تتزايد حمي التكهنات، والتوقعات عن نتائج الجولدن جلوب، التي تعلنها رابطة نقاد الصحافة الأجنبية في هوليوود في السادس عشر من يناير الحالي، وقد رجحت توقعات النقاد كفة الممثلة الشابة نتالي بورتمان، للحصول علي جائزة افضل ممثلة عن دورها الخلاب في فيلم البجعة السوداء"، الذي ينافس أربعة أفلام أخري علي لقب أفضل فيلم "خطاب الملك"، "الشبكة الاجتماعية-فيس بووك"، البداية و"المقاتل" وهو الفيلم المرشح ل6 جوائز منها أفضل مخرج"دافيد أو راسيل"، وأفضل ممثل دور أول "مارك واهيلبرج"، وأفضل ممثل دور ثان "كريستيان بول"، وأفضل ممثلة دور ثان "إيمي آدمز"، و "ميليسا ليو"! قصة حقيقية وأحداث فيلم المقاتل "THE FIGHTER" .. مأخوذة عن قصة حقيقية حدثت في سنوات الثمانينات، حول الملاكم ذي الأصول الأيرلندية"ميكي وارد" ويلعب دوره "مارك واهيلبرج"، والطريف أن السينما الأمريكية قدمت عدداً لابأس به من الأفلام، التي تدور حول أبطال الملاكمة، معظمها حقق نجاحاً علي الصعيدين الفني والجماهيري، ومعظمها ايضاً قفز بنجومها الي الاوسكار أو علي اقل تقدير الترشيح للأوسكار!ومنها فيلم البطل الذي تم إنتاجه عام 1949 ولعب بطولته كيرك دوجلاس، والثور الهائج للمخرج مارتن سكورسيزي الذي تم إنتاجه عام 1980 وكان من بطولة روبرت دي نيرو، وفيلم روكي الذي اخرجه ولعب بطولته سيلفستر ستالون عام 1985، وعلي الذي لعب بطولته "ويل سميث" عن حياة محمد علي كلاي، و"سانديريللا مان" بطولة راسل كرو، والقائمة طويلة يصعب حصرها في مقال واحد! عالم المخدرات تدور أحداث المقاتل حول عائلة كبيرة العدد، مكونة من الام "أليس" وابنائها الثمانية"6 فتيات وشابين"، وتدير الام بقوة وحسم حياة ابنها" ميكي" الذي يعتبر أهم استثمار للعائلة، أو الفرخة التي تبيض ذهباً، فهو ملاكم موهوب، يمكن الرهان عليه، وقد حقق بعض النجاح في حلبات الملاكمة، بفضل رعاية أخيه الأكبر "ديكي" كريستيان بول، الذي كان يحلم هو نفسه أن يكون أحد نجوم الملاكمة، غير أن انخراطه في عالم المخدرات والجريمة، حطم أحلامه الشخصية، فوجد في أخيه الاصغر أملاً يعوض به أحلامه الضائعة، غير أنه اساء كثيرا لنفسه ولشقيقه باستهتاره الشديد بمواعيد التدريب، الأمر الذي أدي بميكي الي هزائم متلاحقة، ومع ذلك فإن الام التي تدير حياة ميكي وتعمل مديرة لأعمالة ترفض تماماً أن تلجأ الي مدرب آخر غير ابنها الاكبر، ولكن تتغير الأمور، عندما يقوم ديكي بالاعتداء علي رجل شرطة، ويتم محاكمته ليقضي في السجن فترة عقوبة تقترب من العامين، أما الشقيق الاصغر ميكي فإن حياته تتغيرتماما، بعد ان يلتقي بفتاة تعمل في بار، هي "تشارلين " وتلعب دورها إيمي آدمز، التي تجد معه أملا في الخروج من حياتها البائسة، وتدرك تشارلين أن مشكلة ميكي تكمن في ارتباطه الشديد بعائلته، وخضوعه لسيطرة أمه، واشقائه، فتحاول ان تبعده عنهم، وتنمي داخله الرغبة في الاستقلال والنجاح بدونهم، وتتمكن الفتاة فعلاً في إبعاد ميكي عن عائلته، ولكن الأم لاتستسلم بسهولة لذلك، وتجمع بناتها الست، ويذهبن الي شقة تشارلين ليوسعنها ضرباً علي طريقة "نسوان العشوائيات"، وهنا يتدخل ميكي ويأخذ لاول مرة موقفا ضد أمه، ويخبرها أنها لم تعد مديرة لأعماله، ويستبدلها بتشارلين، التي تشجعه علي التعامل مع مدرب آخر، يحقق معه نجاحات متتالية، ويرتفع شأنه، ليصبح أحد ابطال الملاكمة في الوزن الخفيف!