تفرغت لدراسة الموسيقي والغناء بالمعهد العالي للموسيقي المسرحية قرابة منتصف الأربعينيات، وذلك بعد حصولها علي ليسانس الحقوق، في المعهد، التقت بمجموعة من ألمع نجوم الغناء، وقد ضمت هذه المجموعة أسماء مثل : كمال الطويل - عبد الحليم حافظ -أحمد فؤاد حسن وشعبان أبو السعد، ليبدأ صوتها الجميل رحلته إلي أسماع عشاق الغناء من قاعات الدراسة بالمعهد اهتمت الإذاعة بصوتها منذ بداياتها الأولي، وربما قبل التحاقها بالمعهد العالي للموسيقي المسرحية، وكان أول عمل غنائي قدمته لمستمعي الإذاعة هو قصيدة " الجزيرة أيام إسماعيل "، كانت القصيدة من نظم أحمد محفوظ ومن ألحان أحمد عبد القادر، وقد أذيعت لأول مرة في التاسعة والنصف من مساء السبت 3/3/1944م د. نبيل حنفي محمود ربطني إعجاب مشوب بالدهشة طوال ما يقرب من نصف القرن بصوت المطربة فايدة كامل ، كان الإعجاب بما احتشد في صوتها من مظاهر الشجن والتدفق والأصالة، وجاءت الدهشة من تنقل غنائها بين العاطفة والثورة، لذلك تمنيت كثيراً - منذ أن بدأت في الكتابة عن الغناء وأهله - أن أكتب عن مشوارها وما قدمته من أغنيات جميلة اندثر معظمها في هوجة الأغاني الشبابية، غير أن أسباباً كثيرة حالت دون تحقيق هذه الأمنية، ليفاجئني نعيها في صحف يوم الجمعة 21/10/2011م إثر رحيلها في يوم الخميس 20/10/2011م، مما يجعل من حديثي عنها الآن امتدادا لعادة مصرية قديمة، تتمثل في الحديث عن الأعلام والنجوم بعد رحيلهم، وكأنهم سيتقرأون ما كتب عنهم في رقدتهم الأبدية، بينما كانوا - حال حياتهم - أحوج ما يكونوا لكلمة طيبة تقال عما بذلوه من جهد وما خلفوه من إبداع . الأسرة والتكوين ولدت عواطف محمود كامل التي اشتهرت باسم فايدة كامل بالقاهرة في عام 1932م، كما جاء في " موسوعة أعلام مصر في القرن العشرين "، كان والدها محمود كامل عبد الرحمن الخطيب مدرساً للغة العربية بمدرسة رأس التين الابتدائية بالإسكندرية، ضمت الأسرة من الأبناء و البنات بجانب عواطف كلاً من عبد الرحمن ومحمد وسليمان وسرينادة وفوزي وأميرة، ولما كان الوالد حسن الصوت ومحباً لتجويد القرآن، فإن موهبة الصوت الجميل وحب الفن انتقلت إلي جميع أبنائه، حيث شقت عواطف طريقها في عالم الغناء، وعرف شقيقها عبد الرحمن النجاح مع التلحين والغناء في مصر والسويد التي استقر بها قبل زمن بعيد، وحقق محمد سليمان صدي طيبا في مجال النقد الموسيقي، بينما عرفت سرينادة بإجادة العزف علي البيانو، وفي نفس الوقت أجاد فوزي العزف علي الكمان، بينما طبقت شهرة أميرة الآفاق، فقد كانت مغنية أوبرا وأستاذ ورئيس قسم ووكيل لكونسيرفتوار القاهرة (عبد الحميد توفيق زكي : المعاصرون من رواد الموسيقي العربية، ص 209 و 277). تفرغت فايدة كامل لدراسة الموسيقي والغناء بالمعهد العالي للموسيقي المسرحية قرابة منتصف الأربعينيات، وذلك بعد حصولها علي ليسانس الحقوق، وفي المعهد الذي أنشأته وزارة الشئون الاجتماعية وتولي عمادته الدكتور أحمد الحفني، التقت فايدة بين زملاء الدراسة في المعهد بمجموعة من ألمع نجوم الغناء، وقد ضمت هذه المجموعة أسماء مثل : كمال الطويل - عبد الحليم حافظ -أحمد فؤاد حسن وشعبان أبو السعد، ليبدأ صوتها الجميل رحلته إلي أسماع عشاق الغناء من قاعات الدراسة بالمعهد، تلك القاعات التي رددت أصداء ترجيعاتها الساحرة للكثير من عيون تراث الغناء العربي، أو لبعض مما تفتقت عنه قرائح الموهوبين من زملائها بالمعهد، ممن ظهرت تباشير ألحانهم الأولي خلال سنوات الدراسة مثل كمال الطويل الذي قدم لها الأغنية