لوقا يشنق نفسه معترفا بخطيئته، خمس سنوات مضت والأب "بينتلي" يخرج لمخزنه الخشبي ممسكا بالكتاب المقدس يجلس أمام ذلك الحبل المتدلي يرسم أدق تفاصيل هذا المشهد، أحيانا يلهو مع حفيدته "ماري" غير مهتم لاتهامات ابنته "أني" وزوجها "سويني" بأنه فقد عقله، لم يخشَ على نقوده من طمعهما فقد خبأها بكل حكمة ودهاء، لتكون جائزة كبرى لابنه الذي سبق أن اعترف بكل تبجح بسرقة مال أبيه. كانت هذه بداية العرض المسرحي "الحبل" الذي يقدمه مسرح الطليعة للمؤلف العالمي يوجين اونيل، والذي تضمن مجموعة من القيم الإيجابية التي يهدف النص إلى نشرها في المجتمع لمواجهة الرأسمالية وغياب الحب والاحترام بين أفراد المجتمع. وعن مدى ملاءمة العرض المسرحي للمرحلة التي تمر بها مصر يقول حسام نصار رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة: "تمت معالجة النص المسرحي معالجة درامية تتناسب مع المجتمع المصري من خلال مجموعة من الشباب ليأتي معبرا عن المرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع المصري, حيث يناقش الدين ويتناول الانتهازية والميتافيزيقية والتعدد الثقافي والقيمي بالمجتمع". ويرى الفنان ماهر سليم مدير مسرح الطليعة أن عرض "الحبل" جاء مجسدا لمشاعر رفض الديكتاتورية في اتخاذ القرارات وهو أول مطالب الثورة المصرية، وهذا شيء طبيعي فهو أحد العروض الشبابية المقدمة على قاعتي صلاح عبد الصبور وزكي طليمات، المعتمدة على التجارب الشابة الثائرة على كل ماهو كلاسيكي وعلى التقليدي. ونجح باسم قناوي مخرج العرض المسرحي في جذب انتباه الجمهور ببساطة وواقعية في التعبير عن مفهوم الثواب والعقاب التي تناولتها المسرحية التي كتبها يوجين اونيل أحد أوائل الكُتاب المسرحيين الذين اتجهوا لدراسة الصراع داخل عقل الإنسان بين البواعث الشعورية والحاجات. وعن تخوفه من عقد مقارنة بين العرض وفيلم "عودة الإبن الضال"، قال قناوي: "صحيح أن "الحبل" يرتكز علي تيمة فيلم "عودة الابن الضال" الموجودة فى الانجيل والتي تروي حادثة سرقة ابن لأبيه وهروبه، ثم عودته إلا أن التناول مختلف فالإبن هنا لم يأتِ ليشنق نفسه تعبيرا عن التوبة، لكنه جاء طامعا في مال والده، ولم يدرك قيمة الجائزة التي أعدها له والده جزاء تطهيره لنفسه بالإقبال على شنق نفسه، ففازت بها الحفيدة التي لا يمثل لها المال أكثر من لعبة". وجاءت تفاصيل ملامح الفنان عاصم رأفت أو "الأب بينتلي" مُعبرة عن تدينه من خلال الكتاب المقدس الذي لم يفارق يده أو لسانه، وكذلك ملامحه الخارجية لتعبر عن لحظات شروده في حلمه الذي دام خمس سنوات، بنظارته التي يتفحص بها حبله كل نهار، وعصاه التي يتكأ عليها ويستخدمها في حلمه في دفع ابنه "لوقا" رويدا رويدا لوضع الحبل حول عنقه متطهرا من ذنبه فيفوز بالجائزة التي أعدها له. كما برع الدكتور علاء قوقة أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة في تجسد دور "سويني" تلك الشخصية الشريرة التي يمتزج فيها الطمع مع كوميديا الموقف، متخذا من أدق التفاصيل مفاتيحا يدخل بها إلى أعماق الشخصية، ليؤكد على أن نجاح الفنان يبدأ من اختيار عمل يحمل قيمة تنقل للمتفرج. كما عبرت الفنانة الشابة بسمة شوقي بكل واقعية وحرفية عن مشاعر الزوجة التي تعاني من ضغوط نفسية واجتماعية أدت بها إلى قسوة على كل من حولها بداية من الأب الذي تزوج بامرأة مستهترة بعد موت والدتها، لتنجب له "لوقا" الذي سرقه وفر هاربا، مرورا بزوجها "سويني" دائم التذمر على وضعه والذي يخطط ليلا نهارا للاستحواذ على مزرعة والدها، انتهاءً بابنتها التي تعاني من تأخر عقلي. كما جسد الفنان محمد عادل شخصية "لوقا" الذي لم يحترم والده فجاء ليحقق أغراضه الذاتية ويسرق ما تبقى من مال والده، ليتعامل فقط مع ابنة أخته بحب. ويقول محمد عادل عن مسرح يوجين: "يمتاز مسرح يوجين بأنه متعدد الرؤى؛ ويناسب مختلف الثقافات؛ فالفكرة الرئيسية المسيطرة على العمل أنه طالما بحثت عن شيء بحد ذاته فلن تصل له بسهولة، وهذا ما نلاحظه جميعا في حياتنا الواقعية". وعن بساطة الديكور الذي جعل الجمهور يشعر بدفء وحميمية خلال مشاهدة العرض قال محمد جابر مهندس الديكور: "العمل ينتمي للمدرسة الطبيعية لذا كان لابد من اقتفاء أثر كل تفصيلة مهما كانت صغيرة فلكل شيء دور فعال في ربط المشاهد بالعرض، وبما أننا في مخزن خشب علي البحر كان لابد أن يضم براميل المياه بالحنفية والسلالم القديمة ذات الطحالب البحرية". ;feature=mfu_in_order&list=UL