أسعار الفراخ اليوم تصعق المربيين.. الكيلو ب 35 جنيه    انقطاع المياه بعد ساعات.. استعدوا الآن    انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة بين مصر وأنجولا لتعزيز العلاقات الثنائية وتنسيق التعاون المشترك| صور    سعر الدرهم الإماراتي اليوم في مصر.. استقرار كامل أمام الجنيه 12-12-2025    جامعة المنصورة تشارك في المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار    9 شهداء إثر انهيارات متتالية وغرق واسع جراء المنخفض الجوي في غزة    القوات الروسية تعلن تدمر 90 طائرة أوكرانية مسيرة    سلوت: أرغب فى بقاء محمد صلاح مع ليفربول.. وأنا صاحب التشكيل    الاحتلال: هاجمنا أهدافا عسكرية لحزب الله    سلوت: ليس لدي أسباب تجعلني أرغب في رحيل صلاح.. وهذا ما يجب حدوثه المرة المقبلة    بعثة بيراميدز تؤدي صلاة الجمعة في أحد فنادق مدينة لوسيل بالدوحة    28 لاعبًا في قائمة نيجيريا استعدادًا لأمم إفريقيا 2025    الأهلي يراقب 4 لاعبين في مركز الظهير الأيسر    الحماية المدنية بالفيوم تواصل جهودها لانتشال 3 جثامين لمنقبين عن آثار    تحضيرات خاصة لحفلات رأس السنة بساقية الصاوي، تعرف عليها    رحيل الناشر محمد هاشم مؤسس دار ميريت    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أنت صوفى ?!    مصر وقبرص تمضيان قدماً في تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في قطاع الطاقة    3 ضحايا في انهيار حفرة تنقيب داخل منزل بعزبة الحادقة بالفيوم    الصرف الصحي يهدد الأموات بالغرق والأحياء بالمرض في فاو قبلي بقنا    الحصر العددي، المرشحون الأكثر حصولًا على الأصوات في انتخابات النواب بالمنيا    الحصر العددي لأصوات الناخبين في دائرة المنتزه بالإسكندرية    وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر ال37 بالعريش    سبورت: الأهلي لن يسهل انتقال عبد الكريم إلى برشلونة    «الصحة»: H1N1 وRhinovirus أكثر الفيروسات التنفسية إصابة للمصريين    «المجلس الأعلى لمراجعة البحوث الطبية» ينظم ندوة لدعم أولويات الصحة العامة في مصر    وزيرة التنمية المحلية تناقش مع محافظ القاهرة مقترح تطوير المرحلة الثانية من سوق العتبة    ترامب يوقع أمراً تنفيذيا لمنع الولايات من صياغة لوائحها الخاصة بشأن الذكاء الاصطناعي    الصحة: إغلاق مركز Woman Health Clinic للعمل دون ترخيص وضبط منتحل صفة طبيب    جوتيريش: عام 2025 شهد أكبر توسع للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية    أمريكا تغرق.. فيضانات عارمة تتسبب في عمليات إجلاء جماعية بولاية واشنطن    مصر تتوج بفضيتين في الوثب العالي والقرص بدورة الألعاب الأفريقية    رئيس جامعة العاصمة: تغيير الاسم لا يمس الهوية و«حلوان» تاريخ باق    انطلاق القافلة الدعوية بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء إلى مساجد شمال سيناء    المنيا تحسم أصواتها.. 