عقب تصديق الرئيس.. 13 مادة مهمة تتصدر قانون العمل الجديد    في موسمه ال13.. جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى بمهرجان إبداع    انتظام الدراسة بعدداً من مدارس إدارة ايتاى البارود بالبحيرة    متحدث «الوزراء»: تنسيق كامل بين الجهات المختلفة لزيادة عدد الحضانات    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي العام الترم الثانى في القليوبية 2025    طلاب "طب بشري بني سويف الأهلية" يحصدون المركز الأول في دوري العباقرة    أسعار الخضروات في سوق العبور للجملة اليوم الإثنين 5 مايو    تراجع سعر اليورو اليوم الإثنين 5 مايو 2025 بالبنوك المصرية    وزير الإسكان: تخصيص 650 قطعة أرض للمواطنين الذين تم توفيق أوضاعهم بمنطقة الرابية    ارتفاع أسعار الذهب بالسوق المحلية اليوم الإثنين 5 مايو    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    رئيس تجارية القليوبية: تطبيق دعم المستثمرين نقلة رقمية تعزز ثقة رجال الصناعة    التحالف الوطني يشارك في معرض أبو ظبي الدولي ويبرز دور المرأة في مواجهة التحديات التنموية    ارتفاع حجم السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ل 12.566 تريليون جنيه بنهاية مارس    قرار غريب .. ترامب يفرض 100% رسوم جمركية على الأفلام الأجنبية المنتجة خارج هوليوود    «القاهرة الإخبارية»: غزة بدون طعام.. والاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف المدنيين    رئيس حزب إسرائيلى: توسيع العملية العسكرية فى غزة لإنقاذ نتنياهو وحكومته    زعيم المعارضة في رومانيا يفوز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية    الهباش: عباس يجتمع مع بوتين لبحث الوضع في غزة والعلاقات الثنائية في هذا الموعد    بعد الهزيمة المفاجئة أمام فاركو .. تعرف علي المباريات المتبقية لبيراميدز فى الدوري    صدمة لجماهير الأهلي.. صفقة واعدة تبتعد    لو تقدر تلعبه لعبه| شوبير يعلق على عودة زيزو للتدريب في الزمالك    ياسر ريان: عماد النحاس نجح في لم الشمل وكسب ثقة الكبار في الأهلي    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    أسئلة اختيارية بنسبة 85% ومقالية 15% . تعرف علي شكل ورقة امتحان الثانوية العامة 2025    أمطار رعدية.. الأرصاد تحذر من الظواهر الجوية اليوم    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    مشاجرة بين الفنانة جوري بكر وطليقها داخل كمباوند شهير بأكتوبر    مصرع طفلتين «توأم» في انهيار جدار منزل بقنا    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    أسعار غير متوقعة لإطلالات عمرو دياب في حفل دبي    أكاديمية الفنون تحصل على 45 جائزة فردية وجماعية في مسابقة «ابداع»    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    نويرة بين كنوز موسيقار الأجيال ونجوم الأوبرا تجيد أداء أيقونات النهر الخالد "صور"    "صحة غزة": عدد الشهداء الأطفال تجاوز 16 ألفا.. والقطاع يشهد مؤشرات خطيرة    مركز طبي كفر شكر بالقليوبية يحصل على اعتماد هيئة الرقابة    الرعاية الصحية تنظم فعالية حول الوقاية من الجلطات الوريدية في مرضى الأورام    النحاس يبدأ دراسة نقاط القوة والضعف في المصري قبل مواجهة الخميس    شيخ الأزهر يستقبل الطالب محمد حسن ويوجه بدعمه تعليميًا وعلاج شقيقته    وزير الخارجية الإيراني يصل باكستان للتوسط لوقف التصعيد مع الهند بسبب هجوم كشمير الدموي    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 5-5-2025 في محافظة قنا    النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    تعرف على ضوابط عمالة الأطفال وفقا للقانون بعد واقعة طفلة القاهرة    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    وفاة طالبة جامعة الزقازيق بعد سقوطها من الطابق الرابع| بيان هام من الجامعة    أحمد علي: المنافسة على لقب الدوري اشتعلت بعد خسارة بيراميدز وفوز الأهلي    لأول مرة.. نيكول سابا تكشف سر على الهواء: «شئ صعب»    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    «المصرى اليوم» تحاور المكرمين باحتفالية «عيد العمال»: نصيحتنا للشباب «السعى يجلب النجاح»    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يراقب من في الصحافة السعودية؟

عندما انتهيت من قراءة كتاب جون برادلي «تعرية المملكة السعودية»Saudi Arabia Exposed وهو كتاب معظمه سطحي في نظري ويهدف إلي الإثارة عبر تلقط السلبيات التي لا تخلو منها أية دولة ولا يهدف حقا للبحث الجاد عن الحقيقة. والذي يغلب عليه العرض المتحيز وغير الموضوعي وأحيانا المتجاهل عمدا لأحوال السعودية. ولكن رغم كل ما سبق وجدت في هذا الكتاب فصلا ممتازا بعنوان «من يراقب من؟»Who censors who? والذي يعتبر أفضل فصل في الكتاب لكونه يتعلق بتخصص المؤلف أي الصحافة ووضح فيه جهد المؤلف في الحصول علي معلومات موثقة من كبار الكتاب والمثقفين السعوديين، وكذلك رصد ثم تحليل بعض الأمور بصورة صريحة وجريئة لم نعتدها في السعودية لأنها من ناقد ومراقب خارجي لا يسعي لمنصب ولا ترقية. ولذلك قررت ترجمة هذا الفصل وقمت بتنقيح الترجمة قليلا لأن برادلي لم يستطع إخفاء إنحيازه السافر للتيار الليبرالي علي حساب التيار الديني. وجميع الألقاب محفوظة للشخصيات السامية والعامة التي لم يذكرها المؤلف. ثم بذلت مجهودا في تلخيص تقسيم وتبسيط الفصل ليقع في 30 فقرة مكثفة بعد حذف بعض الهراء السخيف الذي قصد منه الإثارة الرخيصة. ووضعت عناوين للفقرات من عندي حسب اجتهادي لمحتواها. ويجب ملاحظة أن المؤلف كتب الكتاب في النصف الأول من العشرية الأولي (2000 إلي 2005) من القرن 21 وقبل تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله مقاليد الحكم. ورغم كون الفقرات جريئة جدا وقد لا تجاز رقابيا في السعودية إلا أنني قررت ترجمتها لأني وجدت فيها فائدة لجميع التيارات الفكرية وللحكومة السعودية ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام من حيث وجود نقد مبتكر لأمور الرقابة والصحافة السعودية بقلم مراقب أجنبي قد نغفل عن ملاحظتها بحكم موروثنا الثقافي والوهم الذي زرع في خلايا عقولنا المسمي «خصوصية» . وهي فقرات مفيدة لجميع الكتاب والمسئولين العرب لأن الهموم مشتركة تقريبا لوجود - للأسف- وزارات إعلام تراقب الصحافة في جميع الدول العربية. وتجرأت علي ترجمتها ونشرها في هذا الوقت تحديدا لأننا في السعودية نعيش في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دشن حكمه أيده الله بالعفو الكريم عن ثلاثة ناشطين سياسين ويتميز عهده بالتطوير الإصلاحي وتشجيع الحوار الوطني وإنشاء هيئات لمراقبة حقوق الإنسان وقد تركت عمدا بعض المصطلحات الجدلية كما وردت (مثل: الشرطة الدينية، وشرطة الأخلاق، الوهابية، إلخ) رغم تحفظ التيار الديني عليها لكي يعرف هؤلاء الأخوة كيف توصف هذه الأشياء من قبل المراقبين في الخارج. والمترجم ينقل فقط عن المؤلف وهو لا يدعم أو يساند مزاعمه حول مختلف الأحداث. والمترجم مستقل فكريا ولا يحب أن يصنف لحساب أي اتجاه. والكلمات الموضعة بين هلالين (...) للمترجم.
