سعيد حجاج كاتب حفر اسمه علي لحاء خشبة المسرح سواء في أرض المنشأ الثقافة الجماهيرية أم في مسارح البيت الفني للمسرح، وقد تعددت محاولاته وتفاوتت في خصوصها لفنية الكتابة للمسرح، فمن ابداعات لها أصول غربية إلي الولوج في لخمة التمسرح المصري، العربي، التراثي، كانت له صولات وجولات إلي أن كتب هذا النص الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال «مافيش حاجة تضحك»، من إنتاج المسرح الكوميدي، والذي خضع من جديد لموافقة المكتب الفني في تشكيله، وفي تفعيل دور المكاتب الفنية، الذي عاد إلي مسارح البيت الفني باعتباره من أهم اشكال عدم فردية الرأي وفرضه، وإني أولا أقدم الشكر كل الشكر للفنانة القديرة عايدة فهمي التي تولت قيادة مسرح الدولة الكوميدي، وهو عهد جديد، وأعتبر أن تقديمها وحماسها لكي يخرج هذا العرض إلي النور وهو لا يحمل اسم أحد النجوم الكبار في عالم الكوميديا، كما كان يحدث آنفا، وإنما اعتمدت علي بطولة العرض أي أن يكون العرض هو البطل وأن ممثليه هم أدوات النجاح فيه، والروح الوثابة نحو التجدد والتخلص من رق عبودية بيروقراطية المكاتب لتمتع «المصلحجية» وترفع من شأن الجماعية وهي فلسفة وثقافة تتسق والمطروح من الفكر الثوري الشبابي لهذه المرحلة التي تمر بها مصر في هذه الأيام الحرجة. البنية النصية من الواضح من مفردات العرض المطروحة علينا أن النص كان بخلاف العرض وأن المخرج الكبير عبدالرحمن الشافعي قد اخضعه لهذه الرؤية الإخراجية التي خضعت عند عبدالرحمن الشافعي إلي أن كل عمل يختار للعرض المسرحي يحتاج إلي الإخراج، حيث إن هناك نوعيات مختلفة من الدراما فقد اتبع الشافعي أسلوب الفرجة الشعبية الشاملة، وقد وضع فكرة «التشخيص» مع «الخلبصة» مع «السماجة» ليدمج كل هذه الاشكال في نص. غاب عنه التوجه النوعي الذي يمكن اخضاعه لأي من هذه الأشكال، ولكن البنية النصية سمحت للمخرج أن يكون العرض نابعا من الطبيعة الذاتية للشافعي ورؤاه الإخراجية. فقد وضح في العرض قمة نضج الإخراج ووضوح أهدافه نظريا وتطبيقيا ولأن الأمر يتعلق بإعادة الطرح القديم للفرجة المسرحية الشعبية التي تحمل في أعطافها قدرا من الواقعية، بعد أن نجحت الواقعية مجددا في كل من ألمانيا وفرنسا وروسيا في انتشال المسرح من ركود - الرومانتيكية - وبالتالي فرضت شخصية المخرج، وحددت دوره القيادي في الإنتاج المسرحي، ولأننا أمام إعادة تشكيل للمناخ الثقافي الذي ستضخ فيه تلك الحدود الحقيقية لموقف المسرح من قضايا المجتمع، وهل هو مناخ المعارضة الشديدة لتياري: الطبيعية والواقعية النفسية، وقد انطلقت علي أرض واقعنا المسرحي الجديد في ظل المناخ الثوري والوقفات الاحتجاجية ونجاح أهداف الثورة الشبابية التي قادها الله عز وجل، ليمنح لهذا الوطن وأهله حرية التعبير الحر، وإذن، فهل فعلا انطلقت دعوتان تتكاملان في مسرحنا المصري، إلي اعتناقنا للغربة الشعبية من جديد، والتي واكبت قيام الثورة باعتبار أن الفن وليد معارف أعلي وأرق وأكثر سموا من بديهيات الحياة، أم الدعوة إلي أن الفن وليد إدراكات روحية عليا لما وراء الحقيقة المادية وأعترف أن نص سعيد حجاج قد خلا من أي من هذه الانتماءات وإنما هو حاول «توليف» رؤية شعبية تتكئ علي الموروث الشعبي وليس في هذا الاتكاء ما يضحك!