القصة القصيرة هي فن العصر.. بل هي عالم قائم بذاته يتحكم في إيقاع الحياة الخاصة لشخوصها كما أنها الأقرب إلي إيقاع العصر اللاهث وراء الحياة لقدرتها الفائقة علي اختزال الأحداث في سطور قليلة. وعلي هامش الملتقي الدولي للقصة والذي عقد لأول مرة بالقاهرة. فقد التقت القاهرة مجموعة من الكتاب المشاركين بالملتقي للوقوف علي حقيقة المشهد القصصي العربي وما تعانيه القصة. مزاج روائي في البداية يقول الكاتب إبراهيم عبدالمجيد إنه منذ فترة طويلة والرواية مسيطرة علي العالم ليس العربي فحسب ولكن الغربي أيضًا، ولكن بالرغم من هذا فهناك إنتاج أدبي كبير جدًا جزء منه يعود للكتاب الذين بدءوا حياتهم ككتاب للقصة والجزء الآخر هم كتاب مخلصين لفن القصة ولكن الذي يحدث هو أن المزاج العام أصبح مزاجًا روائيا. فهناك تحفظ تجاه القصة القصيرة من الناشرين حيث ينشرونها علي استحياء وكذلك تعرضها المكتبات بندرة كما أهملها النقاد فأصبحت تعيش في فترة اغتراب بينما هي فن عظيم موجود بكثرة. وعقد مؤتمر للقصة سيعيد النظر إلي قيمتها ودفعها إلي أخذ حقها كفن لا يقل قيمة عن الرواية. انحسار القصة عالميا كما يري الكاتب والنقاد العراقي عائد خصباك أن القصة القصيرة فن حيوي دائم ومستمر ومن القوة بمكان بحيث وجود أعلام في هذا المجال في الوطن العربي بمستوي الجودة تضاهي الكتاب الغربيين وبحكم اطلاعي المستمر علي القصة في الغرب والشرق أري أنها تتقلب في بعض الأقطار العربية فهي مزدهرة في المغرب والسعودية التي كان بها هذا الفن يعاني من التعثر لعدم وجود أسماء مهمة وأساسية فيه آنذاك وقد تكون القصة تراجعت في مصر قليلاً لأسباب موضوعية ولولا وجود أسماء مهمة وأساسية فيه قد أخذت شوطًا كبيرًا لأصابها الزوال.. فوجود هذه الأسماء جعلها تمتد نوعيا إلي هذا الوقت، كما أن انحسار القصة ليس مقتصرًا علي بعض الدول العربية بل يمتد أيضًا إلي دول الغرب فقد انحسرت في ألمانيا لحساب الرواية وكذلك انجلترا مما حذا بهم لعقد مؤتمر عالمي بانجلترا منذ عامين يدعو لإنقاذ القصة. كما أعتقد أن المشكلة ليست في النشر فقط بل هناك أسباب أخري تتعلق بانتشار الاسم حيث يسعي البعض لكتابة رواية أو سيناريو بحيث يقرأ اسمه كثيرًا بالإضافة إلي المكافآت الضئيلة التي لا تضاهي هذا الفن. فعندما تنشر قصة بالغرب قد تكفيك لأكثر من ستة شهور. من جهة أخري يقول الكاتب المغربي إدريس خوري إنه خلافًا لما كان عليه الأمر في السابق بدأ المشهد القصصي العربي يشهد انحسارًا مؤسفًا لهذا الفن فقد سيطر النقد والدراسات الأدبية علي الصحف والمجلات وتبوء الشعر مكانته في هذه المنابر ولم نعد نقرأ إلا نصوصًا قليلة. ولا يعني هذا أن القصة قد ماتت علي العكس من ذلك. لا تزال حية عند كتابها والمشهد القصصي يكتسي أهمية نوعية بظهور أجيال جديدة في العالم العربي بثمة تطور نسبي في الكتابة والتخيل وثمة موضوعات جديدة إذ لا يمكن الحكم علي هذا المشهد إلا من خلال تراكمه وتطوره. أقرب إلي إيقاع العصر علي الجانب الآخر يري القاص السعودي حسن البطران أن العمل الأدبي في الوطن العربي شهد تطورًا كبيرًا بكل أجناسه. والرواية جنس أدبي مختلف عن القصة ومن الطبيعي أن يطغي جنس لفترة علي حساب جنس آخر. فاليوم للرواية وغدًا للقصة وهكذا. وهناك مقولة شهيرة للكاتب الياباني هاروكي مور كامي يقول إذا أمرت أن اختار بين الرواية والقصة فسأختار الرواية بلا تردد. رغم كتابته للاثنين. وكل كاتب لا يكتب الرواية فقط أو القصة بل يكتب الاثنين وبذلك لا تنقرض القصة فهي الأقرب إلي إيقاع العصر اللاهث وراء الحياة. والقصة القصيرة والقصيرة جدًا يتم إنتاجها في السعودية كما يتم إنتاج الرواية. في حين تري القاصة اليمنية نجيبة حداد أن القصة موجودة ولها كتابها من