ما حدث في 25 يناير قد أعاد تشكيل الجغرافيا .. وصحح مسار التاريخ .. وامتلك الشعب إرادته .. فسطع ضوء النهار..!! إنها لحظة فارقة في عمر الشعوب .. والسؤال المطروح دائما هو كيف أثرت الثورة في فن المصريين وهل ولدت بعد الثورة صيغ جديدة وأساليب حديثة يمكن أن نصنفها علي أنها نتيجة لهذه الثورة وهل حدث التغيير الذي نتمناه في التركيبة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمصر طبقا للمبادئ التي رفعتها ونادت بها الثورة؟ والحقيقة أن الصورة حبلي بكل التوقعات فقد يأخذ هذا التغيير سنين عديدة .. وقد يحدث كليا أو جزئيا.. وقد يحدث نتيجة لهذا تغيير جذري في شكل ومضمون الفن التشكيلي عندنا أو لا يحدث! وقد شارك الفنانون المصريون في الثورة ليس فقط بأعمالهم الفنية لكن أيضا بأرواحهم حيث استشهد اثنين من الفنانين في الأيام الأولي للثورة هما الفنان أحمد بسيوني والفنان زياد بكير، وقد كان لابد لكل هذه الأحداث المتلاحقة أن يكون لها موجات من المد والجزر في المشهد التشكيلي المصري، وقد بدأ هذا المد بمشاركة مصر في بينالي فينيسيا بعمل الفنان أحمد بسيوني الذي أتمه قبل وفاته وحمل عنوان (30 يوم جري في المكان) . والسؤال الآن : هل أفرزت الثورة لغة فنية خاصة بها يمكن أن تؤثر علي مستقبل المشهد التشكيلي أم لا؟ وقد أنتجت أعمال فنية كثيرة تعبر عن الثورة المصرية - لوحات / تماثيل / فيديو / صور فوتوغرافية - والعديد من الجداريات للعديد من الفنانين منهم عمر النجدي وطه قرني ورضا عبدالرحمن .. وغيرهم ورغم جودتها لكن معظمها كان يغلب عليها الانفعال بسخونة اللحظة الراهنة ..والرغبة في فكرة تسجيل وتوثيق الحدث .. أكثر من فكرة الإبداع أو التأمل الفني، وتجلي هذا واضحا في مفردة العلم المصري الذي ظهر في جميع الأعمال، فالعلم المرفوع في يد الثائر يختلف عن (العلم) الذي يرسمه الفنان - كما أشارت الناقدة فاطمة علي في مقالها المنشور بجريدة القاهرة بتاريخ 24 يناير 2012 بعنوان " لوحة الثورة.. في انتظار اكتمال الثورة " - حيث ينتقل حينها من كونه مجرد (علامة) تشير الي دولة معينة.. الي (رمز) فني دال يلخص كثير من المعاني والدلالات، لكن أخشي أن كثيرا من الفنانين - نتيجة الاستعجال والتسرع لمواكبة اللحظة - تعاملوا معه علي انه علامة لا تختلف كثيرا عن العلم الذي يرفعه الثائر أمام نفس اللوحة، لكنها تبدو وكأنها محاولة للتماهي مع واقع يبدو أنه أكبر من قدرتنا جميعا علي الاستيعاب. كما تكونت بعد الثورة مجموعات تبنت فكرة بعنوان (الفن ميدان) حيث يتجمع الفنانون في العديد من المدن ليمارسوا إبداعهم في الشارع ووسط الناس، وظهرت رسوم الجدران التي تعد نوعا من فن (الجرافيتي) الذي يقوم به فنانون مجهولون لا يسعون لشهرة أو مجد، بل يتحقق معناه والهدف منه مع رؤية الجمهور العادي له والمشاركة فيه بحيث يتحول الحائط إلي ساحة حوار بين كل من يرغب، حوار فني مختلف الأفكار والتوجهات يؤدي في النهاية إلي عمل فني يعكس روح سكان المدينة وقيمهم الجمال ومن أبرزها ذلك العمل الذي يعلي من قيمة الفن في الحياة ويمثل يدا تمسك (روول) طلاء وهي تكتب علي الجدار عبارة (كن مع الفن). ومن الفاعليات الفنية المهمة التي يمكن أن تعطينا العديد من المؤشرات هو ( صالون الشباب) في دورته 22 التي عقدت في نهاية عام 2011 لأن هؤلاء الشباب هم الذين قاموا بالحدث وهم الأجدر بالتعبير عنه، لكن النتائج لم تكن بحجم التوقعات المنتظر منها..!! وقد تبنت هذه الدورة مفهوم (التغيير) لكن يبدو أن هذا المفهوم لم يصل للكثيرين، وجاءت معظم الأعمال في إطار الأفكار الاعتيادية والمألوفة يبدو فعلا أننا جميعا في حاجة الي وقت أطول حتي نستطيع أن نتأمل بشكل أعمق قيمة هذا التحول الحادث والذي مازال يحدث!