رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يدعو المصريين للمشاركة في انتخابات الشيوخ 2025    "الإحصاء الإيطالي": استقرار معدل التضخم السنوي عند 1.7% خلال يوليو    بحث سبل تعزيز التعاون العسكري بين الجيشين اللبناني والأمريكي في بيروت    وزير الثقافة يشارك باحتفالية سفارة المملكة المغربية بمناسبة عيد العرش    لطلاب الثانوية والدبلومات| 13 و14 أغسطس معرض «أخبار اليوم» يطلعك على أفضل التخصصات المناسبة لك بالكليات    كشف ملابسات مقطع فيديو يوضح سرقة «تروسيكل» بمدينة بدر في القاهرة.. فيديو    35 برنامجًا دراسيًا.. تعرف على مصروفات جامعة الجلالة الأهلية للعام الجديد    "عتاقة للصلب" تحصل على موافقة مزايدة فنية لإنتاج 1.5 مليون طن من البليت سنويًا.    دونج فينج إيولوس ميج الرياضية تنطلق رسميًا في مصر.. أسعار ومواصفات    وزير قطاع الأعمال ومحافظ الإسكندرية في جولة تفقدية لتطوير المعمورة «السياحية»    هيئة الأوقاف: تطوير الأصول وتعزيز استثمار أملاك الوقف    محافظ المنيا يصدر قرارًا هامًا بشأن صرف المعاشات لكبار السن    أشرف منصور: المتحف الكبير والعاصمة الإدارية والهوية البصرية رسائل للعالم    وزير الخارجية الألماني: حل الدولتين السبيل الوحيد للعيش في سلام وكرامة    هيئة بث الاحتلال الإسرائيلي: سحب لواءي الاحتياط 646 و179 من قطاع غزة    في مشهد عبثي.. عناصر إخوانية تتظاهر ضد مصر أمام سفارتها في تل أبيب    الأمم المتحدة: سكان غزة على شفا المجاعة ويضطرون لالتقاط العدس المتناثر من الأرض    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    عمرو ناصر: رفضت عروضا أكبر من الزمالك.. وأحلم بالانضمام للمنتخب    سمير عبدالمعز يتوج بذهبية بطولة إفريقيا للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم    تبادل نار عنيف كتب نهايته.. ليلة سقوط "خُط أسيوط" بفيصل    خروج جرار قطار عن القضبان في المنيا    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    ضبط المتهم بقتل شاب وإلقاء جثته وسط الزراعات في قنا    امتحانات الدور الثاني 2025.. جولة تفقدية لإدارة الساحل التعليمية بعدة مدارس    سقوط سيارة ربع نقل في ترعة الرغامة بمدينة كوم أمبو بأسوان    الأنبا إيلاريون يزور كنيسة الأنبا بولا ببشارة ويرسم 15 شماسًا في رتبة إبصالتس.. صور    مشهد مهيب في وداع الفنان الكبير لطفي لبيب    محسن جابر يشارك فى فعاليات مهرجان جرش ال 39    آخرهم «ساموزين والعسيلي».. المنضمون الجدد لألبومات نجوم الصيف    من بينها شراب للسعال- هيئة الدواء تصدر منشورات سحب أدوية من السوق    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    «كفتة البطاطس بالدجاج».. لمسة خفيفة على مائدة الصيف    كيف أتخلص من دهون البطن بدون رياضة؟    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    ماذا يتضمن مشروع القانون في الكونجرس لتمويل تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    الزمالك يتلقى ضربة قوية قبل بداية الدوري (تفاصيل)    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معين بسيسو .. النضال بالشعر والسياسة
