فنان تشكيلي يمنحنا رواية.. أمر ليس بالجديد يسجل بدقة خبرية وقائع حياته كما عاشها بأماكنها الحقيقية.. وشخوصها بأسمائهم كما هي في الواقع، لكن الجديد سيكون مهمة النقاد المصريين إذ عليهم أن يجيبوا.. لماذا هذا السيل المنهمر من السير الذاتية والروايات لفنانين تشكيليين وشعراء وصحفيين بل وروائيين أيضًا.. فناننا الموهوب يجيب في حفل توقيع روايته قائلاً: إنه زمن الكتابة، لا زمن الرواية كما يشاع. زمن الانتفاض لتسجيل الحياة. يبدأ الفنان بطفولته وذكريات حصة الرسم وشخبطاته المبكرة علي حائط البيت في هيئة عصفورة أو وجه عبدالناصر. ثم يعرض لما يعانيه الطفل الموهوب من صراعات مبكرة. حيث يهدد حلمه بالفن مصير مخيف.. أن ينتهي إن هو سلك ذات الطريق والتحق بكلية الفنون الجميلة، فيصبح مثل هذا الشخص الذي يراه ممسكًا طوال اليوم بألواح الخشب والشاكوش- مدرس التربية الفنية بالمدرسة. ويوثق الفنان لأول حب في حياته- في أول سنوات الجامعة- ولأول اصطدام له مع القوي الدينية التي تحرم الشعر والحب وكل ما له صلة بالحياة. يقول.. «حين أصدر ديوانه الأول بعنوان «الحب في آيار»، تابع المتطرفون بالجامعة إعلانات الديوان. وراحوا بعصبية وجهل ينزعون كل ما له علاقة بالديوان حتي ولو كان إعلانًا». ثم من هندسة المنصورة وقد تخرج إلي التجنيد بسلاح البحرية بالإسكندرية إلي قسم الدراسات الحرة بكلية الفنون الجميلة بجناكليس- حيث يسجل أول المحطات المهمة والمؤثرة في حياته. إذ تنعقد صلة شخصية بينه وبين فناننا الكبير د.حامد عويس، أساسها إعجاب الفنان الكبير برسوم الفنان الشاب. وثقته بموهبته حتي إنه يستثنيه من القواعد والالتزامات الأكاديمية التي توضع لطلبة الدراسات الحرة، ويترك له مطلق الحرية في أن يفعل ما يشاء بالفرشاة والألوان والورق ويسأله فناننا الكبير بحاسة خبير.. كتبت الشعر قبل كده؟ يستعيد الجنايني في أكثر من موضع إعجاب فناننا الكبير به وعونه له كأنه يسأل معنا.. كم أستاذًا اليوم- في أي مجال من مجالات الإبداع- يولي تلميذًا نابهًا عنايته الخاصة. ولا يفوت الجنايني- الذي زرت مرسمه كثيرًا وبهرتني قدرته علي التأثير والتعبير بل والسوريالية. إذ هي جميعًا تتدفق من منطقة حقيقية في نفسه لا افتعال فيها ولا ادعاء. لذا يصل المتلقي ويؤثر في إحساسه- أقول لا يفوته أن يخوض المعارك ضد لوبي من التشكيليين بإزاء معرض معين. قدمت فيه الخزعبلات للجمهور علي أنها من فنون التجريد أو الأعمال المركبة. ويسوق مثالاً لأحد المعروضات عبارة عن عازل طبي وضع علي منضدة. أذكر أن الفنان الكبير محمود الهندي- شفاه الله- حكي لي عن مثل هذا حيث وقفت إحدي الدعيات خلف لوح أبلكاش قورت فيه دائرة مدت عبرها يدها لتصافح رواد المعرض. وأطلق علي هذا العبث «عمل مركب» غير أن أحد مرتادي المعرض عض اليد الممدودة. فخرجت المرأة وهي تصرخ ناعية جهل للعامة بالفن. في روايته يثبت الفنان البيان- الشكوي- التي قدمها إلي نقابة التشكيليين، وإدارة المعرض حول هذا التخريب الذي يطلق عليه بعضهم حداثة.. أو ما بعد الحداثة، وحيث يختلط الهزل بالجد. وفي الجزء الأخير من الرواية يرصد فناننا قدر الفساد الذي يحيط باختيار وفودنا الممثلة في المهرجانات والمعارض الدولية. وكيف أن الاختيارات تفتقد إلي الأمانة وتتسم بالمحاباة والفساد. يضمن الفنان إلي روايته بعضًا من أشعاره، وله أكثر من ديوان منشور، إلي جانب عشرات المعارض الدولية التي لاقت فيها رسومه الإعجاب، مؤكدًا حدس الفنان الخبير حامد عويس حول شخصه. هو أيضًا فنان شجاع يلتقط لأبيه صوة فوتو أثناء احتضاره، رغم استهجان المحيطين وماضيًا في تلك الجرأة والانفتاح علي العالم الرحب بعقل واضح وأفكار مرتبة يسجل الجنايني رحلاته إلي بيروتوبرلين ثم بولندا وألمانيا من جديد ثم بيروت وهولندا حيث تنعقد له في كل دولة صلات مع أكبر الأسماء الفنية فيها ومع مختلف المدارس الفنية وحيث الخبرة من كل نوع. وحيث تتم سرقته حينًا وسرقة لوحاته حينًا واقتناء لوحاته ثالثًا. وحيث يجوع أيضًا ثم يكسب الكثير. يذكر أنه في برلين كان يتعيش من رسم المارة- مثل فناني الحسين- مقابل 20 مارك وهناك تفاجئه زبونة حين عرفت أنه مصري قالت له: «قل شالوم. ويرفض وتثور أزمة تشتمه فيها الخواجاية، فيمزق رسمه لها ويعيد لها ال 20 مارك. وهكذا.. حياة ممتلئة وأسفار تعود به إلي سمنود المصرية- الفرعونية- التي طبعت ليس فقط عينيه وقلبه وفرشاته. وربما جيناته، حتي يمنحها أسماء بناته فسيميهن أسماء فرعونية. هذه رواية لفنان لا يعبث ولا يتسلي بل يدافع عن الجمال ضد القبح والجدية ضد العبث بقي أن نسجل شيئًا من الفرادة ميز إصدار الرواية فقد أرفق بها أسطوانة مدمجة عليها كامل النص الروائي بصوته مع صور لأشخاص التقاهم وأماكن زارها مما ورد ذكره بالرواية. ذاكرة بصرية وضوئية لم يتنازل عنها فنان تشكيلي وشاعر وروائي ممتلئ بالفن وبالجمال.. يتقدم بروايته رافعًا راية تدعو للتأمل.. إنه زمن الانتفاض لتسجيل الحياة.