الزيارات المكوكية التي يقوم بها كبار الساسة ورجال المخابرات الاسرائيليون الي أذربيجان تؤكد حقيقة المخاوف الدائرة في آسيا الوسطي وما وراء القوفاز من إمكانية استخدام أراضي أذربيجان تحديدا لتوجيه ضربة خاطفة إلي إيران. الفكرة ببساطة تدور حول أن كلا من الولاياتالمتحدة وإسرائيل فشلتا فشلا ذريعا في الاستخدام الكامل لجورجيا بسبب تدخل روسيا في حرب8 أغسطس2008 بين أوسيتيا الجنوبية وجورجيا. وكانت النتيجة اعتذارا إسرائيليا علنيا لروسيا عن تزويد جورجيا بالاسلحة, وخروج مؤسف للأمريكيين من منطقة ما وراء القوقاز. لكن توازي فكرتين خطيرتين الآن يجعلنا نعيد النظر قليلا في خارطة آسيا الوسطي وإيران وإمكانية توجيه ضربات عسكرية من هناك. إن إسرائيل تسعي بشتي الطرق الي إقناع الرأي العام العالمي بأن مشكلة إيران النووية لن تحل إلا بالطرق العسكرية. وفي الوقت نفسه تتأكد قناعة نهائية لدي الكثير من الساسة الأذربيجانيين بأن قضية منطقة قرة باخ الجبلية مع أرمينيا لن تحل إلا بالطرق العسكرية أيضا. بين هذه القناعات والمساعي تصول أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في آسيا الوسطي وهي تدرك تماما أن الأمر قد يمس روسيا بدرجة أو بأخري, وأن ما حدث في أغسطس2008 يمكن أن يتكرر. ولعل ما يؤكد وجود توجهات الحل العسكري لدي الأذربيجانيين بالنسبة لقرة باخ هو إنفاق باكو المليارات من الدولارات علي تسليح جيشها. وتعد أوكرانيا وإسرائيل من الدول الأكثر نشاطا في تزويد أذربيجان بالأسلحة. بالضبط مثلما حدث منذ3 سنوات فقط مع جورجيا. غير ان مشاركة تل ابيب في تزويد باكو بالأسلحة يثير احتجاجات حادة لدي الإيرانيين الذين يعتقدون أن أذربيجان قد تصبح قاعدة لانطلاق الطائرات الأمريكية والإسرائيلية في حال قررت هاتان الدولتان توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. المثير أن الوضع ازداد تأزما بعد التهنئة التي وجهها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف للشعب بمناسبة حلول العام الجديد. فقد أعطت تلك الكلمة انطباعا بأن علييف يعتبر نفسه زعيما لجميع الأذربيجانيين في العالم, عندما أعلن أن دولة قوية وعظيمة ومتحضرة وحرة تقف وراء جميع الأذربيجانيين أينما كانوا. وأكد أن جمهورية أذربيجان سوف تظل مصدرا للأمل والدعم المادي والمعنوي لكل أذربيجاني حيثما كان. ويبدو أن هذه التصريحات نابعة من قناعة حقيقية لدي علييف الذي يلتقي دوريا بكبار الدبلوماسيين الأمريكيين, وعلي رأسهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي تتغني بالديمقراطية الأذربيجانية كما كانت كوندوليزا رايس تتغني بالديمقراطية الجورجية. هذه الخطبة العصماء أثارت استفزاز إيران. ذلك أن15 مليون أذربيجاني يعيشون في إيران, في حين أن عدد الاذربيجانيين في أذربيجان نفسها لا يزيد علي8 ملايين نسمة. وبمثابة رد فعل علي كلمة الرئيس الاذربيجاني أعلن مصدر مسئول في طهران أن الهام علييف لا يمكن أن يكون قائدا للأذربيجانيين الإيرانيين, لأن هؤلاء يعتبرون الحكومة الإيرانية قائدا لهم, ناهيك عن أن عددا لا يستهان به من قادة الجمهورية الاسلامية ينحدرون من أصل أذربيجاني وفي مقدمة هؤلاء مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. ويعلم القادة الإيرانيون جيدا أن الولاياتالمتحدة تستخدم الأراضي الأذربيجانية لتنفيذ عمليات استخباراتية ضد إيران. ولقد تأكد ذلك بشكل واضح في الوثائق السرية التي سربها موقع ويكيليكس. فقد جاء في إحدي تلك الوثائق أن أحد عملاء الاستخبارات الأمريكية الاذربيجانيين ذكر حادثة محددة تنم عن وجود خلاف حقيقي في القيادة الإيرانية. ففي فبراير2010, تحدث الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الذي يعتبر حسب معلومات غير مؤكدة أذربيجاني الأصل عن ضرورة منح وسائل الإعلام حرية أكبر لقطع الطريق أمام المزيد من الاحتجاجات التي تنفذها المعارضة. ويؤكد ذلك العميل أن تصريحات احمدي نجاد تلك أثارت غضب قائد الحرس الثوري محمد جعفري الذي رد علي أحمدي نجاد بصفعة علي وجهه. ومن البديهي حسب بعض وسائل الاعلام الروسية أن مثل تلك التسريبات التي حصلت نتيجة لنشاط باكو التجسسي, كفيلة بتأزيم الوضع بين البلدين إلي حد كبير. وهذا بدوره يمثل محفزا إضافيا لأذربيجان للإسراع في شراء المزيد من الأسلحة لجيشها. إذ ليس من المستبعد ان تجد باكو نفسها مضطرة لاستخدام تلك الاسلحة, ليس فقط ضد أرمينيا في الصراع حول قره باخ بل وضد عدو آخر كذلك. ووفقا لمؤشرات الأمر الواقع فاذربيجان لا يمكنها اعتماد الحل العسكري مع أرمينيا حول منطقة قرة باخ الجبلية, لأن روسيا ستتدخل علي الفور وبدون أي تفكير أو تباطؤ. لكن ضغوط الولاياتالمتحدة وإسرائيل علي الرئيس الأذربيجاني الحالي وسعي أجهزتهما الاستخبارية لتسييد رأي عام بين الساسة والعسكريين الأذربيجانيين بإمكانية الحل العسكري لمشكلة قرة باخ قد يخدع الرئيس إلهام علييف ويدفعه الي خطوة غير محمودة العواقب, خاصة أن المقابل سيكون سخيا بالسيطرة علي إقليم قرة باخ واستقطاب15 مليون أذربيجاني من إيران لإقامة أذربيجان العظمي, ووضع باكو في مرتبة تفضيلية لدي واشنطن, ومن ثم مواجهة الدعم الروسي لأرمينيا. والاخطر أن تقوم أمريكا وإسرائيل بتسييد هذه الفكرة لدي القوة الدينية في أذربيجان علي أسس طائفية وعرقية للاستفادة القصوي من الوضع وكورقة ضغط علي إلهام علييف من جهة أخري.