يعتقد البعض أن أطروحة مؤتمر المثقفين هي حصان طروادة الذي سوف يمكننا من اقتحام قلاع الجهل والتخلف وشبح الطائفية البغيضة التي تهدد وجودنا ومستقبلنا كشعب واحد له ملامح مشتركة أساسية بغض النظر عن تنوع بيئاته الزراعية والبدوية والصناعية، وفي ظني أن هذا الطرح لن يؤدي إلي فائدة كبيرة، وسيضاف إلي ما سبقه من مؤتمرات لا يتعدي تأثيرها وصخبها جدران الغرف المكيفة التي عقدت فيها، بل ربما يكون هذا المؤتمر استمرارا لحالة الجدل البيزنطي التي تكاد تكون سمة عامة في معظم ندواتنا وتجمعاتنا الثقافية والأدبية، ويذهب البعض إلي القول بأن مؤتمرا كهذا ينبغي أن يكون مستقلا عن الدولة وذلك لكي لا تستغله في توازناتها الهشة التي أدت في معظمها إلي كوارث وأزمات أصبحت تعصف بأعمدة المجتمع المصري الأساسية وربما يكون لديهم جانب من الحقيقة، إذ إن ضلوع الدولة المصرية في تهميش المثقفين أو توظيفهم في صراعتها السياسية مع اتجاهات بعينها أدي إلي حالة الاحتراب بين تلك الاتجاهات من جانب وبينها وبين الدولة من جانب آخر كما أدي إلي حالة التردي الحضاري الحالية في المجتمع المصري وهو أمر لم تشهده بلادنا منذ العهدين العثماني والمملوكي، ويري البعض الآخر أن مؤتمرا كهذا لا ينبغي أن يتم بعيدا عن رعاية الدولة التي تملك الأدوات السياسية لوضع توصياته موضع التنفيذ، وفي تقديري أنه لابد أن تكون أهداف هذا المؤتمر وتوجهاته واضحة من البداية وهذا الوضوح يتطلب حسم هذا الخلاف وذلك بأن تقوم هيئة تأسيس للمؤتمر تضم مثقفين مصريين من جميع الاتجاهات بعقد عدة لقاءات تمهيدية مع جميع الفاعليات السياسية في المجتمع المصري بما فيها الأحزاب والجماعات الفكرية والحركات السياسية المستقلة وذلك بهدف الوصول إلي تصور مشترك وتبني أهداف عامة حول قضايا التعليم والثقافة والدولة المدنية وأيضا القضايا الخارجية المؤثرة كالصراع العربي الإسرائيلي والموقف من الصهيونية والتطبيع وكذا الموقف من حركات المقاومة في المنطقة، إنني أري أن مؤتمرا كهذا يمكن أن يكون بمثابة بداية حقيقية لعودة الروح إلي المجتمع المصري الذي شهد في العقود الماضية تراجعات فكرية تكاد تقوض بناءه الحضاري الضارب في عمق التاريخ، فليس مقبولا مثلا أن تكون الثقافة المصرية سمة متنحية أمام الاتجاهات السلفية المتخلفة التي تحملها رياح الصحراء وليس مقبولا أيضا أن نواصل تشدقنا بالدور الحضاري والمركزي للثقافة المصرية في المنطقة العربية بينما تتبني القيادة السياسية نفس المفهوم الغربي والأمريكي للإرهاب مما يؤدي في كثير من الأحيان لسهولة اتهامنا بالرضوخ للمشروع الأمريكي الذي يسعي لتفتيت المنطقة إلي كنتونات طائفية سعيا لتعظيم دور إسرائيل ليحل محل الدور المصري، أعترف أن ما أطرحه هنا يغلب عليه الجانب السياسي ولكن دافعي لهذا هو محاولة البحث عن تصور إيجابي يخرجني أنا ومن يشبهني من شعراء وكتاب وفنانين من حالة الإحباط العام التي فرضتها الأزمات والكوارث التي تعصف بقيم التعايش والتسامح التي تعلمناها من الفلاحين والعمال وأطرتها كتابات طه حسين ونجيب محفوظ وجمال حمدان وصلاح عبد الصبور ويوسف إدريس وكثيرين يخجل المرء من ذكرهم بينما كان ينبغي أن يزهو بهم، وذلك لعمق ما أنجزوه ولضحالة ما نخوض فيه، إذ كيف يكون لدينا كل هذا التراث الفكري والأدبي العظيم ونصل إلي حالة الاغتراب النفسي والثقافي الحالية؟ هل نتهمهم بالتقصير؟ لا أظن ولكن نحن الذين فرطنا في تلك الثقافة التي حملوها علي أكتافهم كصخرة سيزيف، وهذا هو مبرري لاتهام السياسة بإفساد الثقافة، إنني أتوقع أن يكون للمثقفين المصريين موقف واضح من قضايا التعليم و الفساد والحرية السياسية وتداول السلطة، وبنفس القدر أتوقع أن يتوافقوا علي مواقف واضحة حول دور مصر في المنطقة العربية وأن تتم مراجعة واستشراف هذا الدور بنفس الحماس سواء كان مؤتمرهم مستقلا أو تحت رعاية الدولة المصرية التي هي دولة المصريين جمعيا بغض النظر عن مواقفهم السياسية والفكرية.