وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    البورصة المصرية تطلق تطبيق «EGX Gate» قريباً    "سياحة النواب" توصي محافظة الأقصر بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية    محادثات سعودية أوروبية إيطالية لمناقشة مستجدات الأوضاع بالشرق الأوسط    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    «فيفا» يشكر المشاركين في افتتاح كأس العالم للأندية    "أعلم أنك لا تحب الخطيب".. خيري رمضان يوجه رسالة نارية لوزير الرياضة    إحالة أوراق تاجر للمفتي لاتهامه بقتل شخص بسبب خلافات مالية بالقليوبية    حريق هائل في مصنع أدوية بمدينة السادات.. والحماية المدنية تكافح لمنع امتداده للمصانع المجاورة    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    الفيوم تستعد لاستضافة معرضها الأول للكتاب بمشاركة كبرى الجهات الثقافية واحتفالا بثورة يونيو    كوميدي.. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم «البوب» لأحمد العوضي: «ميزانية كبيرة لإبهار الجمهور»    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    رئيس جامعة القاهرة يستقبل رئيس المكتب الثقافي الكويتي لبحث التعاون ودعم الطلاب الوافدين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    توقيع بروتوكول الشراكة بين اسوان والهيئة العامة لقصور الثقافة    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    الجامعة الألمانية تنظم ورشة عمل مع هيئة الدواء والمهن الطبية عن اليقظة الدوائية    رئيس جامعة المنوفية والمحافظ يدشنان قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    «حسبي الله في اللي بيقول أخبار مش صح».. لطيفة تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وفاة شقيقها    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    سفير إيران لدى الكويت: لسنا بصدد توسيع الحرب ولن نتوانى في الدفاع عن سيادة بلادنا بحزم    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    جامعة أسوان تنظم ورشة عمل لمناهضة العنف ضد المرأة    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن طلب: الأدب الحقيقي هو ما يحلم بالثورة.. وتسفيه شعر القضايا الكبري في طريقه للزوال
نشر في القاهرة يوم 21 - 06 - 2011


إنجيل الثورة وقرآنها" هي أحدث قصيدة للشاعر حسن طلب، قصيدة طويلة يشعر قارئها بأنه يقيم بميدان التحرير، تلك القصيدة التي ولدت من رحم ثورة 25يناير فقد كان الشاعر يخترق صفوف المتظاهرين ويتعايش مع الحدث لحظة بلحظة، كان من المعارضين للنظام السابق، لم يضطر لركوب الموجة ونقده بعد سقوطه ولكنه انتقد مبارك في عز سطوته من خلال عدة قصائد شعرية" فكان معه هذا الحوار.. بداية نريد نبذة مختصرة عن ديوان (عاش النشيد) ومتي كتب؟ قصائد الديوان مكتوبة كلها عام 2005، عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس المخلوع لأول مرة علي منافسين صوريين! وكانت تمثيلية هزلية تابعنا جميعا فصولها فأضحكنا الممثلون والجوقة والمخرج والكومبارس! ويضم الديوان خمسة أناشيد أو قصائد، (نشيد الحرية- نشيد مبروك- نشيد الكرسي- نشيد مبارك- نشيد الخبب) وأول قصيدة نشرت بالصحف هي (نشيد مبروك) تحت عنوان: (مبروك مبارك)، حيث نشرتها جريدة (الدستور) القاهرية ثم جريدة (القدس اللندنية)، وهي أول قصيدة فصحي تنشر ضد الرئيس وعائلته بالاسم، وتصور فسادهم بصورة مباشرة وقبل ست سنوات من قيام ثورة 25 يناير، فلم يجرؤ أحد من الشعراء في ذلك الوقت علي مثل هذه المواجهة! ثم تلتها قصيدة (نشيد مبارك) بعنوان (مبارك مبروك). وقد تم جمع القصائد الخمس في ديوان صدر عن (مركز المحروسة للنشر) في يناير2006 . ومع قيام الثورة بدأ كل من كانوا خدما لرموز النظام حتي من بعض الأسماء الكبيرة الشهيرة، في مسابقة مخجلة لركوب موجة الثورة، حتي لقد أعلن شاعر عامية شهير أنه كتب (منافستو الثورة)! مع أنه كان قبل شهور يهنئ الرئيس بعيد ميلاده ويتمني له دوام البقاء صمام أمان للمصريين! صاحبت الثورة العديد من الأعمال الشعرية، فما رأيك في هذه الأشعار؟ هناك قصائد جيدة بلا شك لمحمد سليمان وأيضا بعض قصائد حلمي سالم، ومحمد إبراهيم أبوسنة، ولنا أن نقف عند قصائد أحمد عبد المعطي حجازي الثلاث: (إرادة الحياة) و(عودة الروح) و(الطغاة)، وكلها كتبت مع انفجار الثورة الذي فاجأنا جميعا، وعندما أتوقف عند هذه القصائد بالذات، فلأنها أعادت لنا الشاعر الرائد إلي كائنات مملكته بعد طول انتظار! ونحن نعلم أن تجربة أحمد عبد المعطي حجازي الشعرية لم تكن بحاجة إلي انتظار الثورة حتي تكتسب الصفة الثورية، فقد حفظنا له منذ قوله منذ أربعين عاما قوله: (قل لا هنا.. لتقولها في كل مملكة سواها) وترددت هذه النزعة الرافضة المتمردة من بعده في شعر أمل دنقل: (المجد للشيطان معبود الرياح.. من قال لا.. في وجه من قالوا نعم) إن حجازي في قصائده عن الثورة يعود إلي طريق كان هو الذي قد عبدها، ولكن المشكلة الكبري هي في تلك القصائد التي كتبها من ألقوا بأنفسهم في أحضان النظام السابق، وأحيوا بشعرهم أفراحه وأعياد شرطته، فقبضوا الثمن مضاعفا ونالوا العطايا بغير حساب، ثم إذا بهم بعد أن قامت الثورة يقلبون ظهر المجن، ليحدثونا بلا خجل عن منافستو الثورة! رأيك في انتقاد البعض لهذه القصيدة؟ القول النقدي المسئول في شعر الثورة لم يتبلور بعد، وهذا أمر طبيعي إذا كنا لا نريد أن نقنع بمجرد الانطباعات، ولا نود أن ننخدع بالضجيج الإعلامي الزائف! فهناك مجموعة من صغار الشعراء يروجون لأنفسهم وتزفهم بعض المنابر الإعلامية علي أنهم أصحاب الفرح وشعراء الثورة، بل وأمراء الشعر! فقد أثبت أحدهم علي غلاف ديوانه بالبنط العريض أنه أمير الشعراء! فلم يخجل حتي من أحمد شوقي، مع أنه لم يفز إلا بالمركز الثاني في مسابقة عربية لا تقدم ولا تؤخر بالمعيار الفني الحقيقي، وقصاراها أن تدر علي الفائز بها مبلغا كبيرا من المال! والغريب أن هذا الشاعر متهم الآن بسرقة شاعر معروف هو عبد الستار سليم! ومن هؤلاء الشعراء من دفعه غروره إلي إنكار تراث الشعر الثوري المعاصر كله وتجاهله! لم يتوقف ولو حتي عند أمل دنقل! وتمادي فأعلن أن شعره فوق سائر الجوائز، فلم توجد الجائزة التي ترقي إلي مستواه بعد! وإذا كان الشاعر وهو بعد لايزال يحبو في دهاليز اللغة، يجرؤ علي الشعر إلي هذا الحد، فلا أظن أن هناك خيرا يرجي منه. فهؤلاء الشعراء الثوريون الصغار هم كما نري، إما أن يحصلوا علي جائزة فيهولون ويبالغون، أو تفوتهم الجوائز فيتغطرسون ويتطاوسون! انتقدت مبارك وهو في الحكم، فكيف حدث ذلك؟ أنا لم أنتقد مبارك وحده في الحقيقة، فقد سبق لي أن كتبت قصائد ضد ديكتاتورية جمال عبد الناصر جمعتها في ديواني الأول: (وشم علي نهدي فتاة) عام 1972، وهو ما حدث مع أنور السادات، فديواني (لا نيل إلا النيل) يضم قصيدة بعنوان: (نيل السبعينات يتحدث عن نفسه) جاء فيها: في الزمن النحس../ من السبعينات الأنحس/ ذيل يترأس/ يتسلل بين الوقتين../ ويسرق تاج الوجهين ويجلس!/ والنيل يسيل كما كان يسيل/ فلم يتقلب في مجراه/ ولم ينبس! كانت هذه المواقف الثائرة علي ديكتاتورية الأنظمة العسكرية التي جثمت علي صدورنا منذ 1952 حتي ثورة يناير الماضي تيارا متواصلا في شعري كله، وربما تكون هذه المواقف قد تكثفت وعلت نبرتها في عهد مبارك، وربما يعود هذا إلي طول مدة حكمه طولا مفرطا بالقياس إلي سابقيه، وقد يعود في جانب منه إلي أني كتبت قصائد الثورة علي مبارك وورائي تجربتي الطويلة في هذا الاتجاه. كما يجب ألا ننسي أن الانحطاط في عصر مبارك بلغ مداه، ولذا فإن قصائدي في مواجهة مبارك ونظامه لم تكن محصورة في ديوان (عاش النشيد) وحده، بل هي موجودة أيضا في دواوين أخري مثل: (حجر الفلاسفة) و(مواقف أبي علي) الذي يضم قصيدة طويلة بعنوان: (الطوفان) سبقت طوفان سيد حجاب بعشر سنوات تقريبا. أما ما ينفرد به ديوان (عاش النشيد) الذي يضم (مبروك مبارك)، فهو القصائد الموجهة إلي مبارك وعائلته بالاسم الصريح، مع زبانية نظامه، وقد كانت مجازفة كبري أقدمت عليها عام 2005، وأنا أزعم أن ما أقدمت عليه في هذا الديوان لم يقدم عليه شاعر مصري آخر ممن يتسابقون اليوم علي لقب شاعر الثورة، والثورة منهم براء! هناك بعض الأعمال التي تنبأت بالثورة، فإلي أي مدي يجب علي المبدع أن يتمتع برؤية مستقبلية؟ الفن الحقيقي، لأنه يحلم دائما بالثورة وبالتغيير إلي ما هو أفضل، فهو قادر علي التنبؤ بما يحلم به، بغض النظر عن تحقق النبوءة أو عدم تحققها، أتحدث هنا عن النبوءة بمعني الحلم، أما هؤلاء الذين يزعمون أن قصائدهم أو رواياتهم قد تنبأت حرفيا بالثورة، فهؤلاء واهمون، أو بمعني أصح كذابون! وكلما ألحوا في إثبات نبوءتهم الزائفة، انكشف لنا بؤسهم، فكيف يتنبأ بالثورة من كان يستدفئ طول الوقت بعباءة النظام؟ كيف تري ثورة 25 يناير؟ وهل توقعتها؟ لقد استطاع هذا الجيل الشاب أن يحقق المعجزة ليزيح عن كاهل المصريين كابوسا مريعا استمر عقودا، وفشلت الأجيال السابقة في إزاحته، ولا أقصد نظام مبارك وحده، فما هو إلا امتداد تعيس لما سبقه، وأنا أنتمي إلي الجيل الذي شارك في ثورة يناير 1977 ضد السادات، وحين فشلنا أطلق السادات علي ثورتنا اسم: انتفاضة الحرامية! ولو فشلت ثورة 25 يناير لأطلق عليها مبارك اسما من هذا القبيل، ونكل نظامه بثوارها، لكن شباب الثورة صمدوا فنجحوا، كانوا يعرفون ما يريدون في أثناء الثورة فحسب، أما بعد الثورة فقد تشعبت بهم السبل وافتقدوا القيادة الواعية الموحدة، فأتاحوا الفرصة للتيارات والفصائل الدينية المتشددة لكي تتصدر المشهد وتسعي لسرقة ثمار الثورة. ويكذب عليك وعلي نفسه من يقول إنه توقع وقوع الثورة ونجاحها فقد فاجأتنا جميعا، بلا استثناء. يهتم الإبداع بإثارة العديد من القضايا المهمة التي تهم المجتمع فما هي القضية الملحة التي يجب أن يثيرها الإبداع حالياً؟ لا توجد قضية محددة أو روشتة جاهزة، فالمبدع هو دائما صانع قضاياه، والعبرة ليست بالقضايا نفسها، وإنما بأسلوب تناولها، ولنا أن نحترم المبدع اليوم حتي لو تجاهل الثورة وكتب عن الحب مثلا أو تبني أية قضية أخري، فالثورة كامنة بصورة غير مباشرة في كل نشاط إنساني حر، بل ربما كان شعر الثورة عموما ليس أفضل ما يكتب اليوم من شعر! ولكن الطامعين في لقب شاعر الثورة لا يدركون هذه الحقيقة، فلا يفطنون مثلا إلي أننا لم نعد نذكر شيئا من الشعر الذي واكب الأحداث الكبري في 1952 و1956 و1973 مثلا! بينما نستمتع ولا نزال بقصائد عاطفية لإبراهيم ناجي وعلي محمود طه وغيرهما. كيف تري علاقة المبدع بما تمر به البلاد من أحداث؟ لا مانع من أن يكون الشاعر حريصا علي أن يواكب الأحداث الكبري ليصورها في شعره، ولكن بشرط أن تكون هذه الأحداث العامة قد تحولت بالفعل إلي قضايا وهموم خاصة، تبدو كما لو أنها تهم الشاعر وحده وتعنيه هو بالذات، وما لم يتم هذا التحول سنظل أمام تجارب شعرية مصنوعة سيكون مصيرها غدًا سلة المهملات. كيف تري تأثير الثورة علي المشهد الأدبي في المرحلة المقبلة؟ ربما تنحسر بعض الموجات العدمية التي استسلمت من قبل لتجارب متطرفة في تقديس التفاصيل اليومية وتسفيه شعر القضايا الكبري، وربما يصدق هذا بصورة أقوي علي قصيدة النثر التي قد تجد نفسها في مأزق لم يخطر لأصحابها علي بال! تصر في معظم دواوينك علي اختراق التابوه الديني، فما ضرورة هذا؟ لا أوافق علي صيغة السؤال، فالفن لا يخترق المقدس أو الديني، وإنما هو يتزوجه، أو يمتزج به فحسب، وذلك لأن النص الشعري والنص الديني أو الفن والدين عامة، يشتركان معا في لغة واحدة هي لغة المجاز، وهذه اللغة الواحدة هي التي تخلع علي الفن الجميل قداسته في الوقت الذي تهب المقدس جماله، وما نراه من صراع بينهما، ليس صراع نقيضين أو غريمين، بل صراع شقيقين يتنازعان ملكية الأرض الواحدة التي يقف عليها كلاهما! ولولا هذا ما ظنت قريش القرآن شعرا. متي يمكننا القول إن هذا الأديب صاحب بصمة خاصة؟ حين يستطيع أن يصحبنا إلي قمة الجبل عبر طرق جديدة، كنا نعرف طرقا غيرها من قبل، وكنا نصعد إلي القمة، ولكننا معه سنري علي جانبي الطريق الجديدة أشجارا أخري أوتكوينات صخرية لم نرها من قبل، وربما نمر بمنعطفات ومنحنيات تبهرنا أو حتي ترعبنا لنضع أيدينا علي قلوبنا، قبل أن نلتقط أنفاسنا في لحظة الوصول. هل يجب علي المبدع أن يتبني موقفاً سياسياً معيناً؟ قال أحد المفكرين المعاصرين مرة: إن مجرد الإمساك بالقلم أو الفرشاة، هو في حد ذاته موقف سياسي! بهذا المعني يكون المبدع سياسيا من الطراز الأول، أما الانتماء السياسي الضيق لحزب أو تيار أو حتي لفكرة، فأنا أراه في غير صالح المبدع، لأن المبدع الحقيقي ليس باحثا عن اليقين، ولا هو صاحب أجوبة، بل هو بالأحري صانع أسئلة، وستظل الحياة في خياله لغزا، وسيظل الوجود كله مصدر دهشة وحيرة لا تنتهي، وهنا يكمن سر الإبداع العظيم في كل العصور.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.