في مفتتح الستينات من القرن المنقضي، وقع بمدينة الإسكندرية حادث غريب، إذ كان عروسان شابان بطريق عودتهما لبيتهما، يمرَّان بأحد شوارع المدينة الرئيسية، وفجأةً، التفت الشاب فلم يجد عروسه بجانبه؛ وكان بالأرض حفرة مظلمة، انحني فوقها، وأخذ يصرخ، طالباً العون، لإنقاذ عروسه التي (ابتلعتها الحفرة) !. ولم تعد العروس إلي سطح الأرض، حيةً أو ميتة، حتي هذه اللحظة. وقد أثار الحادث خيالي، فرحت أرتِّب لقصة، أو لعلها رواية، عن حياة عروس الإسكندرية، في (المدينة السفلية)؛ ولا أتذكر الآن تفاصيل مشروع الكتابة القديم، الذي لم يتحقق! ويقول عالم الآثار الفرنسي، الدكتور (جان - إيف إمبرور)، مؤسس مركز دراسات الإسكندرية، وقد ظل سنوات طويلة ينقِّب في عدة مواقع أرضية بوسط المدينة؛ ويحلم بحل لغز أثري آخر هو (منارة الإسكندرية القديمة): عندما نبدأ عملية استكشاف، لا نكون علي علم بما سنحصل عليه، ولكننا نكون واثقين من أن أي مكان نحفر فيه سنجد شيئاً.. بيوت ومقابرقديمة، أو خزانات مياه رومانية، أوسراديب !، وفي بعض الأحيان، نحصل علي أشياء بحالة جيدة.. أحفر بأي مكان في الإسكندرية، وكن واثقاً من أنك لن تعود بيد خالية! وقبل 23 قرناً، توقف القائد المقدوني (الإسكندر الأكبر) عند قرية مصرية علي ساحل البحر المتوسط، هي (راقودة)، وأطلَّ علي جزيرة صغيرة في مواجهتها، هي (فاروس)، والتمعت بذهنه صورة مدينة جديدة، فكانت الاسكندرية، التي كانت واحدة من أهم عواصم العالم القديم، إلي أن غيبتها الحركات الأرضية، فبادت وغمرتها مياه المتوسط. زلزال كل 100 سنة وتوضح الدراسات الجيوفيزيقية تكرارية تعرض موقع الإسكندرية لزلازل قوية ( 6,3 إلي 7,6 درجة، بمقياس ريختر)، بمعدل 8 مرَّاتٍ لكل 900 سنة؛ متأثر منطقة الآثار الغارقة بالإسكندرية بحوالي 80 زلزالاً، منذ عام 251 م.، حتي الآن؛ وقد تراوحت شدتها بين 4 و 8 درجات؛ ومنها زلزال عام 1303 ، الذي هدم (منار الإسكندرية)، الذي كان من عجائب الدنيا السبع، وكان قد أُنشئ عام 280 ق.م. في عصر (بطليموس الثاني)؛ وقد بناه المعماري الأغريقي (سوستراتوس)، وكان طوله ، البالغ مائةً وعشرين متراً، يجعله أعلي بنايةً في عصره. وقد حدث زلزال 1303 ضرب شرق البحر المتوسط، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارها. فهل تتعرض الإسكندرية لظروف مشابهة، تنتهي بهذا الطابق الثاني من المدينة إلي أن يلقي مصير طابقها السفلي؟! تقع مصر في منطقة من أكثر مناطق العالم حساسية للآثار الضارة المتوقعة للتغير في أحوال المناخ الكوني، إذ ستكون علي نحو خاص عُرضة لتدنّي الإنتاجية الزراعية، ولأكبر احتمالات احتباس المطر، وضربات الموجات الحرارية، والتناقص طويل الأمد في موارد المياه، وفقدان الأراضي الساحلية الخفيضة، وظروف مناوئة هائلة، تطالُ التجمعات البشرية والأنظمة الاجتماعية الاقتصادية. ويبرزُ الارتفاعُ المتوقع في مستوي سطح البحر، علي وجه الخصوص، كمصدر للخطورة. ويلاحظ الخبراء أنه بينما يقل تأثر مساحة الأرض، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بارتفاع مستوي سطح البحر، مقارنة بالعالم، علي وجه العموم (0.25%، مقابل 0.31%، عند ارتفاع مقداره متر واحد في مستوي سطح البحر)، فإن المؤشرات الأخري تنذرُ بعواقب وخيمة لارتفاع مستوي سطح البحر في هذه المنطقة؛ فعلي نحو خاص، عند الارتفاع لمتر واحد، سيتأثرُ 3.2% من الكتلة السكانية بالمنطقة (مقابل 1.28% في العالم كله)؛ وسينخفض الناتجُ الإجمالي المحلي بنسبة 1.49% (مقابل 1.30%، عالمياً)؛ وستتأثرُ حياة 1.49% من سكان المدن بتلك المنطقة (مقابل 1.02%، بالعالم)؛ وسيغرق 3.32% من الأراضي الرطبة (مقابل 1.86% في العالم). سواحل المعاناة وتعاني