نشر في القاهرة يوم 14 - 02 - 2012

في صيف 1954 تأسست "نقابة معلمي وكالة غوث اللاجئين" وحين جرت الانتخابات فيها استحوذ الإخوان المسلمين علي معظم مقاعدها فيما اخترق "معين" قائمتهم بجدارة وأصبح عضوًا في مجلس إدارة النقابة آرييل شارون قاد الوحدة (101) في الجيش الإسرائيلي في اعتداء جديد علي قطاع غزة وفي هذا الاعتداء قُتل 39 جنديا وضابطًا مصريا وفلسطينيا وسودانيا من بينهم اليوزباشي النقيب محمود صادق شقيق وزير الدفاع المصري الأسبق الفريق محمد صادق، علمًا بأن والدتهما فلسطينية من آل المباشر قبل أن تهدم السلطة سجن مصر عمدت إلي نقل المعتقلين إلي سجن القناطر ورغم الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين بمناسبة عيد الثورة الرابع (23/7/1956) فإن نظام عبدالناصر أبقي واحدًا وعشرين فلسطينيا رهن الاعتقال السياسي في "كلية غزة" المدرسة الثانوية الأهلية في مدينة غزة في أحد أيام شتاء 1947، تجمَّع الطلبة علي مشادة حامية بن الطالب معين توفيق بسيسو طالب أحمد مطاول علي فؤاد نصار، الرجل الأول في "عصبة التحرر الوطني" الماركسية العربية الفلسطينية. وقد تصدي معين لصاحبنا يفنِّد ادعاءاته، ويدافع عن الشيوعية والشيوعيين، ما لفت نظر الطالب الشيوعي في المدرسة نفسها، عبد العزيز العُطي. وحين انعقد مؤتمر "العصبة" لأعضاء قضاء غزة، ربيع 1947، فوجئ العُطي بأن معين لم يكن قد حصل علي عضوية "العصبة" بعد.في صيف السنة نفسها، انتقل معين إلي القاهرة، حيث التحق بإعلام الجامعة الأمريكية. وبعد فترة وقعت النكبة الفلسطينية، ثم ضم الملك عبدالله شرق فلسطين إلي مملكته، وأعطي الأولي اسم "الضفة الغربية"، ربيع 1950، ورغم معارضة الشيوعيين لذلك الضم، فإنهم سرعان ما تعاملوا مع الأمر المقضي، فضمت "عصبة التحرر الوطني " وقد ظل معظم قادتها في الضفة الغربية إليها الحلقات الماركسية في شرقي الأردن، فتشكل "الحزب الشيوعي الأردني، في مايو 1951، واستمر مسئول "العصبة" في الجامعات المصرية، نديم نحوي، في المسئولية نفسها، بعد تأسيس الحزب الوليد. كما ظل عضوًا في الفرع المذكور ، حتي صيف 1952، سنة تخرجه من إعلام الجامعة الأمريكية. رئيس العصبة أثناء وجوده في غزة، تمكنت المباحث العامة في اعتقال رأس "عصبة التحرر الوطني" في قطاع غزة ، فخري مكي (10/8/1952)، بعد أن ظل مختفيا في منزله، لثلاث سنوات متصلة ، والمباحث والمخابرات عاجزة عن العثور عليه، ورغم اقتحامهما منزله، عشرات المرات، في السنوات الثلاث المذكورة. تصادف أن التقي معين أحد القادة الخمسة للعصبة في قطاع غزة ، محمد خالد البطراوي، وعلم الأخير من معين بأمر اعتقال مكي، وبعثور المباحث علي سجل عضوية "العصبة" في جيب الأخير. مما جعل البطراوي يختار الإفلات إلي الضفة الغربية، ومعه عوني سيسالم، فيما أفلت عصام سيسالم إلي سوريا، ومحمود عبود أبوكميل إلي الكويت، وبذا