يحتفل المسيحيون يوم 17 نوفمبر من كل عام بعيد نياحة (وفاة) القديسة سانت كاترين.. والتي وُلدت من أبوين مسيحيين غنيين بالإسكندرية في نهاية القرن الثالث الميلادي. كانت تتحلي من صغرها بالحكمة والعقل الراجح والحياء. وكانت والدتها تعلّمها منذ صغرها محبة السيد المسيح، وتغذّيها بسير الشهيدات اللواتي كنّ معاصرات لها أو قبلها بقليل، وقد قدّمن حياتهن محرقة للَّه وتمسّكن بالإيمان حتي النفس الأخير. التحقت كاترين بالمدارس وتثقفت بعلوم زمانها، وكانت مثابرة علي الاطلاع والتأمل في الكتاب المقدس. ولما بلغت الثامنة عشرة كانت قد درست اللاهوت والفلسفة علي أيدي أكبر العلماء المسيحيين حينذاك، فعرفت بُطلان عبادة الأوثان وروعة المسيحية ولكنها لم تكن قد تعمّدت بعد. وفي إحدي الليالي ظهرت لها السيدة العذراء تحمل السيد المسيح وتطلب منه أن يقبل كاترين ولكنه رفض، فقامت لوقتها وتعمّدت. تقول القصة إن القديسة كاترين -بنت حاكم الاسكندرية- آمنت بالله في بدايات العصر المسيحي دون بقية أسرتها، وكان الحاكم أراد أن يلهيها عن إيمانها بجميع المغريات ومنها محاولته لتزويجها، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، فأمر بتعذيبها وشعر بفشله في تعذيب الفتاة فأمر بنفيها ومصادرة ممتلكاتها. تأسّفت القديسة أنها لم تحظَ بشرف الاستشهاد. لكن الإمبراطور أصابته نوبة جنونية فأمر بقطع رأسها بدلاً من نفيها، وقد تم ذلك في نوفمبر سنة 307 م.. وأن الملائكة حملت جثمانها واختفت به بعد وفاتها ولكنه اكتشف بعد 500 عام علي قمة الجبل الذي أقيم عنده الدير وسمي باسمها. الدير الأثري يعود تاريخ دير القديسة كاترين إلي مطلع القرن الرابع اي قبل اعتراف الامبراطور الروماني قسطنطين رسميا بالدين المسيحي واعتناقه المسيحية. ذاع حينذاك صيت امرأة مسيحية من الاسكندرية اسمها كاترين اشتهرت بقدرتها علي احالة الكفار إلي الدين المسيحي. وحاولت سلطات الاسكندرية اقناعها بالتخلي عن رسالتها السامية، فرفضت، وحكم عليها بالاعدام. لكن جثمانها - كما قيل- اختفي بعد موتها وظهر علي جبل سيناء. وقيل ايضا ان الملائكة هم الذين نقلوه إلي هناك علي اجنحتهم. وضعتها الكنيسة المسيحية في منزلة القديسين وانشأت ديرا علي جبل سيناء تخليدا لذكراها. ومنذ ذلك الحين صار المسيحيون من العالم المسيحي كله يقومون بالحج إلي دير القديسة. لكن الصعود إلي الجبل الذي هو اعلي من جبل موسي ب 400 متر كان محفوفا بمخاطر. لذلك شهد القرن العاشر الميلادي انزال بقايا القديسة إلي كنيسة مسيحية واقعة بالقرب من الجب حيث تم تشييد دير القديسة. تعزو الأسفار الروسية أول حج قام به الروس إلي دير سيناء إلي الراهب أغريفيني الذي زار الدير عام 1370 . وكان الحج إلي الاماكن المقدسة في فلسطينوسيناء من روسيا في تلك الحقبة مأثرة حقيقية، وكان يستغرق سنوات. وبقي الكثير من الحجاج في الصحراء دون ان