تنتمي هذه المسرحية إلي المسرح المأساوي- التراجيدي، تعالج واقعاً اجتماعياً وتدور أحداثها في الأعوام الأولي من القرن العشرين وهي عن أسرة استسلم جميع أفرادها لسلطان المال وتأثيره علي نفوسهم، وجعلوه المحور الذي تدور حوله حياتهم، وكل بأسلوبه الخاص، وفق ما يمليه عليه أسلوب تفكيره وظروف معيشته. بضعة مشاهد تتكون المسرحية من منظر مسرحي واحد، يستخدم لأداء بضعة مشاهد ينتهي كل منها بإظلام تام، ويتم تجسيد الفعل الدرامي بواسطة خمسة شخوص هي: بنتلي الرجل المريض الذي لا يكترث بمرضه ويهمل العلاج، الطاعن في السن، رب الأسرة الذي يقضي معظم وقته في قراءة الإنجيل ويستشهد بتعاليم في كل ما يفعل. آني ابنة بنتلي من زوجته الأولي، تمقت أباها وتعيره بأن زوجته الثانية هجرته لشدة بخله وأنها سيئة السمعة وأن منها سارق. لوقا ابن بنتلي من زوجته الثانية، شاب يعشق السفر بالسفن في أعالي البحار، يريد الاستيلاء علي أبيه، وان يبيع نصيبه في المزرعة لأن العمل بها لا يستهويه وأن حبه للمال أشد. سويني زوج آني، تزوج من آني رغماً عن أبيها، رجل طموح ومنافق. ماري ابنة آني وسويني، فتاة مدللة تلهو بدميتها ويستهويها إلقاء الدولارات الذهبية للسمك في مياه المحيط، وتقليد الكبار في أقوالهم وأفعالهم خاصة أمها وجدها. الحبكة الدرامية في هذه المسرحية هي أن بنتلي ينتظر عودة ابنه لوقا الذي اختفي عن الأسرة قرابة خمسة أعوام في ظروف غامضة جعلت آني وسويني يعتقدان أنه توفي ويخططان للاستيلاء علي المزرعة والنقود. ثم نعلم في مشهد آخر من مشاهد المسرحية أن سويني التقي المحامي ليستعين به علي تنفيذ خطته، لكن المحامي يخبره بأنه لن يبدأ في أداء هذه المهمة إلا بعد أن تتخذ الإجراءات الرسمية لاثبات وفاة لوقا. ثم تتتابع أحداث المسرحية ويعود لوقا من السفر بغتة، ويتغير مجري الأحداث ويتخذ الخط الدرامي للمسرحية لنفسه منحي آخر إلي أن تنتهي أحداث المسرحية، إذ يكتشف لوقا أن المصير الذي هرب منه قبل سفره مازال ينتظره، وأن أباه مازال مصمماً علي أن يشنق الشاب نفسه بالحبل الذي مازال معلقاً في سقف الكوخ. يعتقد سويني أن الشاب سوف يشنق نفسه، وبعد ذلك يضمر سويني في نفسه الشعور بكراهية الشاب ويتقرب إليه ويستميله. ويكون رد فعل لوقا هو أنه لم يرفض صداقة سويني ومن ثم تصبح الفرصة سانحة لكي يتفق الاثنان علي التخلص من بنتلي، ويذهب لوقا وسويني إلي المنزل لتنفيذ خطتهما تاركين ماري في الكوخ بمفردها. لكن من عبث الأقدار أن تحدث المفارقة بعد ذلك ونري ماري تلهو بحبل المشنقة وتتعلق به وتجذبه بقوة فتسقط الدولارات الذهبية وتنثر علي أرض الكوخ. تكاد ماري تطير من الفرحة وتمارس هوايتها المفضلة وهي إلقاء الدولارات الذهبية في مياه المحيط. إننا من خلال التناقض بين موقف ماري وموقف باقي شخوص المسرحية تجاه المال طوال المسرحية نعلم أن المؤلف حرص علي أن يؤكد ان المضمون الفكري للمسرحية هو أن: «المال رغم كونه سبباً مهماً من أسباب حدوث الجريمة من المحتمل أن يكون وسيلة للسعادة يجده من لا يبحث عنه». المسرحية ذات صراع قوي نشب واحتدم من خلال التصادم بين الأب وابنته في بداية المسرحية، ثم بين سويني ولوقا، ثم بين لوقا وأبيه، إذ أراد كل فريق من الفريقين أن يستحوذ علي المال. وكان هذا الصدام سبباً في جذب انتباه المتفرج وجعله يتابع أحداث المسرحية ويشاهدها باهتمام. حبكة متماسكة تتميز هذه المسرحية بأنها ذات حبكة درامية جيدة متماسكة البنية، تبلور أحداثها رسالة فكرية تناسب ظروف المجتمع المصري في هذه الفترة الحاسمة من تاريخه حيث انتشرت المطالب الفئوية للغالبية العظمي من فئات المجتمع، وازدادت إلي حد يصعب تحمله، بسبب الامكانات المادية المحدودة إلي جانب ما منيت به الدولة من خسائر فادحة وكأن هؤلاء قد انتهزوا فرصة قيام الثورة للحصول علي مزيد