يكون الأربعة قد أفلتوا من السجن الذي التهم أربعة وستين من أعضاء، وكوادر وقادة "العصبة" هم كل أعضاء العصبة" في قطاع غزة، آنذاك. لم يفلت معين، إلا أنه لم يكن مسجلاً ضمن أولئك الأعضاء، بل كان علي قوة "الحزب الشيوعي الأردني" في مصر، كما سبق وأسلفنا. وقَّع معين عقدًا للعمل مدرسًا في العراق ، لكنه لم يكمل السنة الدراسية (1952 1953) هناك، إذ رحَّلته حكومة نوري السعيد، باعتباره "غير مرغوب في إقامته بالعراق"! عاد معين إلي غزة، ربيع 1953، وقد خلا القطاع من التنظيم الشيوعي، بعد أن كانت محكمة عسكرية، ترأسها عضو "الضباط الأحرار" في مصر، والعضو السابق في "حدتو" الشيوعية المصرية، لطفي واكد، الذي تمكن من إسقاط التهمة السادسة عن المتهمين الأربعة والستين، وقوادها " العمل في تنظيم غير مشروع". بعد أن أبرز المحامي سعيد زين الدين أمام واكد الترخيص الذي صدر عن سلطات الانتداب البريطاني (1943) للعصبة ، كي تمارس نشاطها؛ فيما لم تسحب الإدارة المصرية هذا الترخيص. وكانت المفاجأة الثانية، حين أصدر واكد أحكامه علي نحو خمسين متهمًا بالسجن، ما بين ثلاثة وستة أشهر (يا بلاش)، وبّرأ ساحة اثنان (رشدي ربيكة، وصبحي سليمان)، فيما أخلي سبيل شاهد الملك، عبدالحميد طقَّش، بينما نال شاهد الملك الآخر ، عبد الرحمن عوض الله حكمًا بسنتين، بعد أن رفض وكيل النيابة الأخذ بالوعد الذي قطعه مسئول المخابرات العسكرية في القطاع، الصاغ «الرائد» كامل حسين لعوض الله بإخلاء سبيله، في حال تحوله إلي شاهد ملك. هكذا أصبح عوض الله مثل "مصيفة الغور، لا صيفة صيفت ، ولا عرضها نابها"! كان عوض الله واحدًا من سبعة أعضاء ، نالوا سنوات ، أولهم فخري مكي (6سنوات)، فايز الوحيدي (سنتان)، عبد القادر المغربي (سنتان)، عبد المجيد كميل (4سنوات)، حسن أبو شعبان (4سنوات)، سعيد الطحطاوي (4سنوات) المثير للاستهجان أن مكي أعاد لعوض الله عضويته، فكانت المرة الوحيدة التي يحافظ شاهد ملك علي عضويته في تنظيم شيوعي . ولله في خلقه شئون! الحزب الفلسطيني في غزة التقي معين بعض الموثوق فيهم من المفرج عنهم، واتفق مع ثلاثة منهم هم: سمير البرقوني، ومحمود نصر، وأحمد المبيض ، علي تأسيس "الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة"، بعد أن غدت "العصبة" في خبر كان، وانضمام أعضائها المتبقين في الأراضي التي احتلتها العصابات الصهيونية المسلحة إلي "الحزب الشيوعي الفلسطيني "، الذي ظلت عضويته وقفًا علي الشيوعيين اليهود، منذ عام 1943 وهكذا، ولد "الحزب الشيوعي الإسرائيلي "، منذ أكتوبر 1948، فيما كانت "العصبة " في الضفة وتوقفت لحساب "الحزب الشيوعي الأردني"، منذ مايو 1951، علي النحو المبين أعلاه. اختار الأربعة (بسيسو، البرقوني، نصر، والمبيض) بيارة والد خالد شرَّاب ، قرب وادي غزة ، وخالد طالب بأداب جامعة القاهرة ، وعضو فرع "الشيوعي الأردني" هناك، حيث تأسس "الحزب الفلسطيني" في أغسطس1953 وبعد أيام اعتدي الجيش الإسرائيلي علي مخيم البريج بالقطاع، فقاد المدرس في مدرستها