يحاول الفنان أحمد الجنايني في تجربته الإبداعية التي قدمها مؤخرًا، والتي تضم معرضا تشكيليا بعنوان "الجنايني.. ذاكرة اللون"، ورواية بعنوان "حين هربت عاريات مودلياني.. سيرة لذاكرة اللون"، إلقاء الضوء علي مسيرته الحياتية، وتوثيق رحلته الإنسانية بمفهوم تشكيلي، خاصة أن الإنسان عنده لا ينفصل عن الإبداع، بمناسبة معرضه الجديد وروايته، الصادرة عن دار "إيزيس" للإبداع والثقافة ضمن سلسلة "كتاب المرسم"، التقينا به وكان لنا معه هذا الحوار: ما الجديد الذي قدمته لنا في معرضك "الجنايني.. ذاكرة اللون"؟ - عنوان المعرض له علاقة مباشرة بجزء كبير من تجربتي التشكيلية، وكنت حريصا علي أن يضم المعرض أعمالا جديدة بألوان مائية وأحبار من تجربة "علي جناح فراشة"، وهي عن علاقة الشعر بالتشكيل، كما توجد مجموعة من الأعمال استخدمت فيها الألوان الأكريليك، وأخري الألوان الزيتية، والعامل المشترك بين هذه التجارب الثلاث هو الخط الإنساني، فأنا حريص علي أن أقدم تجربة إنسانية بمفهوم تشكيلي، علي أن يكون الطرح به نوع من التجديد في الطريقة التي أتعامل بها مع اللون والمساحة ومشاعري ووجداني، وهذا المعرض جاء موازيا لإصدار روايتي الذاتية التي أصدرتها مؤخرا. هل جاءت فكرة المعرض بعد إصدارك الرواية، أم كانت فكرته موازية لها؟ - المعرض والرواية وجهان لعملة واحدة، هي طرح لتجربتي الشخصية، بكل ما تحويها من انعطافات وإرهاصات، قدمت فيها طرحا تأريخيا ووجدانيا لرحلتي التشكيلية، وجزءا من تجربتي الوجدانية، أما المعرض فله علاقة بجزء مهم جدا في رحلتي التشكيلية عبر مراحل معينة، وأيضا جزء وجداني، وهو ما أطرحه في الفن التشكيلي من إنسانيات، فالإنسان يمثل حجر الزاوية في تجربتي التشكيلية، وحين أجرد الإنسان فإنني أجرد الشكل، لكنني أتعامل مع اللون باعتباره المثير الأساسي، كما أحاول من خلال اللون أن أضيف شيئا إلي جماليات الإنسان، وهذا العالم الذي أستطيع القبض عليه في لحظة ارتباك أو ألم أو سعادة أو خوف، هذه اللحظات جميعها هي التي تشكل رؤيتي، وأنا أؤمن تماما أن الإبداع مسألة اكتشاف أولا وأخيرا. لماذا لجأت للتعبير عن نفسك من خلال الرواية، تاركا الفن التشكيلي والشعر؟ لا أدعي أنني سأخوض مضمار كتابة الرواية بالمفهوم الأدبي، لأنني أولا وقبل كل شيء لا أستطيع أن أتخلص من عالمي التشكيلي، لكن الرواية محاولة لتجميع كادرات مبعثرة من حياتي، رسمت بشكل حقيقي لحظات حقيقية شكلتني وأثرت في عالمي التشكيلي والإنساني والوجداني، اعتمدت في تقديمها علي فكرة ارتجاع لحظة بذاتها تذكرني بعالم معين، وأتصور أنها بالنسبة لي توثيق علي المستوي الإنساني والوجداني والإبداعي، وهي أيضا من جانب آخر توثق لشكل الحركة التشكيلية في مرحلة من مراحلها في مصر. بالإضافة إلي أن الرواية تقدم ما لا يمكن تقديمه في أي صنف آخر من الإبداع، لأن الرواية تجمع الإشكاليات بين المفهوم الروائي والوجداني والتوثيق لرحلتي الحياتية والإبداعية، التي لا يمكن أن تتم إلا عبر كتابة رواية، فمثلا بالنسبة لعملية التوثيق، حينما أتحدث عن تواريخ وشخوص وفنانين بذاتهم، لا يمكن أبدا الإشارة إليهم عبر رموز، لكنني طرحت كل هذه المسائل بلغتي الخاصة، ربما تكون لغة شعرية، لكنها في النهاية اعتمدت علي الوصف والتشكيل من خلال رؤية سينمائية في الطرح، فالرواية شكلها مختلف إلي حد ما، تجمع بين التوثيق والفانتازيا. حدثنا عن أسلوب تناولك لحياتك من خلال الرواية، وأهم المحطات التي توقفت عندها؟ - لأن كل النوافذ وجميع الأبواب، في كل مراحل الرواية متصلة ببعضها، لم يكن السرد سردا مرتبا، ولكن كان بفلسفة الرجوع من اللحظة إلي أخري، ومن مكان لآخر، باعتبار أن المسألة بها جزء كبير من التشابه في الشكل الدرامي للحدث، كما يوجد خط يجمع بين هذه الأشكال وبعضها، لكن بالتأكيد هناك محطات مهمة سواء كانت المحطة الخاصة ببداية التكوين في المرحلة الابتدائية والإعدادية، وإصراري علي أن أكون فنانا تشكيليا، وألا أمارس أي عمل آخر، رغم دراستي للهندسة، ثم دراسة الفن التشكيلي دراسة كافية ومتأنية، هذه التفاصيل الكثيرة شكلت وجداني ودفعتني لخوض مغامرات، بالإضافة لعلاقتي بالفنان "مودلياني"، الذي أثارني تشكيليا في فترة طفولتي، وجعلني أسافر وأنا مازلت في بداية العقد الثالث من عمري، لأبحث عنه في شوارع أوروبا، وهذا مثل بالنسبة لي مراحل مهمة في حياتي لا أستطيع تجاهلها، وأن أمارس العمل التشكيلي في مجتمع ثقافته البصرية محدودة، وأن أعتمد علي هذا العمل في حياتي الاجتماعية، هو بالتأكيد جزء كبير من المغامرة، لذلك جميع فصول الرواية متداخلة ومتشابكة، يبقي الجزء الوجداني في الرواية، وهو جزء مهم بالنسبة لي، لأنه يمس شغاف قلبي ومسائل دقيقة جدا في عالمي الخاص. حدثنا عن اختيارك لعنوان "حين هربت عاريات مودلياني" لروايتك؟ - تسمية الرواية من داخل النص الروائي، لأن اللحظة التي هربت فيها عاريات مودلياني من ذاكرتي، كانت هي لحظة الكشف والقبض علي ذاتي، حيث كانت تسيطر علي هؤلاء النساء التي كان يبدعها مودلياني، والعالم الإبداعي لا يمكن أبدا تجزئته، بمعني أنني لا يمكن أن أنشئ نصا تشكيليا بمعزل عن النص الشعري أو الموسيقي أو المسرح أو الرواية وغيرها، فهذه النصوص جميعها تتداخل، وعلينا فقط أن نعي من هو البطل الذي نتعامل بلغته كي لا يكون المساعد في مقدمة العمل الإبداعي. استخدمت الأسلوب الشعري في كتابتك الرواية ككل، كيف تحكمت في ذلك؟ - لم أتعمد أن أكتب الرواية بالأسلوب الشعري أو السردي، ولكنني كتبته كما أنا، فهذه لغتي وهذا عالمي كنت حريصا علي أن أصور انفعالاتي بشكل حقيقي، لأنني كنت أتعامل مع الوجدانيات في مناطق كثيرة من الرواية، فكان رغما عني حضور اللغة الشعرية ضروريا لأنها كانت تتفاعل بشكل حقيقي، وتكون أكثر صدقا في التعامل مع مشاعري، ولذلك كان أنسب تكنيك لي هو خروج الرواية بشكل صادق، وبالتالي لم يكن هناك النفس الطويل لطرح كم سردي طويل يخرجني من شاعرية أو وجدانية اللحظة. ألا تخشي أن تأخذك الرواية من إبداعك التشكيلي؟ - ما طرحته ليس عملا يدخلني أو يخرجني من التشكيل، لأنه حصاد لرحلتي السابقة، وليس استشرافا لعالم قادم، أو سنوات العمر المقبلة، لكنني فقط استجمع ذاكرة ما عشته في هذه اللحظات. هل ستكرر هذه التجربة مرة أخري؟ - لا أستطيع التكهن بما سيأتي، لكن إذا وجدت مساحة تسمح لي باستكمال ما كتبه فلم لا، لكنني أولا أزحت هذه الصخرة التي كنت أحملها طوال الفترة الماضية من خلال هذه الرواية.