تعريف بالمؤلف
ولد برادلي عام 1970 في إنجلترا وتخصص في الصحافة في جامعة يونيفيرسيتي كولج لندن، دارموث، وفي إكستر كولج. يتكلم العربية بطلاقة باللهجة المصرية وعمل مراسلا حرا في الشرق الأوسط منذ 1999 لحساب مطبوعات مرموقة مثل «واشنطن كوارترلي» و«ذا نيو ريببلك»، و«رويترز» و«ملحق تايمز الأدبي» TLS و«واشنطن تايمز»، و«ديلي تيلغراف»، و«ذي إندبندنت»، و«ذا فاينانشال تايمز». يظهر برادلي باستمرار في كبري وسائل الإعلام ليحلل شئون الشرق الأوسط والإرهاب . عمل محررا في جريدة «عرب نيوز» السعودية في جدة لسنتين ونصف وأصدر بعد رحيله كتابه «كشف المملكة السعودية» في 2005 (260 صفحة من الحجم الوسط). كما أصدر مؤخرا في 2008 كتاب «داخل مصر» Inside Egypt
(1) «جريدة الشرق الأوسط» تراقب أكثر من الرقيب
في أكتوبر 2002، نشرت رسالة احتجاج غير مسبوقة في «الشرق الأوسط»، التي تسمي جريدة العرب الدولية وتطبع في لندن بتمويل سعودي كامل وهي حقيقة تقلل من أي احتمال لقيامها مطلقا بنقد الحكومة السعودية أو المؤسسة الدينية. كانت تلك الرسالة من الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق، والذي كان وقتها السفير السعودي في لندن وجاء فيها: «قرأت مقالي المنشور في 18 سبتمبر الذي ترجمتموه عن مقالي الذي نشر في الواشنطن بوست... وشعرت بالفزع لقيامكم بحذف جمل مهمة من المقال وردت في النص الأصلي!!!»
الجمل التي حذفتها الشرق الأوسط من مقال تركي الفيصل كانت تشمل واحدة تؤيد إلغاء رئاسة تعليم البنات التي تديرها المؤسسة الدينية، وذلك بعد حادث حريق مدرسة بنات في مكة المكرمة في مارس الماضي، والذي أدي إلي وفاة 15 طالبة بعد أن منعت الشرطة (تعليق المترجم: قيل أن التحقيق أثبت أن هذه تهمة ملفقة ولا أساس لها) تدخل رجال مارين في الشارع لإنقاذ الطالبات بحجة عدم كونهم محارم للطالبات.
(2) غباء تحريري في «الشرق الأوسط»
حذف الشرق الأوسط لتلك الجمل نتج عنه مفارقة طريفة غير مقصودة لأن تركي، المتدين وصاحب الفكر الإصلاحي المستنير، زعم في ذلك المقال أن هناك نسمة حرية جديدة في الصحافة السعودية لم تكن موجودة من قبل وتم نشر هذا الزعم في نسخة الشرق الأوسط «المبتورة» للمقال حتي تكمل المفارقة التي تدل علي غباء تحريري مذهل ولا مثيل له!!
(3) المثقفون السعوديون: لماذا؟
السعوديون المتعلمون جيدا قرءوا النص الأصلي في واشنطن بوست عبر النت ثم النص الذي تم تهذيبه في الشرق الأوسط وشعروا بالغضب متسائلين: لماذا يحق للقراء الأمريكان معرفة آراء مسئولين سعوديين عن بلدهم، ولا يحق للقراء السعوديين معرفة نفس الكلام المنشور في أمريكا؟ أقصر وأسرع جواب لهذا التساؤل المشروع هو أنه هناك دائما فرق واضح ومتعارف عليه بين ما يستطيع المسئول السعودي قوله في الخارج وما يصلح للاستهلاك المحلي Domestic Consumption. وهو نفس الفرق المعروف بين تصرفات بعض أفراد الشعب السعودي المتهورة واللاأخلاقية عندما يسافرون للخارج للسياحة وبين تصرفاتهم «المحافظة» في الرياض أو جدة.