الدينية الفائقة الجمال : " إلهي ليس لي إلاَّك عوناً". الإذاعة والانطلاق اهتمت الإذاعة بصوت فايدة كامل منذ بداياتها الأولي، وربما قبل التحاقها بالمعهد العالي للموسيقي المسرحية، حيث تشير وثائق الإذاعة إلي أن أول عمل غنائي قدم صوت فايدة كامل لمستمعي الإذاعة هو قصيدة " الجزيرة أيام إسماعيل "، كانت القصيدة من نظم أحمد محفوظ ومن ألحان أحمد عبد القادر، وقد أذيعت لأول مرة في التاسعة والنصف من مساء السبت 3/3/1944م، وكان العمل الغنائي الثاني الذي قدمته فايدة كامل للإذاعة هو البرنامج الغنائي " مشرق الهدي "، الذي قدمته الإذاعة ولأول مرة بمناسبة المولد النبوي الشريف في التاسعة وخمس وأربعين دقيقة من مساء الثلاثاء 12 ربيع الأول سنة 1363ه والموافق 7/3/1944م، كانت ألحان ذلك البرنامج لمحمود الشريف، ثم توالت أغنيات بدايات فايدة كامل في برامج الإذاعة خلال ما تبقي من عام 1944م من شهور وفي عام 1946م، وهي أغنيات حمل بعضها أفكار التجديد التي نادي بها من ظهر في جيل فايدة كامل من ملحنين، ومنهم شقيقها عبد الرحمن الذي عرف باسم عبد الرحمن الخطيب، وأخوها محمد سليمان الذي اشتهر باسم محمد سليمان جميل، ومن تلك الأغنيات نذكر الآتي موضحاً بها اسمي المؤلف والملحن وتاريخ الإذاعة الأولي : ( ما أعرفش إمتي حتجيني : إبراهيم رجب - محمد سليمان جميل - 5/5/1945م) -(طير تايه : إبراهيم رجب - عبد الرحمن الخطيب - 27/6/1945م) و (اذكري عهدي : محمد المهدي - محمد سليمان جميل - 15/8/1945م)، مثّل البعض من تلك الأغنيات اتجاهاً جديداً لم تألفه الإذاعة في أغنيات اللوعة وبكائيات الحب التي كانت تتردد - آنذاك -بأصوات الكبار من أهل الغناء، ولنضرب مثلاً هنا لقارئ اليوم بنص أغنية " طير تايه " التي لا نعلم الآن شيئاً عن لحنها : طير بينوح والليل ساري بيزيد في هواه بده يروح وطنه الغالي إزاي يسلاه الخير قدامه أشكال وألوان الميه بتجري تسقي العطشان والفاكهة كتيرة مالية الأغصان والنسمة بتسري تشجي السهران لكن دا غرامه يتهني في عشه تحلي أحلامه لو نام علي قشه يفضل هايم ويقاسي جواه وطنه الغالي إزاي يسلاه ولينظر القارئ الآن لما تضمنه هذا النص البسيط من معان وأخيلة، ليحزن علي انقضاء عصر الغناء المتقن، وليشقي بالأسي عندما يقارن هذا النص بما يغني الآن عن " الحمار " مثلاً ! . في الحفلات والبرامج يعد صوت فايدة كامل من أصلح الأصوات للغناء المسرحي، فهو صوت يقول عنه الناقد المعروف محمد سعيد ما يلي : " هو صوتٌُ التناسب فيه يغطي علي التنافر، وفيه توازن بين العالي والمنخفض، الحاد وغير الحاد، وفي هذا الصوت من الجهر والهمس، والرخاوة والشدة، ما يجعله من الأصوات المتينة القادرة علي أداء الألوان كافة " (محمد سعيد : أشهر مائة في الغناء العربي، الجزء الثاني، ص 187)، إن صوتاً كصوت فايدة كامل ينتمي إلي فئة الميتزوسوبرانو من أصوات النساء، يعد من أصلح الأصوات للغناء المسرحي، لذلك تعددت الحفلات الغنائية التي شاركت فيها فايدة كامل منذ بداياتها الأولي، ومن أوائل حفلاتها ... نذكر هنا حفلة أقيمت بحديقة الأندلس في القاهرة مساء يوم الخميس 18/9/1947م، وقد نقلت الإذاعة تلك الحفلة علي الهواء مباشرة لمستمعيها، وتم التنويه عن الحفلة في تحقيق نشر بالعدد رقم (654) من مجلة " الراديو المصري " الصادر في 27/9/1947م، هذا وقد اشترك مع فايدة كامل في تلك الحفلة كل من : المطربة التونسية حسيبة رشدي والمطرب كارم محمود والمنولوجست المشهور محمود شكوكو، ومن المهم الآن استعادة نص التعليق الذي