جامعة حلوان تدرس تحويل كلية التكنولوجيا والتعليم لجامعة دولية    أوقاف الفيوم تواصل فعاليات برنامج "صحح قراءتك" بالمساجد الكبرى    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    استقرار أسعار الفراخ والبيض في الأسواق يوم الأربعاء 29 مايو 2024    معلومات الوزراء: السيارات الكهربائية تحدث تحولا جذريا بقطاع النقل    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    الأول من نوعه.. وزير النقل يشهد توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء مشروع لتخريد السفن بميناء دمياط    توريد 223 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    وفد مصر يشارك فى الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الأفريقى فى كينيا    استقالة مسؤولة رفيعة المستوى بالخارجية الأمريكية    إخلاء مستشفى القدس الميداني في خان يونس    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    عاجل| إعلام فلسطيني: مروحيات إسرائيلية تنقل جنودا مصابين جراء معارك غزة لمستشفى ببئر السبع    عيد عبد الملك: منافسة الشناوي وشوبير ستكون في صالح الأهلي    «15قذيفة مثيرة».. ملخص تصريحات شيكابالا    اليوم.. طقس حار نهارا معتدل ليلا والعظمى بالقاهرة 30 درجة    صفحات الغش تنشر أسئلة امتحانات الدبلومات الفنية والتعليم «كالعادة» تحقق    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    رئيس الرعاية الصحية يستقبل رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    "اختر صحتك قل لا للتبغ".. ندوة بطب عين شمس    متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    دولة الإمارات وكوريا الجنوبية توقعان اتفاقية تجارية    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    محمد فاضل: «تجربة الضاحك الباكي لن تتكرر»    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    الصحة: روسيا أرسلت وفدا للاطلاع على التجربة المصرية في القضاء على فيروس سي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024.. موعد إعلانها وطريقة الاستعلام    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    فيديو ترويجي لشخصية إياد نصار في مسلسل مفترق طرق    شوفلك حاجة تانية، هل حرض شيكابالا مصطفى شوبير للرحيل عن الأهلي؟    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    بلاتر يتغنى بقوة منتخب مصر ويستشهد ب محمد صلاح    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يراقب من في الصحافة السعودية؟

عندما انتهيت من قراءة كتاب جون برادلي «تعرية المملكة السعودية»Saudi Arabia Exposed وهو كتاب معظمه سطحي في نظري ويهدف إلي الإثارة عبر تلقط السلبيات التي لا تخلو منها أية دولة ولا يهدف حقا للبحث الجاد عن الحقيقة. والذي يغلب عليه العرض المتحيز وغير الموضوعي وأحيانا المتجاهل عمدا لأحوال السعودية. ولكن رغم كل ما سبق وجدت في هذا الكتاب فصلا ممتازا بعنوان «من يراقب من؟»Who censors who? والذي يعتبر أفضل فصل في الكتاب لكونه يتعلق بتخصص المؤلف أي الصحافة ووضح فيه جهد المؤلف في الحصول علي معلومات موثقة من كبار الكتاب والمثقفين السعوديين، وكذلك رصد ثم تحليل بعض الأمور بصورة صريحة وجريئة لم نعتدها في السعودية لأنها من ناقد ومراقب خارجي لا يسعي لمنصب ولا ترقية. ولذلك قررت ترجمة هذا الفصل وقمت بتنقيح الترجمة قليلا لأن برادلي لم يستطع إخفاء إنحيازه السافر للتيار الليبرالي علي حساب التيار الديني. وجميع الألقاب محفوظة للشخصيات السامية والعامة التي لم يذكرها المؤلف. ثم بذلت مجهودا في تلخيص تقسيم وتبسيط الفصل ليقع في 30 فقرة مكثفة بعد حذف بعض الهراء السخيف الذي قصد منه الإثارة الرخيصة. ووضعت عناوين للفقرات من عندي حسب اجتهادي لمحتواها. ويجب ملاحظة أن المؤلف كتب الكتاب في النصف الأول من العشرية الأولي (2000 إلي 2005) من القرن 21 وقبل تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله مقاليد الحكم. ورغم كون الفقرات جريئة جدا وقد لا تجاز رقابيا في السعودية إلا أنني قررت ترجمتها لأني وجدت فيها فائدة لجميع التيارات الفكرية وللحكومة السعودية ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام من حيث وجود نقد مبتكر لأمور الرقابة والصحافة السعودية بقلم مراقب أجنبي قد نغفل عن ملاحظتها بحكم موروثنا الثقافي والوهم الذي زرع في خلايا عقولنا المسمي «خصوصية» . وهي فقرات مفيدة لجميع الكتاب والمسئولين العرب لأن الهموم مشتركة تقريبا لوجود - للأسف- وزارات إعلام تراقب الصحافة في جميع الدول العربية. وتجرأت علي ترجمتها ونشرها في هذا الوقت تحديدا لأننا في السعودية نعيش في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دشن حكمه أيده الله بالعفو الكريم عن ثلاثة ناشطين سياسين ويتميز عهده بالتطوير الإصلاحي وتشجيع الحوار الوطني وإنشاء هيئات لمراقبة حقوق الإنسان وقد تركت عمدا بعض المصطلحات الجدلية كما وردت (مثل: الشرطة الدينية، وشرطة الأخلاق، الوهابية، إلخ) رغم تحفظ التيار الديني عليها لكي يعرف هؤلاء الأخوة كيف توصف هذه الأشياء من قبل المراقبين في الخارج. والمترجم ينقل فقط عن المؤلف وهو لا يدعم أو يساند مزاعمه حول مختلف الأحداث. والمترجم مستقل فكريا ولا يحب أن يصنف لحساب أي اتجاه. والكلمات الموضعة بين هلالين (...) للمترجم.