السواحلُ المصرية، في مجملها، عدداً من المشاكل البيئية، تشمل : - النمو السكاني المتسارع، وقصور الوعي البيئي. - التعمير غير المنضبط، في غياب تخطيط يراعي احتياجات المستقبل؛ مما أفضي إلي كثير من المشاكل في النواحي الخدمية، وضغوط استهلاكية. وقد أقيمت مؤخراً إنشاءات معمارية هائلة في كثير من البقع الساحلية، دون اعتبار للآثار المتوقعة لارتفاع مستوي سطح البحر. - الأراضي قليلة الارتفاع والانهيارات الأرضية: حيث يشكل امتداد الأراضي قليلة الارتفاع علي الساحل مصدراً كبيراً لخطر تعرضها للغرق؛ وهذه مشكلة معروفة بالنسبة لمنطقة دلتا نهر النيل وكثير من المدن الساحلية السياحية، كالإسكندرية، ومدن متوسطية أفريقية أخري، كبنغازي والدار البيضاء. وتزيد الانهيارات الأرضية من حجم هذا الخطر، وإن كانت غير مرصودة جيداً في كثير من المواقع، حيث تجري عمليات استخلاص ضخمة للنفط والغازات. - نقص البيانات والمعلومات المتصلة بمختلف نواحي درجات التعرض لعواقب التغيرات المناخية، علي طول السواحل الأفريقية المتوسطية؛ إذ لا يتوفرُ عن الحادثات شديدة الوقع، ولا عن التغير في مستوي سطح البحر، ولا عن ملوحة المياه الجوفية والانهيارات الأرضية في النطاق الساحلي، سوي قدر يسير جدا من المعلومات والبيانات. وكان البنك الدولي قد أجري دراسة حديثة عن الدول النامية، لفتت الانتباه إلي حساسية هذه السواحل، وورد بها تقديرٌ للنسبة المئوية للعواقب المنتظرة لارتفاع مستوي سطح البحر في دول من المنطقة. وبرغم أن ارتفاعاً في مستوي سطح البحر لأكثر من متر واحد هو سيناريو بعيد الاحتمال، إلي أبعد حد، وذلك من وجهة نظر نفر من الباحثين، فمن المفيد جداً أن تؤخذ بعين الاعتبار مقارنة النسب المئوية لعواقبه في دول محددة، وعبر قطاعات المنطقة، عند وضع المخططات. وتُظهرُ دراسة البنك الدولي، بجلاء، أن مصر، ستكون الأكثر تأثراً من حيث النسب المئوية للضرر الواقع بالناتج الإجمالي المحلي، والإنتاج الزراعي. فمما لا شك فيه أن دلتا نهر النيل، ومدن : الإسكندرية ورشيد وبورسعيد، وما في محيطها، هي الأكثر تعرضاً للغرق في منطقة شمال أفريقيا؛ فالدلتا معرّضة بصورة مباشرة لغرق مساحات الأراضي المنخفضة، والمناطق الساحلية الواقعة - أصلاً - تحت مستوي سطح البحر؛ كما أنها معرّضة لأن يتخلل الماءُ المالحُ الأراضي الزراعية، فترتفع درجة ملوحتها. ويقدّرُ عددُ سكان هذه المنطقة بما يزيدُ علي 6 ملايين نسمة، قد يضطرون إلي مبارحتها والهجرة منها. فإن أخذنا في الاعتبار أن منطقة دلتا النيل تنتج 60% من الإنتاج الزراعي المصري، وأن 50% من الأنشطة الصناعية والاقتصادية في مصر مركَّزَة بالمدن السابق ذكرُها، فالمتوقعُ أن تكون الخسائرُ المصرية فادحة، إن لم تتخذ إجراءات بشأنها. غياب الطمي علي جانب آخر، يبرز النحرُ الساحلي كأحد المشاكل الساحلية الأكثر أهمية؛ والمتوقّع له أن يتغير، ترتيباً علي التبدلات الطارئة علي نظام الدوران الساحلي بالمنطقة، بسبب التغيرات المناخية. وتتجاوز معدلات النحر الساحلي في موقع النتوء الخليجي لرشيد 50 مترا بالسنة، وذلك لغياب الطمي، بعد بناء السد العالي في أسوان. والمنتظر لهذه المعدلات أن ترتفع بسبب ارتفاع مستوي سطح البحر. يضاف إلي ذلك عواقب سالبة تمسُّ مختلفَ نواحي حركة التجارة بالمنطقة، مثل التصدير، وإيرادات قناة السويس، وتهجير التجمعات السكانية الفقيرة، وتعقيدات اجتماعية اقتصادية أخري متوقعة. وقد اهتمت دراسات تحليلية بعواقب تزايد تواتر ودرجات حدة أمواج الأنواء، تشير نتائجها إلي أن استشراء أمواج الأنواء يوقع خسائر إضافية بالناتج الإجمالي المحلي قدرها 12.7 بليون دولار، في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.