من المكاسب المادية دون النظر بعين الاعتبار إلي الأزمة الاقتصادية التي يمر بها المجتمع في الوقت الراهن. وقد أجاد الممثل عاصم رأفت أداء دور بنتلي في جميع المشاهد التي تتكون منها مسرحية «الحبل» وكان مظهره الجاد الوقور ووجهه المعبر عن جميع الانفعالات التي تجيش في صدره أثناء أداء كل موقف من المواقف التي يتعرض لها أثناء أدائه لهذا الدور، وإلي جانب ذلك حضوره المسرحي القوي واستخدام بعض المكملات المناسبة للشخصية أدي إلي إضفاء المزيد من الواقعية علي أحداث المسرحية. وقد أدي الممثل محمد عادل دور لوقا الشاب الذي عاد فجأة من السفر واكتشف أن أباه يريد أن يجعله يشنق نفسه فيتآمر مع زوج أخته للقضاء علي الأب، وعاونه علي أداء هذا الدور يكفاءة ملامح وجهه المعبرة ولياقته البدنية. وقد أدي الممثل علاء قوقة بمهارة دور سويني الرجل الطموح الذي يتطلع إلي الاستيلاء علي المزرعة والعمل بها ويترك مهنته، وكان لظرفه وخفة ظله اثر كبير في إضفاء جو الفكاهة والمرح علي المسرحية. ولعبت الممثلة ياسمين ياسر دور ماري بكفاءة كبيرة، وأضفت علي هذا الدور من ظرفها وخفة ظلها وحضورها المسرحي المتميز ماجعله دور مهم يجذب الأنظار إليها، كما أجادت بسمة شوقي أداء دور آني ابنة بنتلي. المنظر المسرحي وكان المنظر المسرحي الذي صممه مهندس الديكور محمد جابر من الدقة والاتقان بحيث جعل المتفرج يكاد يشعر بأنه جالس في كوخ علي شاطئ المحيط، وأنه فرد من أفراد أسرة بنتلي التي تعالج المسرحية مشكلتها. وقد أدي عدم وجود مسافة كبيرة بين خشبة المسرح وصالة العرض وأن كليهما في مستوي واحد تقريباً إلي شدة التواصل بين المؤدي والمتلقي، وأشار إلي أن المسرحية تدور أحداثها في الماضي باستخدام قطع أثاث منتمية إلي العصر الذي تدور فيه المسرحية مثل المقاعد الخشبية التي تشبه البرميل، وكان سقف الكوخ مصنوعاً من ألواح الخشب والحبال، وبذلك ضاعف المنظر المسرحي من الصدق في الأداء والبعد عن التعقيد والتكلف. وقد حرص صناع المسرحية منذ بداية العرض علي أن يجعلوا المتفرج يشعر بأجواء شاطئ المحيط من خلال الإعتام الذي خيم علي قاعة العرض قبل أن يبدأ العرض المسرحي، ولذلك استخدمت الكشافات لمساعدة الجمهور علي الذهاب إلي المقاعد وعدم وجود ستار تفصل خشبة المسرح عن الصالة، ووجود مؤثر صوتي لموج قوي وقد تفاقم هذا الإحساس عندما عاد لوقا وسمعنا مؤثراً صوتياً لصغير باخرة. كما استخدم أبوبكر الشريف المسئول عن الإضاءة الضوء وسيلة للإشارة إلي أن المسرحية تدور أحداثها في الماضي من خلال استخدام مصابيح الكيروسين في إضاءة المنظر المسرحي. وفي المشهد الذي يغضب فيه لوقا من أبيه عندما أمره أبوه بأن يشنق نفسه يطرد لوقا أباه من الكوخ ويهجم علي حبل المشنقة ويتحول شكل حبل المشنقة إلي هيئة ثعبان من خلال الإضاءة بنفسجية اللون التي تماوجت علي الحبل. عناصر تشكيلية ومن العناصر التشكيلية الأخري التي أسهمت في صنع هذا العرض المسرحي الموسيقي التصويرية التي أعدها أحمد حمدي رؤوف، وهي علي سبيل المثال قد تم توظيفها كوسيلة للإرهاص إلي وقوع شيء في المستقبل سوف يغير مجري الأحداث، مثلما حدث عند وصول كل من سويني ولوقا إلي خشبة المسرح. وفي المشهد الأخير من المسرحية عندما التف حبل المشنقة حول عنق ماري ضاعفت الموسيقي من أثر عنصر التشويق وأشارت إلي أن شيئاً مايجب أن يحدث نتيجة لذلك، وقد أثار ذلك خيال المتفرج إلي حد كبير للتفكير فيما يمكن ان يحدث للفتاة، لكن علي الأثر سقطت القطع النقدية - الدولارات الذهبية - علي الأرض. في نهاية الأمر يمكنني أن أقول إن هذا العرض المسرحي الجيد الذي يعتبر ثمرة جهود جميع العاملين به يؤكد وجود مخرج استطاع أن يمتلك جميع أدواته الفنية اللازمة لإنتاج هذا العمل المسرحي الجيد، ويشير إلي وجود جيل من الشباب يجتهد ليصل إلي التميز.