الإعدادية، معين بسيو، مظاهرة بطول كيلو متر، بعرض الشارع الثلاثيني، مظاهرة اصطدمت بالشرطة ، وانتهت باعتقال خمسة وثلاثين متظاهرًا، بينهم معين ، وكانت تهمة الجميع "الشيوعية"، والمثير للضحك أن الشيخ عز الدين طه (إخوان) كان ضمن المعتقلين، فيما كان واحدًا من المعتقلين الأربعة والثلاثين عدا معين صديقًا للحزب، وهو عز الدين غربية. كانت مظاهرة البريج فاتحة صيغة اعتمدها معين في نشاط الحزب، قوامها العلنية، بعد أن كان نشاط "العصبة"، منذ دخول القوات المصرية (15/5/1948) أسير السرية المفرطة؛ فالناس لم يعرفوا الشيوعيين، مواجهة، بل منشوراتهم ، وشعاراتهم المكتوبة علي الجدران. في صيف 1954 تأسست "نقابة معلمي وكالة غوث اللاجئين"، وحين جرت الانتخابات فيها، استحوذ الإخوان المسلمون علي معظم مقاعدها ، فيما اخترق معين قائمتهم بجدارة. وأصبح عضوًا في مجلس إدارة النقابة. في أحد الأيام الجمع من شهر نوفمبر 1954، انعقد المؤتمر الأول للحزب، في بيارة شيخ مشايخ الوحيدات ، فايز الوحيدي. وضم المؤتمر 13 عضواً، وقد توسط الجلسة خروف مشو، ضمن صمامات أمن المؤتمر، بحيث إذا ما دوهموا أمنيا، يتذرع أعضاء المؤتمر بأنهم مدعوون علي وليمة لدي الشيخ فايز. وترأس حرس المؤتمر عمر عوض الله. عميل للبوليس قام مؤتمر الحزب علي أكتاف معين، الذي اختار لنفسه الاسم الحركي "باسم"، وهو الاسم الحركي للأمين العام للحزب الشيوعي العراقي، آنذاك، بهاء الدين نوري. كتب معين مسودتي البرنامج السياسي واللائحة الداخلية للحزب. ولم يكن يعلم بأن فخري مكي يحرك ضده مجموعة في الحزب، تأكد وجودها، حين جرت انتخابات اللجنة المركزية الخماسية. فقد نال معين اثني عشر صوتًا. فيما نال سمير البرقوني إجماع أصوات المؤتمرين الثلاثة عشر. وكانت اللائحة الداخلية التي اعتمدها المؤتمر تنص علي أن يصبح صاحب أعلي الأصوات في انتخابات اللجنة المركزية أمينا عاما للحزب. هنا قال معين قولته الشهيرة :"هناك عميل للبوليس بيننا، هو الذي لم يعطيني صوته"! ولم يكن من حجب صوته عن معين إلا سمير البرقوني، الذي قال لمعين، عند خروجهما من المؤتمر :"أنا لا أصلح أمينًا عامًا، وأنا أعطيك إياها"! وقد كان؛ إذ ظل معين الرجل الأول في الحزب، دون منازع، ولكن دون أن يتوَّج أمينًا عامًا للحزب حدث حصل معين علي تقرير سري، لمجموعة طبية في الأمم المتحدة، عن المنطقة المخصصة لتوطين اللاجئين في شمال غربي سيناء، كما قضي "مشروع سيناء"، الذي اتفقت الإدارة الأمريكية علي تنفيذه، بحيث يستوعب اللاجئون في مصر وقطاع غزة، في سياق "مشاريع التوطين والإسكان"، التي اتفقت الإدارة الأمريكية علي تنفيذها في الأردن وسوريا ومصر. تضمن التقرير مجموعة الأمراض المتوطنة في المنطقة المذكورة، وقد حصل عليه معين من سكرتيرة مدير "وكالة غوث اللاجئين" في قطاع غزة، الآنسة (آنذاك) هنرييت سابا. سارع معين إلي صياغة منشور سري باسم الحزب، ضمًّنه استشهادات من التقرير المذكور. وتمت طباعة المنشور في منزل عضو اللجنة المركزية للحزب، أحمد فليونه. وفجر أحد أيام