وبعكس الحكمة العربية المعروفة التي تمنع نشر الغسيل الداخلي علانية ، أو مناقشة المشاكل الداخلية في الإعلام الخارجي، تحدث الأمير تركي كعادته الجميلة علانية وبشجاعة ليحسن صورة بلده ويفند بعض الشبهات عن السعودية في صحافة الولايات المتحدة بدلا من السعودية. وكونه زعم في الواشنطن بوست أن الإعلام السعودي يتمتع بحرية أكبر من الماضي، وهذا بالطبع، هو هدف مقال تركي المهم في صفحة الرأي في واشنطن بوست، فالمفارقة الهزلية المذهلة كانت قيام الشرق الأوسط بهدم وتقويض هدف مقال تركي بعدما قامت بمراقبته والحذف منه في ترجمتها المبتورة!!
(4) حقيقة الرقابة في السعودية
عندما يضغط علي معظم المحررين ليقولوا شيئا.. أي شيء علانية عن الرقابة القاسية علي الصحافة في السعودية، فإنهم يميلون للزعم بأن الرقابة ليست بسبب خطوط حكومية حمراء بل بسبب تردد وعدم شجاعة Unwillingness وجرأة ومبادرة رؤساء التحرير أنفسهم لاستغلال فرصة الحريات الممنوحة لهم بالفعل.
ومثل هذا الزعم غريب حقا لأول وهلة. فقيام وزارة الإعلام بوضع خطوط حمراء لبعض المواضيع الحساسة مثل نقد الحكومة أو المؤسسة الدينية يجب أن يكون مثيرا للقلق وعدم الراحة. وبالمثل القول بأن الحكومة «تمنح» حريات. ولكن الاعتراف بأن ليست جميع الحريات يتم استغلالها هو، في الحقيقة، أمر عجيب وغريب إلا عندما نعتقد فعلا بأن من حق الحكومة «منح» ثم «سحب» الحريات الصحفية، وأن رؤساء التحرير، مثل جميع الصحفيين السعوديين، يعملون حسب رغبة الحكومة. ولذلك، فإن الجواب الموحد لرؤساء التحرير عن لوم الرقابة والمستوي الرديء للصحافة السعودية يكمن بصدق مثل أي إجابة أخري يمكن إعطاؤها (أي لا يوجد عذر مقبول مهنيا!!) وهناك أدلة كثيرة لدعم هذا التحليل.
رسالة وملاحظات تركي لم تترك مجالا للشك أن الرقابه علي مقاله ليست من وزارة الإعلام بل من جريدة الشرق الأوسط نفسها التي قامت بدور الرقيب. وكان الرقيب الحقيقي، كما علمت من مصادري الخاصة، هو محرر مخضرم قديم في الشرق الأوسط!! وعندما نشرت مقالا بعد تلك الحادثة في جريدة «ذي إندبندنت» البريطانية عن شأن سعودي حساس، علمت أن نفس محرر الشرق الأوسط المخضرم القديم هو الذي اتصل بمكتب ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز بالرياض ليبلغهم أنني تخطيت الخط الأحمر. وهذا التبيلغ الكيدي من واجبات السفارة السعودية بلندن التي كان الأمير تركي يشغل فيها منصب السفير وقتها وليس من واجب ذلك المحرر المخضرم.
ونتج عن تلك الشكوي إرغامي علي توقيع تعهد بعدم كتابة مثل ذلك المقال، ونجوت من فصلي من العمل في «عرب نيوز» وطردي علي أول طائرة، لأن رئيسي في «عرب نيوز» قدم لوزارة الإعلام ترجمة دقيقة لمقالي في «ذي إندبندنت» البريطانية أفضل من الترجمة الرديئة والكيدية التي قُدمت للوزارة.
(5) من يعرف أكثر عن السعودية؟
ولكن حادثة مقال الواشنطن بوست لها عواقب ونتائج عريضة أكثر مما قد يبدو لأول وهلة. ولذلك المثقفون السعوديون يشيرون إلي مفارقة مهمة وصحيحة وهي أن القارئ الأمريكي العادي يعرف من صحافته عن أوضاع السعودية أكثر من المواطن السعودي الذي يقرأ صحافته المحلية!!