تضمنه تحقيق المجلة أسفل صورة فايدة كامل في تلك الحفلة، كان نص ذلك التعليق كما يلي :" الآنسة فايدة كامل، بلبلة لا تزال دون العشرين، ولا تزال طالبة بالمدرسة السنية، ولكنها من أنجح كواكب الإذاعة " . توالت الحفلات الغنائية التي شاركت فيها المطربة الصاعدة - آنذاك - فايدة كامل ونقلت وقائعها الإذاعة المصرية، ومن تلك الحفلات نذكر الآتي : (احتفال النقابة العليا للمهن الطبية بعيد ميلاد الملك فاروق في مساء الخميس 9/2/1950م) - (حفلة رابطة موظفي جامعة فؤاد الأول ابتهاجاً بعيد الجلوس الملكي في مساء الاثنين 8/5/1950م) - (حفلة غنائية أذيعت من المسرح القومي بالإسكندرية في مساء السبت 17/6/1950م) و (حفلة أقامتها اللجنة الرياضية بكلية الحقوق في جامعة إبراهيم باشا في مساء السبت 3/2/1951م)، ويمكن القول بأن كثرة ما شاركت فيه فايدة كامل من حفلات يرجع إلي عاملين أساسيين، يتمثل أولهما في ملائمة صوتها للغناء المسرحي، بينما يتبلور ثاني العاملين في كثرة ما قدمت من أغنيات متنوعة الأغراض والقوالب خلال سنوات بداياتها، وفيما يلي نقدم نماذج مما شدت به فايدة كامل من أغنيات خلال الأعوام من 1947م وحتي 1952م موضحاً بها اسمي المؤلف والملحن وتاريخ الإذاعة (حبيبي جاي بالبشري : صالح جودت - أحمد صدقي 4/10/1947م) - (انثروا الورد : عبد العزيز سلام - مدحت عاصم - 20/8/1948م) - (الأصيل الذهبي : عبد الرحمن الخميسي - عبد الحميد توفيق زكي - 3/2/1949م) - (غرام بلبل : إمام الصفطاوي - أحمد عبد القادر - 7/6/1949م) - (لما بدا نور الإسلام - يوسف عز الدين عيسي - عبد العزيز محمد - 13/10/1950م) و (علي ربا حلوان : محمد علي أحمد - أحمد صدقي - 10/1/1951م)، لقد أتاحت تلك الأغنيات -وغيرها الكثير -الفرصة أمام صوت فايدة كامل كي ينطلق في الأجواء الساحرة لأمسيات حفلات ذلك الزمن الجميل، مما ضاعف من شهرتها وإقبال الجماهير علي صوتها، لكن ما يؤسف له حقاً أن غالبية تسجيلات تلك الحفلات قد ضاعت أو اختفت لأسباب لا مجال لذكرها الآن، ولم يتبق منها إلا آحاد قليلة، ومن تلك التسجيلات المتبقية من حفلات فايدة كامل الغنائية، تسجيل تم في خمسينيات القرن العشرين لإحدي أشهر أغنياتها، وهي طقطوقة " أنا فُتْ ستاشر سنة " التي كانت من نظم عبد الفتاح مصطفي ومن ألحان شقيق فايدة الموهوب : عبد الرحمن الخطيب، في التسجيل الوحيد المتاح الآن لهذه الطقطوقة الفائقة الجمال تتجلي في الأسماع - مع نغمة البياتي التي صاغ منها شقيقها لحنه - الإمكانات الساحرة لصوت لا يتكرر، وتستعرض فايدة مناطق التميز في صوتها أمام جمهور ذواق يقدر المواهب، ولعله من المهم الآن أن نذكر أجيال الشباب بمذهب تلك الأغنية والذي يتكون من الأبيات التالية : ياقلبي قوللي حنعمل إيه في الحب دا اللي بيحكوا عليه بتقوللي أسكت أسكت ليه هوه الكلام في الحب حرام وللا انت ناسي مين أنا دا أنا فُتْ ستاشر سنة وتعد البرامج الغنائية الإذاعية المجال الآخر الذي تجلت فيه إمكانات صوت فايدة كامل، وقد أشرنا هنا قبلاً إلي أن الإطلالة الإذاعية الأولي لصوت فايدة كامل تمثلت في البرنامج الغنائي " مشرق الهدي "، ثم توالت مشاركاتها في برامج غنائية عدة نذكر منها أولاً البرنامج الغنائي الشهير " علي بابا "، الذي اشتركت فيه بالغناء مع المطرب الكبير كارم محمود لألحانه التي وضعها عبد الحليم علي، هذا وقد أذيع البرنامج لأول مرة في الحادية عشرة من مساء الأربعاء 29/6/1949م، وتتبلور أهمية مشاركة فايدة كامل في برنامج " علي بابا " في تأكيد قدرتها