مرت الأيام بأحداثها المتنوعة بين الحلاوة والمرارة سريعة لاهثة، ونجحت كعادتها في التفريق بين الأصدقاء وزملاء المسيرة ولكنها لحسن الحظ لم تستطع أن تسقط من الذاكرة تلك المواقف الكثيرة والذكريات الجميلة بمرحلة البدايات، فظل الاحترام والتقدير متبادلا والرغبة والأمل في تحقيق التعاون الفني قائما ومستمرا، لذلك كم كانت قاسية تلك اللحظات التي فوجئت فيها بخبر رحيل الصديق المبدع مهدي يوسف، وبالتحديد من خلال سطور قليلة بصفحة الوفيات بجريدة الأهرام بتاريخ 13 أغسطس 2010 (الموافق الأول من رمضان)، وانتظرت أن يشارك جميع زملاء المسيرة في تأبينه ولكن للأسف فقد رحل في صمت شديد يتناسب مع شخصيته المتواضعة التي تميل إلي الهدوء كما يتناسب مع طبيعة الإنسان اللاهث في هذا العصر والذي يتسم بالجحود والنكران، ولذا يكون لزاما علينا اليوم ونحن في بداية عام جديد أن نتذكره مع مجموعة المبدعين الذين رحلوا بأجسادهم هذا العام وظلوا بالذاكرة بإسهاماتهم الإبداعية. والكاتب المبدع مهدي يوسف (اسمه بالكامل مهدي محمد يوسف إسماعيل) من مواليد أول نوفمبر عام 1948 بحي السيدة زينب بالقاهرة، وقد أتاحت له نشأته بهذا الحي فرصة مبكرة للإطلاع علي الفنون المسرحية من خلال أصدقائه هواة المسرح وبالتحديد كل من الفنانين نور الشريف وأحمد عبد الوارث وأحمد راتب وعهدي صادق وخليل مرسي وشوقي شامخ، كذلك تأثر كثيرا بوالده المثقف الاشتراكي الذي كان ينتمي لبعض المنظمات اليسارية وصديق عدد كبير من كبار المبدعين وفي مقدمتهم الفنان حسن فؤاد والموسيقار سيد مكاوي والشاعرين القديرين فؤاد حداد وصلاح جاهين. وقد حصل الصديق الراحل مهدي علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1972، وعين بعد تخرجه لفترة بمحكمة جنوبالقاهرة، ولكن حبه للفن دفعه إلي استكمال دراسته بأكاديمية الفنون وبالتحديد بالمعهد العالي للنقد والتذوق الفني، ليحصل علي دبلوم الدراسات العليا عام 1983، ويتفرغ للكتابة الدرامية بعد ذلك. وكان من الطبيعي أن يبدأ في التعبير عن موهبته الفنية بمرحلة الهواية خلال النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وذلك حينما شارك ككاتب وممثل ومخرج ببعض العروض المسرحية، وبالتحديد من خلال المشاركة بالأنشطة المسرحية بمركز "شباب المنيل" ثم من خلال "الجمعية المصرية لهواة المسرح" ومهرجاناتها المتخصصة ومن بينها المهرجانات الثلاث للمونودراما التي نظمتها الجمعية خلال الفترة من 1984 إلي 1978، ومهرجان "المسرح التجريبي الأول" الذي نظمته الجمعية عام 1986، حيث ساهم بتقديم ثلاثة عروض من أفضل العروض التي قدمت بالمهرجانات وهي بالترتيب: "3333" من إخراج وبطولة عزة الحسيني، "أوديب ابن أختي" من إخراج عمرو دوارة وبطولة نورا أمين، "الحياة... الزواج والموت" من إخراج مهدي يوسف وبطولة وجيه عجمي. وحول مساهمات مهدي يوسف كرجل مسرح خلال هذه الفترة كتب الناقد والشاعر عمر نجم بمجلة القاهرة (العدد 63، 15 سبتمبر 1986): (قليل من فنانينا الكبار حاول أكثر من مرة