رواية "غواية" هي التجربة الثانية للكاتب الليبي محمد عياد المغبوب بعد "الرجل الذي عارك ظله"، وإن كان المغبوب قد أثري المكتبة العربية بأكثر من عشرين كتابا بين الشعر والقصة والمقال، لهذا لم يكن غريبا أبدا أن تتمتع لغة الكاتب الروائية بمزيج من اللغة الشاعرية والتفاصيل والرؤية الوصفية، وهذه الرواية الصادرة عن دار مصر المحروسة، هي الجزء الأول من مشروع روائي يعقبها جزء ثان بعنوان "تخوم الآخرة". في غوايته يأخذنا المغبوب في رحلة داخل أغوار الذات الإنسانية، طارحا أسئلة فلسفية أزلية عن الحب واللذة والقيم الإنسانية، عن النفس البشرية وألعاب الشيطان، عن الإنسان: ألعابه وأقنعته وأسئلته الموجعة. يقول المغبوب في "مطلع" الرواية: "كثير هو هذا الآخر الذي كان يخدعنا بتشكله المتتالي في صور عدة، ونظهر لغيرنا أننا مجرد مجانين بتعدد شخصياتنا أو بكثرة أقنعتنا علي وجوهنا، إلي أين نمضي ياتري؟". في 18 فصلا يستمر المغبوب في السرد، بلغة مفعمة بالرومانسية ولغة الشعر، بين يوميات ومواقف وعلاقات يسردها ويعلق عليها بحس الراوي الحكيم العالم مرة، والمتسائل الذي تسكنه حيرة مرات، لكنها حيرة من زاد علمه فزادت تساؤلاته وخوفه من الأسوأ القادم، يقول علي لسان البطل: "لأنني أيام مجموعة علي بعضها في حزمة واحدة أسميها جسدي، هذا الذي أعيش به كينونتي، أتناقص كل أسبوع تنفك مني سبعة أيام وأخسر بعضا مني وفي الحين أرجع إلي ما قبل أن يقذفني والدي في رحم أمي، وهو المجهول الذي لست أدريه". مع هذه اللغة الفلسفية العميقة نعيش تفاصيل قصة غاية في الرومانسية، ناعمة ومليئة بالمشاعر، تعرض للمعاني الحائرة القلقة وللمشاعر الإنسانية التي تنتابنا جميعا، وتكاد تتحد مع كل إحساس يشعر به أي عاشق أو من تمني حتي أن يستغرقه العشق، يأخذنا المغبوب لأماكن مختلفة عبر رحلة البطل الحياتية الغنية، في أكثر من بلد: مصر وتونس وإيطاليا وإسبانيا والنمسا، تتنوع في هذه الرحلة التفاصيل والأشخاص والتجارب، لكن يجمعها كلها ذلك الرابط الرقيق المتين وهو "المشاعر"، إنها رحلة البحث عن الذات ومقاومة الإحساس بالضياع والوحدة. . نسأل مع المغبوب في هذه الرواية: هل هي غواية الأنثي للرجل، أي غواية الحب والمشاعر المتأججة، أم غواية الحياة والمجتمع، مرة تصادقنا ومرة تكشر عن أنيابها لنا؟ هل نملك إدارة التحكم في خطواتنا أم أننا مسيرون وفق إرادة القدر؟ يكتب: "جميعنا تقريبا، لسنا ندري من نحن، وأي أي شيء نصير؟"، وينتهي من هذه النقطة إلي أن: "أمي أوصتني أن أصنع فرحي، ولا أنتظر من أحد أن ينجزه لي".. باستثناء ماجنات القرية السياحية، فإن كل من قابلهم البطل عبر الفصول الثمانية عشر للرواية كانوا علي نفس مستوي الوعي والثقافة، الجميع يطرح هواجس وتساؤلات ومشكلات تؤرق الإنسان العصري، الذي يشعر دائما بالاغتراب والحيرة والقلق. من هنا تدور معاني الرواية حيث الإبحار في التساؤلات والحيرة دون الحصول علي إجابات شافية وقاطعة. ولا ينسي المغبوب في سرده لغوايته كونه شاعرا في المقام الأول، فنجد أن الصورة الوصفية بالرواية لا تخلو من تحميلها صور مجازية، إضافة إلي ثراء الرواية بالأبيات الشعرية.