الشباب وكتاب الإنترنت ولكن لم تسلط الأضواء علي عطائهم المتميز في الطرح والمعادلات وقد لعبت القصة دورًا بارزًا في الحياة الإنسانية وواقعها الاجتماعي والسياسي ومتغيراته ونحن الآن في غياب عن الاهتمام المتكامل في إعادة القصة ونشرها في مطبعات وكتيبات مستقلة للشباب والسبب هو انتقال الاهتمام للفضائيات فأصبح القارئ للقصة لديه زاوية مبسطة خفيفة لأن هذا الكم والشغف الذي كانت تحتله القصة في الخمسينات والستينات فشل وأصبح هناك تنافي لدورها. كما أن بعض الناشرين رأوا كتابة القصة شأنًا صعبًا وأن الرواية تقدم إغراءات بترجمتها وتحويلها إلي الشاشة. في سياق متصل يقول الكاتب الفلسطيني أحمد رفيق عوض أعتقد أن عصر القصة الذهبي قد مضي وذلك أن شكل النص الأدبي بمثابة تاريخ أيضًا، فكان الموشح تعبيرًا عن حالة اجتماعية وكذلك قصيدة النثر والشكل الفني هو تاريخ أما المضامين فهي هوية وتعريف القصة القصيرة التي تشبه الومضة أو القصيدة في سرعتها وتأثيرها والتقاطها ونشرها ولم تعد علي ما يبدو تكفي لسرد الرواية. الرواية فيها رغبة في التعريف بالذات وشهوة سرد السيرة وتأمل اللحظة والبحث عن الجذور، وأيضًا اشتباك مع عالم معقد، وإذا كانت القصة تعتمد علي الجزئية فإن الرواية ترغب في كلية ما، وعصر الإعلام القائم علي الابهار والتفتت والجزئيات تدفع المرء وخاصة المبدع إلي البحث عن كلياته الكبري ومرجعياته النهائية وقد يفسر هذا لماذا ازدهرت الرواية في العالم كله وليس العربي فقط فالقصة تغيب لأنها تحتفي بالمشهد الجزئي وكأنها تلائم الثورات أما الرواية فتلائم عصور الانهيارات وساعات الزوال فهل من الصدفة أن يبدع الروائيون في أعمال متقدمة؟ أزمة لوجستيكية من ناحية يري القاص والناقد المغربي أنيس الرافعي أن القصة تراجعت في الموقع التقليدي حيث كانت رائجة في الماضي ويري أن الأزمة هي أزمة لوجستيكية لأن دور النشر تكف عن نشرها بدعوي أنها غير رائجة وكذلك ذهاب الجوائز للرواية وعدم وجود حافز يدفع المبدعين لهذا الجنس الأدبي. وكذلك الترجمة فالطرق السيارة للترجمة عن طريق الوكلاء والمؤسسات لا تكترث كثيرًا بالقصة لأنها غير رائجة بحسب نوادي القراء حيث تستجيب دور النشر لتلك النوادي بالتعرف علي مشاكل المرأة والمتخيل الروائي العربي فيطلبون من الناشر بناء عليه يبحث عن تلك النوعية من الكتب. وبعد معرفة آراء كتاب القصة القصيرة في معظم دول الوطن العربي كان لابد من معرفة رأي النقاد للوقوف علي المشهد القصصي العربي. حيث يري الناقد د. سيد فضل أن هناك اتجاهًا كبيرًا في أوساط كتاب القصة والرواية وحتي بعض الشعراء إلي كتابة القصة اعتقادا من بعضهم أنها الأسهل والأقرب إلي الوصول وهناك في المشهد الثقافي المعاصر ما يسمح باتساع نطاق هذه الظاهرة حيث إن سلاسل وزارة الثقافة المعنية بنشر إنتاج الشباب أصبحت تغطي قطاعا كبيرا وهذا الزحام في النشر لا يعني أن القصة أثبتت أنها منافس قوي علي الساحة الأدبية والسبب أن هناك منافسا جذب القراء وهو العمود الصحفي أو المقالة هذا النموذج ذو الطابع الأدبي حيث توجد في معظم الصحف التي يقبل عليها القراء سواء معارضة أو مستقلة. من هنا نري أن للقصة منافسًا شديدًا لإقبال القراء علي كتاب الأعمدة الصحفية خاصة أن كتابها لديهم حاسة شديدة لا توجد لدي بعض كتاب القصة. فأصبح العمود الصحفي مرغوبًا ينتظره قراؤه سواء بالصحف أو علي النت. وحين أتحدث عن وجود زحام يبقي أن أنتظر أمرين الأول أن يتصدي النقاد بقراءات جادة لمن يكتبون القصة بدلا من المجاملة فالمطلوب حركة نقدية قوية حيث تعاني مما تعانيه أشياء كثيرة. والأمر الآخر هو الذي لا شك فيه أن الزمن كفيل بأن يغربل هذه الأعمال القصصية ويبقي منها الصالح ويذهب ما دون ذلك إلي أدراج الرياح.