في أسبوع الاحتفالات السنوية بيوم الصحافة العالمي 3 مايو ويوم الصحافة العربية 6 مايو، تساقطت أوراق من شجرة الصحافة العربية، في موسم جفاف التمويل الناجم عن الأزمة المالية العالمية، فأمس الأول توقفت صحيفة «الوقت» أوسع الصحف الخاصة البحرينية انتشارًا بعد عام ونصف العام من الصدور ليكون عددها رقم 1532 هو الأخير بناء علي قرار الجمعية العمومية الطارئة لشركة دار الوقت للإعلام في 8 أكتوبر 2009 بتصفية الشركة بعد فشل خيارات إعادة هيكلة رأس المال والبحث عن شريك استراتيجي للتمويل لزيادة رأس مال الشركة. وقالت الصحيفة في رسالة بصدر صفحتها الأولي الاثنين الماضي تحت عنوان «أيها القراء.. شكرًا ووداعًا»: لسنا أول صحيفة ولسنا آخر صحيفة تتوقف عن الصدور، حاولنا ألا نكون صحيفة حزب أو صحيفة تكتل مصالح أو صحيفة حكومية أو صحيفة طوائف أو مذاهب أو اثنيات، حاولنا أن تكون لدينا استقلاليتنا وتحملنا عبء غضب العيون الحمراء أولئك الذين فرضوا علينا حصارًا إعلانيًا وإعلاميًا، حاولنا احترام حقوق جميع الناس في التعبير السلمي عن آرائهم وفتحنا صفحات الجريدة لكل الآراء بالمساواة والتسامح، احترمنا الشرعية السياسية والحق في المعرفة، نادينا بالمواطنة ورفضنا الطائفية بكل صورها ومستوياتها وساهمنا في دعم المشروع الإصلاحي. وأضافت الصحيفة: لكن لا أحد يبدو في هذا البلد أو الوطن يريد أن تستمر جريدة مستقلة مهنية.. صار شعار كل من يحمل راية الوطن إما أن تكون معنا أو ضدنا الكل يريدك أن تصطف معه في خندقه، ولا يريد أحد في هذا المفصل التاريخي أن تصطف مع الوطن والناس المغلوبين علي أمرهم.. نقول شكرًا لكل أولئك الذين عملوا في تأسيس هذه الجريدة من غادر منهم ومن بقي لآخر لحظة رغم كل تلك الظروف المالية الصعبة... وأضافت الصحيفة: كنا نأمل أن تستمر الصحيفة رغم إجراءات التقشف لكن صحفاً عالمية كبري لم تصمد فمنها من أغلق ومنها من سرح عددا كبيرا من العمالة وإذا كان هذا ما حدث في الدول الكبيرة والعريقة والغنية فما بالك بما تواجهه صحافة البحرين ذات سوق التوزيع الصغير وسوق الإعلان المحدود الذي تتنافس عليه 9 صحف يومية فلا تتجاوز مساحة الإعلان 8% من عدد الصفحات بثماني دول مجاورة تصل إلي 68%. توقف «الوقت» دفع جمعية الصحفيين البحرينية إلي البحث عن حقوق الصحفيين ودراسة مستقبل الصحافة الورقية، فيما أعلن الاثنين الماضي صدور آخر عدد لصحيفة «آوان» الكويتية اليومية بعد تعرضها لأزمة اقتصادية حادة ليكون عددها رقم 886 هو الأخير.. وأرجع عمرو الرميحي رئيس تحرير الصحيفة قرار إدارتها بالتوقف إلي ضعف التمويل في مقال حمل عنوان «وقفة وداع»، مضيفًا: حاولنا في الفترة الماضية أن نقدم عملاً إعلاميًا مهنيًا ومتوازنًا لخدمة شعبنا ومصالحه واليوم لا ضرر ولا ضرار.. موجهًا الشكر للقراء وهيئة التحرير. وكانت صحيفة «الصوت» الكويتية قد قررت التوقف عن الصدور في فبراير الماضي بعد ثلاثة أشهر