، بل بات من الواضح أن تحقيق أي فلسفة يتكئ عليها النص «الحجاجي» سوي صورة الاحتجاج الذي اصطدم بصعوبات في حقل - المسرح الدرامي- الذي نعرفه أو ما اتفق علي تسميته بمسرح الكلمة لتحتل خشبة المسرح عناصر فنية تشكيلية مثل الأغاني، المواويل، الرقص، النذول إلي المتلقي، الدعوة إلي المشاركة، التحبيظ وفن العرائس سواء كانت الفكرة التي ابتكرتها مديرة المسرح، لكي تقدم في حديقة المسرح العائم لجذب الأنظار وباعتبار أن هذه الفقرة نابعة من العرض ذاته الذي استخدم فيه الشافعي فن الدمي - الماريونيت- في المشهد قبل الأخير في العرض. علاقة خشبة المسرح بالصالة لقد أوضح النص أن ثمة أغلالاً خلقية بين الطبقة الشعبية المؤمنة الصابرة الكادحة وبين المواطنة كتعبير عن غياب الاستقلال التاريخي للشعب- أي شعب- وحين يتوجه الممثلون من عمق خشبة المسرح إلي الاصطفاف في مقدمة المسرح ليوصلوا أصواتهم المغناة، أو صرخاتهم الاحتجاجية، في محاولة نصية لانطلاق المبررات التحررية عن طريق التمثيل داخل التمثيل وأن تكون كلمة النص: إن ثبات الأنظمة وتكرارها بعيد عن التأريخ والتحام الشعب سواء من فوق المنصة أو من مشاركات الحوار المفتوح مع الصالة وهو الذي لم يحدث في هذا العرض، لكن جانبا مهما قيل في قضية أن الطاعة الكاملة تضمن ثبات الأنظمة، فإذا كانت واجبة علي الرعية للخليفة الذي يمثل مرة السلطة السياسية المطلقة ثم مرة أخري السلطة الدينية المطلقة ولذلك كان المتلقي لم يحتفظ بحرية الاتفاق أو الاختلاف لأن العلاقة بين الصالة و«المنصالة» غائبة اللهم استخدام الصالة في دخول الشخصيات أو النزول من المنصة إلي المنصالة!؟ ولم يمنح المتفرج حرية «التصور» لأن الديكور واقعي جدا والأزياء شديدة الواقعية في كونها شديدة الثراء لتضع علامات من الاستفهام والتعجب أن كل هذه الأزياء اللامعة سواء للراقصين والراقصات أو للممثلات اللائي كن يغيرن الأزياء في المشهد الواحد أكثر من مرة وأن كلمات الأغاني التي صاغها طاهر البرنباري ورقصات مجدي صابر داخل ديكور محمود سامي ومن خلال ملابس مروة عودة وعلي ألحان وتوزيع علاء غنيم. كانت العلاقة بين المنصة والصالة علاقة المتلقي لتوليفة شافعية تصلح تماما لأن تقدم في كل مكان علي أرض مصر، ففيها روح الثقافة الجماهيرية وفيها روح الجماعية التي جعلت من العرض هو البطل الحقيقي وإن غاب عن العرض النص الذي يصلح لمثل هذه الرؤية الإخراجية. التمثيل أبدأ من حيث الأهمية للعارضين وأقول عن الفنان جمال إسماعيل إنه تفوق علي نفسه فرغم كبر سنه فلا يزال قادرا علي العطاء المتميز وأن يكون نموذجا للفنان الذي يقود العمل إلي النجاح الحقيقي لأنه متواضع تواضع النجوم الكبار. ثم هو المستبسل في الأداء التمثيلي والغنائي وصاحب الوجود المتميز من خلال دور مسعود صاحب فرقة الخلابيص أو المشخصاتية ثم يلي عمنا جمال إسماعيل الفنان صاحب الوجود المتوهج في شخصية السلطان الأول والسلطان الثاني إنه المثقف الواعي بأبعاد كل أدواره عهدي صادق في دورين من أمتع أدوار المسرحية ثم الممثلة الشاملة أيقونة العرض «مونيا» بحضورها المتوهج من خلال دور «كيمونة» وثالث من يجب أن نذكرهم بالخير وبالإخلاص الفنان مجدي عبدالحليم في دور تيمور وكذلك الفنان عادل طلبة في دور صالح، ونأتي إلي فنانات تألقن في أداء أدوارهن أولا الفنانة شهيرة كمال في دور المحبظة «شوشو» ولدينا الفنانة عنبر في دور أم علي، ورشا فؤاد في دور أم محمود. ولا ننسي المطرب الشعبي صاحب الصوت والحضور الفني الشعبي إسماعيل القليوبي وبمشاركة كل من عبدالله هذاع ويوسف ممدوح وعمرو صقر، فكلهم كانوا في أعلي وأحلي درجات التميز من حيث الحضور والأداء وأعيد القول إن جراءة مديرة المسرح الكوميدي الفنانة عايدة فهمي في إنتاج عرض هو البطل لهو تحد لما كان سائدا. فرصة يتيحها مسرحها للاعتماد مستقبلا علي - البطل العرض- وليس النجم الفرد، وهذا من روح ثورية الفنان الساعي إلي الأجمل والأخلد والأجود.