تعريف بالمؤلف
ولد برادلي عام 1970 في إنجلترا وتخصص في الصحافة في جامعة يونيفيرسيتي كولج لندن، دارموث، وفي إكستر كولج. يتكلم العربية بطلاقة باللهجة المصرية وعمل مراسلا حرا في الشرق الأوسط منذ 1999 لحساب مطبوعات مرموقة مثل «واشنطن كوارترلي» و«ذا نيو ريببلك»، و«رويترز» و«ملحق تايمز الأدبي» TLS و«واشنطن تايمز»، و«ديلي تيلغراف»، و«ذي إندبندنت»، و«ذا فاينانشال تايمز». يظهر برادلي باستمرار في كبري وسائل الإعلام ليحلل شئون الشرق الأوسط والإرهاب . عمل محررا في جريدة «عرب نيوز» السعودية في جدة لسنتين ونصف وأصدر بعد رحيله كتابه «كشف المملكة السعودية» في 2005 (260 صفحة من الحجم الوسط). كما أصدر مؤخرا في 2008 كتاب «داخل مصر» Inside Egypt
(1) «جريدة الشرق الأوسط» تراقب أكثر من الرقيب
في أكتوبر 2002، نشرت رسالة احتجاج غير مسبوقة في «الشرق الأوسط»، التي تسمي جريدة العرب الدولية وتطبع في لندن بتمويل سعودي كامل وهي حقيقة تقلل من أي احتمال لقيامها مطلقا بنقد الحكومة السعودية أو المؤسسة الدينية. كانت تلك الرسالة من الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق، والذي كان وقتها السفير السعودي في لندن وجاء فيها: «قرأت مقالي المنشور في 18 سبتمبر الذي ترجمتموه عن مقالي الذي نشر في الواشنطن بوست... وشعرت بالفزع لقيامكم بحذف جمل مهمة من المقال وردت في النص الأصلي!!!»
الجمل التي حذفتها الشرق الأوسط من مقال تركي الفيصل كانت تشمل واحدة تؤيد إلغاء رئاسة تعليم البنات التي تديرها المؤسسة الدينية، وذلك بعد حادث حريق مدرسة بنات في مكة المكرمة في مارس الماضي، والذي أدي إلي وفاة 15 طالبة بعد أن منعت الشرطة (تعليق المترجم: قيل أن التحقيق أثبت أن هذه تهمة ملفقة ولا أساس لها) تدخل رجال مارين في الشارع لإنقاذ الطالبات بحجة عدم كونهم محارم للطالبات.
(2) غباء تحريري في «الشرق الأوسط»
حذف الشرق الأوسط لتلك الجمل نتج عنه مفارقة طريفة غير مقصودة لأن تركي، المتدين وصاحب الفكر الإصلاحي المستنير، زعم في ذلك المقال أن هناك نسمة حرية جديدة في الصحافة السعودية لم تكن موجودة من قبل وتم نشر هذا الزعم في نسخة الشرق الأوسط «المبتورة» للمقال حتي تكمل المفارقة التي تدل علي غباء تحريري مذهل ولا مثيل له!!