أواسط فبراير 1955، خرج معين من منزل فليونه، بحي عسقوله بمدينة غزة، وهو يحمل سلة تين، وقد أخفيت المنشورات في قاع السلة. وتم الاتفاق علي أن يتوزع أعضاء الحزب الشيوعي علي مساجد القطاع، يوم الجمعة، الموافق 5 مارس، لتنظيم مظاهرات ضد "مشروع سيناء"، بعد أن يكون المنشور إياه قد فعل فعله في أوساط جماهير قطاع غزة. آرييل شارون لكن حدثًا تقحّم المشهد في القطاع، ففاجأ الجميع، ذلك أن آرييل شارون قاد الوحدة (101) في الجيش الإسرائيلي، في اعتداء جديد علي قطاع غزة، وجعل من بير الصفا في الطرف الشرقي لمدينة غزة هدفاً لاعتداء مجموعته. وفي هذا الاعتداء قُتل 39 جنديا وضابطًا مصريا، وفلسطينيا، وسودانيا، من بينهم اليوزباشي النقيب محمود صادق، شقيق وزير الدفاع المصري الأسبق (1971 1972)، الفريق محمد صادق، علمًا بأن والدتهما فلسطينية، من آل المباشر. من مدرسة فلسطين الثانوية بغزة انطلقت الشرارة، في شكل مظاهرة، وعلي بعد مأتي متر من المدرسة التقت المظاهرة معين، عند تقاطع شارع مدرسة فلسطين بشارع عمر المختار، عند مقهي سمارة، وعمارة ضيا زاده. لم يكن أحداً قد اعتلي ظهر أحد لإطلاق الشعارات، وتُرك هذا الأمر لمعين، الذي أطلق العنان للشعارات السياسية ضد إسرائيل والولايات المتحدة ومشروع سيناء ، والذين اتفقوا بشأنه مع الإدارة الأمريكية وسرعان ما تحولت المظاهرة إلي سلسلة مظاهرات، غطت القطاع من أقصاه إلي أقصاه، مما جعلها انتفاضة شعبية، بمعني الكلمة، وقد رعتها "جبهة وطنية" يتيمة ضمت "الشيوعي" و"الإخوان"، التنظيمين السياسيين الوحدين في القطاع. امتدت المظاهرات لثلاثة أيام بلياليها، أحرق خلالها المنتفضون مراكز شرطة، ومخازن تموين "وكالة الغوث". واللافت أن عدداً مماثلاً لشهداء العدوان الإسرائيلي قد سقطوا في الانتفاضة برصاص عناصر أجهزة الأمن والجيش، الذين غابوا عن أرض المعركة مع العدو الإسرائيلي! في ضحي اليوم الثالث، أرسل حاكم غزة الإداري، البكباشي المقدم سعد حمزة إلي قادة الانتفاضة، طالبًا تشكيل لجنة منهم، للحوار معه. وتشكلت اللجنة، فعلاً، وضمت كلاً من معين بسيسو (شيوعي)، وفتحي البلعاوي (إخوان)، وجمال عمر الصوراني (مستقلين). تقدمت اللجنة بمطالب الانتفاضة إلي حمزة، وتمثلت المطالب فيما يلي: - إلغاء "مشروع"، الذي يري المنتفضون بأنه يقبع وراء الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المتوالية علي القطاع، لإرغام اللاجئين علي الفرار إلي سيناء. -تحصين القطاع، وتسليحه، وتدريب أهله. - إشاعة الحريات الديمقراطية، والسماح بإنشاء صحف، ونقابات. الشرف العسكري عصر اليوم نفسه، توجه حمزة إلي مقر "نقابة معلمي الوكالة"، المقابل لسراي الإدارة المصرية، وأبلغ معين والبلعاوي بموافقة الرئيس جمال عبد الناصر علي كل مطالب الانتفاضة. مما دفع قيادة الانتفاضة إلي إلغاء مظاهرة السبت (6/3)، حيث لم يعد ثمة ما يبررها. وأصدر الحاكم العام لقطاع غزة، اللواء عبدالله رفعت، بيانًا تعهد فيه "بشرفه العسكري" ألا يعتقل أو يحاسب "إلا كل من أتلف أو أحرق عن عمد"! وهدأ القطاع، ليصحو صباح الثلاثاء (9/3) علي خبر قيام أجهزة الأمن باعتقال 68 ناشطًا، توزعوا بالتمام والكمال تقريبًا، بين الشيوعيين والإخوان
