مرة أخري يعود فريق الغناء البريطاني الاشهر البيتلز للاضواء، وتفرد بعض الصحف والمواقع الالكترونية مساحات للحديث عن ايام مجد البيتلز الذي كان اسطورة عصره في سنوات الستينات من القرن الماضي، والمناسبة حلول ذكري ميلاد جون لينون مؤسس الفريق وأحد نجومه الاربعة بل اشهرهم وأكثرهم جدلا، حيث مات مقتولا في أكتوبر عام 1980 وهو في الاربعين من عمره برصاصة أطلقها عليه مهووس لم يستدل عليه حتي الآن، وبقيت حكاية جون لينون مفتوحة يتجدد الحديث عنها بين الحين والآخر!ولم يبق من نجوم البيتلز الأربعة إلا بول مكارتني أصغرهم سنا، وهو الآن في الثامنة والستين من عمره، ولايزال في حالة من النشاط يؤلف موسيقي بعض الأفلام السينمائية ويشارك بالغناء في حفلات عامة وكثيرا ماتستضيفه بعض البرامج ليتحدث عن بقية زملائه في الفريق الذي أحدث دويا هائلا واعتبرته بريطانيا أحد أهم عناصر قوتها الناعمة ومنحته ملكتها اليزابيث لقب فارس! في نهاية ديسمبر 2009 عرض في لندن الفيلم البريطاني"صبي بلامكان" NO WHERE BOY الذي أخرجه "سام تايلور وود"، وتدور أحداثه عن ايام صبي جون لينون، قبل ان يقوم بتكوين فريق البيتلز، وتم عرض الفيلم في مهرجانات مختلفة، ويبدأ هذا الشهر"اكتوبر" عرضه العام في أمريكا وبعض العواصم العالمية، بمناسبة احياء ذكري ميلاد جون لينون، الفيلم كتبت قصته "جوليا بايرد" أخت "جون لينون" غير الشقيقة"من امه"، ووضع له السيناريو" مات كرينهوولف "، يحكي مأساة هذا الصبي الذي عاش سنوات صباه معذبا بين والدته التي تخلت عنه، وخالته ميمي التي قامت باحتضانه وتربيته، حتي قرر أخيرا ان تكون الموسيقي هي كل حياته، ويطوف برحلة حول العالم مع افراد فريقه الغنائي باحثا عن معني اكثر قيمة لحياته! مرحلة الصبا يلعب دور جون لينون ممثل بريطاني شاب "20 سنه" هو آرون جونسون، وتشارك في البطولة الممثلة القديرة "كريستين سكوت توماس" الذتي تؤدي دور خالته ميمي، و"آن ماري دووف" التي تلعب دور والدته جوليا! والفيلم يبدأ وينتهي وجون لينون لايزال في مرحلة الصبا، أي أنه لايقدم سردا لحياته كاملة، ورحلة نجاحه وتكوين فريق البيتلز، ولكن أحداث الفيلم تدور في عام واحد يبدأ بوفاة زوج خالته ميمي التي كان يقيم معها منذ طفولته وتعامل معها بوصفها أمه، أما زوج خالته فكان له صديقا، وأهداه آلة أبوا موسيقية، وحاول أن يعلمه كيف يعزف عليها، ولكنه يسقط بعد ان يخرج من غرفته مباشرة، ويتم نقله للمستشفي، وتعود الخالة ميمي بعد ساعات لتخبره أنه مات، ولايعرف الصبي كيف يعبر عن الحدث، فيستقبل الخبر بضحكة طفولية ثم ينخرط في البكاء، ولكن خالته "ميمي"، تطلب منه ان يستعد لتناول العشاء، قبل ان يذهب للنوم، إن مشاعرها جامدة بل تبدو أحيانا بلامشاعر، وهو الأمر الذي يصيب الصبي بحالة من الارتباك، وخاصة أنه يعرف كيف كانت تحب زوجها وتتعلق به، والآن فهي تبدو بعد وفاته بساعات قليلة وكأن شيئا لم يحدث! وفي حفل التأبين تظهر امرأة جميلة لها شعر أحمر مسترسل علي كتفيها تطيل النظر الي "جون"، ويحدثه قلبه انها امه، ولكنها تختفي سريعا، يسأل جون عنها ويندهش حين يخبره أحد اصدقائه، أنها تسكن في مكان قريب من منزل خالته، ويقرر أن يزورها، وفي اول لقاء تغمره بحبها وكأنها كانت تعيش معه طوال عمرها، ويذيب لقاؤهما الجليد، ولكنه لاتجاوب عن اسئلته ولايعرف منها لماذا تخلت عنه وتركته ليعيش مع خالته ميمي، الام جوليا متزوجة ولها طفلتان وزوجها لايرحب بوجود جون، ولكنها لاتأبه