(3) المثقفون السعوديون: لماذا؟
السعوديون المتعلمون جيدا قرءوا النص الأصلي في واشنطن بوست عبر النت ثم النص الذي تم تهذيبه في الشرق الأوسط وشعروا بالغضب متسائلين: لماذا يحق للقراء الأمريكان معرفة آراء مسئولين سعوديين عن بلدهم، ولا يحق للقراء السعوديين معرفة نفس الكلام المنشور في أمريكا؟ أقصر وأسرع جواب لهذا التساؤل المشروع هو أنه هناك دائما فرق واضح ومتعارف عليه بين ما يستطيع المسئول السعودي قوله في الخارج وما يصلح للاستهلاك المحلي Domestic Consumption. وهو نفس الفرق المعروف بين تصرفات بعض أفراد الشعب السعودي المتهورة واللاأخلاقية عندما يسافرون للخارج للسياحة وبين تصرفاتهم «المحافظة» في الرياض أو جدة.
وبعكس الحكمة العربية المعروفة التي تمنع نشر الغسيل الداخلي علانية ، أو مناقشة المشاكل الداخلية في الإعلام الخارجي، تحدث الأمير تركي كعادته الجميلة علانية وبشجاعة ليحسن صورة بلده ويفند بعض الشبهات عن السعودية في صحافة الولايات المتحدة بدلا من السعودية. وكونه زعم في الواشنطن بوست أن الإعلام السعودي يتمتع بحرية أكبر من الماضي، وهذا بالطبع، هو هدف مقال تركي المهم في صفحة الرأي في واشنطن بوست، فالمفارقة الهزلية المذهلة كانت قيام الشرق الأوسط بهدم وتقويض هدف مقال تركي بعدما قامت بمراقبته والحذف منه في ترجمتها المبتورة!!
(4) حقيقة الرقابة في السعودية
عندما يضغط علي معظم المحررين ليقولوا شيئا.. أي شيء علانية عن الرقابة القاسية علي الصحافة في السعودية، فإنهم يميلون للزعم بأن الرقابة ليست بسبب خطوط حكومية حمراء بل بسبب تردد وعدم شجاعة Unwillingness وجرأة ومبادرة رؤساء التحرير أنفسهم لاستغلال فرصة الحريات الممنوحة لهم بالفعل.
ومثل هذا الزعم غريب حقا لأول وهلة. فقيام وزارة الإعلام بوضع خطوط حمراء لبعض المواضيع الحساسة مثل نقد الحكومة أو المؤسسة الدينية يجب أن يكون مثيرا للقلق وعدم الراحة. وبالمثل القول بأن الحكومة «تمنح» حريات. ولكن الاعتراف بأن ليست جميع الحريات يتم استغلالها هو، في الحقيقة، أمر عجيب وغريب إلا عندما نعتقد فعلا بأن من حق الحكومة «منح» ثم «سحب» الحريات الصحفية، وأن رؤساء التحرير، مثل جميع الصحفيين السعوديين، يعملون حسب رغبة الحكومة. ولذلك، فإن الجواب الموحد لرؤساء التحرير عن لوم الرقابة والمستوي الرديء للصحافة السعودية يكمن بصدق مثل أي إجابة أخري يمكن إعطاؤها (أي لا يوجد عذر مقبول مهنيا!!) وهناك أدلة كثيرة لدعم هذا التحليل.
رسالة وملاحظات تركي لم تترك مجالا للشك أن الرقابه علي مقاله ليست من وزارة الإعلام بل من جريدة الشرق الأوسط نفسها التي قامت بدور الرقيب. وكان الرقيب الحقيقي، كما علمت من مصادري الخاصة، هو محرر مخضرم قديم في الشرق الأوسط!! وعندما نشرت مقالا بعد تلك الحادثة في جريدة «ذي إندبندنت» البريطانية عن شأن سعودي حساس، علمت أن نفس محرر الشرق الأوسط المخضرم القديم هو الذي اتصل بمكتب ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز بالرياض ليبلغهم أنني تخطيت الخط الأحمر. وهذا التبيلغ الكيدي من واجبات السفارة السعودية بلندن التي كان الأمير تركي يشغل فيها منصب السفير وقتها وليس من واجب ذلك المحرر المخضرم.
ونتج عن تلك الشكوي إرغامي علي توقيع تعهد بعدم كتابة مثل ذلك المقال، ونجوت من فصلي من العمل في «عرب نيوز» وطردي علي أول طائرة، لأن رئيسي في «عرب نيوز» قدم لوزارة الإعلام ترجمة دقيقة لمقالي في «ذي إندبندنت» البريطانية أفضل من الترجمة الرديئة والكيدية التي قُدمت للوزارة.