والمستقلين، ووقعت في هذه الاعتقالات مفارقات لافتة، فاعتقل فواز الوحيدي بدلاً من فايز الوحيدي، والأول مدرس بعيد، كل البعد، عن أي عمل سياسي، ومثله سعد اللولو، ناظر المدرسة، الذي اعتقل بدلاً من، سعدي لولي، الناشط الشيوعي في جامعة القاهرة، والذي شارك في الانتفاضة إياها! بانتفاضة مارس 1955، وحملة الاعتقالات التي أعقبتها، ختم معين بسيسو أزهي فترات تاريخه السياسي، كان فيها تاريخ الحزب الشيوعي هو نفسه تاريخ معين. حين دخل معين إلي سجن مصر، انتحي فخري مكي بقريبه، محمد زكي آل رضوان وكان ضمن المعتقلين الجدد وطلب إليه إعداد تقرير عن أخطاء معين في الانتفاضة، الأمر الذي أشعر معين بالمرارة، بمجرد أن علم به. وقبل أن تهدم السلطة سجن مصر، عمدت إلي نقل المعتقلين إلي سجن القناطر. ورغم الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، بمناسبة عيد الثورة الرابع (23/7/1956)، فإن نظام عبدالناصر أبقي واحدًا وعشرين فلسطينيا رهن الاعتقال السياسي، بينهم إخواني واحد، هو فتحي البلعاوي، أما العشرون فتشتبه أجهزة الأمن في انتمائهم للحرب الشيوعي، بينما كان سبعة منهم بعيدون عن الحزب، تمامًا، لكن ماذا نقول في أجهزة الأمن وحريتها في الاشتباه؟! في مطلع أغسطس 1957، تم الإفراج عن آخر دفعة من المعتقلين، وبضمنها معين الذي وصل غزة، حاملاً معه خلافات استفحلت داخل المعتقل بين الشيوعيين، متمنيا أن يجد حلاً لها في الخارج (غزة)، لكنه فوجئ بمشاكل في الخارج، كانت تنتظر خروج المعتقلين لتحكيمهم فيها. اللافت أن المشاكل كانت ذاتية، ولا يمت أي منها إلي المجال السياسي، أو التنظيمي! الفلاحون معتقلون لم يجد معين بد من التحالف مع فخري مكي ضد الغاضبين من بينهم المعتقلين والطلقاء، علي حد سواء، ما ترتب عليه خروج انشقاقين من الحزب، في أسبوع واحد، ضم أولهما جزءًا من المعتقلين (الفلاحين)، فيما ضم الانشقاق الثاني الغاضبين من الطلقاء، بعد أن انضم إليهم عنصران من المعتقلين. وضاق القطاع بثلاثة تنظيمات شيوعية، في وقت كانت الانشقاقات الشيوعية تتحد في غير قطر عربي، وبالذات مصر. هنا كان معين ملك "بأسهم بينهم شديد"، فقد استخدم أقسي الأساليب في التعامل مع الانشقاقين. وحين انفجر الخلاف بين نظامي عبدالكريم قاسم في العراق، وجمال عبدالناصر في الجمهورية العربية المتحدة، خريف 1958، وانسحب هذا الخلاف في شكل مواجهة بين التيارين، اليساري والقومي، علي مدي الوطن العربي. وواجه الشيوعيون في قطاع غزة عنتًا كبيرًا في البعثيين والقوميين العرب والإخوان المسلمين، بدعم مكشوف من المباحث العامة، وتعرض بعض الشيوعيين للاعتداء الجسدي، فيما جري الهجوم علي مدرسة صلاح الدين الإعدادية للاجئين، في حي الدرج بمدينة غزة، وكان معين ناظرها، فيما ضمت العديد من المدرسين الشيوعيين، أذكر منهم فخري مكي، وياسر سعيد الشوا، ومحمد