومن الغريب أن حضرته يطلب من الجريدة هذا بدون تعليل، فهل حين تنشر الجريدة «إن الله يدافع عن الذين آمنوا» يكون مرادها الوفديين لا الوزراء؟ فلماذا التفرقة بلا مُفرِّق ونحن جميعا سواء؟ والغريب كذلك أن حضرة الرقيب طلب أن يكون نشر الآيات والأمثال والحكم وأبيات الشعر في صفحة الأدب فاستمعوا لكلامه ونشروا منها عمودين فيها، فطالبهم بملء الصفحة كلها بالأدب كأن كل القارئين من طبقة أستاذنا حضرة الرقيب، وبناء علي هذا تكون النتيجة ألا ينشر شيء. الرئيس (محمد محمود خليل بك): أرجو من حضرة الزميل المحترم أن يوجه كلامه للرقابة بصفة عامة، لا لشخص الرقيب. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ محمود بسيوني: والرقيب هو القائم بأمر الرقابة؟ ولا أقصد إلا انتقاد عمله، لا شخصه. الرئيس (محمد محمود خليل بك): والآن هل توافقون حضراتكم علي رفع الجلسة للاستراحة؟ (موافقة) إذن ترفع الجلسة للاستراحة نصف ساعة. وكان الهدف من رفع الجلسة هو تمكين رئيس الوزراء «علي ماهر باشا» الذي حضر الجلسة لأنه الوزير المختص الذي وجه إليه الاستجواب بصفته حاكما عسكريا ووزيرًا للداخلية التي تتبعها الرقابة علي الصحف من حضور اجتماع لجنة الأحكام العرفية بالمجلس، الذي كان مقررا له أن يستغرق نصف ساعة، لكن اجتماع اللجنة امتد إلي ما يزيد علي الساعة، وحين عاد تبين أن النصاب القانوني لعقد الجلسة لم يعد متوفرًا، بسبب انصراف عدد ملحوظ من الأعضاء، فتقرر تأجيل المناقشة في الاستجواب لمدة أسبوع. وفي الموعد المحدد لعقدها في الثامنة من مساء يوم الاثنين 18 مارس 1940، استأنف المجلس النظر في الاستجواب. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ (محمود بسيوني): حضرات الزملاء المحترمين، كان ختام كلمتي في الجلسة السابقة ما ذكرته عن أمر المنع الذي ضرب علي نشر الآيات القرآنية بحجة عدم جواز إقحامها في السياسة ولعلكم تذكرون كلمتي التي أشرت إليها، وإني أضيف إليها الآن كلمة صغيرة، وهي أننا لو تدبرنا أو تصفحنا آيات القرآن الكريم لوجدنا أنها متناسقة في طريق تكاد تكون واحدة، فالقرآن الكريم يأمر بالمعروف، ثم يعد بالخير علي فعله، ثم يذكر ما نهي الله عنه ويذكر عقابه الذي استوجبه الفعل المنهي عنه، فإذا كنا نمنع نشر كل آية قرآنية أو كل معني من معاني القرآن الذي لا يخلو من هذه النواحي بعينها التي أشرت إليها، كان ذلك شططا وأرجو ألا يؤاخذني حضرة الرقيب في ذلك. الرئيس (محمد محمود خليل بك): الرقيب غير مسئول أمام المجلس، فلا محل لأن يوجه حضرة الشيخ المحترم إليه هذا القول. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ (محمود بسيوني): أفهم ذلك جيدا، أنا أقصد أعمال الرقابة علي العموم. لننتقل الآن إلي المسائل الإخبارية، فإننا نجد أن الحجر عليها كان يشبه الحجر علي المسائل العامة سواء أكانت متعلقة بالاقتصاد أم السياسة كما بينا ذلك بالأمثلة العديدة، فمثلا: 12 تقدمت رسالة تحت عنوان «نريد بيانا رسميا» وفي هذه الرسالة يقول صاحبها إن جريدة «الإنذار» التي تصدر في المنيا ذكرت خبرًا يتلخص في أنه بينما كان سعادة «مكرم عبيد باشا» مسافرًا إلي أسيوط للمرافعة في إحدي القضايا وقبيل محطة بولاق الدكرور أطلق عيار ناري في الغرفة التي كان سعادته فيها. ثم قال صاحب الرسالة إن مجلة «الاثنين» نشرت خبرًا يتلخص في أنه بينما كان سعادة «مكرم باشا» مسافرًا لأسيوط وإذا «بحجر ألقي فهشم زجاج نافذة الغرفة التي كان يجلس إلي جوارها سعادته». ولتناقض هذين الخبرين اضطر صاحب الرسالة إلي أن يطلب بيانا رسميا عن الحقيقة في ذلك، فما معني أن تمنع الرقابة نشر هذه الرسالة؟ هذان الخبران يظهر للسامع أنهما متناقضان، والمسألة لا تخرج عن حد كونها من المسائل الإخبارية، فكأن المنع امتد من المسائل العامة السياسية إلي المسائل الإخبارية. وإذا كنت صحفيا، ومن المعارضين، فإني معذور إذا اعتقدت أن المقصود من هذه الإجراءات إنما هو تضييق الخناق علي جرائد المعارضة، وبعبارة أخري يراد أن تصبح جرائد المعارضة قصاصات ورق لا تساوي قيمة الحبر المكتوبة به. (انصرف حضرتا صاحبي المعالي الدكتور حامد محمود وزير الصحة العمومية ومحمود توفيق حفناوي بك وزير الزراعة). 13 مثال آخر: أراد حضرة النائب المحترم الذي نجح في الانتخابات التكميلية التي جرت في «دائرة اللبان» بالإسكندرية وهو وفدي أن ينشر كلمة يشكر فيها لناخبيه الذين كان له الفوز بسبب ثقتهم به وانتخابهم إياه يعاهد فيها الله أن يظل وفيا علي عهده وفيا لمبادئ وفده. هذه الكلمة شطب عليها حضرة الرقيب بالقلم الأزرق ولم يبق من أصلها شيء. ولا أدري لماذا منع نشر هذه الكلمة علي حين أنه إذا نجح نائب من حزب موال للحكومة سمحت الرقابة بنشر مثل هذا الشكر بحروف كبيرة وعنوان بارز. ولست أريد الدخول في تفصيل أفضلية مبادئ هذا الحزب علي ذاك، لأن هذا مجاله في ميادين الانتخاب، وإنما يستفاد من هذا التصرف أن الرقابة إنما ضربت علي جرائد المعارضة لا أكثر ولا أقل. 14 نسوق علي سبيل التمثيل مثلا آخر: جاء في رسالة أرادت جريدة «الوفد المصري» نشرها تحت عنوان «الحركة القضائية الأهلية» جاء فيها: «وقد قيل لمندوبنا في وزارة العدل إن الاتفاق تم بين الوزارة ووزارة الداخلية حول تعيين الأستاذ «محمود لهيطة» وكيل إدارة الجنايات بالداخلية وصاحب العزة «إبراهيم فرج بك» الأستاذ بمدرسة البوليس والإدارة في هذه الحركة وبعض موظفي وزارة الداخلية وتعيين اثنين من أقسام قضايا الحكومة وأحد رجال المحاماة في هذه الحركة، وقد سبق أن نشرنا أسماءهم من قبل. واستطردت الجريدة تقول: «وينتظر أن تعرض الحركة علي وزير العدل في خلال هذين اليومين لمراجعتها وإعدادها لعرضها علي مجلس القضاء الأعلي الذي يجتمع في غضون الأسبوع المقبل لإقرارها ورفعها إلي مجلس الوزراء لاستصدار المرسوم الملكي بها». هذا الخبر لم يسمح بنشره أيضا، وأعتقد أن حضراتكم لا تقرون مثل هذه التصرفات. 