في زحمة مسلسلات رمضان المصرية منها والخليجية والشامية والمغربية.. ما الأعمال التي ركزت علي قضايا عربية تهم الأمة كلها؟ بعيدا عن العزف المحلي لكل دولة علي حدة.. والعجيب ان المسلسلات إلي حد كبير في أسلوب انتاجها وليس في موضوعاتها حاولت كسر حاجز المحلية.. وسنجد أن عدداً لا بأس به من فناني وفنانات سوريات شاركوا في أعمال مصرية.. ولم يقتصر الأمر علي التمثيل فقط والإخراج بل امتد إلي الإنتاج والتأليف والديكور والموسيقي ومع ذلك حاول الإنتاج المصري رغم هذا المزج ان يحتفظ بصورته الأعلي بحكم شعار الريادة والسيادة الذي تواري في السنوات الأخيرة. ونعود لنسأل مجدداً أين البعد القومي العربي في دراما يفترض فيها كلها علي اختلافها.. انها عربية.. ويفترض أيضاً أن هناك عدة هموم مشتركة يجب علي صناع الدراما الخوض فيها.. بعيداً عن دائرة الزواج والطلاق والخيانة والعرفي والمخدرات والفساد والثأر والميراث. فأين الأعمال التي حاولت الإمساك بهذا الخيط العربي..؟ «فلسطين.. أولا وأخيرا» ينبغي أن نعترف هنا.. بأن الدراما السورية كانت الأكثر اهتماماً بالقضية الفلسطينية منذ سنوات وقدمت في هذا الاطار عدة مسلسلات مهمة منها «التغريبة الفلسطينية» والشتات «مع لبنان».. وسبقها محمد صبحي بمسلسل «فارس بلا جواد» وقدمت نبيلة عبيد «البوابة الثانية» وهذا العام قدمت سوريا «تخت شرقي» - تأليف ريم مشهدي وإخراج رشا شربتجي.. وتناول القضية الفلسطينية بمنظور جديد من خلال قصة شاب من أهالي الجولان يحب فتاة دمشقية.. وله جذور فلسطينية ويعاني طوال الوقت من عقدة النظر إليه كنازح.. والغريب هنا ان العمل تناول حق العودة للاجئين بمنظور ساخر.. يري ان معالجة العرب عموماً للأزمة الفلسطينية لم تتجاوز حدود الكلام التقليدي العتيق الذي عفي عليه الزمن. وتخرج علينا الدراما الإيرانية بالدوبلاج الشامي مجدداً.. بعمل آثار الكثير من الجدل.. لأنه يقدم المسيح عليه السلام من زاوية إسلامية وهو أمر مثير للدهشة بالفعل.. لان الجناح المسلم السني يرفض تماما تجسيدالأنبياء.. بينما الجناح الشيعي لا يري بأسا في ذلك وقد قدم لنا مريم ثم يوسف والحسن.. واكتسب مسلسل «الجماعة» بعدا عربيا إسلاميا تجاوز نطاقه المحلي.. بما حققه «الإخوان المسلمون» من انتشار وبما لهم من علاقات واجنحة عربية ودولية وأظن أن هذا هو محور الجزء الثاني الذي وعد وحيد حامد مؤلف العمل بكتابته. وسنجد أن الدراما المصرية كشفت عن وجهها العربي بعملين في غاية الأهمية.. غاب الأول عن العرض لأسباب تجارية بحتة وهو «أنا القدس» وقد ضم عناصر من مصر وسوريا تحت قيادة مؤلف ومخرج العمل باسل الخطيب.. والعمل الثاني هو «سقوط الخلافة» للكاتب يسري الجندي والمخرج محمد عزيزية وقد تناول فترة مهمة من التاريخ العربي وتشابكه مع التاريخ التركي.. وقد ألقي المسلسل.. بظلاله علي الوقت الحالي.. بعد تنامي صعود الهلال التركي علي الساحة السياسية العربية والدولية وبعد أن نجحت حكومة اردوغان بامتياز في كسب ثقة أوروبا.. وابعاد الجيش والقضاء عن دائرة الحكم.. لصالح توجهها الإسلامي علي حساب علمانية زرعها «أتاتورك» وحولها إلي نبات مقدس لا يجوز المساس به. وفي ظل غياب المسلسل الديني.. مع سبق الإصرار والترصد قدمت الدراما السورية «القعقاع» وهو أيضاً من الأعمال التي أثارت الكثير من الجدل لانه اقترب بشكل أو آخر من اشكالية السنة والشيعة وما فيها من حساسيات.. لذلك أري أن الأمانة الوطنية والدينية والإنسانية تقتضي البحث عن موضوعات مشتركة خالصة.. وفي ذلك تعاونت سوريا ومصر في العام الماضي من خلال مسلسل «صدق وعده».. والأمة بأكملها التي ينظر إليها بمسلميها وأقباطها علي انها من الدرجة الثالثة في دوائر العولمة.. ويتم تشويه ديانتها ورموزها واهانتها ليل نهار.. يقتضي الواجب ان تتحول الدراما في يدها إلي سلاح فضائي في عصر الصورة.. وفي وقت هجمت فيه قنوات أمريكية وفرنسية وإيرانية وتركية وانجليزية وصينية وكورية.. تتحدث إلي الأمة بلسانها العربي.. تخاطب ودها.. وتلاغيها.. بينما العرب في مجمل انتاجهم الدرامي والبرامجي.. ينشدون الفضائح والسطحي والساذج وكل ما من شأنه تغييب الوعي وإحالة العقل خارج نطاق الخدمة. كم عمل تحدث عن الاتهام الدولي الذي ربط بين الإسلام والارهاب.. بل الأدهي والأمر ان مسلسلاتنا ترسخ المعني وتؤكده من خلال دراما الجلاليب واللحية التي نقدمها بأسلوب أقرب إلي «العبط» منه إلي الجدية في مناقشة مثل هذه الأمور الاستراتيجية. نعم كل العقلاء في بلادنا العربية ضد الارهاب.. والإسلام نفسه ضد الإرهاب بأشكاله وألوانه حتي ضد الحيوان وليس الإنسان.. والنبي الكريم صلي الله عليه وسلم له حديث شريف صحيح.. عن امرأة دخلت النار لانها عذبت قطة وأخري كانت بائعة هوي وستدخل الجنة لانها سقت كلبا في حذائها وانقذته من العطش.. وإذا لم نتبني مثل هذه المفاهيم والأسس الأخلاقية الإنسانية السليمة فماذا نقدم؟.. المرأة متعددة النشاط الزوجي؟.. أم تجار العار؟ وإذا لم نطرح صورة الإسلام الصحيح الذي لجأ في مستهل دعوته إلي المسيحية عندما هاجر المسلمون الأوائل إلي الحبشة للاحتماء بملكها النصراني العادل النجاشي.. ونقدم صورة وفد نجران أن المسيحي وقد افسح له النبي محمد صلي الله عليه وسلم في مسجده الشريف لكي يؤدي صلواته بكل الحب والتسامح.. وإذا لم نقدم الدراما التي تجمع العرب ولا تفرقهم وتضعنا في الصورة الإنسانية العالمية مع سائر خلق الله.. وكلهم من أبناء آدم وحواء.. إذا لم نقدم هذا؟ فماذا يقول أهل الدراما الذين انفقوا الملايين علي أعمال في مجملها فارغة وجوفاء.. فهل هي مؤامرة علي العقل العربي؟