(5) من يعرف أكثر عن السعودية؟
ولكن حادثة مقال الواشنطن بوست لها عواقب ونتائج عريضة أكثر مما قد يبدو لأول وهلة. ولذلك المثقفون السعوديون يشيرون إلي مفارقة مهمة وصحيحة وهي أن القارئ الأمريكي العادي يعرف من صحافته عن أوضاع السعودية أكثر من المواطن السعودي الذي يقرأ صحافته المحلية!!
ومن القضايا التي تغطيها الصحافة الأمريكية الجادة دائما عن السعودية هو الحوار الدائر بين التيارات الفكرية في السعودية والوضع الاقتصادي، والعلاقات مع الولايات المتحدة. ورؤي السعوديين لأنفسهم ورؤية الآخرين لهم. وبينما هناك حوار ونقاش مستعر في الصحافة الأمريكية عن مستقبل السعودية، فإن الحوار والنقاش في الصحافة السعودية علي الأغلب ليس سوي انعكاس رديء لما يقال في الخارج. وفي الحقيقة، بعض أبرز الكتاب السعوديين (والعرب) يرددون بعض ما يكتب في الخارج علي أساس أنه من أفكارهم، أو يعيدون كتابة النقد الخارجي بهدف تفنيده بحماس وطني أو ديني متقد!! ولكثرة النقد الخارجي، صار من المسموح للصحفيين والكتاب السعوديين إعادة كتابة ما يقال عن السعودية في أمريكا مثلا رغم كون ذلك النقد غير مسموح في الصحافة السعودية، ولكن العرف العام سمح بهذا طالما هناك نية لتفنيده.
والنتائج ليست تماما حسب المأمول. لأن مثل تلك المقالات التي تنقل النقد الخارجي أصبح ينتج عنها - بدون قصد كُتابها - دعم المقولات النقدية الخارجية وترسيخها بصورة «لاشعورية» إن لم يكن تأكيدها عن طريق النفي (الذي يفهم عكسيا في السعودية وكذلك في معظم الدول العربية!!) وهذا بالتالي، غذي ما يعتبر سابقا تابوهات نقدية في الخطاب السعودي المحلي: وهي طريقة غير مباشرة بل مخادعة وثعلبية لإدخال نقاشات نقدية جدلية في صحافة الدول التوليتارية.
(6) ماذا تحتاج الصحافة السعودية لتتطور؟؟
وفي النهاية إذن، الحريات الوحيدة التي قد تمنح للصحفيين في السعودية هي تلك الحريات التي سيقاتل من أجل الحصول عليها رؤساء التحرير نيابة عنهم. وكما يعترف معظم الصحفيين السعوديين: الصحافة السعودية تحتاج شيء واحد قبل أي حريات وهو رؤساء تحرير جريئون وشجعان!!
ولكن البعض، مع هذا، لا يزال في مرحلة الإنكار Denial. فقد أكد لي رئيس تحرير جريدة يومية مهمة تعلم في أمريكا: «أصحاب المناصب العليا في الحكومة بدءوا يتجاوبون لما تنشره الصحافة السعودية». وهو يعتقد أن الصحافة السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية وصلت لما أسماه قمة «ربيع براغ» Prague Spring (في إشارة إلي فترة الانتفاضة الليبرالية القصيرة جدا في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية (سابقا) والتي أدت لتدخل الجيش السوفيتي الأحمر لكبحها وإعادة الحكم الشيوعي للبلد في 1968]. وأضاف بزهو: «نحن فخورون بأن العديد من القضايا التي طرحناها بعد الهجمات تقبلتها وعالجتها الحكومة بل أدخل بعضها في الأنظمة الحكومية» ولكنه لم يعطني أية أمثلة علي ذلك الزعم. ولذلك فهو إما : كان يقوم بتضليلي بنفسه تلك الليلة، أو كان يبالغ متعمدا أمامي... لأنه، رغم كل هذه الإدعاءات، طُرد من منصبه بعد سنة!!
(7) حادثة فصل رئيس تحرير جريدة المدينة
بعد نشر جريدة المدينة في مارس 2002 قصيدة نقدية حارقة لرجال القضاء احتلت صفحة كاملة، صدر قرار فوري بفصل رئيس التحرير محمد مختار الفال.