15 إليكم مثلا آخر. نشر خبر في نفس العدد من جريدة «الوفد المصري» تحت عنوان «وزير المعارف والشئون البرلمانية» جاء فيه: «كان معروفا هنا أن صاحبي المعالي محمود فهمي النقراشي باشا وزير المعارف، والأستاذ إبراهيم عبدالهادي وزير الشئون البرلمانية لدي مجلس النواب يعودان من رحلتهما في الواحات إلي أسيوط، وينتظران رفعة رئيس الوزراء الذي يصل إلي أسيوط مساء اليوم، كما كان معروفا أن معالي وزير المعارف يزور في أثناء عودته المعاهد العلمية، ولذلك قامت بعض المدارس بالاستعداد لهذه الزيارة، غير أنهما وصلا إلي أسيوط علي سيارة الحدود قبل قيام قطار بعد الظهر بربع ساعة، وسافرا فيه ولم ينتظرا رفعة رئيس الوزراء، ولم يزر معالي وزير المعارف المدارس كما كان معروفاً». هل في نشر هذا الخبر ما يمس النظام أو الأمن العام؟ لا أعتقد ذلك مطلقاً. إن هناك أمثلة كثيرة علي تشدد الرقابة نجتزئ ببعض أمثلتها: 16 فقد أرادت إحدي الصحف نشر ما يأتي: «ذكرت إحدي الزميلات أن وزارة الدفاع قد تفكر في إقامة استعراض للجيش بمناسبة عيد الميلاد الملكي، وعلم مندوبنا أن الحديث في هذه المسألة سابق لأوانه». ولست أدري لماذا لا ينشر هذا الخبر مع أنه أريد أن ينشر بمناسبة عيد مولانا الفاروق الذي نحبه كلنا ونجله ونود له المركز العظيم الذي يجب أن يتبوأه في جميع بلاد الشرق. فما الضرر في أن تقول الجريدة إن الحدث في هذه المسألة سابق لأوانه؟ اللهم إنه لا يراد بهذه التصرفات سوي حرمان جرائد المعارضة من نشر مثل هذا الخبر حتي ولو تعلق الخبر بأعلي مقام في البلاد. 17 إليكم مثلا آخر: أريد نشر رسالة تحت عنوان «حول كهربة خزان أسوان» ذكر صاحبها: «تحدث اقتصادي كبير غير منتم إلي «الوفد» إلي بعض محدثيه، فجري الكلام في شأن كهربة الخزان، فقال إنه في دهشة كيف أن مجري التفكير في تنفيذه الآن يكاد يكون هو مجراه الأول في عهد حكومة «الوفد»
الماضية، حتي أن الشركة التي كان الاتفاق في ذلك العهد سيجري معها، هي نفسها الشركة التي يراد أن يعطي المشروع إليها الآن، فلماذا كان اللغط يومئذ وعلام كان الخلاف؟!» وعاد يقول: «ولا تنس أيضاً أن حكومة «الوفد» قد عرضت المشروع علي المجلس الاقتصادي لكي يكون الأمر كله مبيناً وحقيقة ظاهرة واضحة، أما الآن فلم يعرض المشروع علي المجلس الاقتصادي وان كانت قد تألفت لجنة برلمانية لبحثه وضم إليها بعض أعضاء هذا المجلس. وإذا كانت الشركة هي الشركة، فضلا عما يقال الآن من أن التكاليف والنفقات قد زادت علي التكاليف حينذاك، أفليس من المدهش حقاً أن يكون الخلاف الماضي هو الذي أدي إلي التأخير والزيادة في التكاليف والنفقات؟