وزيرة الهجرة: تفوق الطلبة المصريين في الكويت هو امتداد حقيقي لنجاحات أبناء مصر بمختلف دول العالم    خريطة ساحات صلاة عيد الأضحى في القاهرة والجيزة | فيديو    رئيس مياه القناة يتفقد انتظام العمل بالمحطات استعدادًا لعيد الأضحي المبارك    البيت الأبيض: قدمنا الرد على تعديلات حماس وسيتم نقله عبر الوسطاء للحركة    نتنياهو: نحن في ذروة حرب صعبة على عدة جبهات بما فيها المحافل الدولية    يورو 2024.. ساوثجيت: عبور دور المجموعات أولوية إنجلترا    تنطلق غدا.. تعرف على مواعيد مباريات الجولة 26 من الدوري المصري    يورو 2024| إيطاليا تتقدم على ألبانيا في الشوط الأول    يورو 2024 – هاري كين: نحن هنا للفوز باللقب في النهاية    انقلاب ميكروباص في ترعة المريوطية.. والحث عن ناجين    ماجد المهندس يغني "لو زعلان" أغنية فيلم جوازة توكسيك    سبب غياب روبي عن حضور العرض الخاص لفيلم عيد الأضحى "عصابة الماكس"    جيش الاحتلال يعلن مقتل جندي آخر بعد أيام من إصابته في جنوب القطاع    سنن صلاة عيد الأضحى المهجورة..تعرف عليها    خطوة بخطوة .. تعرف علي ما سيفعله الحاج يوم العيد    أصغر من 6 لاعبين.. مدرب برايتون الجديد يحقق أرقامًا قياسية في الدوري الإنجليزي    وزير الشباب: القيادة السياسية والحكومة تدعم الرياضة المصرية    بعد إعلان وفاته.. ما هي آخر جائزة حصل عليها ماتيا ساركيتش؟    البنك المركزي يفاوض 3 دول عربية لإتاحة التحويلات المالية لحسابات العملاء عبر "إنستاباي"    «الصحة السعودية»: تقديم الرعاية لأكثر من 112 ألف حاج وحاجة حتى وقفة عرفات    ازدلاف الحجيج إلى المشعر الحرام    خادم الحرمين وولي العهد يبعثان برقيات تهنئة لقادة الدول الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    الزراعة: متبقيات المبيدات يفحص 1500 عينة منتجات غذائية.. اليوم    بهاء سلطان يطرح أغنية «ننزل فين» تزامنا مع عيد الأضحى    أمين الفتوى بقناة الناس: رسول الله بلغ الغاية فى حسن الظن بالله    وفد وزارة العمل يشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصري والأمة العربية والإسلامية بعيد الأضحى المبارك    «مكنش معايا فلوس للأضحية وفرجت قبل العيد» فهل تجزئ الأضحية دون نية    فريق طبي من مستشفيات دمياط لتعزيز الخدمات الطبية بشمال سيناء    محافظ أسوان يتابع تقديم الخدمات الصحية والعلاجية ل821 مواطنًا بإدفو    مجدي بدران يقدم 10 نصائح لتجنب الشعور بالإرهاق في الحر    أفضل طريقة لتحضير «الفتة» الأكلة الرسمية لعيد الأضحى    الإنتاج الحربي: الرد على 762 شكوى واردة للوزارة بنسبة 100%    بمناسبة صيام يوم عرفة، توزيع وجبات الإفطار للمسافرين بالشرقية (فيديو وصور)    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إعداد معلمي رياض الأطفال ب«تربية القاهرة للطفولة المبكرة»    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    رونالدينيو: لن أشاهد البرازيل في كوبا أمريكا    قبل احتفالات عيد الأضحى.. احذر من عقوبات التنمر والتحرش والتعدي على الغير    الإسماعيلى متحفز لإنبى    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    ماهر المعيقلي خلال خطبة عرفة: أهل فلسطين في "أذى عدو سفك الدماء ومنع احتياجاتهم"    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    نقل حفل كاظم الساهر من هرم سقارة ل القاهرة الجديدة.. لهذا السبب    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تدخل «جينيس» ب4 أرقام قياسية جديدة    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    المشهد العظيم في اليوم المشهود.. حجاج بيت الله يقفون على جبل عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    هالة السعيد: 8.6 مليار جنيه لتنفيذ 439 مشروعا تنمويا في البحيرة بخطة عام 2023-2024    «التموين»: صرف الخبز في المدن الساحلية دون التقيد بمحل الإقامة المدون بالبطاقة    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مقام الرمال».. مقام اليقين