116 ألف ناخب يشاركون وعلي بدوي وأبو بريدعة في الصدارة    طريقة عمل الأرز بالخلطة والكبد والقوانص، يُقدم في العزومات    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 والقنوات الناقلة    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 12-12-2025 في قنا    القطري عبد الرحمن الجاسم حكما لمباراة بيراميدز وفلامنجو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 12-12-2025 في محافظة قنا    ترامب: أمريكا ستختتم العام باستثمارات قيمتها 20 تريليون دولار    ياسمين عبد العزيز: غلطت واتكلمت في حاجات كتير مش صح.. والطلاق يسبب عدم توازن للرجل والمرأة    تبرع هولندي بقيمة 200 مليون جنيه لدعم مستشفى «شفا الأطفال» بجامعة سوهاج    اللجنة العامة بأسيوط تستقبل محاضر الحصر العددي اللجان الفرعية استعدادا لإعلان النتيجة (فيديو)    مصرع تاجر ماشية وإصابة نجله على أيدى 4 أشخاص بسبب خلافات في البحيرة    ياسمين عبد العزيز: خسرت الفترة الأخيرة أكثر ما كسبت.. ومحدش يقدر يكسرني غير ربنا    تزايد الضغط على مادورو بعد اعتراض ناقلة نفط تابعة ل«الأسطول المظلم»    «ترامب» يتوقع فائزًا واحدًا في عالم الذكاء الاصطناعي.. أمريكا أم الصين؟    الحصر العددي لدائرة حوش عيسى الملغاة بانتخابات النواب بالبحيرة    فيديو.. لحظة إعلان اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات البرلمانية الجيزة    ظهر في حالة أفضل، أحدث ظهور لتامر حسني مع أسماء جلال يخطف الأنظار (فيديو)    رد مفاجئ من منى زكي على انتقادات دورها في فيلم الست    الصحة: نجاح استئصال ورم خبيث مع الحفاظ على الكلى بمستشفى مبرة المحلة    رئيس الطائفة الإنجيلية: التحول الرقمي فرصة لتجديد رسالة النشر المسيحي وتعزيز تأثيره في وعي الإنسان المعاصر    رحيل الشاعر والروائى الفلسطينى ماجد أبو غوش بعد صراع مع المرض    أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد رجب البيومي.. جلال الرحيل
نشر في القاهرة يوم 15 - 02 - 2011


السبت الموافق الخامس من فبراير2011م، رحل في هدوء العالم العربي الكبير دكتور محمد رجب البيومي وسط ضجيج الملايين الثائرة في التحرير وغيره، أغمض عينيه الكليلتين ، وخلد لراحة طويلة بعد ثمانية وثمانين عاما عاشها شيخنا مثالا نادرا للتدفق الإبداعي الهادئ الرقراق ، لكنه قدم نموذجا إنسانيا نبيلا للمثقف الملتزم بمعناه الأشمل، وقد كانت فترة رئاسته لتحرير مجلة الأزهر الشريف فترة عطاء وفير، حيث حدّث المجلة وجعلها أكثر تواصلا مع القراء ، بدون سلب طبيعتها المعتادة للقارئ ... أبو البنات علي غير عادة الفقهاء وأشباههم ، كان الراحل يكن للمرأة احتراما نادرا، ويجلها إجلالا يشيع في رؤيته وكتاباته ومواقفه ، كانت أمه واحدة من أحب وأهم الناس في حياته ، يقول عنها : "كانت أمي رحمها الله كاتبة قارئة، في زمان كانت فيه الريفيات القرويات بعيدات عن القراءة والكتابة، ولكنَّ والدها الشيخ العالم حبب لها ولأخواتها أن يقرأن ويكتبن ويحفظن القرآن، والقرآن يومئذٍ أساس السلوك الإنساني في الريف للرجل والمرأة معاً، وقد فتحتُ عيني صغيراً، لأري بعض السيدات يحضرن إلي منزل والدتي بعد الغروب، فتصلي معهن الصلاة، وينتظرن إلي العشاء فتأمهن صالحات قانتات، أما الوالد فبعد الغروب إلي ما بعد العشاء في المسجد القريب. وفي الخامسة من عمري كانت أمي توقظني عند الفجر لأذهب مع والدي إلي الصلاة في المسجد، ولم أكن وحدي، بل كان