، وفضلاً عن هذا كله فإن شركة إنجليزية أخري تقدمت أخيراً عارضة سعراً أقل من السعر الذي عرضته الشركة التي سوف تعطي المشروع، فلم يقبل عرضها وظل الاتجاه منصرفاً إلي إعطائه للشركة ذاتها علي رغم أن سعرها هو الأعلي، علي الرغم مما كنا نسمعه من معارضي المشروع والتمسك بوجوب طرحه في مناقصة عالمية». هذا خبر يتعلق بالمشروعات النافعة للبلاد، وليس فيه إلا نقد بسيط هو أن اتجاه الحكومة الحالية في هذا المشروع لا يختلف عن اتجاه حكومة الوفد، فلماذا لا ينشر هذا الخبر؟ ألم يقل خطاب العرش إن جميع المشروعات التي قامت بها الحكومات السابقة وتبين للحكومة السابقة فائدتها فانها ستعني بها علي اعتبار أنها كل لا يتجزأ، وأنها ستؤدي كل عمل نافع وتستمر فيه إذا كان فيه مصلحة للبلاد؟ فما الضرر من نشر هذا الخبر؟ ثم لماذا لا ينشر هذا النقد البسيط البريء؟ إن كان ما وصل إلي علم المراسل ليس صحيحاً ففي وسع جرائد الحكومة الكثيرة ان ترد وتقول إن الخبر غير صحيح، أو تقول مثلاً إن الشركة التي سيتم الاتفاق معها هي غير الشركة السابقة أو تذكر مبررات ارتفاع النفقات، أي أنه كان يجب مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، أما أخذ المعارضة علي هذا النحو وكم الأفواه إلي هذا الحد، فاللهم إن هذا منكر لا يرضيك. 18 إلي حضراتكم مثلاً آخر أريد نشره في إحدي الجرائد المعارضة مفاده «يعقد مجلس الوزراء اجتماعاً في الساعة السابعة والنصف من مساء اليوم في دار الرياسة، والمفهوم أنه ينظر في هذه الجلسة في ملء الوظائف الشاغرة التي خلت بإحالة وكلاء بعض الوزارات إلي المعاش». هذه الرسالة منع نشرها أيضاً مع أن موضوعها لا يخرج عن كونه خبراً بسيطاً عادياً، ماذا يضير الأمن لو نشر هذا الخبر؟ ألم تكن هذه الجرائد إخبارية ويهمها أن تسبق غيرها في نشر الأخبار القريبة الجديدة والحديثة العهد لترضي جمهور قرائها؟ وانتقل «محمود بسيوني» إلي المقارنة بين الرقابة في عهد الاحتلال وعهد الاستقلال فقال: إن مصر ياحضرات الزملاء المحترمين، لم تر وقتاً أشد حرجاً من هذا الوقت فيما يتعلق بإبداء الرأي وحرية الفكر والنشر، لا في عهد الاحتلال ولا في عهد بسط الأحكام العرفية في إبان الحرب العظمي، فقد كان الناس وقتئذ يتمتعون بحرية كاملة في إبداء آرائهم بطريق النشر في الجرائد وبطريق الخطابة في المجتمعات. ولقد ورد في تقرير عميد الاحتلال البريطاني اللورد كرومر في سنة 1902 تحت عنوان «الصحافة» ما يأتي: «لم أذكر في تقاريري الماضية شيئاً عن الصحافة في مصر، فإذا ذكرت شيئاً عنها الآن فليس ذلك لأن لها مسألة مهمة تحت البحث اليوم مهما كان قد سبق من أمرها في الماضي، ولهذا آمل ألا يحمل شيء من الأقوال التي أقولها هنا عنها علي غير مرادي منها». «كان في بدء الاحتلال الإنجليزي ما يسمونه «بمسألة الصحافة» فان كثيرين من ذوي الآراء الحقيقية بالاعتبار من الأوروبيين والوطنيين سواء كانوا موظفين أو غير موظفين، رأوا أن إعطاء الحرية التامة للجرائد في مصر موجب للضرر، أما الرأي العام الإنجليزي فيبالغ من يقول إنه كان يؤيد تقييد الجرائد، إلا أن قوماً كانوا يشيرون بذلك في بعض الجرائد الكبري بلندن أحيانا». ولا ينكر أنه إذا