عندما يصل هذا العدد من جريدة القاهرة للأسواق، يكون قد مر عدة ساعات علي إعلان جوائز الدورة 67 من الجولدن جلوب، وبما اني أكتب هذه المقالة صباح الأحد، بعد أن انتهيت من مشاهدة معظم الأفلام المتسابقة، فيمكن أن أضع بعض التصورات عما يمكن أن تنتهي إليه النتائج، والحكاية لا تعتمد علي التخمين، ولكن علي عدة عناصر أهمها متابعة آراء النقاد"الأجانب"، وكيفية استقبال الأفلام مضافة إليه الحس الشخصي، ولكن قبل ان ندخل الي التوقعات،التي يمكن ان تنجح بنسبة 90%، فلنتابع أولي نتائج موسم الجوائز، وهي نتائج الدورة ال16 لجمعية النقاد في أمريكا تلك التي ظهرت نتائجها يوم الجمعة الماضي وجاءت نتائجها، كالآتي.. أفضل فيلم "الشبكة الاجتماعية - فيس بوك"وأفضل ممثلة "نتالي بورتمان"عن فيلمها الرائع البديع"البجعة السوداء"BLACK SWAN"، أفضل ممثل "كولين فيرث" عن فيلم "خطاب الملك"THE KINGS SPEECH "، أفضل ممثل مساعد"كريستيان بال" عن فيلم المقاتل "THE FIGHTER " أفضل ممثلة مساعدة"ميليسا ليو" عن المقاتل،أفضل مخرج "دافيد فينشر" عن فيلم "الشبكة الاجتماعية -فيس بوك "، أفضل سيناريو مأخوذ عن نص أدبي"آرون سوركين" عن "الشبكة الاجتماعية- فيس بوك"وهو مأخوذ عن كتاب "ميليونير بالصدفة "ليبن ميزيك"، وأفضل سيناريو كتب خصيصا للشاشة"دافيد سيدلر" عن فيلم خطاب الملك ،أفضل ممثلة ناشئة" هالي ستينفيلد" عن فيلم "ترو جريت" والفيلم من إخراج الأخوة "كوين"، وأفضل فيلم رسوم متحركة" قصة لعبة 3"،بينما فاز فيلم "PACIFIC"وهو مسلسل من عشر حلقات تدور أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية بين ثلاثة جنود مارينز ألقي بهم علي شواطئ اليابان، وفاز بجائزة أفضل فيلم تليفزيوني،أما جائزة افضل فيلم أجنبي فذهبت للفيلم السويدي "الفتاة ذات وشم التنين"، وتدور أحداثه حول صحفي يبحث عن سر اختفاء امرأة تم اختطافها من أربعين عاما! أما جوائز أفضل تصوير ومونتاج، ومؤثرات وصوت فكانت من نصيب فيلم البداية"inception" ، بينما فاز فيلم "أليس في بلاد العجائب" بجائزتين هما أفضل ماكياج وأفضل ملابس! وأعتقد أن جوائز الجولدن جلوب لن تخرج كثيراً عن هذه النتيجة التي وضعها النقاد، خاصة أنها تصدر عن رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود، وقيمة تلك الجوائز أنها تعطي مؤشرات لما يمكن أن تكون عليه نتائج الأوسكار، ولكن علينا ان نضع حساب المفاجآت،التي قد تقلب التوقعات رأسا علي عقب! جوائز المشاركة كثيرًا ما يحدث أن يتنافس خمسة من المرشحين علي جائزة أفضل ممثل أو ممثلة، وتختار من بينهم الأفضل فالفروق قد تبدو طفيفة للغاية، وقد تكون غير موجودة بالمرة، ولكن في النهاية لابد وان يكون هناك فائز واحد،وحكاية مشاركة اثنين من الممثلين في جائزة واحدة مناصفة،لاتحدث إلا في حالات نادرة، وغير متكررة، وفي العام الماضي اشتركت كل من ساندرا بولاك وميريل ستريب في جائزة أفضل ممثلة في الجولدن جلوب، ولكن ساندرا بولاك انفردت بالاوسكار وحصلت عليه لأول مرة في حياتها عن دورها في فيلم"الجانب المظلم"، وهذا العام لاتوجد أي منافسة لنتالي بورتمان عن دورها في البجعة السوداء، رغم وجود أربع ممثلات أخريات مرشحات للجائزة بينهن نيكول كيدمان، إلا أن أداء بورتمان يضعها خارج المنافسة، فهو كما يقال دور عمرها، وقد أدته بتفان ليصل لدرجة الانصهار مع التركيبة الصعبة للبطلة، وهي راقصة باليه شابة، تحلم بدور البجعة السوداء في باليه بحيرة البجع،والدور يتطلب مهارات خاصة، وحالة إبداعية لا تصل إليها الراقصة،إلا بعد أن تتجرع الألم، وتنال قسطا من خبرات الحياة، التي تتفاني مع براءتها المفرطة،الفيلم يقتحم أعماق النفس البشرية، ويتمركز عند النقطة الفاصلة بين النقاء والفجور،أو الخير