جاءت المجزرة التي تعرض لها مشجعو النادي الأهلي يوم الأربعاء 1 فبراير والتي راح ضحيتها 74 شهيدا وأكثر من ألف مصاب حيث اتفقت الآراء علي كونها مدبرة وتمت بتشجيع أو إهمال يصل إلي حد التواطؤ من قبل الشرطة وقوات الجيش المتواجدة لترفع التوتر الأمني في الشارع المصري إلي درجة غير مسبوقة. اتفق أغلب المحللين علي تحميل الجيش مسئولية ما جري بل وذهب البعض إلي حد اتهامه بتدبير الحادث انتقاما من ألتراس الأهلي نظرا لدورهم المهم في ثورة 25 يناير وتصديهم لمن هاجم الثوار يوم موقعة الجمل. أن يكون الجيش مسئولا عن الأمن في شتي ربوع البلاد فهذا لا يعني أنه المدبر وإلا لكانت الحكومة العراقية مسئولة عن القتل الجماعي الذي يمارسه تنظيم القاعدة في هذا البلد. أن يرتكب المجلس العسكري أخطاء سياسية فادحة فهذا لا يعني أنه مسئول عن كل ما يجري من جرائم علي أرض مصر خاصة أنه ليس اللاعب الوحيد علي الساحة كما أنه من المؤكد أن هناك أجهزة مخابراتية متعددة قد اخترقت الساحة ولها أدواتها وأهدافها التي تسعي لتحقيقها. تزامنت مجزرة بورسعيد مع بعض الأحداث المحلية والإقليمية التي تحتاج تأملاً ومحاولة التعرف علي الرابط المحتمل بينها وبين المجزرة. الواقعة الأولي: هو قرار هيئة التحقيق المنتدبة من وزير العدل في قضية التمويل الأجنبي لبعض منظمات المجتمع المدني، بإحالة 43 متهما من جنسيات مصرية وأجنبية إلي المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات القاهرة. حيث اتهمتهم الهيئة بتأسيس «خمس» منظمات أجنبية تابعة لكل من المعهد الجمهوري الأمريكي والمعهد الديمقراطي الأمريكي ومركز كونراد الألماني والمركز الدولي الأمريكي للصحفيين وأخيرا منظمة بيت الحرية وإدارتها دون ترخيص من الحكومة المصرية مخالفين القانون المصري بما يخل بمبدأ سيادة الدولة المصرية وارتكاب الكثير من المخالفات والجرائم. ولاشك أن هذا قرار يكشف عن عمق الأزمة التي تمر بها العلاقات المصرية - الأمريكية التي كانت في الظاهر سمنا علي عسل أيام المخلوع في حين تشير المكالمة الهاتفية المسربة لرئيس المخابرات السابق إلي أنها لم تكن كذلك في الحقيقة وأن الخطط الأمريكية المعادية لسوريا كانت معدة للتطبيق ضد مصر وأن السلطة الحاكمة آنئذ كانت تراهن علي تأخير بدء الهجوم الأمريكي لا أكثر ولا أقل!!. يضاف إلي هذا ما كشف عنه مصدر رفيع من تلويح أمريكا بوقف المعونة العسكرية للجيش المصري وأن هذه المساعدات رغم أنها توفر الدعم والتسليح لقدرات مصر الدفاعية والتسليحية، فإنها في ذات الوقت تمثل المنفذ الأمريكي الوحيد منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 لضبط حجم ومستوي تسليح الجيش المصري ولفت المصدر ذاته إلي إحباط توجهات استقلالية للمشير الراحل أبو غزالة، وزير الدفاع الأسبق، من خلال عقد صفقات تسليح مع دول أخري، مما جعله دفع ثمنًا غاليا لهذه الخطوة، أفضت إلي وقوف واشنطن وراء الإطاحة به من منصبه. الحدث الثاني هو قرار الولاياتالمتحدة «مباركة مشروع إقامة الخلافة الإسلامية الإخوانية» تزامنا مع وصول الهجوم الغربي - العربي بزعامة قطر العظمي علي سوريا إلي مداه الأقصي وهو هجوم يلعب فيه الإخوان دورا رئيسا ويبدو أنهم وجدوا فيه ترضية ملائمة تدفعهم للتخلي عن تحرير فلسطين من البحر إلي النهر. ورغم أن هذا المشروع يواجه