أن يجمعوا بين التأليف والإخراج في المسرح، ولكن النجاح في التوفيق بين الكتابة والإخراج جاء مؤشره مذبذبا، ولكن الغريب هنا أن يجيء فنان من هواة المسرح لينجح فيما فشل فيه السابقون، فالحركة التي رسمها مهدي يوسف لممثليه مكملة للكلمة التي كتبها، حتي يبدو للمشاهد أن فنانين يقفان وراء العمل وليس فنانا واحدا). حياته الخاصة برغم أنني من أنصار ذلك الاتجاه الأدبي الذي يحرص علي عدم التعرض للحياة الخاصة للمبدع وذلك لإيماني بأن ما يخصنا هو إبداعه الأدبي أو الفني فقط، وأن حياته الشخصية هي ملكه له وحده، إلا أنني أقدم هنا استثناء فريدا وذلك لأنني أري ضرورة التطرق إلي بعض ملامح الحياة الشخصية لهذا المبدع، وذلك لكونه نموذجا مشرفا بحق للكاتب الذي يعتز بقلمه ويرفض توظيف علاقاته الأسرية لخدمة مصالحه، ويكفي أن نذكر أنه صهر للكاتب السياسي الكبير د.عبد المنعم سعيد وشقيق زوجة الفنان القدير أحمد راتب، ومع ذلك لم يفكر يوما أن يستفيد بما لكل منهما من نفوذ ومحبة في قلوب الكثيرين، وذلك بالإضافة إلي أن معاناته الشخصية مع محنة زوجته المخلصة السيدة مني حسان التي توفيت بعد معاناة مع ذلك المرض الخبيث قد انعكست ببعض أعماله الأخيرة ونظرته الفلسفية لثنائية الحياة والموت، وربما لهذا السبب لم يوفق في زواجه الثاني بعد وفاتها (حيث تزوج من الفنانة نجاح حسن عام 1999، وهو الزواج الذي استمر حتي عام 2006)، والجدير بالذكر أن للكاتب مهدي يوسف ولدين فقط من زوجته الأولي وهما رامي وأدهم. أهم الأعمال الإبداعية لم تقتصر أعمال الكاتب القدير مهدي يوسف علي مجال المسرح فقط بل قام أيضا بكتابة مجموعة من الأعمال الفنية المتميزة في كل من السينما والتلفزيون، وبالتالي يمكن تقسيم مجموعة أعماله الإبداعية بصفة عامة إلي ثلاثة أقسام رئيسية كما يلي: أولا: المسرحيات: يمكن تقسيم المسرحيات التي كتبها إلي قسمين، ويتضمن القسم الأول تلك المسرحيات التي كتبها بالمرحلة الأولي للاحتراف، وهي مرحلة محاولة إثبات الذات واقتحام عالم النجوم، ويشتمل إنتاج هذه المرحلة علي مجموعة من المسرحيات التي كتبها للتصوير التليفزيوني وقام بإخراج أغلبها المخرج المسرحي عبد الغني زكي كما قام بإخراج بعضها المخرج فيصل عزب، ومن بينها: "العز وأكل الوز" بطولة أحمد أدم، "سباك الساعة إتناشر" بطولة أحمد بدير، وممدوح وافي، "الواد شطارة" (عرضت بالكويت) بطولة عمر الحريري، ميمي جمال، حسن حسني، هالة فاخر، "البحث عن وظيفة" بطولة وحيد سيف، سعاد نصر، صلاح عبد الله، علية حامد. أما مسرحيات القسم الثاني أو مسرحيات مرحلة النضج فتشتمل علي مجموعة من المسرحيات الجماهيرية التي شارك بإخراجها نخبة من كبار المخرجين ومن بينها "علي بلاطة" لفرقة أوسكار عام 1993 من إخراج محمد صبحي وبطولة صابرين وممدوح وافي وسناء يونس وعماد رشاد، "ماما أمريكا" لفرقة محمد فوزي عام 1994 وقد شاركه التأليف الفنان محمد صبحي الذي قام بإخراجها وبطولتها وبمشاركة كل من هناء الشوربجي وشعبان حسين ورياض الخولي، "يوميات ونيس" لفرقة