نظرنا إلي العناصر التي تتألف الهيئة الاجتماعية المصرية منها، وإلي ما كان القطر عليه منذ مدة قصيرة، ظهر لنا لأول وهلة أن منح الحرية التامة للصحافة قد لا يخلو من الضرر. علي أن هناك اعتراضين علي تقييد حرية الصحافة: الأول: أن وجود حامية إنجليزية في القطر يضمن أن الكتابات المهيجة لا تفضي إلي الإخلال بالأمن إخلالا عظيما. والثاني:أن من العبث سن قانون خصوصي للجرائد الوطنية ما لم ينطبق ذلك القانون علي الجرائد الأوروبية أيضاً، لأن كل صاحب جريدة وطنية يخشي طائلة القانون ينقل حقوقه وامتيازه إلي رجل أوروبي فعلاً أو اسما، ثم إن الدول الأوروبية والحكومة الإنجليزية في مقدمتها علي الأرجح تعترض علي كل قانون يقصد به تقييد حرية الصحافة حقيقة. أما أنا فكنت مخالفاً لتقييد حرية الصحافة منذ الأول، ولكني لم أعول كثيراً علي الاعتبارات التي أشرت إليها آنفاً فإني رأيت أولاً أن الحجج التي تقدم علي تقييد حرية الصحافة لا تعادل الحجج التي تقدم علي إطلاق حريتها، وثانيا أن كبار رجال الحكومة كانوا يقوون علي احتمال انتقاد الجرائد لهم بل علي إيرادها أقوالهم وأفعالهم علي غير صحتها حتي في أصعب الأزمان التي مرت علي مصر، أي قبل أن يؤثر الإصلاح تأثيره المطلوب. وقد أيدت الحوادث هذا الرأي فمرت سنون كثيرة والجرائد المصرية تامة الحرية، ولكن الحكومة اضطرت إلي إقامة بعض القضايا علي بعض الجرائد لطعنها علي الملوك الأجانب والخديو وأعضاء العائلة الخديوية، وكان الرأي العام مؤيداً للحكومة في تلك القضايا القليلة، ولم تكن إقامة القضايا سياسية، ومع أن القانون يخول الحكومة الحق في أن تطلب من صاحب كل جريدة أن يحصل علي رخصة قبل إصدار جريدته، إلا أنها لم تعمل بهذا الحق منذ مدة طويلة. ويقال بالإجمال إن النتيجة جاءت علي ما يرام. علي أن الجرائد المصرية، من أجنبية ووطنية كثيراً ما تنشر أخباراً غير صحيحة، وكثيراً ما تنتقد انتقاداً قانونياً مفيدا، ولكنها تقحم فيه أحيانا آراء علي غاية من الجهل والطيش بلغة شديدة اللهجة، وتنشر أحياناً مطاعن شخصية لا تنشرها الجرائد التي هي أرقي منها. ولست أظن أن رجال الحكومة سواء كانوا أوروبيين أو وطنيين، ينبذون آراء الجرائد ظهرياً، بل قد لحظت مراراً أنهم يعلقون عليها أكثر مما يلزم من الأهمية بمعني أنهم لا يميزون التمييز الكافي بين ما يستحق الالتفات منها وما يستحق الإهمال. ولا أظن أنه يمكن ذكر حادثة واحدة في العشرين سنة الماضية تدل علي أن حرية الجرائد التامة أضرت بالبلاد ضرراً عظيماً أو أخرت سير الإصلاح الحقيقي يوماً واحداً، وزد علي ذلك أن الجرائد الوطنية السابقة التي تكتب لفئة من الأهالي قليلة العلم كثيرة التصديق، وتحاول إضرام نار البغض الجنسي، لا تؤثر أقوالها كثيراً إذ لا تسنح لها فرصة تبني عليها أقوالها. هذا وإذا كانت الصحافة حرة في بلاد مثل مصر، فلابد لرجال الحكومة أن يجمعوا بين صفتين متضادتين بعض التضاد: إحداهما