عثرات كبري آخرها سقوط قرار جامعة حمد وتابعه نبيل العربي بالضربة القاضية في مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو الروسي - الصيني إلا أن وزير خارجية مايوركا العظمي قرر مواصلة النضال ضد سوريا بوسائل أخري لم يكشف عنها بعد، معطيا روسيا والصين تطمينات بأن "قطر لن تتخذ حاليا اي اجراءات ضد الصين وروسيا ولهما حق التصويت في مجلس الامن ولكن قرارهما حول الوضع السوري غير مفهوم".!! يري الإخوان إذاً أن مشروع الخلافة الأردوجانية هو حق مشروع لهم خاصة بعد أن باركته الولاياتالمتحدة وهو نفس المشروع الوهم الذي سار فيه الشريف حسين والذي لم يجن في النهاية إلا الخيبة والخذلان والتشرد في بقاع الأرض. العقبة في مواجهة هذا المشروع هو الجيش المصري - المصطدم الآن مع أمريكا - لأسباب لم تكشف بعد كاملة إلا أننا نجزم ومن خلال متابعتنا لأجواء المنطقة أن المطلوب هو وضع الجيش المصري في قفص الاحتواء هذه المرة بأيد داخلية. يراد دفع الجيش المصري إذاً إلي الوراء وإلغاء أي دور له في صنع القرار في المرحلة الانتقالية ليفسح المجال أمام أمريكا وأطفالها الرضع للقيام بكل ما يريدون القيام به. وإذا كان اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق بسيارة مفخخة في فبراير 2005 قد أدي إلي عاصفة غضب جماهيرية أجبرت الجيش السوري علي مغادرة لبنان ومهدت الطريق أمام الإسرائيلي لمهاجمة لبنان عام 2006 فإن مجزرة بورسعيد قد تحولت إلي عاصفة غضب تريد إجبار الجيش علي تسليم السلطة كاملة وعلي الفور للإخوان وبرلمانهم الهزلي يفعلون كيفما شاءوا دون حسيب ولا رقيب اللهم إلا المندوب السامي الأمريكي «آن باترسون» حيث بدأت الفضائيات تقدم لنا الصورة الحقيقية لمن يقولون ان «الشعب بايعهم بيعة لا رجعة فيها». الدفاع عن موقع الجيش المصري ودوره في صنع القرار الوطني يختلف جذريا عن الدفاع عن قرارات المجلس العسكري الحاكم الذي وقع بالفعل فريسة لبعض المستشارين من ذوي الأغراض الحزبية الممالئة لجماعة الإخوان وللمشروع الأمريكي. أما عن دور فلول نظام المخلوع في هذه المجزرة فهو أمر ثابت إلا أن دور المنفذ دوما يختلف عن دور المخطط فالمنفذون مجرد مرتزقة ينفذون ما يطلب منهم مقابل المال أو تعبير عن حنقهم وسخطهم علي تقلص دورهم ومكانتهم بعد انهيار نظام مستبد كانوا من أبرز المستفيدين منه. وحسب رأينا فإن المتضرر الأول من مجزرة بورسعيد هو المجلس العسكري والجيش بالتبعية الذي جري تقديمه للناس باعتباره «جزار الثورة» وهي صورة أسهم في تعزيزها بعض التصرفات الكارثية التي أقدم عليها العسكري دون إدراك لتبعاتها مثل إطلاق الرصاص علي المحتجين في شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء. يبقي أن الانتقال للحكم المدني هو مطلب طبيعي ومشروع ويبقي أن الحفاظ علي الجيش المصري ومكانته وقدراته ودوره في صنع القرار «وليس الاستحواذ عليه» هو مطلب عقلائي خاصة وأن الجيش هو المؤسسة الوطنية الوحيدة التي ما تزال راسخة متماسكة وممثلة لكل أطياف الشعب المصري ومكوناته. يتعين علينا أن ندافع عن وحدة هذه المؤسسة وتماسكها في مواجهة محاولة البعض إخضاعها لجهة حزبية تريد أن تجعل من الجيش مجرد منفذ لأوهامهم وأحلامهم المريضة التي تعد ضربا من الانتحار والجنون لا تختلف كثيرا عن أوهام المخلوع وبزنسته الحقيرة.