(8) تعليق أهم كاتب سعودي علي فصل «الفال»
يعتبر الكثيرون عبد الله ناصر الفوزان أهم كاتب سعودي ومن المؤكد أنه صاحب شعبية كبيرة، وعلق الفوزان علي تعتيم الصحافة ممثلة برؤساء التحرير علي خبر فصل زميلهم الفال قائلا في جريدة الوطن: «عدم مناقشة خبر فصل رئيس تحرير المدينة يثبت أن صحافتنا أسيرة لضعفها الذاتي»
(9) صحفي مهني اسمه إدريس الدريس
إدريس الدريس جنتلمان في الستين وهو صحفي مخضرم ومحترم من قبل زملائه ويتفق تماما مع كل ماسبق أن ذكرته. الدريس صحفي فريد من نوعه بالنسبة لزملائه من حيث مهنيته المتميزة. وهذا في الغالب السبب الذي لم يجعله يحتل منصب رئيس تحرير رغم أهليته الواضحة له وخبراته الكبيرة المتراكمة حيث وصل فقط لمنصب نائب رئيس تحرير جريدة الجزيرة في الرياض.
وفي حوار خاص معه في 2002 بالرياض، روي لي حكاية عجيبة: ففي وقت سابق من تلك السنة، كان من المفترض فتح منفذ عرعر الحدودي مع العراق. وحصل الدريس علي خبر موثق من مصدر مستقل. ولذلك نشر الخبر في الصفحة الأولي كسبق صحفي مهم قبل تصريح وكالة الأنباء السعودية (واس) وهي منظمة حكومية مسئولة عن وضع قواعد لما يمكن ولا يمكن نشره في الصحافة، ومنها يحصل رؤساء التحرير علي الأذن بنشر أخبار معينة حساسة.
قال الدريس: «اتصل بي مسئول من وزارة الخارجية بعد نشر الخبر وطلب معرفة مصدر الخبر، فقلت له: «ركز علي عملك فقط... هذا الأمر ليس من اختصاصك، وأقفلت الهاتف فورا». قلت للدريس: «هل أنشر حكايتك؟» Is it on the record?. فأجابني: «نعم، بالتأكيد»!! وأضاف مؤكدا أن التزامه بنشر الحقيقة، عبر استغلال هامش الحرية الصغير واختراق حدود الرقابة التقليدية لأقصي حد ممكن، لم يتأثر بهذه الحادثة.
وقمت بذكر حكايته في مقال خاص كتبته عن الصحافة السعودية لحساب وكالة رويترز للأنباء. ومن المدهش أنه مايزال في عمله حتي الآن وهو ربما ما يثبت لا شيء أكثر من صحة قوله بأن هناك حقا حرية يمكن أن تستغل فقط إذا لم يكن رؤساء التحرير جبناء وخائفين جدا من التحلي بالشجاعة والجرأة وأخذ المبادرة والتجربة.
الدريس، فوق هذا، يملك سجلا حافلا من الكتابة الصحفية الجريئة والصريحة لأقصي حد. فعندما كان مديرا لتحرير مجلة «اليمامة» قبل 15 سنة نشر مقالا أثار جدلاً كبيرا ويذكره المثقفون حتي الآن بعنوان «الحق الذي أعطي ولم يؤخذ مطلقا»!! هناك جدل في السعودية بأنه لكون رؤساء التحرير وكبار الصحفيين يحتلون مكانة اجتماعية متميزة، فإن هذا يجعلهم - حتما وبدون شك - جزءا من النظام الحاكم. ولهذا فهم بالتالي عقبة أمام حرية الصحافة وجزء من المشكلة الرقابية بدلا من وسيط لحلها لا سيما بخصوص تطوير الحقوق السياسية للمجتمع.
المسئولون يشجعون رؤساء التحرير دائما علي استغلال الفرص المناسبة لمناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية، ولكن الدريس يصر، مع ذلك، بأن السبب هو رؤساء التحريرفي المجموع العام فلا يزالون يرفضون فعل ذلك، لكونهم «يحصلون علي مرتبات ضخمة، ولديهم مراكز اجتماعية متميزة، والناس يتملقونهم دائما بسبب ذلك». وهم جبناء من حيث كونهم بعد وصولهم لمناصب عالية في حياتهم يخافون من فقدان تلك المزايا المهمة لو حاولوا قليلا تغيير العرف السائد عبر المبادرة والجرأة لاستغلال هامش الحرية وتغيير العرف السائدRocking The Boat
للأسف شهادة الدريس أصابت كبد الحقيقة.
الكاتب مترجم من مدينة الخبر السعودية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.