لقد راود الإنسان منذ أقدم العصور وعلي الأجيال حلم تحقيق الفردوس الأرضي أي أن يتحقق للفن أقصي ما يتمناه من سعادة، وبما أن السعادة أمر نسبي يختلف مفهومها من شخص لآخر، ومن عصر إلي عصر ففي بداية القرن الذي نحياه، القرن الواحد والعشرين وبعد قيام ثورة الشباب الرائعة التي ولدت من خلالها مصر جديدة أسقطت النظام القديم بكل ما فيه من فساد ونهب وسلب وأتت هذه الثورة كي تعيد صياغة حياة المصريين في أوطانهم العربية وتعلي من شأنهم عالمياً بما فعله الثوار، وكان علي مسرحنا المصري ألا يقدم سوي الأعمال التي تضع أمام المشاهدين آفاقاً جديدة لكي نؤمن جميعاً بأن هذه الثورة حتما ستجد الحلول الفعلية للتغلب علي الجهل والفقر والانفلات الأمني الذي تكون بفعل الفراغات التي أوجدها المنفلتون والهاربون من أحكام القضاء لكي نؤمن بأنه لا حدود تمنعنا من تحقيق العدل واستعادة النظام والأمن والأمان وأن تكون لدينا ثقافة وطنية مسئولة ومسرحاً يضيء العقول ويطهر، وأن يضع أمام الناس صورة المجتمع الجديد الذي ننشده. وإذا كانت الكوميديا هي أحد أهم الأسلحة التي يستطيع مسرحنا الذي ننشده أن يتبني أخطر وأهم القضايا التي بتحقيقها تعود الحياة إلي سابق أصالتها وجمالياتها وعظمة هذا الشعب الذي لا يستحق إلا كل تقدير واعتزاز، وان كان نص داريفو «بدلة إسموكن» كما كتبه صاحبه يطرح قضايا نفاها التمصير مثل: البحث عن امكانية خلق حياة رغدة لأفراد الشعب علي اختلاف مستوياتهم!؟ وأن تصبح المساواة في الحقوق والواجبات أبداً لا تعني تنازل البعض عن حقوقهم أو ممتلكاتهم، ذلك لأن المجتمع الجديد لابد أن يحمل الجميع في أعطافه صورة رائعة للحياة في أن يعمل علي خفض مستوي المعيشة للمترفين وأن يعمل علي رفع مستوي المعيشة للفقراء، وأن نص - داريفو- تحمل في أعطافه «يو توبيا» استبعدت تماماً من الإعداد والتمصير الذي صاغ نصه بها المخرج عادل أنور الذي لم يتقن حرفة الكتابة ولم يجهد نفسه في البحث عن أسرار الهوية الفكرية التي يقدمها - داريفو- الذي التزم مثل معظم كتاب اليوتوبيا في العالم بأسره في أنهم يعتقدون فيما عدا - سيرا فرانسيس بيكون- بأن التقدم يجب أن يكون تقدماً عقلياً وروحياً وخلقياً، وأن السعي وراء المادة يجعل من العسير علي الفرد الوصول إلي الكمال والسمو! شخصية متهرئة فلقد قدم لنا التمصير شخصية مسرحية متهرئة تحمل مؤهلا عاليا ويرتضي أمام ندرة فرص العمل للشباب أن يقبل وظيفة «عامل نظافة» وأن لديه أحلاماً هي منقولة للمشاهد في صورة أوهام، فهو ارتضي حياة الجرذان فقد تقبل أن ينام في صندوق للقمامة في أحد أكبر ميادين القاهرة ويتم استعراض الافتتاح بشباب وشابات في رقصة واستعراض لا علاقة لما بالموضوع المعروض أمامنا، ولكنه عن طريق التوليف الذي اتخذه الممصر والمخرج لهذا العرض المليء بالمشهيات والشائهات التي استقبلها الجمهور بالصمت!؟ ولم نجد في النص شخصية مثالية إذ كل النماذج شهية الإضحاك منها وعليها هي الركيزة الأساسية - وحيث لم يضحك أحد من المشاهدين، لجأ الكل لتصيد الإفيهات الرخيصة التي أوصلت العرض إلي حالة يمكن أن نطلق عليها - اسكتشات - غير مترابطة.. و هابطة وعبيطة و.. متخلية عن كل احترام لمسمي المسرح - وخاصة إذا كان العارض هو مسرح الدولة.. الكوميدي. وليت الأمر قد انتهي عن تقديم إنسان عادي يعاني من الفقر والكساد وعدم تواجد فرص العمل وبين إنسان عالي المقام فقد شرف انتمائه للشرفاء ونجده هاربا من مقلة شنعاء هي ارتكاب جريمة الزنا، وهدد به عندما دخل زوج المرأة التي شاركته هذا الفعل الحرام يقف في ملابسه الداخلية علي خبشة المسرح في جدل وحوار عقيم وسخيف ومطلبه أن يعود إلي بيته داخل صندوق القمامة مرفوعاً بيد الكناس المتعلم لكي يحصل علي التأمين من غضب زوجته إن وجدته بهذه الملابس الداخلية وكان البحث والحوار هو محور وجود هذه البدلة الأسموكن لهذا الفاجر الذي يريد شراء كل شيء بنفوذه القذرة ويدخل إلي خشبة المسرح دون تبرير درامي كل الشخصيات الشائهة، فإن عرضا مسرحيا يحمل في أعطافه كل هذه الشخصيات الفاشلة في الحياة الفاقدة لكل قدرة علي التفكير السديد فإن الحياة التي ترتجيها ترفضها، ونحن