تأثرا بأحداث ثورة 25 يناير واستكمالا لخطة التشكيلي القائم علي تقديم حياة البسطاء والمهمشين في جداريات مختلفة منها "سوق الجمعة" والمولد"، يعمل الفنان التشكيلي طه القرني علي الانتهاء من جدارية جديدة تحمل عنوان "حقيقة شعب"، يستلهم فيها ما عايشه خلال مشاركته في أحداث الثورة. يقول القرني: الفكرة لم تبدأ مع الثورة، ولكن جاءت قبل ذلك بكثير منذ خمس سنوات تقريبا، فقد كنت أكتب عن التغيير في جرائد عدة، ثم توسعت الفكرة لدي عندما بدأت أكتب مباشرة عن التغيير بشكل عام سواء كان ذلك يخص شكل الدولة العام أو يخص النقابات المهنية، وكنت معنيا بنقابة مهنتنا وهي نقابة التشكيليين. ويتابع: بدأت تنفيذ اللوحة مع أحداث الثورة مع اعتقادي كفنان معني بالهم الاجتماعي والفئة المهمشة، والكثير من مصر الموازية التي تحتاج إلي كل عمل صادق ومنتم لتراب هذا البلد، وذلك كان جليا في لوحتي السابقتين "سوق الجمعة" و "المولد"، وقد طرحت بهما رؤاي السياسية والمنحازة لليومي المعاش في حياة أولئك البسطاء المهمشين الذين يحملون في حقيقتهم جوهر ذلك الشعب العظيم، ثم فاجأنا هؤلاء الشباب العباقرة ببدايات الوقفات الاحتجاجية، التي كنت أتنسم بها ومنها بدايات الحرية والسعي الجاد لتغيير شامل في مصر كلها. ويوضح القرني: اللوحة رسمت بالألوان الزيتية علي الخشب، بمقاس 145 سم الارتفاع وبامتداد 20 مترًا، ولم أصل بعد لباقي أحداث الثورة حيث تسلسلها، فالمراحل التي مرت بها الثورة بدءا من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات السلمية قدوما إلي ميدان التحرير عبر منافذه: كوبري قصر النيل، وميدان عبد المنعم رياض، وتقاطعات وسط البلد، وقصر العيني، ومراحل اللوحة عديدة فيوم الغضب ومهاجمة الأمن المركزي مرورا بما عرف ب"موقعة الجمل"، ثم الأسابيع التي تلت هذا مثل "يوم الخلاص" وغيره. وأكد أنه تناول في اللوحة الشخصيات معروفة الوجوه التي أصبحت علامات للثورة بما تحمله من لافتات بها تعبيرات موجزة وبها مطالبات مشروعة، وبعض التيمات كربط اليدين ولصق الفم وأشياء أخري كثيرة وصلت إلي حوالي 1800 تعبير تقريبا، أما الشهداء فيقول عنهم: "لم أتمكن حتي الآن من حصر العدد وصحته حتي تنتهي الثورة وتحقق مطالبها". وعن المكان الذي سيعرض فيه القرني لوحته قال: أعلم جيدا أن جدارية "الثورة" سوف يكون لها وقع مختلف علي الشارع المصري والعربي، وأتوقع أن تكون بداية الحراك التشكيلي، الذي يسقط ظله علي الأرض متماسا مع الشعب بجميع طوائفه، وأنا أجتهد الآن محاولا إنهاء هذه الجدارية وعرضها بالاتفاق مع شباب الثورة والقائمين علي الحريات، والجدارية تحمل سمات الثورة في مصر من أقصاها إلي أقصاها، ولذا أتمني العرض في المحافظات ليراها أكبر عدد ممكن من أبطالها الحقيقيين، أو يتبني ذلك أحد رجال الأعمال الشرفاء تحقيقا لحلم الفن التشكيلي وفنانيه بالتواصل والتفاعل مع أنات وأفراح هذا الشعب العظيم. وعن رأيه في الثورة وما أحدثته من تغيير وما عايشه فيها يقول القرني: ما حدث حلم طالما حلمنا به كأمة، وطوال حقب طويلة، رحنا نتأرجح ذهابا وإيابا بين اليأس والأمل، إلي أن جاء النور من حيث لم نتوقع، وإذا بيوم 25 يناير تفاجئني جموع لملم بعضها بعضا، واستأسدوا بحب مصر، وطالت هاماتهم عنان السماء بمطالبة واضحة وجادة وصارمة، أن حي علي الجهاد للتغيير". وأضاف: "كنا في هذا اليوم جلوسا مع مجموعة من أدباء وفناني مصر، نتداول حالنا ونبكي عليها، وما إن تواترت علينا أخبار هذه الوقفة، وتعديات الأمن عليها لم أملك غير السير نحو ميدان التحرير، وكأنني أحلم بهذا المشهد منذ زمن بعيد، وكم كنت سعيدا بذلك وأنا أمتزج مع هذه الأمواج من شباب، يحف به مخاطر الأمن المركزي وآلياته من كل اتجاه، هنا فقط وجدتني أشاهد لأول مرة في حياتي كيف يصنع التاريخ، وهنا لم أشعر بنفسي وأنا أتحرك في تلك الشلالات هجوما علي الأمن المركزي مرة وفرارا منه مرة أخري، حتي دخل علينا ليل ليس ككل الليالي التي كانت تمر منذ أربعين سنة، وجدت حالات التكافل والوجوه التي تصافح الجهاد والاستشهاد بحب لهذا البلد، ولكن ما آلمني أن القنابل المسيلة للدموع ألقيت بيننا وأنهكت عيناي، فاضطررت للانسحاب مصحوبا ببعض لعنات الأمن المركزي ولفيف من العصي الكهربية، أدركت أننا جميعا بصدد لحظة تاريخية لتغيير وجه العالم العربي كله وليس مصر فقط، أدركت أيضا المعني الحقيقي للوحة الثورة وكأنني ككل الذين حملت أعمالهم استشرافا لمستقبل بلادهم، كنت مشحونا بتلك اللوحة التي انتظرت شرارة الانطلاق.- وعن رأيه فيما يحدث في نقابة التشكيليين حاليا يقول: "بالنسبة للشباب الذين طالبوا بإسقاط المجلس والنقيب، أري أن لديهم حقًا لأن المجلس لم يقدم ما يوازي قيمة الفنانين التشكيليين في المواقف القومية، كما حدث في "ثورة الشعب" أو ثورة 25 يناير، وعلي جانب آخر فإن النقابة لم تقدم أي معاونة أو تحيز مهني للأعضاء، إضافة إلي أن هناك بعض التجاوزات وقانون ثابت لا يتحرك مما أوجب وجود مسافة بين التطور الذي حدث للفن التشكيلي وبين تقنية الشعب بالنقابة".