أن يحترموا آراء الجرائد إذا كانت ترمي إلي غرض سام وتسعي في تأييد آرائها بالدليل القاطع كما هو الغالب. والثانية أن يكون لهم من الشجاعة الأدبية ما يكفي لمقاومة الجرائد التي ترمي إلي غاية غير شريفة وتحاول تأييد أقوالها بأدلة لاتستحق الالتفات كما هي الحال أحياناً. ولا بأس بذكر الطريقة التي اتبعتها مع الجرائد المصرية فاستفدت منها فائدة تذكر، وعليه فإني أشير علي الموظفين الأجانب والوطنيين باتباعها، وهي أني أقرأ بعض الجرائد المهمة، وقد وجدت بالاختبار أنه ليس من الصعب التمييز بين ما يستحق الاختيار وبين مالا يستحقه فيها. فإذا قرأت خبراً مهماً لم أعلم به قبلا، أستعلم عما إذا كان صحيحاً أو لا، وقد يتفق أنه لا يكون صحيحاً أو لا يكون مدققاً ولكني مدين للجرائد بأخبار استفدتها منها وربما لم أستطع الوصول إليها لولا الجرائد. أما من جهة آراء الجرائد فإني إما أن أهتم بها أو لا أهتم، وذلك يتوقف علي المصدر الذي تصدر عنه، وقوة الأدلة المبسوطة فيها، وما إذا كانت آراء شخص واحد أو رأي جمهور يستحق الالتفات والاحترام، وغير ذلك من الاعتبارات. وإنه ليسهل القضاء علي الجرائد المصرية من باب رسمي أو علي قسم منها علي الأقل، وإذا فرضنا أن ذلك القضاء في محله فان للمسألة وجها آخر وهو أنه فضلاً عما لحرية الجرائد من الفائدة القطعية فلا ريب أن الجرائد تمنع بعض الضرر فإن خوف التشهير علي صفحاتها يمنع كثيراً من الشرور ويقلل العيوب التي تعتور نظام الحكومة المصرية كما تعتور نظام غيرها من الحكومات. ورأيي الخصوصي أن خير ما فعلته الجرائد هو أنها أفادت الحكومة المصرية بوجه العموم، وشر ما فعلته لم يضر ضرراً بليغاً بمصالح البلاد الحقيقية. «وهناك وجه آخر للجرائد الحرة، وهو ما يختص منه بالأفراد، فان النتيجة الطبيعية لحرية الصحافة هي أن يكون القانون المتعلق بالقذف صارما، وفي السنين الأخيرة اتجهت آراء الطبقة العليا من الوطنيين إلي أنه يجب أن يكبح جماح الجرائد عند كلامها علي الأفراد، وقد بحثت في هذا الموضوع فوجدت أن القانون الحالي المتعلق بالقذف واف بالمراد من حيث صرامته، علي أنه يظهر في عين الإنجليزي أن الأحكام تصدر هنا في دعاوي القذف وما يحكم به من العطل والضرر أخف مما يلزم، وهذه مسألة تختص بالقضاة أنفسهم». «ولكن يتصوب إدخال بعض التغيير في القانون المتعلق «بالنصب» فان النصب جرم شائع في هذه البلاد، وهو يزداد يوماً فيوماً فتجب معاملة النصابين بالشدة والقسوة، ومما أذكره هنا أني اطلعت حديثاً في بعض الجرائد الوطنية الساقطة علي مقالات تخالف كل ذوق وأدب، وعليه فان في النية تشديد العقاب فيما يتعلق بهذا الموضوع في قانون العقوبات الجديد». لقد كانت تلك الروح الطيبة من حسنات ذلك العميد في إبان الاحتلال، فقد كان قادراً وفي يده تصريف الأمور هو ورجاله، ومع ذلك ترك الصحافة حرة مطلقة من كل قيد..

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.