نشر في القاهرة يوم 20 - 12 - 2011


تمر رواية"مقام الرمال " للكاتب الصحفي والروائي "أسامة صفار" والصادرة عن دار "روافد " عبر الحياة وما بعدها في إطار من الواقعية السحرية يخلط بين سرد روائي يقترب من الحدوتة التراثية، وبين خيال جامح يطوف بقارئه في سحب تعبر سماء الرواية من آن لآخر فيتركه طوال الوقت في قلق معرفي يصل به ليقين إيماني عن معني الوجود وحقيقة اليقين الداخلي المفضي له. وتستدعي الرواية فور الإبحار بين سطورها الكتاب الأشهر "هكذا تحدث زرادشت" حيث يحكي "نيتشه" قصة العدم وموت الإله في شكل درامي علي لسان بطله "زارا" بعد أن غادر لتوه عزلته الاختيارية متأملا باحثا عن "الإنسان المتفوق" ويخرج من كهفه ناظرا لشعاع الشمس، قائلا: لو لم يكن لشعاعك ما ينير فهل كان له غبطة؟ ولم يكن ل "زارا "غبطة مثل شعاع الشمس؛ لأنه لم يجد حوله كثيرا يؤمنون بالإنسان المتفوق الذي آمن به وحده بعد أن أمات الإله ليحكم الإنسان مملكته بنفسه . كان نيتشه يبحث عن التفوق، فانتهي إلي العدم لافتقاده اليقين، وكان الشهداء يبحثون عن العدالة، فلاقوا الموت لتخاذل القادرين، وفي فيلم "الساموراي الأخير "بحث "كاتسوموتو" عن الشرف، فقهره تجار الوطن وحصدته أسلحة المنتفعين، و"الساموراي الأخير" هو فيلم حققه المخرج الامريكي "إدوارد تزك"، وقام ببطولته النجم المعروف "توم كروز"، وما عليك سوي أن تغير بعض التواريخ، بدلا من1867م حيث تجري أحداث الفيلم، يمكنك أن تكتب تاريخ اليوم وساعة النهار؛ لتري الخيال الدرامي هو مرآة الواقع الحي، وبدلا من أرض الجزر اليابانية يمكنك أن تقرب الجغرافيا لعنوان بيتك أو بيت أخيك العربي، لن تتغير الأحداث عندئذ بل تصبح أكثر واقعية. وفي الفيلم يقوم ناثان الجرن " النجم توم كروز" الضابط في الجيش الأمريكي الذي كان يسعي لتثبيت ملامح « الوطن » الأمريكي بقتل كل «مواطن » أصلي يسمونه « هندي أحمر»، ويعاني الجرن وخز الضمير -حيث لكل حي ضمير -ما- حتي لو كان « ضابطا أمريكيا »- بسبب الوحشية التي قتل بها أهل قرية آمنة تنفيذا لأوامر قائده وإخلاصا للجندية التي ظلت معانيها تراوح أفكاره متأملا مثل زارا /نيتشه في عزلته بعد انتهاء الحرب، «واستقرار » الوطن . وتدور أحداث رواية "مقام الرمال" في قرية من الدلتا المصرية، لكن الكاتب يجرد التفاصيل علي كثرتها لتصبح معانيها أكثر عمومية وأوسع دلالة في الإشارة للقيم والمعاني الإنسانية الكبري، فهو يجاري الفلاسفة في طرح المعاني الوجودية عن الله والطبيعة والإنسان، ويحاكي الروائيين في سرد بسيط ممتع لا ينقطع، حيث نجح في وضع بناء غير تقليدي ذي ايقاع مشدود يجعل من يمسك دفتها لايفلتها حتي ينتهي . لم يكن لرواية "صفار" بطل له اسم مثل "زارا" نيتشه او مقاتل الساموراي في فيلم ادوارد تزك، بطل مقام الرمال لا اسم له، في الحقيقة ربما لاوجود له، فهو يبدا حكايته بالتساؤل إن كان موجودا اصلا أم انه لم يولد بعد، وهو السؤال المفتاحي الذي يجعل من بطل "أسامة" مقابلا ل "زارا - نيتشه" وليس معادلا له، فسؤاله يأتي في الشك المنهجي الذي تعتمده الرواية في امتداد فصولها، وهو شك مفض لليقين، باعث علي الإيمان ككل أنماط الإيمان الثابتة التي تأتي بعد سؤال وتفكير وليس بمحض صدفة ودون تدبير او بالميلاد او الميراث او الاعتياد الطويل، الراوي/ البطل في مقام الرمال يحكي عن نفسه ويحكي قصته، ويذهب في التفاصيل التوثيقية والتفصيلية لحياته إلي حد وصف الغولة والمجنونة ورحلة الصيادين في الفجر، وعلاقات الجيران اليومية وخناقات النسوان في بيتهم الكبير، شوارع القرية وحاناتها، وأبطالها المشهورين والخوارق التي ينسبها الناس اليه، مع انه في رأيه عن نفسه هو محض خيال