يعودوا إلي الوطن. وقام زوسيما شماس كاتدرائية الثالوث والقديس سيرغي بضواحي موسكو عام 1419 بالحج إلي سيناء. واستطاع العودة إلي روسيا حيث اصدر كتابا اطلق عليه عنوان "رحالة" وكتب الرحالة الروسي يليسييف في كتابه "الطريق إلي سيناء" عام 1881 انه لقي فلاحين روس مرتدين ازياء روسية تقليدية بقمصانهم الحمراء وجزماتهم الجلدية علي شاطئ البحر الاحمر. وقال يليسييف ان ميزة الحجاج الروس هي البساطة والإيمان بالله وامكاناتهم الشخصية وعدم المبالاة بالمصاعب والعقبات، الأمر الذي أعجب المصريين كثيرا، لذلك لم يتعرضوا لاعتداءات أو نهب في معظم الاحوال. أعلن القياصرة الروس انفسهم بعد انهيار الإمبراطورية البيزنطية في القرن الخامس عشر الميلادي رعاة رئيسيين للدين الأرثوذكسي المسيحي. وتحول دير القديسة كاترين في سيناء إلي عنايتهم الخاصة، حتي أعلنت روسيا عام 1689 رسميا رعايتها للدير وذلك بسبب أن كاترينا تعتبر احدي القديسات الأكثر عبادة في روسيا. علما بأن وسام القديسة كاترينا كان أعلي وسام يقلد للنساء الروسيات قبل عام 1917 . وتخليدا لهذا الحدث تم تصنيع تابوت خاص لبقايا القديسة كاترين يحتفظ به إلي الآن في مذبح الكنيسة الارثوذكسية بدير السيناء. مكتبة الدير تعتبر مكتبة دير سانت كاترين واحدة من أهم وأشهر المكتبات العالمية، وذلك لما تضمه من مخطوطات نادرة وثمينة جدا . قد يصل عددها إلي حوالي ثلاثة آلاف مخطوطة مكتوبة باثنتي عشرة لغة، الثلثان منها باللغة اليونانية، والثلث الباقي باللغات العربية والقبطية والجورجية والأرمنية والسريانية والتركية والفارسية .... إلخ . وهي ذات قيمة تاريخية وحضارية كبيرة .والمخطوطات العربية منها علي وجه الخصوص علي جانب كبير من الأهمية العلمية والتاريخية والدينية .ويذكر الاستاذ الدكتور مراد كامل عالم اللغات الشرقية الراحل (1907 -1975) والذي كلف بجرد محتويات المكتبة حوالي عام 1951 أن عدد الوثائق التركية بالمكتبة بلغت 549 وثيقة .وعدد الوثائق العربية 1067 وثيقة، وأقدمها يرجع إلي العصر الفاطمي مؤرخ عام 542 ه (الموافق 1130 م) وعدد الوثائق السريانية 500 وثيقة، وعدد الوثائق الأرمنية 120 وثيقة، والوثائق اليونانية وهي تحوي أكبر عدد تبلغ حوالي 2319 وثيقة. ومن أشهر وأهم المكتشفات التي عثر عليها بمكتبة الدير مخطوطة الكتاب المقدس والمعروفة في التاريخ باسم "النسخة السينائية Codex Sinaiticus والتي عثر عليها العالم الشهير تشيندروفC. Tischendrof وذلك عندما زار الدير عام 1896، وهي مكتوبة بخط اليد علي رقائق من ورق البردي، ويرجع تاريخها إلي أواسط القرن الرابع الميلادي تقريبا . وبعد مفاوضات طويلة مع رئيس الدير في ذلك الوقت، نجح العالم تشيندروف في إقناعه ببيع المخطوطة إلي قيصر روسيا في ذلك الوقت ويدعي "اسكندر الثاني "الذي اشتراها من الدير بمبلغ ثمانية آلاف فرنك، ثم أودعها في المكتبة الامبراطورية