نضال الشافعي اسم جديد علي خارطة السينما المصرية .. شاب يتمتع بالطموح والرغبة في تحقيق نفسه عن طريق هذا الفن الصعب الذي امتلأ دربه بالأشواك. إنه كاتب ومخرج وممثل عبر عن نفسه لأول مرة في فيلم روائي طويل ذي خلفية سياسية واجتماعية هو «الطريق الدائري» الذي اختارته لجنة مهرجان القاهرة السينمائي لتمثيل مصر في المسابقة العربية للأفلام في دورتها الأخيرة. موهبة شابة ورغم أن الفيلم لم يحظ بالاهتمام المنشود إلا أنه لفت النظر إلي موهبة شابة في طريقها للتحقق .. وما علينا إلا أن ننتظر خطواتها القادمة . لكن يبدو أن ظروفا كثيرة وقفت حتي الآن في طريق عرض هذا الفيلم الأول عرضا عاما وكان علي «نضال الشافعي» أن يقدم نفسه هذه المرة «ممثلا» فقط في فيلم كتبه غيره «أحمد حجازي» وأخرجه زميل له «تامر بسيوني» باسم «يا أنا يا هوه» . المشكلة الكبري التي تواجهها السينما المصرية منذ أكثر من عقدين من الزمن .. هي التي اعتدنا أن نطلق عليها اسم «الورق» أي السيناريو الذي يعتمد عليه الفيلم كعمود فقري يستقيم إذا استقام ويميل إذ يميل. وهذه المشكلة تبدو واضحة تماما في مجموعة الأفلام المصرية التي عرضت علينا في مناسبة العيد فكثير منها يحتوي علي مواهب صادقة وإمكانيات فنية حقيقية ولكنها ضاعت كلها من خلال بناء درامي مفكك وعقدة لم يحسن صياغتها.. وضاعت جهود الممثلين والمخرجين في محاولة إحياء نصوص تعوزها الحياة الحقة. هذا ما رأيناه إلي حد ما في فيلم «مريم أبو عوف» الأول «بيبو وبشير» الذي يحتوي علي قدرات شبابية متألقة وجديرة بالاهتمام .. لكنها تاهت في سراديب سيناريو عجز عن الإقناع .. وبناء درامي متهافت رغم وضوح الشخصيتين الرئيسيين وحسن تجسيدهما من قبل منة شلبي وآسر ياسين. دكتور جيكل المشكلة في «يا أنا هوه» ان بناء الفيلم كله يعتمد علي شخصية واحدة جسدها «نضال الشافعي» وهي مازالت موهبة غضة لا تستطيع فرض نفسها بقوة علي فيلم كامل. فكرة الفيلم قائمة علي فكرة الخير والشر الكامنين في نفوسنا والتي عبر عنها الكاتب الإنجليزي «ستفنسن» في رائعته «دكتور جيكل ومستر هايد» والتي قدمتها لنا السينما العالمية أكثر من مرة وفي أكثر من أسلوب، بل إن الممثل الكوميدي الشهير «جيري لويس» قدمها مرة في أحد أفلامه بمعالجة كوميدية صرفة تصل إلي حدود «الفارس» وتنسجم مع أسلوبه الضاحك المعروف. نحن هنا أمام شخصيتين «سعيد» المسالم الطيب القلب وأكاد أقول «الأهبل» إلي حد ما، نراه في مطلع الفيلم في مشاهد كوميدية حركية تذكرنا بأسلوب «محمد سعد»، ونعرف قصة عشقه لجارته «جميلة» ولكننا سرعان ما نكتشف شخصيته الأخري «حازم» الشريرة المتهتكة «العربيدة» وهاتان الشخصيتان تتناوبان أمامنا الأدوار بطريقة يتوه فيها المتفرج بادئ الأمر، إلي أن يستقر به المطاف ويعرف إلي أين تقوده بوصلة الفيلم. كوميديا تهريجية وتتناوب مواقف الخير والشر وتختلط أساليب الفيلم كوميديا راقصة محاكاة للأفلام البوليسية، كوميديا تهريجية قائمة علي الحركات الزائدة والتعبيرات «الأوفر» ويستعرض المخرج «تامر بسيوني» عضلاته في تقديم مشاهد راقصة يلعب الدور الأول فيها «نضال الشافعي» نفسه كما يفسح له المجال واسعا في أكثر من مشهد.. ليرينا طريقة انقلابه بين الخير والشر أي بين شخصيتي «حازم وسعيد» ثم سوء التفاهم في الحب من جميلة وقريبتها، فكل واحدة من هذه الشخصيات تحب واحدة مختلفة.. وتتحول الكوميديا أحيانا بقدرة قادر إلي دراما بوليسية عنيفة خصوصا في المشاهد الأخيرة التي عالجها «تامر بسيوني» بأسلوب بوليسي بحت سواء في الديكور أو الإضاءة أو في حركة الكاميرا مما أبعدنا تماما عن الجو الكوميدي الذي يفترض أن الفيلم غارق فيه. أزمة الفيلم الكبري هي هذا التخبط بين أكثر من أسلوب سواء في أسلوب الإخراج أو في أداء البطل الرئيسي الذي قرر أن يبتعد تماما عن الجو النفسي والسيكولوجي لشخصيتي «جيكل وهايد» ويستبدلها علي طريقته بأداء تهريجي مبالغ فيه لشخصية «سعيد» وأداء صارم يتأرجح بين الجدية والتهكم لشخصية «حازم» فأفلت الزمام من يده تماما وأضاع نفسه وأضاع المتفرج معه. تامر بسيوني في أكثر من مشهد صغير استغل نظرته الجمالية كمخرج خصوصا في بعض المشاهد الاستعراضية «ورقصة التانجو في المقهي ورقصة التنورة مثلا» كما استغل رؤية جمالية خاصة ليعرض بها مشاهد الختام التي أرادها بوليسية بحتة يموت فيها الشرير حازم أمام اعيننا ثم يبعث في المشهد التالي وهو في ثياب الفرح يزف نفسه إلي حبيبته «الإسلام يشرع الزواج بأكثر من واحدة وهذه خاتمة لا يمكن أن يتصورها عقل غربي» وهو من جهة يكلم جميلة (1) ك«سعيد» الطيب ثم يستدير ليكلم جميلة (2) بصوت حازم المتسلط .. ثم ينظر إلي المتفرج باسماً بهذه النهاية التي ستجعل كل المتفرجين سعداء. مبالغات مزعجة نضال الشافعي كما قلنا في البداية فنان طموح .. يريد أن يمسك بقرص الشمس بأصابعه دون أن يزعج نفسه بالتفكير في إمكانية حرقها. لقد اختار في بداياته طريقا جادا وصعبا لم يؤد به إلي مخرج سليم أو أن يجرب طريقة أخري يستعرض فيها كل ما يملكه من إمكانيات.. رقصا وغناء وتمثيلا وتهريجا ومبالغات وشدة وحزم، وليري بعد ذلك أي طريقة تناسبه وأي أسلوب يصلح له. لكن من خلال هذه التركيبة من السمك واللبن والتمر هندي يبدو لنا وجه «نرمين ماهر» المضييء .. والذي يبدد كل الظلام المحيط حولها وكأنه يسأل «ما الذي أتي بي إلي هنا؟»