هل تبادر الولاياتالمتحدة إلي شن هجوم عسكري علي إيران بدعوي وقف برنامجها النووي؟ في الحقيقة هناك من يجزم بأن ما يجري بين الجانبين لا يخرج عن اطار المشادات الكلامية، التي لن تصل باية حال إلي حد المواجهة العسكرية، لان من يمعن في العلاقة بينهما سيكتشف انهما ليسا عدوين، وانما هما متنافسان في الهيمنة علي منطقة الخليج العربي. ويمكن في هذا السياق فهم الانباء التي ترددت مطلع الاسبوع عن وجود ازمة حادة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، بسبب غضب تل ابيب من الاتصالات التي يجريها الرئيس الأمريكي باراك اوباما مع إيران، ومساعي واشنطن لمنع اي هجوم إسرائيلي مباغت علي طهران. وتقول مصادر إسرائيلية ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غاضب ويشعر بالخيانة من الادارة الأمريكية لان اوباما اتخذ خطوة غير تقليدية يوم السبت (18 فبراير) عندما ارسل مستشار الامن القومي الأمريكي توم دونيلون علي متن طائرة خاصة إلي إسرائيل، وبقي هناك 3 ايام، بهدف منع إسرائيل من افساد اتصالات اوباما مع الإيرانيين وضمان عدم شن هجوم إسرائيلي مباغت علي إيران. وقال المتحدث باسم البيت الابيض يوم الجمعة (17 فبراير) ان مباحثات دونيلون في إسرائيل تتناول احدث المستجدات في المشاورات الرفيعة المستوي بين واشنطن وتل ابيب، وتنسيق العلاقات المتبادلة التي تمثل جزءا من الالتزام الأمريكي بعدم السماح بزعزعة أمن إسرائيل. ولكن مصادر في واشنطن تقول ان هذا الكلام فشل في اخفاء الحقيقة التي تقول ان نتنياهو شعر بانه تعرض لخيانة وخداع من جانب الادارة الأمريكية خلال الاسبوعين الماضيين، لان واشنطن تجري اتصالات مع الإيرانيين من وراء ظهر إسرائيل، تتضمن رفع العقوبات الأمريكية اذا عاد الإيرانيون إلي مائدة المفاوضات. وذكرت مصادر إسرائيلية أن نتنياهو وجه نقدا لاذعا إلي ادارة اوباما خلال احاديثه في جلسات مغلقة، متهما اياها بخداعه، وانه قال ان الوقت قد حان كي تعمل إسرائيل بنفسها دون اعتبار للولايات المتحدة. وقالت المصادر ان اوباما واثق بعودة الإيرانيين إلي مائدة المفاوضات خلال وقت قصير لحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني، اعتمادا علي مباحثات سرية يجريها الأمريكيون والاتراك مع ممثلي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي. وتقول المعلومات المسربة عن هذه المباحثات السرية ان الولاياتالمتحدةوإيران اتفقتا علي انه كلما اظهرت طهران مرونة وتنازلات في مواقفها "النووية" تم الغاء جزء من العقوبات المفروضة عليها، حتي يتم الوصول إلي اتفاق نهائي يؤدي إلي الغاء كل العقوبات. وتشير المصادر إلي مقال كتبه دينيس روس، الذي كان مستشار اوباما للشئون الإيرانية، في مجلة نيويورك تايمز بتاريخ 14 فبراير، تحت عنوان "إيران مستعدة للتفاوض". وكتب دينيس روس في مقاله ان العقوبات التي فرضها اوباما الحقت اضرارا فادحة بالاقتصاد الإيراني، واجبرت الإيرانيين علي العودة إلي مائدة المفاوضات. ويعتزم اوباما زيادة العقوبات اذا ما لاحظ ان الإيرانيين يستهدفون من المفاوضات اكتساب مزيد من الوقت فقط، الامر الذي سيجبرهم علي العودة إلي المفاوضات بجدية اكبر. ويبدو ان معلومات المفاوضات السرية بين الولاياتالمتحدةوإيران وصلت إلي الأوروبيين ايضا، بدليل انهم اعلنوا انهم سيطبقون قرار فرض الحظر علي صادرات النفط الإيراني بدءا من شهر يوليو القادم، اي بعد خمسة اشهر