في بطرسبرج "مكتبة لينينجراد حاليا " وفي عام 1933 اشتراها المتحف البريطاني من الحكومة الروسية في مقابل مائة ألف جنيه استرليني، ومازالت محفوظة به حتي الآن . كذلك يوجد بمكتبة الدير مخطوط سرياني Codex Syriacus للتوراة ويرجع تاريخه للقرن الخامس الميلادي، وهو مأخوذ من نص يوناني يرجع تاريخه إلي القرن الثاني للميلاد تقريبا . وأول من اكتشف هذه النسخة سيدتان انجليزيتان هما أغنس سميث ومرغريت جيبسون وكان ذلك عام 1893 وهي محفوظة حاليا بمكتبة الدير في صندوق جميل من الخشب وعليه غطاء من الزجاج، كذلك يوجد بمكتبة الدير أنجيل مكتوب باللغة اليونانية يرجع تاريخه إلي عام 717 م ، قدمه الامبراطور ثيئودسيوس الثالث هدية للدير، وهو مكتوب بماء الذهب . , والمخطوطات العربية المسيحية بمكتبة الدير تعتبر من أقدم المخطوطات العربية المعروفة في العالم إلي الآن، ومنها مخطوطات ترجع إلي القرن التاسع الميلادي منها كتاب للاناجيل الأربعة مكتوب باللغة العربية ويرجع تاريخه إلي عام 897 م. أما عن المخطوطات العربية الإسلامية فلعل من أشهرها ما يعرف ب"العهدة النبوية " وهو منشور منسوب إلي الرسول والنبي محمد صلي الله عليه وسلم وحسب تقاليد رهبان الدير أن النبي كتب لهم هذا العهد في السنة الثانية للهجرة حيث أعطاهم الأمان علي أرواحهم وأموالهم وكنائسهم، وقيل إن السلطان العثماني سليم الأول عندما فتح مصر عام 1751م أخذ أصل المنشور وحمله إلي الأستانة "اسطنبول حاليا " وترك لرهبان الدير صورة منه بعد ترجمتها إلي اللغة التركية . كذلك أيضا تضم مكتبة الدير منشورا من (الإمام العاضد لدين الله محمد عبد الله) لرهبان سيناء ويرجع تاريخه إلي عام 564 ه الموافق 1169 م. ويوجد أيضا فرمان السلطان مصطفي الأول لرهبان سيناء، ويرجع تاريخه إلي عام 1618 م، ومنشور نابليون بونابرت لرهبان الدير وهو مؤرخ في 20 ديسمبر 1799م . وفي عام 1950 طلبت جامعة الإسكندرية من العالم المصري الكبير الدكتور عزيز سوريال عطية، (1898- 1988) الاشتراك في تسجيل مخطوطات ووثائق دير سانت كاترين، وذلك بالتعاون مع مكتبة الكونجرس، ولقد اشترك معه في هذا العمل الاستاذ عيسي عبدالمسيح (1898- 1959) أمين مكتبة المتحف القبطي، ولقد قامت دار نشر جون هوبكنز عام 1955 بنشر هذا العمل تحت عنوان "المخطوطات العربية في سيناء "كذلك كلفت وزارة المعارف العمومية الأستاذ الدكتور مراد كامل بعمل فهرست كامل لمخطوطات الدير، وظهر هذا الفهرست علي جزأين تحت عنوان "فهرست مخطوطات مكتبة دير سانت كاترين بطور سيناء جزءان - القاهرة (المطبعة الأميرية) 1951 ولقد وردت المخطوطات العربية في الجزء الأول منها. ويقدر الباحثون عدد المخطوطات العربية في الدير بحوالي 679 مخطوطة، وبعد استبعاد الفاقد والمطبوع يصل العدد إلي حوالي 600 مخطوطة قامت بعثة الكونجرس عام 1950 بتصوير 305 مخطوطات منها علي ميكروفيلم .