فقط من صدورها. يأتي ذلك في الوقت الذي خلص فيه تقرير نادي دبي للصحافة بعنوان نظرة علي الإعلام الغربي «2009 - 2013» إلي أن قطاع الإعلام المطبوع في الوطن العربي نجح في تجاوز عاصفة الأزمة المالية العالمية مقارنة بأسواق أخري.. وبحسب التقرير فإن مبيعات الصحافة العربية في ازدياد إضافة إلي ازدياد عدد العناوين بإصدار صحف جديدة. التناقض يطرح سؤالا حول ارتباط الصحف الخاصة بجهات التمويل وخدمة أجنداتها.. ففي مصر توقفت صحيفة «البديل» رغم مهنيتها بسبب ضعف التمويل في حين تستمر صحف أخري خاصة وهو ذات السوق، وفي البحرين قالتها صحيفة «الوقت» صريحة أن رفض انحيازها لأصحاب المصالح والوقوف في خندق بعينه كان سببا في خنقها إعلانيا! هشام قاسم الخبير في قطاع النشر الصحفي ومستشار رابطة الصحف العالمية يري أن الصحافة في الخليج عموما تتطلب ارتباطا بالسلطة وعندها تكفي الصفحات الإعلانية الممنوحة، في عزاء أمير أو تهنئته لتوفير ميزانية التشغيل لمدة عام، فالصحافة في تلك الدول قائمة علي الانحيازات السياسية، مضيفا: لا ننكر أن الصحف غير المرضي عنها يتم التضييق عليها في الإعلان لكن في نفس الوقت لا يمكن إغفال أن صحفا عديدة تصدر بدون دراسات جدوي وبدون هيكلة مالية علمية، لافتا إلي أن جريدة «البديل» المصرية صدرت لمدة 17 شهرا بدون إدارة إعلانات. وأضاف قاسم: المؤسف أن الصحف التي تصدر مصحوبة بعيوب الإدارة عندما تفشل تزعم أن استقلاليتها ورفضها الدخول في تحالفات هو سبب فشلها دون الاعتراف بأخطائها الإدارية، مشيرا إلي أن «آوان» لم تكن لها سياسة واضحة كما أن «البديل» عندما بدأت في تأسيس قسم للإعلانات تدخلت التوجهات السياسية في عمل المختصين لتسييس الإعلان ذاته. وحول التناقض ما بين توقف صحف خاصة عالميا وتزايد الإصدارات الخاصة في مصر قال قاسم: إن سوق الصحف العالمية شهدت زيادة في نسبة التوزيع عام 2009 بنسبة 1.5% في حين تراجع التوزيع في أوروبا وأمريكا بنسبة 6% وفي آسيا شهدت زيادة 15% والمنطقة العربية مرشحة لزيادة التوزيع بما فيها مصر التي لا يتجاوز توزيع إجمالي الصحف مليون نسخة أي مليون قارئ من 80 مليون مواطن. وحول علاقة الصحافة الخاصة بمصالح الملاك شدد علي أن المؤسسات الصحفية الخاصة في مصر ما هي إلا مجرد ملكية فردية وعائلية وليست شركات مساهمة وبالتالي المالك يأتي بمن «يسمع الكلام» وينفذ ما يريده من سياسات تحريرية ترتبط بمصالحه أو توجهاته ورؤيته ولذلك نشهد انقلابات في توجه الصحيفة الواحدة بنسبة 180 درجة، محذرا من تقلص دور الدولة في التأثير الإعلامي في ظل الملكيات الفردية، رافضا أن يبرر الفشل الإداري لصناعة الصحف بأن الصحيفة ليس مرضيا عنها، معتبرا أن صناعة الصحافة تعد من أبرز المشاريع الاستثمارية ربحية في المستقبل القريب، رافضا القول بأن زيادة مستخدمي الانترنت سيؤثر علي الصحافة المطبوعة كون المجتمعات العربية تشهد انحسارا في أعداد الأميين.