والشر،والصراع ينبع من داخل الشخصية وليس من خارجها،وتدفع البطلة حياتها ثمنا للحظة إبداع عبقرية، تصل اليها أخيرا بعد الكثيرمن المحاولات الفاشلة! أما جائزة أفضل ممثل فكان يتنافس عليها "كولين فيرث" مع "جيمس فرانكو"النجم الشاب الذي لعب دورا لاينسي في فيلم 127 ساعة، ولكن وجود فيرث وفيلمه خطاب الملك هذا العام،ربما يضعف فرصة فرانكو في الحصول علي الجائزة ولكن من يعلم،فقد تأتي جوائز الاوسكار بمفاجآت لم تكن في الحسبان! تجربة قاسية بعد أن حصد فيلم «مليونير العشوائيات» للمخرج البريطاني "داني بويل" ثماني جوائز أوسكار في عام 2009،كان السؤال عن الفيلم الذي يمكن أن يعيد المخرج لدائرة الضوء مرة أخري،وهذا العام يعود داني بويل بفيلم يليق به فعلا، وهو مأخوذ عن تجربة حقيقية،حدثت لشاب رياضي يتسلق الجبال هو" آرون رالستون" الذي وقع في تجربة شديدة القسوة عندما سقط في أخدود،يبعد عن سطح الأرض مئات الأمتار، وعن سطح الجبل مئات أخري، وانحشرت ذراعه اليمني،تحت صخرة سقطت عليه فشلت حركته تماما،آرون رالستون كان قد خرج من بيته في صباح أحد أيام عام"2003" وأعد العدة لتسلق الجبال، وهي رياضة يتقنها ويحترفها ويعرف كل ما يحتاجه لممارستها،فهو يعشق المغامرة ويتقنها وقد تدرب عليها وحفظ دروبها، وحمل معه زجاجة مياة تكفيه لعدة ساعات لا تزيد علي أربع، كما حمل معه عدة ثمارات من الفاكهة، وبعض علب العصير، بالإضافة لكاميرا فيديو اعتاد ألا تفارقه في مثل تلك المغامرات،ليسجل من خلالها إنجازاته ومهاراته التي يفاخر بها بين أقرانه وأصدقائه، ولكنه نسي عن عمد أو يمكن أن تقول إنه كان حريصا علي ألا يخبر أحداً بمكانه،خرج من منزله وهو واثق أنه سوف يعود بعد عدة ساعات،ولكن الأمور لم تسر وفق خطته،فقد مر في هذا اليوم بحدث أو حادثة غيرت مجري حياته تماما،فقد سقط من اعلي الجبل وسقطت فوقه صخرة "حشرت يده اليمني"،وظل في محاولات للخروج من هذا المأزق أو الكارثة، استمر لخمسة أيام بلياليها، نفد منه الماء والطعام، وأدي حشر ذراعه إلي عدم وصول الدم لها، مما هدد جسده كله بحالة من الغرغرينا، فاضطر الي بتر ذراعه بسكين مطواة كان يحملها! وقبل أن يصل إلي هذا القرار كان قد وصل إلي حالة هذيان ناتجة عن الجوع والعطش والإرهاق واليأس الذي استبد به وجعله يشرب من "بوله" ليحافظ علي حياته،وأثناء ساعات الانتظار الطويل، يتمكن لاول مرة من تأمل حياته، وعلاقته بأسرته وأصدقائه، ويكتشف أنه كان أنانيا مزهوا بنفسه، لم يفكر في الآخرين،لدرجة أنه لم يعلن أحدا بمكانه أو بنيته الخروج لتلك المغامرة، وقد نجح المخرج داني بويل في تقديم أقصي درجات الاثارة والترقب رغم أن بطل الفيلم"عاجز عن الحركة تماما" إلا أن محاولاته الدءوبة لإنقاذ نفسه، وتوقع ان يحدث الانقاذ من الخارج،جعل المشاهد مشحونا بحالة من التوتر،ربما تزيد علي حالة بطل القصة نفسه، وقد بدأ المخرج فيلمه باستعراض مشاهد لأناس في أماكن مختلفة، يمارسون أنشطة الحياة بكل ألوانها، واشكالها وكأنه يقول ان في اللحظة التي يمكن ان تكون فارقة بين الحياة والموت،يندفع العالم من حولك في حالة من النشاط والحركة، كل في طريقه، ومسعاه، بينما انت قابع في مكانك مزنوق في أخدود جبل لايعرف بوجودك في هذا المكان مخلوق، وعليك أن تدبر حالك وتنقذ نفسك، وإلا فأنت هالك لا محالة! كان الممثل الشاب جيمس فرانكو يستحق جائزة عن هذا الدور، ولكن وجود كولين فيرث بطل خطاب الملك ربما يكون حائلا بينه وبين الجائزة، وللأسف لم يرشح المخرج داني بويل لجائزة الإخراج، لوجود منافسين اشداء هذا العام،ولم يحصل فيلم 127 ساعة إلا علي جائزة أفضل أغنية تلك التي وضع ألحانها الموسيقار الهندي "إيه أتش رحمن" الذي حصل علي جائزة الأوسكار عن موسيقي فيلم مليونير العشوائيات!