ومن القضايا التي تغطيها الصحافة الأمريكية الجادة دائما عن السعودية هو الحوار الدائر بين التيارات الفكرية في السعودية والوضع الاقتصادي، والعلاقات مع الولايات المتحدة. ورؤي السعوديين لأنفسهم ورؤية الآخرين لهم. وبينما هناك حوار ونقاش مستعر في الصحافة الأمريكية عن مستقبل السعودية، فإن الحوار والنقاش في الصحافة السعودية علي الأغلب ليس سوي انعكاس رديء لما يقال في الخارج. وفي الحقيقة، بعض أبرز الكتاب السعوديين (والعرب) يرددون بعض ما يكتب في الخارج علي أساس أنه من أفكارهم، أو يعيدون كتابة النقد الخارجي بهدف تفنيده بحماس وطني أو ديني متقد!! ولكثرة النقد الخارجي، صار من المسموح للصحفيين والكتاب السعوديين إعادة كتابة ما يقال عن السعودية في أمريكا مثلا رغم كون ذلك النقد غير مسموح في الصحافة السعودية، ولكن العرف العام سمح بهذا طالما هناك نية لتفنيده.
والنتائج ليست تماما حسب المأمول. لأن مثل تلك المقالات التي تنقل النقد الخارجي أصبح ينتج عنها - بدون قصد كُتابها - دعم المقولات النقدية الخارجية وترسيخها بصورة «لاشعورية» إن لم يكن تأكيدها عن طريق النفي (الذي يفهم عكسيا في السعودية وكذلك في معظم الدول العربية!!) وهذا بالتالي، غذي ما يعتبر سابقا تابوهات نقدية في الخطاب السعودي المحلي: وهي طريقة غير مباشرة بل مخادعة وثعلبية لإدخال نقاشات نقدية جدلية في صحافة الدول التوليتارية.
(6) ماذا تحتاج الصحافة السعودية لتتطور؟؟
وفي النهاية إذن، الحريات الوحيدة التي قد تمنح للصحفيين في السعودية هي تلك الحريات التي سيقاتل من أجل الحصول عليها رؤساء التحرير نيابة عنهم. وكما يعترف معظم الصحفيين السعوديين: الصحافة السعودية تحتاج شيء واحد قبل أي حريات وهو رؤساء تحرير جريئون وشجعان!!
ولكن البعض، مع هذا، لا يزال في مرحلة الإنكار Denial. فقد أكد لي رئيس تحرير جريدة يومية مهمة تعلم في أمريكا: «أصحاب المناصب العليا في الحكومة بدءوا يتجاوبون لما تنشره الصحافة السعودية». وهو يعتقد أن الصحافة السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية وصلت لما أسماه قمة «ربيع براغ» Prague Spring (في إشارة إلي فترة الانتفاضة الليبرالية القصيرة جدا في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية (سابقا) والتي أدت لتدخل الجيش السوفيتي الأحمر لكبحها وإعادة الحكم الشيوعي للبلد في 1968]. وأضاف بزهو: «نحن فخورون بأن العديد من القضايا التي طرحناها بعد الهجمات تقبلتها وعالجتها الحكومة بل أدخل بعضها في الأنظمة الحكومية» ولكنه لم يعطني أية أمثلة علي ذلك الزعم. ولذلك فهو إما : كان يقوم بتضليلي بنفسه تلك الليلة، أو كان يبالغ متعمدا أمامي... لأنه، رغم كل هذه الإدعاءات، طُرد من منصبه بعد سنة!!
(7) حادثة فصل رئيس تحرير جريدة المدينة
بعد نشر جريدة المدينة في مارس 2002 قصيدة نقدية حارقة لرجال القضاء احتلت صفحة كاملة، صدر قرار فوري بفصل رئيس التحرير محمد مختار الفال.