علي أداء الألحان ذات الطابع الغربي، فيما يعد شهادة بتكامل إمكاناتها الصوتية لأداء الألحان ذات الطابع الشرقي أو الغربي، ومن البرامج الغنائية التي شاركت فيها فايدة كامل برنامج " السعد والبركة "، الذي اشتركت فيه بالغناء مع كل من المطربين الكبيرين كارم محمود ومحمد قنديل، وقد أذيع ذلك البرنامج لأول مرة في 25/2/1951م . من الوطنية إلي السياسة تنوعت أغراض أغنيات فايدة كامل منذ خطواتها الأولي في عالم الغناء بين وصفية وعاطفية وشعبية ودينية ووطنية، ولكن اللافت للنظر في غنائها هو اهتمامها بالغناء للوطن منذ بداياتها مع الغناء، ومن بواكير أغنياتها الوطنية أغنية حملت اسم " لحن الصنايعية "، أذيعت تلك الأغنية التي كتبها فهمي حافظ ولحنها عبد الرحمن سامي ولأول مرة في " ركن الأغاني القومية " الذي أذيع في الخامسة من مساء الجمعة 31/10/1947م، وكان نص مطلع تلك الأغنية كما يلي : يا بو بدله زرقة محلاوي وطاقية عوجة علي شمالك ورّيني حد أوروباوي أعماله زين عن أعمالك دا المجد بنيته لبلادك لقد احتل الغناء للوطن بؤرة اهتمامات فايدة كامل الغنائية، فلم ينقطع غناؤها للوطن وقضاياه وأهله في عام من أعوام مسيرتها الطويلة مع الغناء، فمن بواكير وطنياتها التي ترنمت بها خلال العصر الملكي نذكر الآتي مقروناً باسم الأغنية واسمي المؤلف والملحن وتاريخ الإذاعة الأولي : (الجيل الجديد : فؤاد نويرة - عبد الحميد توفيق زكي - 17/2/1948م) - (جددي يا مصر أيام المني : محمد الحناوي - عبد الحميد توفيق زكي - 23/3/1948م) - (الراية : محمد هارون الحلو - أحمد عبد القادر - 10/11/1950م) و (ركب الحضارة في تاريخ مصر : محمد عبد الغني حسن - عبد الحميد توفيق زكي - 16/1/1951م)، وعندما قامت ثورة يوليو 1952م، واكبت أغنيات فايدة كامل الوطنية أصداءها ومعاركها، وروجت تلك الأغنيات أيضاً لمبادئ تلك الثورة، من منا لا يتذكر أغنية أو أكثر مما تغنت به فايدة كامل من وطنيات لثورة يوليو، ومن تلك الأغنيات نذكر الآتي موضحاً به اسم المؤلف والملحن وتاريخ الإذاعة : : (الوادي قام : إبراهيم رجب - محمد سليمان جميل - 10/9/1952م) - دع سمائي : كمال عبد الحليم - علي إسماعيل - نوفمبر 1956م) - (هلت علي مصر الأنوار : بيرم التونسي - محمود الشريف - 22/7/1957م) - (علي الوحدة ما شاء الله : حيرم الغمراوي - محمود الشريف - فبراير 1958م) - (الشعب ماشي : إسماعيل الحبروك - عبد الرحمن الخطيب - 23/7/1959م) و (طير يا صاروخ : كمال منصور - محمود مندور - يونيه 1967م)، إن أغنيات كهذه يمكن القول بأنها وليدة مشاعر وطنية صادفت من الأحداث والتطورات ما حتم التعبير عنها، غير أن تغييرين ألما بحياة فايدة كامل في سبعينيات القرن العشرين وأحدثا تحولاً تاماً في خطها الغنائي، ونعني بذلك انتخابها لعضوية مجلس الشعب عن دائرة الخليفة في عام 1971م، وما تحقق لزوجها اللواء محمد نبوي إسماعيل من صعود وظيفي سريع في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فتوقفت فايدة كامل أو كادت عن تقديم أي جديد من نوعية الأغنيات التي اشتهرت بها في بداية مشوارها، واهتمت - وعلي فترات - بتقديم أغنيات ذات طابع سياسي مثل أغنية " يا سادات "، التي أسرفت فيها في امتداح الرئيس السادات، وعندما اختفت عنها الأضواء بعد فقدها لمقعدها الأثير في مجلس الشعب، ومع هجمة الأغاني الشبابية وانتشار وباء الفيديو كليب، تناساها حتي المعمرين من مستمعي الغناء، ليفاجأ الجميع برحيلها الذي جسد أمام الأبصار ما تجنيه السياسة علي الموهبة .