لم يكن موجودا قط . في روايات السير الذاتية عادة تجد تفاصيل كثيرة عن الحياة توثق للشخص البطل، وتوثق للحقب الزمنية التي مر بها وابرز ماجري فيها، وتوثق لرؤيته عن الاحداث الكبري التي مرت في عصره، ومواقف الاطراف المختلفة، وعادة يكون السرد بضمير المتكلم او احيانا بضمير الغائب، لكن هنا في هذه الرواية "المقامية" نحن ازاء توثيق مختلف لحياة غير موجودة لكن كل التفاصيل التي يرويها البطل موجودة بالفعل تكاد الاسماء للاشخاص والقري والعائلات تتطابق بالفعل مع الاسماء والصفات الحقيقية لهذه المنطقة الشمالية من اقصي دلتا مصر، يعمد المؤلف إذن لوضعنا في عالم حقيقي نلمسه ونتعامل معه كل يوم في اطار من الحكاية السحرية التي تثير فينا اسئلة لكنها تقودنا لإجابات ولا تتركنا ابدا في تيه الشك، فالجغرافيا اول عناصر اليقين الحقيقي في وجود العالم، وهو يصف الجغرافيا باهتمام، والتاريخ الاجتماعي معروف للجميع ممن سكنوا هذا المكان او مروا به، إذن فالقصص الخرافية التي تمتلئ بها الرواية تؤكد معارفنا المتراكمة وتعمق وعينا الانساني بالمكان والزمان، هي معالم الحقيقة الوجودية يرسمها الكاتب بصياغة اديب مطبوع ومعرفة عالم الحفريات البشرية . الصراع الكامن في الرواية يدور كله في رأس الراوي، لكن الكاتب لا يتركه لحاله هكذا ولا يأخذنا ويذهب بنا معه في داخله فقط فنتوه بين الحقيقة الفلسفية التي يضفيها البطل علي نفسه وافكاره، وبين الضلال الذاتي الذي تنجرف كل نفس اليه إن هي تركت لنفسها دون مرجعية خارجها، فالكاتب يخرجنا من نفس البطل حيث تجري الاحداث في عقله وفق منظوره، إلي حقيقة العالم الواقعي المليء بالتفاصيل والخير والشر والقانون والعدل والعدوان والخير، وكأنه يريد ان يؤكد لنا ان تناقضات العالم الكبير الواسع وانعكاسها علي تناقضات انفسنا انما هي حقيقة التدافع التي هي من سنن الله في الكون حتي لاتهدم بيع ومعابد وصلوات، فكما يدفع القانون الشر ويقيم العدل والمساواة بين الناس، نجد البطل في فصل نزق عربيد يقوم بما لايليق بسنه ومقامه، وفي مواقف اخري طيب نافع لمن حوله محب للخير، هذه العلاقات الجدلية تأخذنا بهدوء من فصل لآخر علي اختلاف المواقف والحكايات إلي بناء النموذج المعرفي للإنسان الطبيعي الذي يري العالم متقلبا والمواقف متعارضة والمصالح متشابكة، فمن اين يأتي باليقين ؟ وكيف يدرك ماهو صواب وما هو خطأ؟ اراد الكاتب ان يصل بنا عبر سرده إلي نموذجه المعرفي لتوثيق الذات التي يكون يقينها داخلها ونسقها مستقيما في روحها وايمانها، حتي إذا انحرف سلوكها او تضارب وصار طالحا مرة وصالحا مرات، اصبحت نفسا لوامة لأن لها مرجعية ثابتة بداخلها من الايمان بحقيقة الوجود وبحقيقة النفس التي فطرها الله بالحق، تماما مثلما يلوذ الفقراء بالقانون او بالكبراء العدول فتستقيم بمرجعيتهم موازين العدل وتسير الحياة بميزان صدق واضح المعالم معروف المقاييس للجميع، هو الصراط المستقيم إذن يقيمه المرء في داخله فيتحقق في عالمه، أو كما قال المؤلف في فصول روايته. نيتشه جعل بطله "زارا" يعتزل الناس في كهفه، وأراد أن تكون مرجعيته هي ذاته فقط، فانتهي إلي موت الإله، لأن من كانت مرجعيته ذاته فلا إله له. ناثان الجرن الضابط الامريكي في فيلم الساموراي، خالط القرويين اليابانييين، وتعلم منهم مرجعية التراث والتقاليد، فتحول لساموراي بدوره حتي لو كانت عيناه زرقاوين وواسعتين، فالمرجعية التاريخية تحيلنا اسري لها، إن اكتفينا بها ولم ندرك الواقع وتفاصيله ونتفاعل معه، لكن بطل مقام الرمال كانت مرجعيته طوال الوقت هي الناس والحياة والتدافع الذي يجري ميزان الصدق بينهم،هي فكرة الإنسان المستخلف في الارض حتي وإن ضل سعيه احيانا، لكن يستقر يقينه في داخله حتي اصبح هو مانح المعاني للأشياء وليس مستمدا منها المعاني، وهذا أفضل الإيمان.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.