من الواضح أن تقارب إدارتي روسياوالولاياتالمتحدة يقلق الكثيرين سواء داخل الدولتين, أو خارجهما ومن الواضح أيضا أن التقارب الذي يعتبره البعض شهر عسل ستنعم البشرية بلذاته وملذاته ليس إلا تقديرا ساذجا لايمكن أن يعتمده أحد, وبالدرجة الأولي قادة الدولتين علي الرغم من تصريحاتهم الحسنة النية! المفعمة بالأمل. فكل تقارب تعقبه عاصفة لاتلبث أن تتحول الي حركة دبلوماسية وعسكرية لجانب واحد أو للجانبين كصحوة مفاجئة من نوم مفاجئ: ومع ذلك فالتناقضات رغم حدتها واتساعها لاتصل الي مواجهات مايسمي بالحرب الباردة, بل يمكن وصفها بالصراعات من أجل اقتسام هذه الكعكة أو تلك بعيدا عن تناطح الأيديولوجيات السابق, أو هكذا يبدو. بعد الانتصار الحقيقي لروسيا في أوكرانيا واستعادة البلد الشقيق الي أحضان الأخ الأكبرلم تيأس واشنطن من محاولة جديدة, ولكن الفشل كان في انتظار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أثناء زيارتها لكييف فقد صرحت كلينتون هناك, في إطار لقائها بنظيرها الأوكراني قسطنطين جريشينكو, بأن أوكرانيا تتمتع بكامل الحق لتحديد سياستها الخارجية بمفردها كما تملك الحق في اختيار حلفائها بشكل مستقل وأشارت في الوقت ذاته الي أهمية التعاون بين أوكرانيا والولاياتالمتحدة في مجال الأمن. غير أن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أكد, ردا علي ذلك, أن بلاده ستتبع سياسة عدم الانتماء الي الأحلاف العسكرية بهدف الحد من بروز خطوط فاصلة في القارة الأوروبية. وفي الوقت نفسه أشار الي أن كييف مستعدة لتطوير علاقتها مع حلف الناتو في إطار إعادة هيكلة الجيش الأوكراني والمشاركة مع الحلف في عمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب. وعلي الفور توجهت كلينتون الي أذربيجان لإجراء مباحثات مع الرئيس إلهام علييف لتعلن من هناك أن الولاياتالمتحدة مستعدة لدعم أذربيجان ومواطنيها في بناء دولة ديمقراطية مستقلة ومزدهرة, مؤكدة أن تمسك واشنطن بحرية التعبير لايزال ثابتا, وأن أذربيجان حققت تقدما ملموسا, لكن يبقي هناك الكثير من العمل, وأن الديمقراطية لاتتمثل في الانتخابات فقط وإنما أيضا في النظام القضائي المستقل والمؤسسات الشفافة والزعماء الشفافين. إن كلينتون ذكرت علييف بموضوع الديمقراطية والشفافية معولة علي رغبته وطموحة في البقاء في السلطة, وهي تدرك جيدا أن أذربيجان تضم منظومة جابالا الرادارية الروسية التي تغطي مساحة هائلة للإنذار المبكر الخاص بأي هجوم صاروخي. وتعرف أيضا أن أذربيجان جارة لكل من إيرانوأفغانستان. والرغبة في البقاء في السلطة, وبالذات لحكام الجمهوريات السوفيتية السابقة, مرتبطة بتقديم خدمات بعينها الي حارس الديمقراطية في العالم حتي وإن لم تكن هذه الأنظمة تطبق الديمقراطية. من الواضح أن الولاياتالمتحدة تفقد قيرغيزيا التي تضم قاعدة ماناس الأمريكية وبالتالي سيكون الطريق الي أفغانستان صعبا ومن الواضح أيضا أن واشنطن تفكر في شئ ما خاص بإيران بعد فرض عقوبات أحادية الجانب بعيدا عن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي أي أن زيارة كلينتون لباكو متعددة المحاور والأهداف ولكن علييف يدرك جيدا مدي تأثير روسيا في المنطقة ولاشك أن دروس أوكرانيا وقيرغيزيا وأوزبكستان قد نبهته لأمور عديدة كما أن درس جورجيا الذي دق المسمار الأول في نعش الوجود الأمريكي في القوقاز وآسيا الوسطي وضع النقاط علي الحروف بالنسبة للكثير من حكام الجمهوريات السوفيتية السابقة, وعلي رأسهم الهام علييف. من جهة أخري قالت هيلاري كلينتون بعد مباحثاتها مع رئيس أذربيجان الهام علييف إن الولاياتالمتحدة تدعو الي تسوية النزاع في إقليم قره باغ بالطرق السلمية علي أساس مبادئ هلسنكي التي تنص علي وحدة الأراضي وعدم استخدام القوة والمساواة بين الشعوب وأكدت أن واشنطن تريد مساعدة أذربيجان وأرمينيا في تحقيق السلام مستدركة أن ذلك أمر صعب لكنه ضروري لتطوير المنطقة. المدهش أن كلينتون أكدت أن تسوية النزاع في قليم قره باغ الجبلية تمثل إحدي أولويات الولاياتالمتحدة. ومن المعروف أن روسيا إحدي دول مجموعة مينسك الي جانب فرنساوالولاياتالمتحدة والبعض يري أن موسكو تميل نسبيا نحو يريفان وليس باكو. إلا أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف اكد, من جهة أن النزاع حول قره باغ يمثل أكبر مشكلة لأذربيجان وخطرا رئيسيا لأمن المنطقة,مشددا علي أن باكو تسعي الي تسوية هذا النزاع في إطار القانون الدولي بأسرع مايمكن ومن جهة أخري رد ردا مشابها تماما لرد الرئيس الأوكراني, إذ صرح بأن علاقة بلاده مع الولاياتالمتحدة تتطور بنجاح,مشيرا الي أن البلدين يتعاونان بشكل وثيق في المجال الاقتصادي ومهمات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب وقضايا الأمن في مجال الطاقة. في الحقيقة, كانت حركة الولاياتالمتحدة قد هدأت نسبيا في القوقاز وآسيا الوسطي ومع هذا الهدوء تم تحريك الملف الإيراني في مجلس الأمن الدولي, لكن واشنطن قامت بخطوة إضافية من جانبها أزعجت موسكو. بينما معاهدة( ستارت 2) تسير بصعوبة نحو التصديق في كل من الكونجرس الأمريكي ومجلس الدوما الروسي. وفجأة ظهرت فضيحة شبكة التجسس الروسية في الولاياتالمتحدة وسارعت القيادات العليا في البلدين الي حصار الموضوع غير أن وزارة العدل الأمريكية وجهاز المخابرات الأمريكية يكشفان يوميا عن تفاصيل جديدة في هذه القضية المثيرة وفي الوقت نفسه يواصل المسئولون في كلا البلدين تصريحاتهما بأن هذه الفضيحة لن تؤثر علي العلاقات الرائعة بين موسكووواشنطن ولكن علي أثر ذلك بدأت من جديد تحركات أمريكية نشطة نحو القوقاز وآسيا الوسطي في الوقت الذي تسوء فيه الأمور حول إيران. أي أن شهر العسل لم ينته في الحقيقة بالكشف عن قضية التجسس الروسية, بل قبلها بيوم واحد أو اثنين عندما التقي الرئيسان الروسي ميدفيديف والأمريكي أوباما وأعلنا أن العلاقات رائعة ومبشرة بالخير, بينما كان أوباما علي علم بتفاصيل هذه القضية ولكنه لم يكن يستطيع أن يفعل أي شيء وإلا اتهم بالعمالة لموسكو.