يبدو أن أذربيجان, وهي دولة آسيوية مسلمة كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق, باتت قاعدة محورية في الحرب الاستخباراتية السرية المتصاعدة بين إيران من جهة والولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسرائيل من جهة أخري. ففي 13 فبراير, استدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفير أذربيجان لدى طهران واتهمت بلاده بمساعدة المخابرات الإسرائيلية في اغتيال العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشان "32 عاما" الذي كان يعمل في محطة نتانز لتخصيب اليورانيوم. وذكرت وكالة فارس الإيرانية للأنباء أنه تم استدعاء سفير أذربيجان جافانشير أخوندوف لأن بلاده ساعدت عملاء على أراضيها على الاتصال بالموساد الإسرائيلي خلال تنفيذ عملية اغتيال روشان . وكان روشان لقي مصرعه بعدما رمى رجلان على دراجة نارية قنبلة على سيارته في 11 يناير الماضي في وسط إيران, واتهمت طهران على الفور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية " سي اي ايه" والموساد الإسرائيلي باغتياله. ويبدو أن الإجراءات التي اتخذتها أذربيجان ضد جارتها إيران في الشهور الأخيرة بعثت برسالة لطهران مفادها أنها لن تتراجع علاقات الصداقة التي تربطها مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل, ولذا يتوقع أن يتصاعد التوتر بين الدولتين على خلفية اغتيال روشان. وكانت السلطات في أذربيجان أعلنت في يناير الماضي أنها ألقت القبض على رجلين يشتبه في تآمرهما لمهاجمة أجانب من بينهم السفير الإسرائيلي في العاصمة باكو, ونقلت قناة "الجزيرة" عن مصادر مطلعة في باكو القول إن المشتبه بهما تلقيا مساعدات من إيراني له صلة بأجهزة المخابرات الإيرانية أمدهما بالسلاح والمتفجرات لتهريبها من إيران. ولم تكن الحادثة السابقة هي الأولى من نوعها, فقد كشفت السلطات في أذربيجان أيضا عن إحباطها خطة "لعملاء" من إيران وحزب الله اللبناني لتفجير سيارة ملغومة قرب السفارة الإسرائيلية قبل أربع سنوات وكذلك خطة استهدفت السفارتين الأمريكية والبريطانية عام 2007. ولعل ما يفاقم من التوتر بين طهران وباكو أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كشفت صراحة في 12 فبراير أن أذربيجان تحتفظ على أراضيها بقاعدة متقدمة لجهاز الموساد لا تبعد سوى مسافة عدة ساعات من إيران ويعمل فيها العشرات من عملاء الموساد في جو من الهدوء والطمأنينة. كما أجرت صحيفة "التايمز" البريطانية قبل أيام مقابلة مع أحد عملاء الموساد في مقهى بجانب السفارة الإسرائيلية في باكو عاصمة أذربيجان والذي عرف نفسه باسم "شمعون" وأكد أن أذربيجان هي دولة رائعة للتسلل عن طريقها إلى إيران ويوجد بها العشرات من عملاء الموساد الذين يعملون بحرية داخلها. وأضاف العميل الإسرائيلي "عدة ساعات سفر من جنوب عاصمة أذربيجان باكو توصلنا إلى الحدود مع إيران، هناك معلومات وحقائق كثيرة تصلنا من الناس الذين يعبرون الحدود بين الدولتين، حيث أن الوضع على الحدود يكاد يكون غير منظم تقريبا". وفيما أشارت "التايمز" إلى تقارير حول التخطيط لشن هجوم على السفارة الإسرائيلية في أذربيجان، كرد انتقامي على اغتيال القائد السابق في حزب الله اللبناني عماد مغنية بالتزامن مع حلول الذكرى الرابعة لمقتله في تفجير في دمشق, نقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن أرستو أورويلو المسئول السابق في وزارة الدفاع الأذربيجانية قوله في 12 فبراير إن آلافا من أفراد الحرس الثوري الإيراني يعملون في أذربيجان، ولكن وفق تقديره فإن عناصر الموساد العاملين في أذربيجان قليلون جداً بالمقارنة مع عناصر الاستخبارات الإيرانية ولكنهم يعملون بشكل أكثر كفاءة وفعالية. وأضاف أورويلو أن عاصمة أذربيجان باكو هي مثل النرويج في الحرب العالمية الأولي، حيث إنها تقع في وسط العالم الاستخباراتي. وبصفة عامة, فإن نجاح الموساد في تحويل أذربيجان إلى قاعدة له لاستهداف برنامج إيران النووي هو أمر يهدد بقوة العلاقات بين طهران وباكو، بل ومن شأنه أن يتطور إلى نزاع مسلح بينهما.