لرأيه، وتخرج مع ابنها في نزهة وتراقصه، وتعامله كصديق ناضج، ويجدها تختلف تماما عن خالته ميمي التي تصر علي معاملته كطفل، جوليا مليئة بالمشاعر الفياضة، تعشق الموسيقي وتعلمه العزف علي الجيتار ويقضي معها اوقاتا ممتعة، وينصرف عن مدرسته، مما يعرضه للعقاب وحرمانه من الدراسة اسبوعا كاملا، وعندما تعلم خالته بهذا العقاب تحطم الجيتار الخاص به وتعنفه، فيذهب الي أمه ويطلب منها ان تستضيفه في منزلها، فتفعل ذلك وتجهز له غرفة مستقلة كانت لشقيقته الصغري، ولكن بعد ايام قليلة يدرك ان وجوده يسبب لها مضايقات مع زوجها الذي لايرتاح كثيرا لوجوده، فيقرر ان يعود ثانية الي خالته ميمي، فيجدها علي حالها وكأنها كانت تدرك أنه سوف يعود مرة اخري! ويحاول جون أن يعرف سر هذا الجفاء بين أمه جوليا وخالته ميمي، وتأتيه الاجابة التي لايحتملها عقله، وفي واحد من أهم مشاهد الفيلم قدمت فيه "كريستين سكوت توماس" أداء شديد الروعة وحاولت آن ماري دوف منافستها بقدر الامكان، حيث يحدث شجار بين الام والخالة يشبه ماقدمه بريخت في رائعته دائرة الطباشير، تتهم الام جوليا شقيقتها "ميمي" بسرقة ابنها وهو لايزال في الخامسة من عمره وحرمانها منه، فترد "ميمي" لانك قمتي بخيانة زوجك مع آخر، وكان الاب ينوي أخذ ابنه جون معه والهجرة من البلد وكنا سنفقد جون للأبد، وكان الحل الوحيد ان اسرق الطفل الصغير بينما انتي وزوجك في حالة شجار!لقد عشت له، وقمت برعايته وكأنه طفلي اما انتي، فقد تزوجتي وأنجبتي اطفالا غيره فلماذا تريدين الان استعادته؟ حادث سيارة تموت والدة جون لينون في حادث سيارة، ولايجد امامه سوي خالته ميمي التي تحتضنه وتواسيه ويدرك كم هي امرأة حنون رغم تصرفاتها التي تبدو قاسية، ويكون خلال هذا العام وبعد أن بلغ السابعة عشرة من عمره قد تأكد أن الموسيقي هي حياته وهي التعويض عن حياته البائسة، وينضم له صبي اصغر منه سنا هو بول مكارتني الذي يجيد العزف علي الجيتار والغناء، ويلتقيان بالزميل الثالث لهما "جورج هاريسون "ويقرر الثلاثة القيام بجولة غنائية في بعض المدن الالمانية، حتي هذا التاريخ كان جون لينون ورفاقه يقدمون اغاني الروك آند رول الامريكية متأثرين بنجم الغناء الامريكي الشهير الفيس بريسلي حتي ان جون كان يقلد قصة شعر الفيس بريسلي وملابسه وموسيقاه وينتهي الفيلم بوداع بين جون وخالته ميمي التي ترجوه ان يطمئنها عليه بمجرد وصوله الي ميونخ وتؤكد تترات النهاية ان جون لينون ظل محتفظا بوعده الي خالته ويتصل بها من كل مكان يذهب اليه حتي آخر يوم في حياته! تنتهي احداث الفيلم قبل ان ينضم الي الفريق الغنائي العضو الرابع "رينجو ستار" وقبل ان يكون للفرقة مذاقها الخاص وطريقتها الفريدة في الظهور علي المسرح من خلال قصة شعر متشابه وارتداء ملابس سوداء، وقبل ايضا ان يطلقوا علي انفسهم فريق البيتلز ليحققوا شهرة غطت مساحة الكرة الأرضية في الستينات والسيعينات ويصاب العالم بهوس البيتلز، واكتفي الفيلم بتقديم لمحة عن سنوات الصبا في حياة "جون لينون" تلك السنوات التي كان يعتبرها سنوات شقاء وحرمان وعذاب، ولكنها اضافت لشخصيته هذا الشجن الذي لازمه بقية سنوات عمره وظهر جليا في كلمات اغانيه وفي موسيقاه التي اطربت العالم وأسعدته، ويقول أحد النقاد ان حرمان جون لينون من حضن والدته وهو لايزال طفلا صغيرا اضاف له عذابًا واضاف للعالم فنانا عظيما، ويبدو ان هذا العذاب هو الضريبة التي يدفعها الفنان مقدما قبل ان يحقق النجاح والخلود!