العلاقة بين الأديب والسيناريست تشبه العلاقة بين طرفي المقص يجمعهما طرف واحد ولكنهما لا يلتقيان ومن علاقة الشد والجذب نشأ التوتر بين الأدباء وكتاب السيناريو. فالبعض يتهم كاتب السيناريو بتشويه أفكاره دون الاهتمام بجوهر النص الأصلي.. بينما يعلن البعض الآخر أن من يريد أن يحاسبه فعليه أن يقرأ النص الأدبي ليحاسب مؤلفه وفي مقدمة هؤلاء أديب نوبل العظيم الأستاذ نجيب محفوظ. وعلي الطرف الآخر يقف كاتب السيناريو رافضًا شكوي المؤلف الأديب مؤكدًا حريته الكاملة في التعامل مع النص الأدبي دون الإخلال بجوهره. التوتر السائد بين المؤلف والسيناريست ليس مجرد خلاف في الرأي فقط ولكنه أيضًا يحتمل أسبابًا مادية حيث يرتفع أجر السيناريست عشرات الأضعاف عن أجر المؤلف ومن هنا تولدت الغيرة، لدي بعض المؤلفين الذين يرون أنهم أصحاب الحق الأصيل في ميلاد العمل. هذا التوتر أفسد العلاقات بينهما ووصل بهما في بعض الأحيان إلي ساحات القضاء وصفحات الصحف والمجلات وفي هذا التحقيق بعض الحقيقة.. وإن اختفي جزء كبير منها! غير راض عن أعمالي في البداية يؤكد الكاتب خيري شلبي أنه غير راض تمامًا عن بعض أعماله التي تحولت إلي نص مرئي ويري أن تحويل العمل للدراما هو نوع من الشهرة الزائفة علي حساب القيمة حيث إن العمل الروائي الذي يشتهر من خلال الدراما يلقي كثيرًا من الضرر لأن كاتب السيناريو يعبر عن وجهة نظره وأفكاره الخاصة ضاربًا عرض الحائط بأفكار الكاتب صاحب النص الأدبي. ولم يحدث أن قدم عمل أدبي كما هو ومن يريد أن يحاسبني فليحاسبني عن النص المكتوب فقط. وقد تم تحويل بعض أعمالي لنص مرئي سعدت بنجاح البعض حيث كتبت سيناريو (الوتد) ولم أخل بالجوهر والمضمون الأساسي للرواية بينما رواية الشطار استخلص منها السيناريست شريحة واحدة تصلح فيلمًا لنادية الجندي ولم يأخذ بقية الرواية. كما أن كاتب السيناريو هو الذي يحصل علي الأجر الحقيقي بينما الروائي صاحب النص الأصلي يتقاضي أجرًا ضئيلاً. الحفاظ علي القضية المحورية للعمل من جهة أخري يقول الكاتب يوسف القعيد أنا بعكس زملائي وأبناء حرفتي من الروائيين والقصاصين لا أبادر بالهجوم علي من حولوا أعمالي ولا أردد المقولة الخالدة وأتمني ألا تكون خالدة من أن كتاب السيناريو قد شوهوا أعمالي ولدي عدد من الاعتبارات يجعلني أعتقد هذا فنحن نعيش في بلد فيه من الأمية أكثر مما فيه من التعليم وبالتالي فإن ما نكتبه من أدب لا يصل لكل الناس والحل الوحيد للالتفاف علي غول الأمية الذي تزايد هو تحويل الأعمال الروائية لأشكال فنية أخري لا تعتمد علي القراءة والكتابة لكي تصل للناس، كما أنني من الذين يؤمنون بمقولة نجيب محفوظ الخالدة بأنني مسئول عن النص الأدبي فقط، وصناع العمل السينمائي يمكن محاسبتهم علي ما قاموابه: ليس معني هذا أنني أسلم لهم بأي شيء فأنا أفرق بين أمرين أولهما أن لكل عمل روائي قضية محورية والحفاظ علي هذه القضية يعنيني بشكل كبير. أما ما عدا ذلك من تفاصيل فيمكن للسيناريست التصرف فيها طالما لا يعتدي علي المعني الجوهري الذي كتبت العمل من أجله أو الرسالة التي كتبت العمل لكي تصل للقارئ. ويستطرد القعيد لقد كنت سعيدًا بما فعله محسن زايد مع رواية (الحرب في بر مصر) وإن كانت سعادتي قد نقصت عندما أصر المخرج علي جعل الفيلم المأخوذ عن روايتي عنوانه المواطن مصري فما زلت حتي الآن أقف مع عنواني وأعتبره أفضل وأكثر تعبيرًا عن جوهر الرواية وكل ما أتمناه أن كتاب السيناريو والمخرجين والفنانين ماداموا قرروا اللجوء لنص روائي فعليهم احترام النص هذا فرض عين ولا يجب العبث به علي الاطلاق. وإن كان المبدأ المحفوظي في التعامل مع كتاب السيناريو يبدو أكثر أمانًا من كل ما قلت. مبدع وليس مترجمًا من جهته يري السيناريست بشير الديك أن السيناريست مبدع وليس مترجمًا ومن حقه أن يبدع بما لا يتناقض مع مغزي ومضمون وجوهر الرواية وما عدا هذا يكتب علي العمل مستوحي عن رواية فلان. أكون هنا قد استوحيت فكرة العمل وعبرت عن إبداعي. ولا يمكن القول إنني غير مطلق اليد بما لا يتجاوز مغزي ومعني النص فمن واجب السيناريست تأكيد هذا المغزي والمعني. كما أن نجيب محفوظ أديب نوبل لم يعترض يومًا علي أعماله وكان يؤكد مسئوليته عن النص الأدبي فقط فلماذا يعترض تلامذته. أليس من المفترض أن يقتدوا بأستاذهم.. بالنسبة لبعض الروائيين الذين يرون أن أجرهم قليل بالمقارنة بالسيناريست لماذا لا يذهبون ليتظلموا للنقابة أو يقوموا بكتابة السيناريو ويحصلون علي أجر السيناريست الكبير؟. هل هناك من سيقوم بمنعهم؟ وهناك البعض خاض كتابة السيناريو ولم يكتب له النجاح فلكل عمل أدواته وأساليبه وكتابة النص الأدبي تختلف عن السينمائي، الأديب يبني عالمه باللغة بينما السينمائي يبنيه من خلال الصورة. السيناريست قارئ للأدب في سياق متصل يري السيناريست وحيد حامد أن النص الأدبي كما هو حق خالص لصاحبه في المكتبات يمكن للقارئ الرجوع إليه عندما يشاء أما السيناريست عندما يعود إليه يعود من خلال ما ينبغي أن يتغير فيه لأن كاتب السيناريو يحافظ علي فكر المشاهد وله الحرية في التغير الذي يدخله علي النص والمؤلف الأول حقه محفوظ لأن كتابه موجود بالمكتبة كما هو لم يمسه أحد. كما أن حرية السيناريست لها شروط أهمها أن يكون عاشقًا للأدب وللرواية مؤمنًا بالفكر الذي تدور في فلكه الرواية ويكون بمستوي جودتها من ناحية القدرة والكفاءة ويكون أهلاً لها بدراسة مستفيضة حتي يستطيع أن يتعامل معها علي سبيل المثال عندما تناولت رواية (الراقصة والسياسي) لإحسان عبدالقدوس لم آخذ إلا فكرة الرواية فقط وتعاملت مع النص بحرية تامة ونجح العمل وبالرغم من التغير الذي حدث للرواية ظلت رواية إحسان عبدالقدوس كما هي. كما أنه ليس شرطًا أن تكون الرواية الناجحة عملاً سينمائيا ناجحًا وأعمال يوسف إدريس رغم براعتها لم تصلح لأن معظمها قصص قصيرة فمن أين تأتي بالشخوص والأحداث. ومن يزعم أن السينما دون أدب نجيب محفوظ أقول له إن السينما هي التي ساهمت في انتشار أدب نجيب محفوظ. «وليت كل شخص يفتي في مجاله وفيما يعرف» كما أن كاتب الرواية ليس (باشكاتب) يكتب ما يؤمر به لكنه هو المؤلف الثاني للعمل له حريته في الإبداع وتغير النظرة الفنية للعمل والقالب الذي يضع فيه العمل حيث يقوم بعملية بناء جديدة. وإذا اعترض الكاتب علي أجره مقارنة بالسيناريست فلماذا لا نعترض نحن أيضًا علي أجرنا مقارنة مع بطل العمل الذي يتقاضي الملايين ونفتح المجال للاعتراض؟. بعد معرفة رأي طرفي الموضوع كان لابد من معرفة رأي محايد عله يكون في النقاد. حيث تقول الناقدة خيرية البشلاوي إن النص الأدبي يجبر القارئ علي عيش تفاصيله كما لو كانت حقيقية. ما يدخله في أمنيات عدة لعل أهمها أن يراها متجسدة أمامه كي يغوص في تفاصيلها أكثر ويكتشف ما لم يتسني له اكتشافه من قبل. وهناك روايات لم تعرف إلا حينما تم تحويلها إلي نص مرئي والبعض فشل في تجسيده إذ كانت الرواية أنجح بكثير من تحويلها لعمل فني. وهناك قاعدة تقول إن الكاتب طالما باع النص للمنتج انتهت مسئوليته عنه والسيناريست لديه مطلق الحرية في التصرف فيه ماعدا جوهر الرواية فلا يجوز له التغيير في الأفكار وطبيعة الشخصيات لحسابه وإذا شوهها فمن حق الكاتب الاعتراض لأنها تنزل باسمه حيث تقول إن هذه الأفكار تنسب إليه والنص الأدبي عمل فردي بينما السينمائي عمل جماعي وكل عمل سينمائي له ظروفه الإنتاجية التي تكون مسئولة عن نجاح العمل أو فشله وليس السيناريست فحسب ومعظم أفلام نجيب محفوظ حرفتها السينما لصالح الشباك. الروائي لا يكتب سيناريو عمله أخيرًا يري الناقد مصطفي درويش أن الأديب لا يستطيع أن يكتب سيناريو العمل الخاص به لأن السيناريست يحذف ويغير في الأحداث والشخصيات فكيف يحذف الكاتب العمل الذي بذل فيه مجهودًا طويلاً أعتقد أن ذلك سيكون من الصعب عليه. ونجيب محفوظ رغم أنه كتب سيناريوهات عديدة إلا أنه لم يكتب سيناريو أعماله. كما أكد درويش أن معظم أعمال نجيب محفوظ ترجمت للغة السينما ترجمة رديئة حيث تحولت الثلاثية لمغني ورقص ولم يأخذ النص الأصلي الذي كان يعني بالروح المصرية ومعاناة مصر خلال الاحتلال والتحولات الجذرية. فقد تم اقتباس الأسماء فقط دون جوهر ومضمون الشخصية نستطيع القول إن قصص وأعمال محفوظ ويحيي حقي ويوسف إدريس هي مرآة للحياة لكنها تحولت في السينما إلي مرآة مقعرة مشوهة. لذا يجب الاهتمام بكتاب السيناريو ففي أحيان كثيرة يكون السيناريست أهم من كاتب الرواية لأنه مسئول عن عمل يتكلف الملايين.