كمشاهدين نرفضها، فهي لن ترسم أبداً ابتسامة علي الشفاه ولا تثير الرؤي أو تظهر نفس إنسان ذهب إلي المسرح لكي يطهر بالدراما ولكي يغسل أحزانه ويضحك، وان يكون الضحك نظيفاً. لقد فقدنا ما أنفق علي هذا العرض سواء من عقود الراقصين والراقصات أو الممثلين من غير المعينين في البيت الفني للمسرح، أما أبناء المسرح الكوميدي فقد لا نجد أحدا ملتزماً سوي الممثل سيد الشرويدي وهو من الممثلين المعينين في المسرح الكوميدي وبدرجة فنان قدير، وهو قدير قولاً وعملاً فقد التزم بالحدود الفاصلة بين الالتزام الذي جعل من دوره الصغير علاقة تقدير واحترام لأنه قدم دور - الكناس الجنوبي- علي أعلي درجات الإجادة والالتزام والتميز ولنا مع باقي طاقم المسرحية وقفة. التمثيل وائل نور وهو النجم المطلق لهذا العرض والمتعاقد معه ولست أدري أيا من المبالغ قد رصدتها ميزانية إنتاج هذه المسرحية وأقول عنه وللبيت الفني للمسرح أنني لم أجده قد تقدم قيد أنملة عما سبق أن قدمه بذات الروح الاستظرافية وبذات الإفيهات علي من يشاركونه العمل خارج النص وخارج حدود اللياقة والمعقولية وليعذرني القارئ فلقد سئمت وجوده أمامي بكل هذا السخف!؟ مادة للإضحاك وعن الممثلة ذات الحجم العائلي كما تقول هي عن نفسها: نور السباعي الذي جعلت من امتلاء الجسد مادة للإضحاك والابتذال: ثم تتيانا في وجودهما الباهت الذي اعتمد فيه علي الأزياء والماكياج والكوافير ليتراجع التمثيل عندها إلي منطقة الخيلاء بالجسد فقط، وكذلك كانت انجي عبدالله في وجودها الباهت، وذلك طبعاً بفعل التمصير الذي ظلم أصحاب وصاحبات الأدوار ظلماً شنعاً، وأما عن عزت بدران فقد كان مبالغاً زاعقاً يبحث هو الآخر عن فرصة للتألق، لكن خاب مسعاه أمام ضعف الدور والنص معاً.. وذات الحال عند أيمن إسماعيل وأما فتحي سعد والذي تخرج في دورة نقابة المهن التمثيلية ودرس علي يدي فنون التمثيل والإدارة المسرحية أجده هنا كوميدياناً يبحث عن نفسه ويبحث عن فرصة للتواجد وأشرف عبدالفضيل هو الآخر في ذات المأزق والخندق وقد ظلم الفنان القدير الذي له رصيد من الاحترام والتقدير عندي ولدي كل المشاهدين علاء زينهم الذي قام بدور المايسترو - أو المزيكاتي الذي يمتلك هذه البدلة الأسموكن ولقد حاول علاء أن يصمد رغم كل محاولات الإسفاف التي حوله ولا ننسي رانيا نجار في دورها الصغير نسبياً، وان جميع الممثلين في وجود الانفلات للبطل المطلق حاولوا ألا يكونوا مجرد مشاجب للإفيهات، وهو عيب إخراجي في المقام الأول. الاستعراضات والموسيقي والأشعار والملابس نبدأ بالكلمات التي صاغها محمود جمعة والتي لم يكن لها أي تأثير دامي يذكر ثم لدينا الألحان لهذ الكلمات علي سذاجتها وسطحيتها، عطية محمود صاحب الجمل اللحنية المقورة في عرف استعراضات نمطية الخطوات محفوظة العدات وإذن فإن مفردة الاستعراض برمته تعتبر من المفردات التجميلية أو من المفترض أن تكون كذلك ولكن سامح الله كل من اعتنق المنهج الاسترزاقي وهو عيب إخراجي كذلك في المقام الأول. الملابس: منذر مصطفي التي اختيرت ولم تصمم! ولكن تكون الأزياء في استعراضات حسان صابر فقط هي التي يكن ان يقال عنها إنها تصميم. الديكور والديكور باعتباره الإطار الذي وضع فيه الممصر لهذا النص والمخرج عادل نور أقول عنه بأن التشكيلي محمود هاشم باختياراته الذكية لمنظور المنازل المقلوبة والتي تمثل انحرافات عن المألوف وجعله خشبة المسرح علي اتساعها تحتوي كل الأحداث وكل هذه الشخصيات من ممثلين وراقصين وراقصات وان يعطي للمخرج مساحة تشكيلية تخيلية تجمع بين واقعية المكان، وتخيله المناخ العام للتمصير الذي جعل كل شيء في هذا العرض منحرفاً عن مساره الطبيعي وأشهد للتشكيلي محمد هاشم بالتميز في رؤيته التشكيلية. الإخراج كنت أظن بأن المخرج عادل أنور قد وعي النص بأنه يقوم علي وجهة نظر عميقة جداً، وهي التوليد الانتمائيSelective Breeclen الذي يوصلنا إلي ذلك الإنسان المثالي إذا أتيح للإنسان العادي أن يعيش في ظل ظروف مثالية لكن التمصير ضرب عرض الحائط بكل القيم والأعراف المسرحية وتعامل مع العرض علي أنه «سبوبة» والفيصل عندي أن الناس لم تضحك ولم تبتسم ولم تفهم!؟