محمد فوزي عام 1997 وقد شاركه التأليف الفنان محمد صبحي الذي قام بإخراجها وبطولتها وبمشاركة كل من سعاد نصر وجميل راتب، كما قام بإعداد مسرحية «لعبة الست» عام 1998 بمشاركة الفنان محمد صبحي أيضا والذي قام بإخراجها وبطولتها بمشاركة سيمون وأركان فؤاد وخليل مرسي وأمل إبراهيم، "برهومة وكلاه البرومة" عام 2005 لفرقة مسرح الفن من إخراج جلال الشرقاوي وبطولة محمود الجندي وأحمد أدم وميسرة. وكانت آخر أعماله المسرحية التي أكملها ولم تر النور بعد مونودراما نسائية بعنوان "من الناحية الأخري". والحقيقة التي يجب تسجيلها حول إبداعاته المسرحية هي نجاحه في كسب ثقة الفنان الكبير محمد صبحي - بعد انفصاله علي زميل كفاحه لينين الرملي - وبالتالي نجاحهما معا في تقديم أكثر من تجربة متميزة وإن كانت مسرحية "ماما أمريكا - من وجهة نظري - تظل هي قمة ودرة هذا التعاون الفني بينهما. ثانيا: المسلسلات التلفزيونية: يوميات ونيس (من الجزء الأول حتي الجزء الرابع) إخراج أحمد بدر الدين وبطولة محمد صبحي وسعاد نصر وجميل راتب ومحمود أبو زيد، "سارة" إخراج شيرين عادل وبطولة حنان ترك وأحمد رزق، "والله ما أنا ساكت" إخراج حسن حافظ وبطولة محمد رياض وندي بسيوني وميمي جمال، "الشارد" إخراج عمر عبد العزيز وبطولة حسين فهمي وسوسن بدر وجومانا مراد، "أبناء ولكن" إخراج رضا النجار وبطولة تيسير فهمي وعبلة كامل ومحمد رياض، «لقاء السحاب» بطولة كمال الشناوي وعبد المنعم مدبولي، "القرموطي" إخراج أحمد بدر الدين وبطولة أحمد آدم ومحمد أبو داود، "بسيوني بسعر السوق" إخراج حسيب يوسف وبطولة أحمد راتب وسعاد نصر وأحمد توفيق، "الحكايات الساخنة" إخراج عادل قطب وبطولة هالة صدقي وأحمد راتب وسامي مغاوري، "حارة العوانس" بطولة ماجدة زكي وكمال أبورية وشيرين. ثالثا الأفلام السينمائية: قام المبدع مهدي يوسف بكتابة القصة والسيناريو والحوار لأربعة أفلام وهي: "ليلة في شهر 7"(عام 1988) من إخراج عمر عبد العزيز وبطولة عزت العلايلي وميرفت أمين وحسين الشربيني، ثلاثة علي واحد (1990) من إخراج يس إسماعيل يس وبطولة سميرغانم وسحر رامي وحنان شوقي وأحمد بدير، "الكابتن وصل" (1991) ومن إخراج أحمد ثروت وبطولة سميرغانم وهياتم وهادي الجيار، "البيه صديقي" من إخراج أحمد ثروت وبطولة سميرة صدقي و أحمد راتب وحاتم ذو الفقار ونبيل الهجرسي. ويبقي أخيرا ذلك السؤال التقليدي الذي لا يكشفنا ويفضحنا أمام أنفسنا فقط بل ويضعنا أمام مسئولياتنا كنقاد وفنانين وهو: ألا يستحق هذا المبدع التكريم الذي يليق بأمثاله، وألا تستحق جميع هذه الأعمال الفنية التي قضي أياما وشهورا وسهر الليالي من أجل إنجازها الرصد الدقيق والتوثيق مع إعادة تقديمها ؟؟، إنها مجرد أسئلة أترك للضمير الأدبي وللزمن الإجابة عليها. رحم الله هذا الفنان المبدع صاحب القلم الجاد جزاء ما سهر الليالي في محاولة لتقديم فن راق يساهم في كشف وعلاج الكثير من أوجه القصور في حياتنا المعاصرة، كما يساهم في تقديم كل من المتعة والسعادة لأبناء وطنه.