وليس الان، علي امل ان تسفر المفاوضات عن حل نهائي للازمة يلغي هذا القرار، الذي يجزم الجميع ان المتضرر الاكبر من ورائه هو الشعوب الاوروبية، التي تعتمد بنسبة كبيرة علي النفط الإيراني. حرب المخابرات قد يبدو من المثير قول مصادر إسرائيلية ان ثمة حيرة لدي اجهزة الامن الإسرائيلية حول الجهة التي تقف وراء سلسلة التفجيرات الفاشلة التي استهدفت اهدافا إسرائيلية في خمس دول، خلال الايام الاخيرة، في اذربيجان وجورجيا والارجنتين والهند وتايلاند. وتوضح المصادر ان المخابرات الإيرانية، برئاسة علي بلخيان، ليست وراء هذه العمليات بسبب انشغالها في دعم نظام بشار الاسد والقضاء علي الثورة السورية؛ كما ترجح ان كتائب القدسالإيرانية، التي تمثل الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني. وتلفت المصادر إلي ان الجهتين تخضعان تماما لسلطة حاكم إيران الفعلي علي خامنئي، الذي يدير المباحثات السرية مع الأمريكيين، وبالتالي لن يوافق علي تنفيذ عمليات ضد إسرائيل في هذا التوقيت، لاسيما في الهند، التي تعد ابرز واهم حلفاء إيران علي الاطلاق. وتذهب التقديرات الإسرائيلية إلي ان من يقف وراء التفجيرات التي استهدفت السفارات الإسرائيلية مؤخرا جهات إيرانية تعترض علي ما اعتبروه تحولا في سياسة خامنئي الذي ابدي استعداده للتفاوض مع واشنطن. وتخشي هذه الجهات الإيرانية ان تؤدي المفاوضات إلي تنازل خامنئي عن السلاح النووي الإيراني. الامر الذي اوجد تقديرات في إسرائيل والولاياتالمتحدة بانه كلما حدث تقدم في المفاوضات السرية بين إيران وأمريكا ازدادت العمليات الارهابية، وليس فقط ضد أهداف إسرائيلية. لكن ألا يمكن الذهاب إلي ان الموساد الإسرائيلي هو من يقف وراء عمليات استهداف السفارات الإسرائيلية التي تنسبها إسرائيل إلي إيران؟! بالفعل هناك مجموعة من الادلة يمكن السير خلفها لدعم هذا التكهن: اولا: مجرد فشل هذه العمليات جميعا، دليل علي عدم جديتها، وان الهدف منها لم يكن بالاساس تفجير السفارات، وانما فقط الايحاء بذلك. ثانيا: عدم سقوط قتيل او مصاب إسرائيلي في هذه الحوادث. ثالثا: اثارة الشبهات حول متهمين إيرانيين دخلوا بجوازات سفر إيرانية، وتصرفوا بشكل طبيعي، وكأنهم في رحلة سياحية، رغم سهولة الاستعانة بجوازات سفر اجنبية في مثل هذه العمليات، الامر الذي يدل علي انهم ليسوا المنفذين فعليا، لان السذاجة في التخطيط والتنفيذ تتناقض مع اسلوب عمل اجهزة الاستخبارات، لا سيما اذا كان بحجم المخابرات الإيرانية. رابعا: تنفيذ عملية من هذا النوع علي ارض الهند، التي تعد كما ذكرنا اهم وابرز حلفاء إيران، تعني ان العملية كانت تستهدف افساد العلاقات الإيرانية الهندية. خامسا: تزامن هذه العمليات مع انباء المفاوضات السرية بين الولاياتالمتحدةوإيران، يشير إلي رغبة منفذي العمليات في احراج واشنطن، واظهارها علي انها تتفاوض مع دولة ارهابية، لا تتوقف عن تنفيذ العمليات الارهابية، وضد من؟ ضد إسرائيل، في هذا التوقيت الحساس الذي يتزامن مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية واحتياج اوباما لاصوات اليهود. بالتدقيق في الامر برمته، سنجد ان كل ما يتحقق لصالح إسرائيل فقط: تشويه إيران، وصمها بتهمة الارهاب الان، افساد مفاوضاتها مع واشنطن، خلق مبرر لاي هجوم إسرائيلي مباغت علي إيران، بحجة ان الإيرانيين هم من بدأوا الاعتداء من خلال استهداف السفارات، افساد علاقات إيران مع كل الدول التي وقعت علي ارضها عمليات استهداف السفارات الإسرائيلية. واخيرا اظهار المخابرات الإيرانية في صورة الجهاز الفاشل! وكر الجواسيس استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير الأذربيجاني لدي طهران، احتجاجا علي ما وصفته بتقديم "تسهيلات للإرهابيين الذين اغتالوا العلماء النوويين الإيرانيين في السفر إلي تل أبيب وتعاونها مع شبكات التجسس الإسرائيلية". وقالت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء إن الخارجية استدعت سفير أذربيجان بطهران، جوانشير آخوندوف، الاسبوع الماضي، وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، تطالب "باكو" بمنع أنشطة جهاز الموساد الإسرائيلي علي أراضيها ضد بلاده. وكانت صحيفة "صانداي تايمز" البريطانية قد نشرت مقابلة مع شخص مجهول، قدم نفسه باعتباره عميلا للموساد في أذربيجان، واسمه "شمعون"، وقال إن المخابرات الإسرائيلية زادت من أنشطتها في أذربيجان في العام الأخير، حتي أصبح لدي الموساد قاعدة قريبة من إيران، تتيح لعملائها التسلل لتنفيذ عمليات نوعية في العمق الإيراني. وأشار شمعون إلي أن العاصمة الأذربيجانية "باكو" التي أقام الموساد قاعدته فيها، تقع علي بعد عدة ساعات بالسيارة من الحدود الإيرانية، وقال انه يجمع الكثير من المعلومات من العائدين عبر الحدود الإيرانية، ووصف أذربيجان بأنها "منطقة رمادية لأنشطة المخابرات، ودولة رائعة من حيث إمكانية التسلل منها". وقال المسئول السابق بالمخابرات الأذربيجانية، ارستين اورويلو، إن "باكو" باتت في مركز عالم الاستخبارات الدولية، مثلما كانت النرويج في الحرب العالمية الأولي، والدار البيضاء المغربية في الحرب العالمية الثانية. وأوضح أن الآلاف من أعضاء الحرس الثوري الإيراني يعملون في أذربيجان، وأعرب عن اعتقاده بان عدد عملاء الموساد ضئيل للغاية، "ولكنهم يعملون بنشاط ومهارة اكبر بكثير"، علي حد تعبيره. وأكد أن الجيش الأذربيجاني يعمل بتنسيق تام مع أجهزة أمريكية وإسرائيلية، خاصة أن الأمريكيين يستخدمون أذربيجان كقاعدة لإخلاء مصابي القوات الأمريكية في أفغانستان جوا، وان أذربيجان ستكون أول دولة تعلم بتوجهات التصعيد الجارية في الشرق الأوسط، وما إذا كانت ستتطور إلي حرب. ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسئولين في "باكو" قولهم ان الولاياتالمتحدةالأمريكية أنشأت هي الأخري قاعدتين استخباراتيين في أذربيجان، واحدة في الجنوب لمراقبة إيران، وأخري في الشمال لمراقبة روسيا. وقال مسئول آخر إن الشبكات التجسس في أذربيجان باتت "سرا مفضوحا"، ويعلم الجميع أن الجواسيس موجودون هنا، وأضاف: "السر الوحيد الآن هو حجم الرشاوي التي تدفعها شبكات التجسس للسلطات الحكومية في أذربيجان". أخيرا.. ألا يحق لنا ونحن نشاهد كل ذلك في ملاعب المخابرات بمختلف انواعها ان نتساءل: تري ماذا تفعل المخابرات الاجنبية في مصر الآن؟ وكيف تتصرف؟ وما اهدافها؟ وما الستار الذي تتخفي ورائه؟!.. لذلك ينبغي ان تكون ضمائرنا وعقولنا هي البوصلة التي يمكن الاعتماد عليها في اوقات ضبابية كهذه. فعندما يكون الحديث عن دعوات لفعاليات تستهدف ضرب الاقتصاد المصري، فاعلم انها صادرة عن جهات ترتبط بمخابرات اجنبية، وعلي راسها إسرائيل وأمريكا، سواء كان اصحاب هذه الدعوات يعلمون ام لا! وكذلك الامر بالنسبة لاية دعاوي تستهدف ضرب الاستقرار في وقت نكون اشد احتياجا فيه إلي الاستقرار.