شهدت الساحة الصحفية المصرية في السنوات الأخيرة ظاهرة توقف عندها الكثيرون وهي ازدياد أعداد الصحف «الخاصة» التي مالبثت أن حققت نجاحا وانتشارا واسعين حتي استطاعت في سنوات قليلة أن تنافس العديد من الصحف القومية والحزبية بل وتتفوق عليها أحيانا كثيرة في أرقام المبيعات، لكن من وقت لآخر يتجدد السؤال حول التسمية الأدق التي يجب اختيارها عند الحديث عن هذا النمط من الصحف، فهناك عادة ثلاث تسميات وهي صحف «خاصة»، «مستقلة»، «معارضة»،ويتم الخلط بينها واستخدامها أحياناكمترادفات رغم أن لكل وصف معني مختلف، فالتسمية الأولي تعود لنمط الملكية باعتباره نمط ملكية خاصة لأفراد،أما التسمية الثانية فيختارها البعض علي اعتبار أن تلك الصحف مستقلة عن الحكومة والأحزاب، أما الثالثة فيستخدمها الكثيرون علي اعتبار أن تلك الصحف غالباً ما تكون ذات توجهات معارضة للحكومة وسياساتها. في هذا التحقيق نستطلع آراء عدد من الصحفيين وأساتذة الصحافة حول المفهوم الأدق، وكيف يرون هذه التجرية التي يعتبرها البعض مجرد مشروع تجاري واستثماري لبعض رجال الأعمال من ملاك هذه الصحف يستخدمونها أحيانا لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية قد تأتي في الغالب علي حساب الموضوعية والمصداقية. الكاتب الصحفي مصطفي بكري رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع» يؤكد أنه من الأصح أن يطلق علي هذا النوع من الصحف «خاصة» وليست «مستقلة». فالصحافة الخاصة لها منهجها ورؤيتها وقد تحاول الالتزام بالحياد لكن بالتأكيد لكل منها توجه سياسي وأهداف معينة يضعها مالكها والمفترض أن تتيح هذه الصحف الفرصة لعرض كل وجهات النظر مع الوضع في الاعتبار أن هناك خطوطاً حمراء تضعها الصحيفة. فمثلا يرفض الأسبوع أي مقالات تدعو للتطبيع مع إسرائيل أو تهاجم الأديان. ويعرب بكري عن دهشته من القانون رقم 96 لسنة 1996 الذي لايجيز لأي صحفي أن يمتلك صحيفة أو يشارك بأسهم فيها في الوقت الذي يسمح فيه للغرباء عن المهنة بامتلاك صحف خاصة بهم مما دفع بعض الصحفيين لشراء أسهم في صحف خاصة لكن بأسماء زوجاتهم أو أبنائهم لذا يري أنه من الضروري تغيير هذا البند لأنه من غير الجائز حرمان الصحفيين من هذا الحق. ويؤكد بكري أن انتشار ظاهرة الصحف الخاصة المعارضة يرجع لحالة الاحتقان المتزايدة في الشارع المصري، فإذا لجأت الصحف الخاصة لتبني وجهات نظر الحكومة فلن تجد من يقرأها لأن هناك صحفا حكومية مهمتها عرض وجهات نظر السلطة. د. هشام عطية أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة يري أيضا أن الأدق تسميتها بالصحف الخاصة لأن نمط الملكية الخاصة لايعني استقلالا فكريا أو استقلالا في التوجهات وإنما المقصود به عدم التبعية للسلطة الحكومية أو للأحزاب وهما النمطان السائدان منذ ثورة يوليو وحتي ظهور الصحف الخاصة التي انتشرت مؤخرا. ويؤكد أن هذه الصحف لايمكن تسميتها بالمستقلة لأن ذلك يعني عدم تدخل المالك في سياستها التحريرية وهو مالايحدث بل علي العكس فكل الصحف بما فيها الصحف الحكومية والحزبية تحكمها توجهات الجهة المالكة وتلتزم بالسياسة التحريرية التي توضع لها وعلي القارئ ألا يعتقد أن هذه الصحف تعمل لغرض تطوعي وإنما هي تعمل للوصول لأهداف معينة وهو مايفسر تحملها للكثير من الخسائر في سبيل تحقيقها لهذه الأهداف. ويري د. هشام عطية أن السوق الصحفية المصرية تمتلئ بأنماط متعددة من الصحف الخاصة فمنها من يبتعد عن السياسة ويهتم بالنميمة والشائعات وأخبار الفضائح لكن الكثير