كثير من الأطفال يجيئون مع آبائهم مبتهجين، فيحدثون نوعاً من المشاركة الوجدانية، وقد التحقت بالمكتب الريفي في القرية، فكانت والدتي تحرص علي أن أعيد علي سمعها ما حفظت من سورة جزء عم، فإذا فرغت من سورة، أخذت تحفظني التي تليها، وهي تقول كي لا تتعب مع الفقيه، فيحبّك لأنك مجتهد، فلمَّا حفظت الكثير من القرآن كانت تحرص علي امتحاني، فتطلب مني أن أسمعها سورة كذا وكذا، وظلَّ هذا شأنها معي ومن جاء بعدي من الإخوة». كانت قرية "الكفر الجديد " التابعة لمركز المنزلة دقهلية مسرحا لهذه الأمومة الحانية المربية الخالصة ، حيث ولد محمد رجب البيومي - في أكتوبر عام 1923م ورغم قسوة هذه البيئة وفقرها ، فقد نشأ فتانا شفوقا حييا ، يقول عن نفسه " فأنا إنسان أشفق من قتل البرغوث، وسحق الصرصور، ويسوؤني أن أجد خادماً تتألم في منزلي" هذا الحدب والتعاطف علي المرأة نجده يتجلي مع شريكة حياته التي أنجبت له سبعا من البنات وولدا وحيدا هو الدكتور حسام طبيب الأطفال، وقد فقد د. رجب البيومي زوجه وهو بالرياض ، فحز في نفسه الفراق، ورثاها بديوان تام شهير في تاريخ الأدب العربي كله ، هو ديوان "حصاد الدموع " يقول في قصيدة من قصائد الديوان : أجل، هي كانت في البلايا طبيبتي فيا لجراحٍ بعدها ليس تدمل فكانت نعيم الله يبهج منزلي وها هو ذا عن وجهتي يتحوَّل هياماً به إذ صار منزل حسنها فما شاقني من بعدها اليوم منزلي إذا صاحت الأطفال (ماما) فإنني بوازوجتا، ما بين نفسي أولول العميدة كانت الفترة التي عمل بها دكتور رجب البيومي في معهد المعلمين شديدة الثراء ، فقد التقي سيدة كانت تدير المعهد ، لكنها كانت نموذجا فذا للمرأة العاقلة المتزنة الواعية بلا شهادة دكتوراة أو غيره ، ويحكي هو عنها حين كان في فترة عمله بالاسكندرية - حيث التقي بزوجته - وكانت من طالبات التعليم - هناك كانت عميدة المعهد - معهد المعلمين - حيث كان يدرّس ، سيدة فاضلة ، وقفت كثيرا معه أعز المواقف ، يذكر أنه حين كانت فسحة الغذاء ، كان الزملاء يجهزون خطبا تمتدّ إلي الساعة ونصف الساعة، بإلقاء كلمات وطنية، فكان الزملاء يتحدثون في تكرار عن ثورة الجيش، ومحو الإقطاع وإلغاء الألقاب وحرب القناة، ورأيت أنَّ الطالبات ينسحبن ولا يسمعن، فإنَّ التكرار الصباحي والمسائي وفي الظهيرة قد أدخل السأم علي نفوسهن، فجعلت أحاضر في يومي الأسبوعي عن الشهيرات من نساء الإسلام، كعائشة وخديجة والخيزران وزبيدة والخنساء، فوجدتُ إقبالاً منقطع النظير، وكأنَّ أحد الزملاء غاظه هذا التوفيق، فكتب إلي المباحث خطاباً مجهول التوقيع يقول إنني معروف بميولي الخاصة للإخوان المسلمين؛ لذلك لم أتحدث عن أعمال الثورة المجيدة، وترك الخطاب أثره، فإذا بزائر رسمي يأتي إلي مكتب العميدة ليسألها عن ميولي الإخوانية، فتشجعتْ شجاعة باسلة، وقالت: لم أعرف عنه ولم أسمع عنه إلا كل ولاء وتقدير للثورة، ولو شممت منه ما يدلّ علي انحرافه لكنت أول مطالبة باستبعاده! قال الزائر: ولكنه لم يتحدَّث إلا عن النساء المسلمات مثل عائشة وخديجة، ولم يكن كبقية الزملاء، فابتسمتْ وقالت في وداعة: الطالبات شكون لي أنَّ الحديث متكرر يسمعنه في الإذاعة المدرسية والإذاعة العامة، ويقرأنه في الجرائد اليومية وهنَّ لا يستفدن منه، وأمام هذه الشكوي طلبت من الأستاذ أن يختار شخصيات نسائية من التاريخ لتجبر الطالبات علي الاستماع ولا يتهرَّبن! وقام بتوجيهي بالحديث عن هؤلاء فصادف حسن القبول، فإذا أردتم أن أمنعه فلكم ما تشاؤون! فقد تحدَّث بأمري وتوجيهي! قال الزائر: حديثك معقول. وهنا قالت: هل هناك صلة بين عائشة والخنساء، والإخوان المسلمين؟ إنني لا أجد صلة إطلاقاً! فخرج الزائر دون أن يستجوبني، وعلمت بما كان من وكيلة الدار، فهرعت إلي السيدة الفاضلة أشكرها! فقالت: لقد أطفأت النار يا رجب، وأعفيتك من المحاضرات نهائياً، حضر الطالبات أم لم يحضرن! تركة نادرة التأمل فيما تركه الراحل ، يدهش العقول ، لكثرته وتنوعه معا، حيث أصدر موسوعة ضخمة من خمسة مجلدات بعنوان" النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين" وله أيضا البيان القرآني، خطوات التفسير البياني ، البيان النبوي، أدب السيرة النبوية عند الرواد المعاصرين ، الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير، النقد الأدبي للشعر الجاهلي، أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد، دراسات أدبية، حديث القلم، قطرات المداد، " الأزهر بين السياسة وحرية الفكر، ومواقف خالدة لعلماء الإسلام وكلاهما عن دار الهلال، وآثاره الأدبية عديدة فقد أصدر دواوين عدة منها ( صدي الأيام) وديوان " حنين الليالي " وديوان " من نبع القرآن " . كما أصدر عددا من المسرحيات منها مسرحية (انتصار) مسرحية (فوق الأبوة) ومسرحية "ملك غسان " وكتاباته التاريخية المدققة أكثر من أن تحصي منها ... كما كتب كثيرا للأطفال ، وكتب عددا هائلا من كتب السير الذاتية للراحلين أمثال أحمد امين وفريد وجدي وحسين هيكل وغيرهم ، كان الراحل عميدا لكلية اللغة العربية التابعة لجامعة الأزهر، فرع المنصورة ، ورأس تحرير مجلة الأزهر، كما شارك في تحرير مجلة المنهل والرسالة والهلال وغيرها الكثير. مرحوم مبكرا في جريدة " عكاظ " كتب الدكتور عائض الردادي يوم 17 يوليو 2006م رثاء حارا للدكتور رجب البيومي، مثنيا علي إنتاجه وأخلاقه وأفكاره، منهيا مقاله بقوله : رحم الله البيومي فقد كان علماً سلك نفسه في سلسلة أعلام العرب بإنتاجه أدباً ونقداً وكتابة وتاريخاً ومنافحة ودرساً وأصالة رأيا ومنهجا في زمن الانكسار أمام هجمة الثقافة الوافدة. ويبدو أن ضعف الشيخوخة والتواري عن الظهور وطبيعة العصر قد جعلت خبر وفاته محتملا لدي الكاتب، ورغم أنه لم يتثبت إلا أنها شعلة وفاء طيبة لا يمكن رفضها، وقد كان من أواخر ما أملاه شيخنا الدكتور رجب البيومي، مقدمة كتبها لمجموعة مقالات محب الدين الخطيب، بدأها بقوله (أُملي هذه السطور وأنا أرزح تحت سطوة كبر السِّنّ وتقادم العمر، من عاش أخلقت الأيام جِدّته ... وخانه ثقتاه السمع والبصر..) ثم يصف الخطيب بقوله (ياللأسي أقول بكل مرارة وحسرة وألمْ إنَّ هذا الرجل العظيم من المبخوسين والمظلومين من جيله، فقلما يجد الباحث دراسات أو كتابات عن هذا العملاق وأثره في الدعوة الي الله وإلي عزّ ورقي الأمة الاسلامية وقد كان من أقطاب وأركان النهضة الإسلامية . فهل كان يرثي نفسه ؟ !!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.