(8) تعليق أهم كاتب سعودي علي فصل «الفال»
يعتبر الكثيرون عبد الله ناصر الفوزان أهم كاتب سعودي ومن المؤكد أنه صاحب شعبية كبيرة، وعلق الفوزان علي تعتيم الصحافة ممثلة برؤساء التحرير علي خبر فصل زميلهم الفال قائلا في جريدة الوطن: «عدم مناقشة خبر فصل رئيس تحرير المدينة يثبت أن صحافتنا أسيرة لضعفها الذاتي»
(9) صحفي مهني اسمه إدريس الدريس
إدريس الدريس جنتلمان في الستين وهو صحفي مخضرم ومحترم من قبل زملائه ويتفق تماما مع كل ماسبق أن ذكرته. الدريس صحفي فريد من نوعه بالنسبة لزملائه من حيث مهنيته المتميزة. وهذا في الغالب السبب الذي لم يجعله يحتل منصب رئيس تحرير رغم أهليته الواضحة له وخبراته الكبيرة المتراكمة حيث وصل فقط لمنصب نائب رئيس تحرير جريدة الجزيرة في الرياض.
وفي حوار خاص معه في 2002 بالرياض، روي لي حكاية عجيبة: ففي وقت سابق من تلك السنة، كان من المفترض فتح منفذ عرعر الحدودي مع العراق. وحصل الدريس علي خبر موثق من مصدر مستقل. ولذلك نشر الخبر في الصفحة الأولي كسبق صحفي مهم قبل تصريح وكالة الأنباء السعودية (واس) وهي منظمة حكومية مسئولة عن وضع قواعد لما يمكن ولا يمكن نشره في الصحافة، ومنها يحصل رؤساء التحرير علي الأذن بنشر أخبار معينة حساسة.
قال الدريس: «اتصل بي مسئول من وزارة الخارجية بعد نشر الخبر وطلب معرفة مصدر الخبر، فقلت له: «ركز علي عملك فقط... هذا الأمر ليس من اختصاصك، وأقفلت الهاتف فورا». قلت للدريس: «هل أنشر حكايتك؟» Is it on the record?. فأجابني: «نعم، بالتأكيد»!! وأضاف مؤكدا أن التزامه بنشر الحقيقة، عبر استغلال هامش الحرية الصغير واختراق حدود الرقابة التقليدية لأقصي حد ممكن، لم يتأثر بهذه الحادثة.
وقمت بذكر حكايته في مقال خاص كتبته عن الصحافة السعودية لحساب وكالة رويترز للأنباء. ومن المدهش أنه مايزال في عمله حتي الآن وهو ربما ما يثبت لا شيء أكثر من صحة قوله بأن هناك حقا حرية يمكن أن تستغل فقط إذا لم يكن رؤساء التحرير جبناء وخائفين جدا من التحلي بالشجاعة والجرأة وأخذ المبادرة والتجربة.
الدريس، فوق هذا، يملك سجلا حافلا من الكتابة الصحفية الجريئة والصريحة لأقصي حد. فعندما كان مديرا لتحرير مجلة «اليمامة» قبل 15 سنة نشر مقالا أثار جدلاً كبيرا ويذكره المثقفون حتي الآن بعنوان «الحق الذي أعطي ولم يؤخذ مطلقا»!! هناك جدل في السعودية بأنه لكون رؤساء التحرير وكبار الصحفيين يحتلون مكانة اجتماعية متميزة، فإن هذا يجعلهم - حتما وبدون شك - جزءا من النظام الحاكم. ولهذا فهم بالتالي عقبة أمام حرية الصحافة وجزء من المشكلة الرقابية بدلا من وسيط لحلها لا سيما بخصوص تطوير الحقوق السياسية للمجتمع.
المسئولون يشجعون رؤساء التحرير دائما علي استغلال الفرص المناسبة لمناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية، ولكن الدريس يصر، مع ذلك، بأن السبب هو رؤساء التحريرفي المجموع العام فلا يزالون يرفضون فعل ذلك، لكونهم «يحصلون علي مرتبات ضخمة، ولديهم مراكز اجتماعية متميزة، والناس يتملقونهم دائما بسبب ذلك». وهم جبناء من حيث كونهم بعد وصولهم لمناصب عالية في حياتهم يخافون من فقدان تلك المزايا المهمة لو حاولوا قليلا تغيير العرف السائد عبر المبادرة والجرأة لاستغلال هامش الحرية وتغيير العرف السائدRocking The Boat
للأسف شهادة الدريس أصابت كبد الحقيقة.
الكاتب مترجم من مدينة الخبر السعودية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.