منها يحاول أن يحقق التوازن من خلال طرح القضايا التي تبتعد عنها الصحف الحكومية. ونظرا لتسارع وتيرة الأزمات في الشارع المصري سارعت الكثير من الصحف الخاصة للترويج لتلك المشكلات والقضايا الشائكة، لكنه يعتقد أن الصحافة الخاصة تقدم معارضة حقيقية بل إن الكثير منها يجيد إمساك العصا من المنتصف بحيث يسعون لجذب القارئ بالقضايا التي تهمه وفي الوقت نفسه يتجنبون الصدام مع السلطة. ويتفق معهما د. محمد الباز مدرس الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ونائب رئيس تحرير جريدة الفجر حيث يري أن الأدق هو تسمية هذه الصحف بالصحف الخاصة بحسب المعيار القانوني الذي يحددها بذلك طبقا لملكيتها. ويؤكد أن أصحاب هذه الصحف هم من أطلقوا عليها الصحافة المستقلة لإضفاء صفة الموضوعية عليها والتأكيد علي عدم انحيازها للحكومة أوالمعارضة، لكنه يعترف بعدم وجود مايسمي بالموضوعية لأنه إذا اعتبرنا أن الصحف الحكومية تعبر عن السياسات الرسمية والصحف الحزبية تعبرعن توجهات أحزابها فإن الصحف الخاصة ولاشك تعبرعن مصالح أصحابها ومعظمهم من رجال الأعمال الذين يحكمهم توجه رأس المال فبعضهم يسعي لعدم إغضاب الحكومة للحفاظ علي مصالحه واستثماراته فيكون من مصلحته استمرار النظام وعدم إغضابه حتي ولو تبنت الصحف الخاصة بهم بعض التوجهات المعارضة لكنها تحرص علي عدم تجاوزها للخطوط الحمراء في حين يسعي البعض الآخر لكسب ثقة المواطن العادي بطرح القضايا الساخنة واتخاذ الخط المعارض لكسب مزيد من الشعبية وغالبا مايأتي ذلك علي حساب الموضوعية والمصداقية. الكاتب الصحفي سعيد شعيب مدير تحرير موقع جريدة اليوم السابع يؤكد هو الآخر أنه لايوجد مايسمي بالصحف المستقلة وإنما هناك صحف خاصة تعبر عن توجهات الأفراد الذين يملكونها وهذا أمر طبيعي لأن فكرة الاستقلالية في الإعلام هي مجرد وهم بالرغم من أنه من المفترض أن دور الصحفي الحقيقي هو أن يتيح المعلومات للقارئ بحيث يترك له حرية اتخاذ أحكامه الخاصة علي تلك القضايا، أما اتخاذ موقف معارض أومتحيز للحكومة فإنه يجعل الصحافة بمثابة إعلان. ويري الكاتب سعيد شعيب أن الموضوعية لاتقدم مكاسب في أغلب الأحيان لذا تلجأ بعض الصحف الخاصة إلي الانحياز لقضايا المعارضة حتي تجذب القارئ الغاضب من الكثير من الأوضاع والذي يبحث عمن يعبر عنه فتستغل الصحف ذلك لتحقق أرباحا، لكنه يعتقد أن هذه الظاهرة بدأت في التراجع مؤخرا والدليل هو هذا الإقبال المتزايد علي الموقع الإلكتروني لليوم السابع رغم كونه موقعاً إخبارياً يبتعد عن الإثارة والمعارضة. أما الكاتب الصحفي عماد الدين حسين مدير تحرير صحيفة الشروق فكان له رأي مختلف حيث رأي أن مصطلح الصحافة المستقلة صحيح حيث يقصد به الصحف غير الحزبية أو غير القومية لكنه قد لايعني بالضرورة أن تكون مستقلة في سياستها فكل صحيفة لها مجموعة من الأهداف والقيم التي يؤمن بها أصحابها. وأكد عماد حسين أنه يفضل مصطلح الصحافة المستقلة وإن كان مصطلح الصحف الخاصة صحيحا عند الحديث عن نمط الملكية وفي النهاية القارئ هو الذي يختار المصطلح الذي يراه معبرا عن سياسة الصحيفة. وحول الاتهامات التي توجه لأغلب الصحف الخاصة الموجودة الآن من تعمدها اتخاذ موقف معارض للسياسات الحكومية نفي أن تكون كل الصحف تأخذ هذا الاتجاه حيث يعتمد ذلك علي سياسة كل صحيفة والتي تحدد منذ بدايتها ماإذا كانت ستنحاز للمعارضة أم ستعمل علي تحقيق الموضوعية في حين قد يكون لبعض ملاك الصحف الخاصة مصالح مع السلطة فيسعون لاسترضائها.