زاهر. عندها اقترحت علي قيادة الحزب، الذي توحد فيه الانشقاقان (أكتوبر 1958)، ترتيب علقة سخنة لرموز من القوي المعتدية، بأيدي عناصر مدربة وغير معروفة من الشيوعيين. وكنت أقصد ثلاثة من عناصر "الكتيبة 141 فدائيين"، هم: عبدالوهاب الفار، وأحمد الملاحي، وأحمد الزهار. وكنت مسئولاً عن خليتهم، ولم يكن معروفًا منهم لدي قيادة الحزب سوي عبدالوهاب الفار. بالإجماع سقط اقتراحي! بعدها أرسلت شقيقتي الصغري إلي منزل معين، فحضر معها، والتقيناه أنا ورفيق آخر، واتفقنا، في لحظات، علي إعادة الوحدة للحزب. وقبل أن نبدأ بالخطوات، شنت أجهزة الأمن حملة اعتقالات في القطاع، طالت ثمانية عشر شخصًا، ثلثهم ليسوا أعضاء في تنظيم شيوعي. وهذه هي أجهزة أمننا التي تحصي أنفاسنا، وتحس بدبة النملة (23/4/1959) إذ بالطبع كان معين ضمنهم. ولم يخرج من السجن إلا في النصف الثاني من مارس1963 ليقترح إلي أن نستبدل بالحزب تيارًا، واحتدم الصراع بين سبعة أشخاص حول تيار أم حزب، وحين أُعيد تشغيل الحزب (4/4/1965)، غادر معين غزة إلي بيروت (18/1/1966)، قائلاً : "لن أدع زنازينهم تأكل لحمي"! معين ومحمود من بيروت انتقل إلي دمشق (أواخر 1966)، حيث عمل نائًبا لرئيس تحرير يومية "الثورة"، قبل أن يجلسوه في البيت. وقبل أن تتواري سنة 1968، وصل معين إلي القاهرة، تنتظره مرتبة رفيعة في يومية "الأهرام"/ مسئولاً عن صفحة "أدب وفكر"، التي كانت تظهر كل يوم جمعة. بعد أربعة أعوام قضاها في "الأهرام"، غادر إلي بيروت، بعد أن كان قد أعلن في جريدة "الدفاع" (أغسطس 1970)، التي كانت تصدر في عمان، أنه ينتمي بشهادة ميلاده إلي "فتح"! وقبلها (2/11/1969 ) كان أعلن الأمر نفسه، وإن بمفردات مختلفة، في المركز الثقافي السوفييتي بالإسكندرية. بعد أن كان من ناصروه وتحيزوا إليه باقتراح "التيار" قد رفضوا عودته للحزب، بمجرد أن استأثروا بقيادته. ما أصابه المرارة. في بيروت التحق معين بمكتب القائد العام للثورة، ياسر عرفات، وشهدت السنوات الست التي قضاها معين هناك معارك طاحنة بينه وبين محمود درويش، في المزاحمة علي رضي عرفات. وإن أصدر أهم شاعران فلسطينيان (معين ومحمود) قصيدة مشتركة، أثناء محاصرة القوات الإسرائيلية لبيروت، في اجتياح 1982. حين دخلت القوات الإسرائيلية عاصمة البهجة، بيروت، غداة مقتل بشير الجميل (5/ 9/1982) انطلقت تفتش عن معين بسيسو، حتي انها لم تتوان عن خرق حرمة السفارة السوفييتية، لكن معين كان قد خرج إلي اليونان في سفينة عرفات. وأرسل لي صباح ذاك اليوم، يلح علي كي ألتحق بالسفينة نفسها، لكنني تأخرت إلي آخر سفينة غادرت بيروت بالفدائيين الفلسطينيين (1/9/1982). تلاحقت الأيام، واختار معين الانحياز لعرفات في التمرد الذي عُرف باسم "العقيد أبو موسي"، فيما انحزت للأخير، ونشرت سلسلة مقالات عما جري في "فتح". وتباعدت المسافة بيننا، إلي أن سمعت بنبأ فقداننا هذا الشاعر المناضل التقدمي، في أحد فنادق لندن، في 24 يناير 1984، ودفن في القاهرة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.