لكن الحكاية لاتنتهي عند هذا الحد، لأن "ديكي" الشقيق الاكبر، يقضي أيامه في السجن وهو يحلم بيوم خروجه، ليعود مرة أخري لتدريب شقيقه الاكبر، فهو العمل الوحيد، الذي يربطه بالحياة، ولذلك يحرص علي ممارسة الرياضة العنيفة، ليعود الي لياقته، ويقلع عن تعاطي المخدرات، ويحاول أن يغير من نمط حياته، ولكنه بعد أن يخرج من السجن، ويهرع الي الساحة التي يتدرب فيها شقيقه ميكي ، ومعه أفراد اسرته أمه وشقيقاته، يفاجأ بعدم ترحيب من ميكي، وفي أحد أهم مشاهد الفيلم تحدث مواجهة بين الشقيقين، بعد ان يرتدي ديكي ملابس التدريب، ويستعد للعمل، يذهب إلية "ميكي" ويخبره أنه أقسم ألا يتعاون معه مرة أخري، وهنا يحاول ديكي أن يذكرة بفضله عليه، وأنه كان سببا في توجيهه الي رياضة الملاكمة وهو الذي دفع بة الي النجاح وقام بتدريبة ليعوض به فشله، ولكن ميكي يصر علي موقفه، فيخلع الشقيق الاكبر ملابس التدريب ويغادر المكان وهو يحمل قدرا هائلا من المرارة والاحباط، ولايعرف ميكي كيف يتصرف فهو واقع في حيرة بين حبه لاخيه وأفراد اسرته، وفي نفس الوقت لايستطيع أن يخذل الفتاه "تشارلين" التي راهنت عليه بكل حياتها ودفعته لتحقيق النجاح! عدو المجتمع يحقق كريستيان بول في دور "ديكي"درجة بالغة الروعة من الحرفية، فإذا كنت متابعا لأدواره السابقة في افلام باتمان، وبرستيج، "عدو المجتمع" فسوف تجده وكأنه شخص آخر تماماً، وأعترف أنني لم أتأثر به في أي من أدواره السابقة إلا بقدر ضئيل، وقد بدأ إحساسي السلبي به، بداية من أول افلامة "إمبراطورية الشمس" للمخرج ستيفن سبيلبرج، فقد كان طفلاً، يفتقد لجمال وبراءة الطفولة، وخاصة مع ملامحه الحادة ونظراته الباردة، ولكنه في هذا الدور يجبرك علي عشقه وإدراك قيمة موهبته التي تألقت وازدهرت في "المقاتل"، وفي الحقيقة أن دور ديكي هو المحرك للأحداث، رغم أن البطولة للشقيق الاصغر ميكي الذي يلعبه مارك واهيلبرج، الذي أتقن ايضا أداء شخصية الشقيق التابع الذي يحتاج دائما لمن يرعاه ويقوده! الفيلم حالة نادرة من الابداع الفني ترتفع فيه حرفية أداء الممثلين بدرجة ملحوظة وخاصة شخصية الام التي تلعبها ميليسا ليو، وشخصية الحبيبه"إيمي آدمز" التي تصل الي درجة من التوهج ترشحها مرة أخري للجولدن جلوب بعد فيلمي "الشك " و"جولي وجوليا" اللذين قدمتهما مع "ميريل ستريب"، قيمة فيلم المقاتل أنه لايدور فقط حول رحلة صعود أحد أبطال الملاكمة، ولكن عن حياة مجموعة من البشر يشكلون اسرة واحدة، وضعت كل آمالها وأحلامها ورهانها علي شخص واحد، هو الابن الاصغر الذي له ايضا أحلام قد تتعارض أحياناً مع مصلحة بقية افراد اسرته، فيحدث هذا التصدع المقيت، فهل تعود المياه الي مجاريها أم يفضل الإبن أن ينجو بنفسه ويتنكر الي اسرته ويترك افرادها يعانون مرارة الفشل والفقر والاحباط ؟هذا ماتجيب عليه أحداث فيلم المقاتل الذي ينتظر عدة ترشيحات للاوسكار، وأعتقد أن المنافسة علي جائزة افضل ممثل مساعد سوف تنحصرفي النهاية بين "كريستيان بول" والممثل الأسترالي الاصل "جيفري راش" عن دورة في فيلم "خطاب الملك"، أما بقية المنافسين علي نفس الجائزة وهم مايكل دوجلاس في "وول ستريت المال لاينام مطلقاً"، أندروجارفيلد" عن فيلم الشبكة الاجتماعية -فيس بوك"، وجيرمي رينيرعن فيلم "مدينة اللصوص" فإن فرصهم أصبحت ضئيلة للغاية، ليس لكونهم أقل شأناً أو أداء، ولكن لكون كريستيان بول ، وجيفري راش الأكثر إبداعاً وروعة هذا العام علي الاقل!